حروفٌ مُقَطَّعَةٌ لم يَرِدْ في تَفسيرِها حديثٌ ثابِتٌ صَحيح، واختلفَ المفسِّرونَ في دلالَتِها.
﴿تِلۡكَ ءَايَٰتُ الۡكِتَٰبِ الۡمُبِينِ﴾ [الشعراء :2]
هذهِ آياتٌ مِنَ القُرآنِ الظَّاهِرِ إعجازُه، البيِّنِ في أحكامِه، الذي يَفصِلُ بينَ الحقِّ والباطِل.
﴿لَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ أَلَّا يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ﴾ [الشعراء :3]
لعلَّكَ أيُّها النبيُّ مُهلِكٌ نفسَكَ حِرصًا على إيمانِ المشرِكين، وحُزنًا على تَكذيبِهمْ إيّاك.
﴿إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ السَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ﴾ [الشعراء :4]
إذا شِئنا أنزَلنا عَليهمْ أمرًا قاهِرًا مِنَ السَّماءِ يُلجِئهمْ إلى الإيمانِ ويُجبِرُهمْ عَليه، فتظَلُّ أعناقُهمْ مُنقادَةً لهُ قَسرًا ولا يَعصُونَ الله، ولكنْ لا نُريدُ ذلكَ بهم، بلْ نُريدُ منهمُ الإيمانَ الاختِياريّ.
﴿وَمَا يَأۡتِيهِم مِّن ذِكۡرٖ مِّنَ الرَّحۡمَٰنِ مُحۡدَثٍ إِلَّا كَانُواْ عَنۡهُ مُعۡرِضِينَ﴾ [الشعراء :5]
ولا تأتيهمْ مَوعِظَةٌ وتَذكيرٌ في آياتٍ جَديدَةٍ مِنْ عندِ رَبِّهمُ الرَّحمن، إلاّ أعرَضوا عَنهُ وكفَروا به.
﴿فَقَدۡ كَذَّبُواْ فَسَيَأۡتِيهِمۡ أَنۢبَـٰٓؤُاْ مَا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ﴾ [الشعراء :6]
فقدْ كذَّبوا بالقُرآنِ وما فيهِ مِنَ الحَقّ، وسَوفَ يأتيهمْ خبَرُ ما كذَّبوا به، مِنَ العُقوبَةِ والعَذاب.
﴿أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ إِلَى الۡأَرۡضِ كَمۡ أَنۢبَتۡنَا فِيهَا مِن كُلِّ زَوۡجٖ كَرِيمٍ﴾ [الشعراء :7]
ألَا يَنظُرونَ إلى قُدرَةِ الخالِقِ العَظيم، وعَجائبِ ما في الأرْضِ التي تَدلُّ على كمَالِ قُدرَتِهِ وإبداعِه، وقدْ أنبتَ فيها مِنْ كُلِّ صِنفٍ حسَنٍ ما يوحي بالنَّضارَةِ والحَياة؟
﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [الشعراء :8]
وفي ذلكَ دَلالَةٌ واضِحَةٌ على ما يوجِبُ الإيمانَ بالله، والتسليمَ بقُدرَتِه، ومعَ هذا لا تَجِدُ أكثرَهمْ يؤمِنُ به، ويُصَدِّقُ رسُلَه.
﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الۡعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الشعراء :9]
واللهُ عَزيزٌ قَهَرَ كُلَّ شَيء، رَحيمٌ بعِبادِه، فلا يُعاجِلُهمْ بالعُقوبَةِ وإنْ عَصَوا، بلْ يُمهِلُهمْ إلى أجَل، لئلاّ يَكونَ لهمْ عُذرٌ بعدَ ذلك.
﴿وَإِذۡ نَادَىٰ رَبُّكَ مُوسَىٰٓ أَنِ ائۡتِ الۡقَوۡمَ الظَّـٰلِمِينَ﴾ [الشعراء :10]
واذكُرْ أيُّها النبيُّ عندَما نادَى رَبُّكَ عَبدَهُ موسَى بنَ عِمرانَ مِنْ جانبِ الطُّورِ الأيمَنِ بسيناء، فاصطَفاهُ نبيًّا، وأمرَهُ أنْ يأتيَ القَومَ الذينَ ظلَموا أنفُسَهمْ بالكُفرِ والمَعاصي، واستَعبَدوا بَني إسْرائيل، وذَبَحوا أبناءَهم،
﴿قَوۡمَ فِرۡعَوۡنَۚ أَلَا يَتَّقُونَ﴾ [الشعراء :11]
قَومَ فِرعَونَ الفاسِقين، وقُلْ لهمْ يا موسَى: ألَا تَصرِفونَ أنفُسَكمْ عنْ عُقوبَةِ اللهِ بطاعَتِه؟
﴿قَالَ رَبِّ إِنِّيٓ أَخَافُ أَن يُكَذِّبُونِ﴾ [الشعراء :12]
قالَ موسَى عليهِ السَّلامُ مُناجِيًا رَبَّه: يا رَبّ، إنِّي أخافُ أنْ يُكَذِّبوني أوَّلَ الأمر،
﴿وَيَضِيقُ صَدۡرِي وَلَا يَنطَلِقُ لِسَانِي فَأَرۡسِلۡ إِلَىٰ هَٰرُونَ﴾ [الشعراء :13]
ويَضيقُ صَدري بتَكذيبِهمْ إيّاي، ولا يَنطَلِقُ لِساني منَ الحُبْسَةِ التي فيه، وأخشَى بهذا أنْ أضْعُفَ أثناءَ المُواجَهَةِ معَ فِرعَون، فاجعَلْ أخي هارُونَ أيضًا نبيًّا ليُؤازِرَني ويُساعِدَني في أداءِ رسالَتي، ويَنهضَ بالجدَلِ والمُحاججَةِ مَعي، فهوَ أفصَحُ منِّي لِسانًا،
﴿وَلَهُمۡ عَلَيَّ ذَنۢبٞ فَأَخَافُ أَن يَقۡتُلُونِ﴾ [الشعراء :14]
ولهمْ عَليَّ تَبِعَةُ ذَنْب، وهوَ قَتْلُ القِبطيّ - الذي كانَ سببَ خروجِهِ مِنْ مِصر - فأخافُ أنْ يَقتُلوني به.
﴿قَالَ كَلَّاۖ فَاذۡهَبَا بِـَٔايَٰتِنَآۖ إِنَّا مَعَكُم مُّسۡتَمِعُونَ﴾ [الشعراء :15]
قالَ لهُ رَبُّه: كَلاّ لنْ يَقتُلوك، فلا تَخَفْ مِنْ ذلك، اذهَبْ أنتَ وأخوكَ بآيَاتي ومُعجِزاتي، فإنَّني أسمَعُ وأرَى معَكما، وأحفَظُكُما بنَصْري وتأييدِي.
﴿فَأۡتِيَا فِرۡعَوۡنَ فَقُولَآ إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الشعراء :16]
اذهَبا إلى فِرعَونَ المُتكَبِّر، وقُولا له: لقدْ بعثَنا اللهُ رَسولَينِ إليكَ ونَدعوكَ إلى الهُدَى.
﴿أَنۡ أَرۡسِلۡ مَعَنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ﴾ [الشعراء :17]
ودَعْ بَني إسْرائيلَ يَذهَبوا مَعي إلى فِلَسْطِين، ولا تَستَعبِدْهم.
﴿قَالَ أَلَمۡ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدٗا وَلَبِثۡتَ فِينَا مِنۡ عُمُرِكَ سِنِينَ﴾ [الشعراء :18]
فقالَ فِرعَونُ لموسَى عَليهِ السَّلام: أمَا ربَّيناكَ في بَيتِنا عندَما كُنتَ طِفلاً صَغيرًا، وبَقِيتَ سَنواتٍ تَعيشُ بينَنا؟
﴿وَفَعَلۡتَ فَعۡلَتَكَ الَّتِي فَعَلۡتَ وَأَنتَ مِنَ الۡكَٰفِرِينَ﴾ [الشعراء :19]
ثمَّ قَتَلتَ رَجُلاً منّا، فجَحَدتَ بفَعْلَتِكَ(98) تلكَ نِعمتَنا عَليك؟
(98) الفَعلة بالفتح: المرةُ الواحدةُ من الفعل، يعني قتلَ القبطي. (التفاسير).
﴿قَالَ فَعَلۡتُهَآ إِذٗا وَأَنَا۠ مِنَ الضَّآلِّينَ﴾ [الشعراء :20]
قالَ موسَى عَليهِ السَّلام: لقدْ فعَلتُ ذلكَ حينَئذٍ وأنا مِنَ الجاهِلِين، قَبلَ أنْ أُبْعَثَ رَسولاً.