تفسير سورة طه

  1. سور القرآن الكريم
  2. طه
20

﴿خَٰلِدِينَ فِيهِۖ وَسَآءَ لَهُمۡ يَوۡمَ الۡقِيَٰمَةِ حِمۡلٗا﴾ [طه:101]


ماكثينَ في العَذابِ أبدًا، وبئسَ هذا الحِملُ الذي حمَلوهُ وجَرَّهمْ إلى النَّار، وهوَ الكفرُ بالقُرآن.

﴿يَوۡمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِۚ وَنَحۡشُرُ الۡمُجۡرِمِينَ يَوۡمَئِذٖ زُرۡقٗا﴾ [طه:102]


واذكُرْ ذلكَ اليَومَ الذي يَنفُخُ فيهِ إسرافيلُ في الصُّور - وهو قَرْنٌ -، ونَحشُرُ الكافِرينَ يَومَئذٍ زُرقَ العُيون، سُودَ الوجُوه.

﴿يَتَخَٰفَتُونَ بَيۡنَهُمۡ إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا عَشۡرٗا﴾ [طه:103]


وهمْ يَتكلَّمونَ خِفيَة، ويَقولُ بَعضُهمْ لبَعض: إنَّكمْ بَقيتُمْ في الدُّنيا عَشَرَةَ أيّام.

﴿نَّحۡنُ أَعۡلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذۡ يَقُولُ أَمۡثَلُهُمۡ طَرِيقَةً إِن لَّبِثۡتُمۡ إِلَّا يَوۡمٗا﴾ [طه:104]


ونحنُ مُطَّلِعونَ على ما يَقولونَ في مُدَّةِ لَبْثِهمْ بها، بلْ يَقولُ أعدَلُهمْ رأيًا وأكمَلُهمْ عَقلاً: لم تَلبَثوا سِوى يَومٍ واحِد!

قالوا ذلكَ لسُرعَةِ انقِضائها، أو لِما فوجِئوا بهِ مِنْ أهوالِ يَومِ القِيامَة، التي يَشِيبُ لها الوِلْدان.

﴿وَيَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ الۡجِبَالِ فَقُلۡ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسۡفٗا﴾ [طه:105]


ويَسألُكَ النَّاسُ عنْ مَصيرِ الجِبالِ الرَّاسِياتِ في يَومِ القِيامَة، فقُلْ لهم: إنَّ اللهَ يُزيلُها كُلَّها مِنْ أماكنِها، ويَمحَقُها حتَّى يَجعلَها كالرَّمل، وتَصيرَ هَباءً مَنثورًا.

﴿فَيَذَرُهَا قَاعٗا صَفۡصَفٗا﴾ [طه:106]


ويُبقي الأرضَ سَطحًا مُستَويًا أملسَ.

﴿لَّا تَرَىٰ فِيهَا عِوَجٗا وَلَآ أَمۡتٗا﴾ [طه:107]


لا ترَى فيها يَومَئذٍ مَيلاً ولا أثَرًا، ولا مُنخَفَضًا ولا مُرتَفَعًا.

﴿يَوۡمَئِذٖ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُۥۖ وَخَشَعَتِ الۡأَصۡوَاتُ لِلرَّحۡمَٰنِ فَلَا تَسۡمَعُ إِلَّا هَمۡسٗا﴾ [طه:108]


في ذلكَ اليَومِ يَستَجيبُ النّاسُ مُسارِعينَ إلى داعي الله، وهوَ إسرافيل، النَّافِخُ في الصُّور، لا يَميلونَ ولا يَعدِلونَ عَنه، وخَفِيَتِ الأصواتُ وسَكتَ أصحابُها مَهابَةً مِنَ اللهِ ورَهبَةً مِنْ أهوالِ يَومِ القِيامَة، فلا تَسمَعُ سِوَى أصواتٍ خافِتَةٍ ووَقْعِ أقدَام.

﴿يَوۡمَئِذٖ لَّا تَنفَعُ الشَّفَٰعَةُ إِلَّا مَنۡ أَذِنَ لَهُ الرَّحۡمَٰنُ وَرَضِيَ لَهُۥ قَوۡلٗا﴾ [طه:109]


في ذلكَ اليَومِ الرَّهيب، لا تَنفَعُ شَفاعَةُ أحَدٍ لأحَد، إلاّ إذا أَذِنَ اللهُ لهُ ورَضيَ بشَفاعَتِهِ ومَقولَتِه، وكانَ مؤمِنًا.

﴿يَعۡلَمُ مَا بَيۡنَ أَيۡدِيهِمۡ وَمَا خَلۡفَهُمۡ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِۦ عِلۡمٗا﴾ [طه:110]


واللهُ سُبحانَهُ مُحيطٌ بعمَلِ هؤلاءِ المَحشورِينَ جَميعًا، ما أسَرُّوا وما أخفَوا، وما عَمِلوا مِنْ حَسَناتٍ وسَيِّئات، على الرَّغمِ مِنْ كثرَتِهمْ وكثرَةِ ما عَمِلوا، وهُمْ غَيرُ مُطَّلِعينَ على عِلمِ اللهِ وغَيبِه.

﴿۞وَعَنَتِ الۡوُجُوهُ لِلۡحَيِّ الۡقَيُّومِۖ وَقَدۡ خَابَ مَنۡ حَمَلَ ظُلۡمٗا﴾ [طه:111]


وقدْ خضَعَتِ النُّفوسُ وذَلَّتِ الوجُوه، واستَسلَمَتْ للحَيِّ الذي لا يَموت، القائمِ على حِفظِ كُلِّ شَيءٍ وتَدبيرِه، فلا قُوَامَ ولا حياةَ إلاّ به، وقدْ خَسِرَ في هذا اليَومِ مَنْ أشرَكَ باللهِ ولم يَتَّخِذْ عندَهُ عَهدًا.

﴿وَمَن يَعۡمَلۡ مِنَ الصَّـٰلِحَٰتِ وَهُوَ مُؤۡمِنٞ فَلَا يَخَافُ ظُلۡمٗا وَلَا هَضۡمٗا﴾ [طه:112]


ومَنْ يُطِعِ الله، ويَعمَلِ الأعمالَ الحسَنَة، وهوَ مؤمِن، صادِقٌ في إيمانِه - والإيمانُ شَرطٌ مَبدَئيٌّ وأساسيٌّ لقَبولِ أيِّ عمَل - فسَوفَ يُجزَى علَيها خَيرَ الجَزاء، لا يُزادُ في سَيِّئاتِه، ولا يُنقَصُ مِنْ حسَناتِه، فلا يُمنَعُ ثَوابًا يَستَحِقُّه، بلْ يُضاعَفُ لهُ الثَّوابُ أضعافًا.

﴿وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَٰهُ قُرۡءَانًا عَرَبِيّٗا وَصَرَّفۡنَا فِيهِ مِنَ الۡوَعِيدِ لَعَلَّهُمۡ يَتَّقُونَ أَوۡ يُحۡدِثُ لَهُمۡ ذِكۡرٗا﴾ [طه:113]


ومثلَما أنزَلنا آياتٍ فيها القَصَصُ والوَعيدُ مِنْ يَومِ الجَزاء، كذلكَ أنزَلنا هذا القُرآنَ كلَّه، ليُبَشِّرَ المؤمِنينَ بالثَّواب، ويُنذِرَ الكافِرينَ بالعِقاب، بلُغَةٍ عَربيَّةٍ بَيِّنَةٍ واضِحَة، وكرَّرْنا فيهِ آياتِ الوَعيدِ والإنذار، بأسَاليبَ مُختَلِفَة، لعلَّهمْ يَحذَرونَ ويَبتَعِدونَ مِنَ الكُفرِ والمَعاصي، أو أنْ يُوجِدَ ذلكَ عندَهمْ طاعَةً وقَبولاً، فيؤمِنوا.

﴿فَتَعَٰلَى اللَّهُ الۡمَلِكُ الۡحَقُّۗ وَلَا تَعۡجَلۡ بِالۡقُرۡءَانِ مِن قَبۡلِ أَن يُقۡضَىٰٓ إِلَيۡكَ وَحۡيُهُۥۖ وَقُل رَّبِّ زِدۡنِي عِلۡمٗا﴾ [طه:114]


فتَعالَى اللهُ وتقَدَّس، مالِكُ كُلِّ شَيءٍ والمُتصَرِّفُ فيه، الحَقُّ في ذاتِهِ وصِفاتِه، وكلُّ شَيءٍ منهُ حَقٌّ وعَدْل.

وإذا أنزَلنا عَليكَ القُرآنَ - أيُّها النبيُّ - فلا تَعجَلْ بقِراءَتِه، لا تُرَدِّدْهُ قَبلَ أنْ يُنهيَهُ جِبريلُ عليهِ السَّلام، لئلاّ يَشُقَّ ذلكَ عَليك، بلْ أنصِتْ، وقُل: {رَبِّ زِدْنِي عِلْماً}.

وكانَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ إذا جاءَهُ جِبريلُ بالوَحي، يَقولُ كُلَّ آيَةٍ معَه، خَشيَةَ أنْ يَصعدَ ولم يَحفَظْه، فأُرشِدَ إلى ما هوَ أَهمُّ وأنفَع، وهوَ الإنصَات، وطلَبُ زيادَةِ العِلمِ النَّافِعِ مِنَ الله. أمَّا الحِفظُ فسيَجمَعُهُ اللهُ لهُ في صَدرِهِ {لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ . إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ} [سورة القيامة: 16، 17].

﴿وَلَقَدۡ عَهِدۡنَآ إِلَىٰٓ ءَادَمَ مِن قَبۡلُ فَنَسِيَ وَلَمۡ نَجِدۡ لَهُۥ عَزۡمٗا﴾ [طه:115]


ولقدْ أمَرنا آدَمَ بعدَمِ الأكلِ مِنْ شَجَرَةٍ معيَّنةٍ عندَما كانَ في الجنَّة، ولكنَّهُ نَسِيَ العَهدَ ولم يهتَمَّ به، ولم نَجِدْ لهُ صَبرًا عنْ أكلِها وثباتًا على أمرِنا.

﴿وَإِذۡ قُلۡنَا لِلۡمَلَـٰٓئِكَةِ اسۡجُدُواْ لِأٓدَمَ فَسَجَدُوٓاْ إِلَّآ إِبۡلِيسَ أَبَىٰ﴾ [طه:116]


واذكُرْ قَولَنا للمَلائكةِ - بعدَ أنْ سَوَّينا خِلقَةَ آدَمَ ونفَخنا فيهِ مِنْ روحِنا -: اسجُدوا لآدَم، سَجدَةَ تَشريفٍ وتَكريم، فسَجَدوا جَميعًا، إلاّ إبلِيس، استَكبرَ وامتنَعَ مِنَ السُّجودِ له.

﴿فَقُلۡنَا يَـٰٓـَٔادَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوّٞ لَّكَ وَلِزَوۡجِكَ فَلَا يُخۡرِجَنَّكُمَا مِنَ الۡجَنَّةِ فَتَشۡقَىٰٓ﴾ [طه:117]


فقُلنا لآدَمَ: إنَّ هذا الشَّيطانَ عَدوٌّ لكَ ولزَوجِكَ حَوَّاء، فتنَبَّه، وكُنْ على حذَر، لئلاّ يَكونَ سَببًا في إخرَاجِكما مِنَ الجَنَّة، فتَتعبَ وتَشقَى في الدُّنيا.

﴿إِنَّ لَكَ أَلَّا تَجُوعَ فِيهَا وَلَا تَعۡرَىٰ﴾ [طه:118]


إنَّ لكَ في الجَنَّةِ أنْ تَكونَ في عَيشٍ هَنيءٍ رَغيد، فلا تَبقَى فيها جائعًا ولا تَشقَى في طلَبِ الرِّزق، بلْ تأكلُ وتَتلَذَّذُ بأحسَنِ الأطعِمَةِ والفَواكِه، ولا تَعرَى فيها ولا تَتعَبُ في صُنعِ الثِّيابِ والبَحثِ عَنها، بلْ تُكسَى أحسَنَ اللِّباسِ وأجمَلَها.

﴿وَأَنَّكَ لَا تَظۡمَؤُاْ فِيهَا وَلَا تَضۡحَىٰ﴾ [طه:119]


وإنَّ لكَ في الجنَّةِ ألاّ تَبقَى فيها عَطِشًا، بلْ تَرْوَى وتَهنَأُ بمائها وعَصائرِها. ولا يُصيبُكَ فيها حَرٌّ فتُؤذَى، بلْ تَكونُ في قُصورٍ تَجري مِنْ تَحتِها الأنهار، وأشجارٍ مَمدودَةِ الظِّلال.

﴿فَوَسۡوَسَ إِلَيۡهِ الشَّيۡطَٰنُ قَالَ يَـٰٓـَٔادَمُ هَلۡ أَدُلُّكَ عَلَىٰ شَجَرَةِ الۡخُلۡدِ وَمُلۡكٖ لَّا يَبۡلَىٰ﴾ [طه:120]


فوَسوَسَ الشَّيطانُ في نَفسِ آدَمَ قائلاً له: يا آدم، هلْ أدُلُّكَ على شَجرَةٍ إذا أكَلتَ منها خُلِدْتَ فلا تَموت، ومُلْكٍ لا يَفنَى، وهوَ الجنَّة؟