تفسير سورة الشعراء

  1. سور القرآن الكريم
  2. الشعراء
26

﴿هَلۡ أُنَبِّئُكُمۡ عَلَىٰ مَن تَنَزَّلُ الشَّيَٰطِينُ﴾ [الشعراء:221]


قدْ عَلِمتُمْ أنَّ الشَّياطينَ لا تَنزِلُ بالقُرآن، إذْ ليسَ هوَ مِنْ مَصلحَتِهمْ ولا رَغبَتِهم، فهلْ أُخبِرُكمْ على مَنْ تَتنَزَّلُ إذًا؟

﴿تَنَزَّلُ عَلَىٰ كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٖ﴾ [الشعراء:222]


إنَّها تَتنَزَّلُ على كُلِّ كذَّابٍ فاجِر، كالكُهَّانِ والمُشَعوِذينَ الكاذِبينَ الفاسِقين(100)، ورَسُولُ اللهِ محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم مُنَزَّهٌ عنْ هذهِ الأوصَاف.

(100) المرادُ بهم كلُّ من كان كاهناً، فإن الشياطين كانت تسترقُ السمع، ثم يأتون إليهم، فيُلقونَهُ إليهم. (فتح القدير).

﴿يُلۡقُونَ السَّمۡعَ وَأَكۡثَرُهُمۡ كَٰذِبُونَ﴾ [الشعراء:223]


هؤلاءِ الشَّياطينُ يُحاوِلونَ الاستِماعَ إلى ما يَقولُهُ المَلائكَةُ ليَعرِفوا ولو شَيئًا قَليلاً مِنَ الغَيب، فإذا عرَفوا كَلِمَةً منهُ ألقَوها إلى أتباعِهمْ مِنَ الإنس، فيَتحَدَّثونَ بها، وأكثَرُهمْ كاذِبونَ فيما يَقولون.

وفي صَحيحِ البُخاريِّ، أنَّ ناسًا سألُوا النبيَّ صلى الله عليه وسلم عنِ الكُهَّان، فقال: "إنَّهمْ ليسُوا بشَيء". قالوا: يا رَسولَ الله، فإنَّهمْ يُحَدِّثونَ بالشَّيءِ يَكونُ حَقًّا. فقال: "تلكَ الكَلِمَةُ مِنَ الحَقِّ يَخطِفُها الجِنِّيُّ فيُقَرْقِرُها في أُذُنِ وَليِّهِ كقَرْقَرَةِ الدَّجاجَة، فيَخلِطونَ فيهِ أكثرَ مِنْ مائةِ كِذْبَة".

﴿وَالشُّعَرَآءُ يَتَّبِعُهُمُ الۡغَاوُۥنَ﴾ [الشعراء:224]


والقُرآنُ ليسَ مِثْلَ الشِّعْر، والأنبياءُ ليسوا مِثلَ الشُّعَراء، فالأنبياءُ راشِدونَ مُسَدَّدون، أهلُ هِدايَةٍ وصَلاحٍ وتَقوًى، يتَّبِعُهمُ المؤمِنونَ الصّاَدِقون، والشُّعَراءُ يتَّبِعُهمُ الضَّالُونَ مِنَ الإنسِ والجِنّ، لا أهلُ الهُدَى والسَّداد.

﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّهُمۡ فِي كُلِّ وَادٖ يَهِيمُونَ﴾ [الشعراء:225]


ألَا تَنظُرُ كيفَ أنَّ الشُّعَراءَ في كُلِّ لَغوٍ يَخوضُون، فيَمدَحونَ الشَّيءَ بعدَ أنْ ذَمُّوه، ويَهجُونَ قَومًا ثمَّ يُثنُونَ عَليهم، فهمْ حائرونَ في أودِيَةِ الكَلام، هائمونَ على وجوهِهمْ كأنَّهمْ لا مَقصِدَ لهمْ في الحَياة.

﴿وَأَنَّهُمۡ يَقُولُونَ مَا لَا يَفۡعَلُونَ﴾ [الشعراء:226]


وهمْ يَكذِبونَ في شِعرِهم، فيَقولونَ فعَلنَا وفعَلنَا وهمْ لا يَفعَلون، ويَفتَخِرونَ بأحوالٍ ومَواقِفَ شجاعَةٍ ليسَتْ سِوَى وَهمٍ وخَيالٍ وانفِعال.

﴿إِلَّا الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـٰلِحَٰتِ وَذَكَرُواْ اللَّهَ كَثِيرٗا وَانتَصَرُواْ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُواْۗ وَسَيَعۡلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوٓاْ أَيَّ مُنقَلَبٖ يَنقَلِبُونَ﴾ [الشعراء:227]


إلاّ الشُّعَراءَ الذينَ صَدَقوا في إيمانِهم، وأحسَنوا في أعمالِهم، ولمْ يَشغَلْهمُ الشِّعرُ عنْ طاعَةِ رَبِّهمْ وذِكرِه، فكانوا مِنَ الذَّاكِرينَ اللهَ كثيرًا في شِعرِهم، الذَّابِّينَ عنِ الإسلامِ وأهلِه، المُحَرِّضينَ على الدِّعوَةِ والجِهادِ ومكارِمِ الأخلاق، فانتَصَروا لدِينِهم، وجاهَدوا الكُفَّارَ بلِسانِهمْ كما جاهَدوهُمْ بسُيوفِهم، بعدَ أنْ ظُلِموا وأُخرِجوا مِنْ ديارِهمْ بغَيرِ حَقّ، وسيَعلَمُ المشرِكونَ المُعادُونَ للإسْلامِ والمُسلِمين، ومعَهمُ الشُّعَراءُ الضَّالُّون، ماذا يَكونُ مَصيرُهم، وأينَ يَكونُ مُستَقَرُّهمْ بعدَ المَوت، وهوَ شَرُّ مَرجِع، وأسوَأُ مَصير.