تفسير الجزء 17 من القرآن الكريم

  1. أجزاء القرآن الكريم
  2. الجزء السابع عشر
17
سورة الأنبياء
سورة الحجّ

سورة الأنبياء - مكية - عدد الآيات: 112

21

﴿اقۡتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمۡ وَهُمۡ فِي غَفۡلَةٖ مُّعۡرِضُونَ﴾ [الأنبياء:1]


اقترَبَ يَومُ الحِساب، ووَزنُ الأعمال، والنَّاسُ في غَفلَةٍ عَظيمَةٍ، لا يَتفَكَّرونَ في مَآلِهم، ولا يَعمَلونَ له.

﴿مَا يَأۡتِيهِم مِّن ذِكۡرٖ مِّن رَّبِّهِم مُّحۡدَثٍ إِلَّا اسۡتَمَعُوهُ وَهُمۡ يَلۡعَبُونَ﴾ [الأنبياء:2]


ما يَنزِلُ إليهمْ أمرٌ جَديدٌ مِنَ القُرآنِ فيهِ تَذكيرٌ وإنذَار، إلاّ استَمَعوهُ بنُفوسٍ لا مُبالِية، لاهِينَ مُستَهزئين، غيرَ جادِّينَ ولا مُتدَبِّرين، لا يَعتَبِرونَ ولا يتَّعِظون.

﴿لَاهِيَةٗ قُلُوبُهُمۡۗ وَأَسَرُّواْ النَّجۡوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلۡ هَٰذَآ إِلَّا بَشَرٞ مِّثۡلُكُمۡۖ أَفَتَأۡتُونَ السِّحۡرَ وَأَنتُمۡ تُبۡصِرُونَ﴾ [الأنبياء:3]


قُلوبُهمْ ذاهِلَةٌ غافِلَة. وقالَ المشرِكونَ فيما بينَهمْ خُفيَة: ما هذا الرَّجُلُ الذي يدَّعي النبوَّةَ إلاّ بشَرٌ مِثلُكم، والذي أتَى بهِ سِحر، أفتتَّبِعونَهُ وأنتُمْ تَعلَمونَ أنَّ ما جاءَ بهِ سِحْر؟

﴿قَالَ رَبِّي يَعۡلَمُ الۡقَوۡلَ فِي السَّمَآءِ وَالۡأَرۡضِۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الۡعَلِيمُ﴾ [الأنبياء:4]


قالَ الرَّسولُ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلام: إنَّ اللهَ يَعلَمُ ما يُقالُ في السَّماواتِ والأرْض، خُفيَةً كانَ أو جَهرًا، فهوَ سَميعٌ لأقوالِكم، عَليمٌ بأحْوالِكمْ وأفعَالِكم.

﴿بَلۡ قَالُوٓاْ أَضۡغَٰثُ أَحۡلَٰمِۭ بَلِ افۡتَرَىٰهُ بَلۡ هُوَ شَاعِرٞ فَلۡيَأۡتِنَا بِـَٔايَةٖ كَمَآ أُرۡسِلَ الۡأَوَّلُونَ﴾ [الأنبياء:5]


بلْ قالَ مُشرِكون: ما هذا القُرآنُ الذي يَدَّعي محمَّدٌ أنَّهُ يُوحَى إليهِ سِوَى تَخليطِ أحْلام. وقالَ بَعضُهم: بلْ هوَ كَذِبٌ، يَدَّعي أنَّهُ مِنْ عندِ اللهِ وما هوَ إلاّ منْ تأليفِه. وقالَ آخَرونَ منهم: بلْ هوَ شاعِر، وما يَتلُوهُ شِعرٌ وليسَ قُرآنًا موحًى به! فَليُنزِلْ عَلَينا مُعجِزَةً كما جرَى معَ الرُّسُلِ السَّابقِين، إنْ كانَ نَبيًّا حَقًّا!

﴿مَآ ءَامَنَتۡ قَبۡلَهُم مِّن قَرۡيَةٍ أَهۡلَكۡنَٰهَآۖ أَفَهُمۡ يُؤۡمِنُونَ﴾ [الأنبياء:6]


ما آمنَ أهلُ القُرَى الذينَ أهلَكناهُمْ بالآياتِ التي اقتَرَحوها على أنبِيائهم، أفيُؤمِنُ بها مُشرِكو مكَّةَ إذا جاءَتْهم؟

﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا قَبۡلَكَ إِلَّا رِجَالٗا نُّوحِيٓ إِلَيۡهِمۡۖ فَسۡـَٔلُوٓاْ أَهۡلَ الذِّكۡرِ إِن كُنتُمۡ لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [الأنبياء:7]


وإنَّ جَميعَ مَنْ أرسَلنا قَبلَكَ مِنَ الرُّسُلِ كانوا رِجالاً، منْ جنسِ البشَر، نُوحي إليهمْ كما نُوحي إليك، وما كانَ أحَدٌ منهمْ مِنَ المَلائكة، فاسْألوا أهلَ العِلمِ الصَّادِقينَ مِنَ الأديانِ السَّابِقَة: هلْ كانَ الرُّسُلُ الذينُ بُعِثوا إلَيهمْ مِنَ البشَرِ أمْ لا؟ فإنَّهمْ سيُقِرُّونَ بذلكَ ولا يُنكِرون.

﴿وَمَا جَعَلۡنَٰهُمۡ جَسَدٗا لَّا يَأۡكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُواْ خَٰلِدِينَ﴾ [الأنبياء:8]


وما جعَلنا الرُّسُلَ أجسَادًا مُستَغنينَ عنِ الطَّعام، بلْ همْ مثلُ النَّاسِ يأكُلونَ ويَشرَبون، ولا يَضرُّ هذا بنبوَّتِهم. وما همْ بمُعَمَّرينَ على الدَّوام، بلْ يَموتون.

﴿ثُمَّ صَدَقۡنَٰهُمُ الۡوَعۡدَ فَأَنجَيۡنَٰهُمۡ وَمَن نَّشَآءُ وَأَهۡلَكۡنَا الۡمُسۡرِفِينَ﴾ [الأنبياء:9]


ثمَّ صَدَقنَا الأنبِياءَ ما وَعَدناهُمْ بهِ مِنَ النَّصر، فنجَّيناهمْ ومَنْ آمَنَ معَهمْ منْ بأسِ أعدائهمْ وكَيدِهم، وأهلَكنا المُكَذِّبين. فاحذَروا ولا تُكَذِّبوا نبيَّكمْ ولا تُخالِفوه.

﴿لَقَدۡ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكُمۡ كِتَٰبٗا فِيهِ ذِكۡرُكُمۡۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ﴾ [الأنبياء:10]


لقدْ أنزَلنا إلَيكمْ كِتابًا عَظيمَ الشَّأن، كثيرَ النَّفع، فيهِ عِزُّكمْ وشرَفُكمْ لو أنَّكمُ اتَّبَعتُموه، هو القرآنُ الكريم، أفلا تتَفَكَّرونَ في ذلك، وتُقَدِّرونَ هذهِ النِّعمَةَ الجَليلَة؟

﴿وَكَمۡ قَصَمۡنَا مِن قَرۡيَةٖ كَانَتۡ ظَالِمَةٗ وَأَنشَأۡنَا بَعۡدَهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ﴾ [الأنبياء:11]


وكمْ أهلَكنا مِنْ أهلِ القُرَى الذينَ كذَّبوا رسُلَهم، واستأصَلناهُمْ فلم نُبْقِ منهمْ أحَدًا، وأتَينا بقَومٍ آخَرينَ ليسُوا منهم، أفلا تَعتَبِرون؟

﴿فَلَمَّآ أَحَسُّواْ بَأۡسَنَآ إِذَا هُم مِّنۡهَا يَرۡكُضُونَ﴾ [الأنبياء:12]


ولمَّا شعرَ أهلُ القُرَى بعَذابِ الله، وتيَقَّنوا أنَّهُ نازِلٌ بهم، إذا هُمْ يَفزَعونَ ويَفِرُّونَ منْ قُراهُمْ لئلاّ يَلحَقَهمُ العَذاب!

﴿لَا تَرۡكُضُواْ وَارۡجِعُوٓاْ إِلَىٰ مَآ أُتۡرِفۡتُمۡ فِيهِ وَمَسَٰكِنِكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تُسۡـَٔلُونَ﴾ [الأنبياء:13]


لا تَهرُبوا أيُّها المُكّذِّبونَ المُعانِدون، وارجِعوا إلى قُراكُمْ لتَقضُوا بقيَّةَ أعمارِكمْ فيما كنتُمْ تَنعَمونَ فيهِ مِنْ عَيشٍ هَنيء، ومَساكِنَ طَيِّبَة - استِهزاءً بهم - لعلَّكمْ تُقْصَدونَ مرَّةً أخرَى، وتُسألونَ عنْ أموالِكمْ وعَبيدِكم، وخَدَمِكمْ وعُمَّالِكم، وقُراكُمْ ومَشاريعِكم، ماذا تَفعَلونَ بها ، وما الذي تَذَرونَ منها؟

﴿قَالُواْ يَٰوَيۡلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ﴾ [الأنبياء:14]


ولمَّا عَلِموا أنَّ الهَلاكَ أحاطَ بهم، وأنْ لا مفَرَّ لهمْ منه، قالوا حينَ لا يَنفَعُهمُ النَّدَم: يا هلاكَنا ويا حَسرَتَنا، لقدْ كُنَّا مُستَحِقِّينَ للعَذابِ بتَكذيبِنا آياتِ اللهِ ورسُلَه.

﴿فَمَا زَالَت تِّلۡكَ دَعۡوَىٰهُمۡ حَتَّىٰ جَعَلۡنَٰهُمۡ حَصِيدًا خَٰمِدِينَ﴾ [الأنبياء:15]


وما زالوا يُرَدِّدونَ تلكَ المَقولَة، مُعتَرِفينَ بظُلمِهم، حتَّى حصَدناهُمْ كالزَّرع، واستأصَلناهُمْ عنْ آخِرِهم، ولم نُبْقِ فيهمْ حرَكَةً ولا صَوتًا.

﴿وَمَا خَلَقۡنَا السَّمَآءَ وَالۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا لَٰعِبِينَ﴾ [الأنبياء:16]


وما خلَقنا السَّماءَ وما فيها، والأرضَ ومَنْ عليها، وما بينَهما، لَهوًا وعبَثًا، بدونِ حِكمَةٍ وفائدَة.

﴿لَوۡ أَرَدۡنَآ أَن نَّتَّخِذَ لَهۡوٗا لَّاتَّخَذۡنَٰهُ مِن لَّدُنَّآ إِن كُنَّا فَٰعِلِينَ﴾ [الأنبياء:17]


لو أرَدنا أنْ نَجعَلَ لَهوًا لأنفُسِنا، لجَعَلناهُ شَيئًا إلهيًّا يُناسِبُنا، غَيرَ حادِثٍ ولا فانٍ، ولكنْ لم نُرِدْ ذلك، فلا يَكون.

﴿بَلۡ نَقۡذِفُ بِالۡحَقِّ عَلَى الۡبَٰطِلِ فَيَدۡمَغُهُۥ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٞۚ وَلَكُمُ الۡوَيۡلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ [الأنبياء:18]


فليسَ مِنْ شَأنِنا اللَّهو، بلْ شأنُنا أنْ نُبَيِّنَ الحقَّ ونَغلِبَهُ على الباطِل، فيَمحَقُه، فإذا هوَ ذاهِبٌ مُضمَحِلّ، ولكمُ الهَلاكُ والعَذابُ أيُّها المشرِكون، ممّا تَصِفونَ بهِ الله، وتَكذِبونَ عَليه.

﴿وَلَهُۥ مَن فِي السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِۚ وَمَنۡ عِندَهُۥ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِهِۦ وَلَا يَسۡتَحۡسِرُونَ﴾ [الأنبياء:19]


ولهُ جَميعُ مَنْ في السَّماواتِ والأرضِ مِنْ مَخلوقات، مُلْكًا وتَدبيرًا وتصَرُّفًا، ومَنْ عندَهُ مِنَ الملائكةِ لا يَتعالَونَ عنْ عِبادَتِهِ وطاعَتِه، ولا يَتعَبونَ ولا يَمَلُّونَ منها.

﴿يُسَبِّحُونَ الَّيۡلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفۡتُرُونَ﴾ [الأنبياء:20]


يُقَدِّسونَ اللهَ ويُنَزِّهونَهُ باستِمرار، لَيلًا ونَهارًا، لا يَكِلُّونَ ولا يَضعُفون.

﴿أَمِ اتَّخَذُوٓاْ ءَالِهَةٗ مِّنَ الۡأَرۡضِ هُمۡ يُنشِرُونَ﴾ [الأنبياء:21]


أمْ أنَّ المشرِكينَ جعَلوا لأنفُسِهمْ آلِهةً مِنَ الأرض، مِنْ حِجارَةٍ ومَعادِنَ وأخشَاب، فهيَ تُحيي المَوتَى وتَبعَثُهمْ مِنْ قُبورِهم؟ إنَّها لا تَقدِرُ على شَيءٍ مِنْ ذلك، فكيفَ جعَلوها آلِهَةً وعبَدوها؟!

﴿لَوۡ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَاۚ فَسُبۡحَٰنَ اللَّهِ رَبِّ الۡعَرۡشِ عَمَّا يَصِفُونَ﴾ [الأنبياء:22]


لو كانَ في السَّماءِ والأرضِ أكثَرُ مِنْ إلهٍ لخَرِبتا ودُمِّرتَا؛ لتَعَدُّدِ الإراداتِ والأوامِر، فهذا يتَصرَّفُ بشَيء، وذاكَ يُدَبِّرُ أمرًا آخَر، فتتقاتَلُ وتتذابَحُ الآلِهَةُ كما هوَ شَأنُ المُلوكِ في الأرْض، فتَخرِبُ الدُّنيا. وما دامَ أمرُ السَّماواتِ والأرْضِ ثابِتًا، وعلى دِقَّةٍ ونِظامٍ واحِدٍ مُتكامِل، فهذا يَعني أنَّهُ لا توجَدُ عِدَّةُ آلهَة، بلْ إلهٌ واحِدٌ يُدَبِّرُ الكَونَ كُلَّه، ويَتصَرَّفُ فيهِ وحدَه.

فتعالَى اللهُ رَبُّ العَرشِ العَظيمِ وتقَدَّسَ عمّا يتفَوَّهُ بهِ هؤلاءِ المشرِكون، ويَدَّعونَ لهُ الولَدَ والشَّريك.

﴿لَا يُسۡـَٔلُ عَمَّا يَفۡعَلُ وَهُمۡ يُسۡـَٔلُونَ﴾ [الأنبياء:23]


وهوَ سُبحانَهُ الحاكِمُ المُطلَق، الحَكيمُ الذي لا يُخطِئ، العَدْلُ الذي لا يَظلِم، فلا يُناقَشُ ولا يُعتَرَضُ عَليه، والخَلقُ همُ الذينَ يَسألُهمُ اللهُ عمَّا يَفعَلون، لأنَّهمْ مَملوكُونَ ومُكَلَّفونَ بما أمرَهمْ بهِ رَبُّهم، ومُحاسَبونَ على ما قَدَّموا مِنْ أعمال.

﴿أَمِ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِۦٓ ءَالِهَةٗۖ قُلۡ هَاتُواْ بُرۡهَٰنَكُمۡۖ هَٰذَا ذِكۡرُ مَن مَّعِيَ وَذِكۡرُ مَن قَبۡلِيۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ الۡحَقَّۖ فَهُم مُّعۡرِضُونَ﴾ [الأنبياء:24]


بلْ إنَّ المشرِكينَ اتَّخَذوا لأنفُسِهمْ آلِهَةً يَعبدُونَها مِنْ دونِ الله. قُلْ لهمْ أيُّها الرسُول: هاتُوا دَليلًا على صِحَّةِ دَعواكُمْ بأنَّ هذهِ الحِجارَةَ والأخشابَ آلِهةٌ حقًّا. وهذا كِتابُ رَبِّي الذي أنزلَهُ عَليّ، وهُناكَ الكتُبُ المُنزَلَةُ على الأنبياءِ مِنْ قَبلي، وكُلُّها على نَقيضِ ما تَقولونَ وتَزعُمون. بلْ أكثرُهمْ جاهِلونَ لا يُفَرِّقونَ بينَ الحقِّ والباطِل، فهمْ مُستَمِرُّونَ في الإعراضِ عنِ الحَقّ، والتَّكذيبِ بالرَّسُول.

﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِيٓ إِلَيۡهِ أَنَّهُۥ لَآ إِلَٰهَ إِلَّآ أَنَا۠ فَاعۡبُدُونِ﴾ [الأنبياء:25]


وما أرسَلنا قَبلَكَ مِنْ رَسُولٍ إلاّ وأمَرناهُ بالدَّعوَةِ إلى عِبادَةِ اللهِ وحدَهُ لا شَريكَ له، فاعبُدوني وَحدي ولا تُشرِكوا مَعي أحَدًا.

﴿وَقَالُواْ اتَّخَذَ الرَّحۡمَٰنُ وَلَدٗاۗ سُبۡحَٰنَهُۥۚ بَلۡ عِبَادٞ مُّكۡرَمُونَ﴾ [الأنبياء:26]


وقالَ فَريقٌ مِنَ العَربِ المشرِكين: الملائكةُ بَناتُ الله! تَعالَى اللهُ عنْ ذلكَ وتقَدَّس، ما همْ إلاّ عِبادٌ خلقَهمُ الله مثلَ غَيرِهم، وهمْ مُقَرَّبونَ عندَهُ مُكرَمون.

﴿لَا يَسۡبِقُونَهُۥ بِالۡقَوۡلِ وَهُم بِأَمۡرِهِۦ يَعۡمَلُونَ﴾ [الأنبياء:27]


لا يتقَدَّمونَ على رَبِّهمْ بقَولٍ أو عمَل، بلْ همْ مأمُورونَ مُطيعون، يُنَفِّذونَ ما يُؤمَرونَ به.

﴿يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يَشۡفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارۡتَضَىٰ وَهُم مِّنۡ خَشۡيَتِهِۦ مُشۡفِقُونَ﴾ [الأنبياء:28]


وعِلمُهُ تعالَى مُحيطٌ بهمْ وبأحْوالِهم، لا يَخفَى عَليهِ خافِيَةٌ ممّا عَمِلوا وممّا يَعمَلون، ولا يَطلبونَ الشَّفاعَةَ إلاّ لمَنْ رَضيَ اللهُ أنْ يَشفَعوا له، ولا يَكونونَ إلاّ منْ أهلِ لا إلهَ إلاّ الله. وهمْ وَجِلونَ خَوفًا ورهبَةً منهُ تَعالَى.

﴿۞وَمَن يَقُلۡ مِنۡهُمۡ إِنِّيٓ إِلَٰهٞ مِّن دُونِهِۦ فَذَٰلِكَ نَجۡزِيهِ جَهَنَّمَۚ كَذَٰلِكَ نَجۡزِي الظَّـٰلِمِينَ﴾ [الأنبياء:29]


ومَنْ يَقُلْ مِنَ المَلائكةِ إنَّهُ إلهٌ مِنْ دونِ الله، فهذا جَزاؤهُ جهنَّم، كسائرِ المشرِكينَ المُجرِمين، الذينَ يَلقَونَ ذلكَ المَصير.

وهذا على سَبيلِ الافتِراض، وهوَ رَدٌّ على المشرِكينَ وتَبكيتٌ لهمْ فيما يَدَّعون.

﴿أَوَلَمۡ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضَ كَانَتَا رَتۡقٗا فَفَتَقۡنَٰهُمَاۖ وَجَعَلۡنَا مِنَ الۡمَآءِ كُلَّ شَيۡءٍ حَيٍّۚ أَفَلَا يُؤۡمِنُونَ﴾ [الأنبياء:30]


ألا يَتدَبَّرُ هؤلاءِ الكافِرونَ في آياتِ اللهِ الكونيَّة، ويتمَعَّنونَ في خَلقِ السَّماواتِ العَظيمَةِ المَنيعَة، وفي الأرضِ وما فيها ومَنْ عَليها، وقدْ كانتا أوَّلاً مُلتَحِمتَينِ مُلتَزِقتَينِ، فشَقَقْناهُما وفَصَلنا بَعضَهما عنْ بَعض؟

وخَلقنا مِنَ الماءِ كُلَّ ذي حَياة، فهوَ أصلُ كُلِّ حَيّ، وهوَ أعظَمُ مَوادِّه، وأكثَرُ ما يُحتاجُ إليهِ ويُنتَفَعُ به. أفلا يَعلَمونَ ذلكَ ويَتدَبَّرونَهُ ليؤمِنوا ويَهتَدوا؟

ويَقولُ العُلماء: إنَّ جَميعَ الكائناتِ الحَيَّةِ مُكوَّنَةٌ مِنْ 80% منَ الماء، وإنَّ جِسمَ الإنسانِ 70% منهُ ماء، ولا يَقدِرُ على العيشِ أكثرَ مِنْ أربَعَةِ أيَّامٍ بدونِ ماء.

وذكرَ رَئيسُ مَعهَدِ هادو للبُحوثِ العلميَّةِ في طوكيو في مؤتَمرٍ عِلميّ، أنَّ للمَاءِ ذاكِرَةً، وأنَّهُ صُورَةٌ مِنْ صُوَرِ الطَّاقَةِ الكامِنَة، التي تُمَكِّنُهُ مِنَ السَّمعِ والرُّؤيَةِ والشُّعورِ والانفِعال، واختِزانِ المَعلوماتِ ونَقلِها والتأثُّرِ بها، إلى جَانبِ تأثيرِها في تَقويَةِ مناعَةِ الإنسان، ورُبَّما عِلاجِهِ أيضًا مِنَ الأمراضِ العُضْويَّةِ والنفسيَّة.