﴿وَجَعَلۡنَٰهُمۡ أَئِمَّةٗ يَدۡعُونَ إِلَى النَّارِۖ وَيَوۡمَ الۡقِيَٰمَةِ لَا يُنصَرُونَ﴾ [القصص :41]
وجعَلناهُمْ قُدوَةً في الضَّلال، يَدعونَ إلى الكُفرِ والمَعاصِي وتَكذيبِ الرُّسُل، ممَّا يؤَدِّي بهمْ إلى النَّار، وفي يَومِ القيامَةِ لا يَنصُرُهمْ أحَد، ولا يَدفَعُ عنهمُ العَذاب.
﴿وَأَتۡبَعۡنَٰهُمۡ فِي هَٰذِهِ الدُّنۡيَا لَعۡنَةٗۖ وَيَوۡمَ الۡقِيَٰمَةِ هُم مِّنَ الۡمَقۡبُوحِينَ﴾ [القصص :42]
ولعَنَّاهُمْ في هذهِ الدُّنيا، ويَلعَنُهمُ المَلائكَة، والمؤمِنونَ يَلعَنونَهمْ خلَفًا عنْ سلَفٍ حتَّى قيامِ السَّاعَة، وهمْ في يَومِ القيامَةِ مِنَ المُبعَدينَ المَطرودينَ مِنْ رَحمَةِ الله، وسيَكونونَ في أَسوَإِ حالٍ وأشَدِّ عَذاب.
﴿وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى الۡكِتَٰبَ مِنۢ بَعۡدِ مَآ أَهۡلَكۡنَا الۡقُرُونَ الۡأُولَىٰ بَصَآئِرَ لِلنَّاسِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٗ لَّعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص :43]
ولقدْ أنزَلنا على موسَى التَّوراة، بعدَما أهلَكنا القُرونَ الأولَى، كقَومِ نُوحٍ وعادٍ وثَمودَ وغَيرِهم، ليَتدَبَّرَ النَّاسُ ما فيها ويتَفَكَّروا ويَعتَبِروا، وتَكونَ بَصيرَةً لهمْ مِنَ العَمَى والضَّلال، وهِدايَةً لهمْ إلى الحَقّ، ورَحمَةً تَنالُهمْ منَ الله، لعلَّهمْ بذلكَ يَتذَكَّرونَ ما فيها مِنَ المَواعِظِ وأسبابِ الهِدايَة.
﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الۡغَرۡبِيِّ إِذۡ قَضَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَى الۡأَمۡرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّـٰهِدِينَ﴾ [القصص :44]
وما كُنتَ - أيُّها النبيُّ - بجانبِ الجبَلِ الغَربيِّ في سَيناء، عِندَما ناجَى موسَى رَبَّه، وأحكَمنا أمرَ نبوَّتهِ وما ألزَمناهُ وقَومَه، وما كُنتَ مِنَ الحاضِرينَ لَمَّا أوحِيَ إليهِ هُناك، وهذا إخبارٌ لكَ بالغُيوبِ الماضِيَة، وهوَ مُعجِزَةٌ لكَ وبُرهانٌ على نبوَّتِك.
﴿وَلَٰكِنَّآ أَنشَأۡنَا قُرُونٗا فَتَطَاوَلَ عَلَيۡهِمُ الۡعُمُرُۚ وَمَا كُنتَ ثَاوِيٗا فِيٓ أَهۡلِ مَدۡيَنَ تَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَا وَلَٰكِنَّا كُنَّا مُرۡسِلِينَ﴾ [القصص :45]
ولكنَّا خلَقنا بينَ زَمانِكَ وزَمانِ موسَى أُمَمًا كثيرَة، فطالَتْ عَليهمُ المُدَّة، فنَسُوا عهدَ اللهِ ومِيثاقَه، وتغيَّرَتِ الأحكامُ والشَّرائع، فكانَ لا بُدَّ مِنْ وَحيٍ جَديد، وشَريعَةٍ جَديدَة، تُجَدِّدُ عهدَ النَّاسِ برَبِّهم.
وما كُنتَ مُقيمًا بينَ أهلِ مَدْيَنَ مثلَ موسَى وشُعَيبٍ عَليهِما السَّلامُ تُذَكِّرُهمْ وتَعِظُهم، ولكنَّا بَعثناكَ رَسُولاً، وأنزَلنا عَليكَ الكِتاب، ولولا ذلكَ لَما عرَفتَ خبَرَهما وخبَرَ غَيرِهما مِنَ الأنبِياءِ والأُمَم.
﴿وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذۡ نَادَيۡنَا وَلَٰكِن رَّحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوۡمٗا مَّآ أَتَىٰهُم مِّن نَّذِيرٖ مِّن قَبۡلِكَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص :46]
ولم تَكُنْ مَوجودًا – كذلكَ - بناحيَةِ الجبَلِ وقتَ نِدائنا موسَى وتَكليفِهِ بدَعوَةِ فِرعَونَ وقَومِه، ولكنْ أرسَلناكَ بالقُرآنِ لتُنذِرَ بهِ قَومَكَ أوَّلاً، وهذا مِنْ رَحمَةِ اللهِ بهم، أنْ قَصَّ عَليهمْ مثلَ هذهِ الأنبَاء، ولم يُرسَلْ إليهمْ رَسولٌ منذُ عهدِ إسماعيلَ عَليهِ السَّلام. أو أنَّ المَقصودَ بالقَومِ أهلُ الفَترَة، بينَ عيسَى ومحمَّدٍ عليهما الصَّلاةُ والسَّلام، وهيَ نحوُ ستَّةِ قُرون؛ ليَتَّعِظوا بإنذارِك، ولعلَّهمْ يَهتَدون.
﴿وَلَوۡلَآ أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةُۢ بِمَا قَدَّمَتۡ أَيۡدِيهِمۡ فَيَقُولُواْ رَبَّنَا لَوۡلَآ أَرۡسَلۡتَ إِلَيۡنَا رَسُولٗا فَنَتَّبِعَ ءَايَٰتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [القصص :47]
ولو أصَابَتْهُمْ عُقوبَةٌ بسبَبِ كُفرِهمْ ومَعاصِيهم، لقالوا: ربَّنا هلاّ أرسَلتَ إلينا رَسُولاً مِنْ عندِكَ مُؤيَّدًا بمُعجِزاتٍ، فنَتَّبِعَ آياتِكَ الظَّاهِرَةَ على يَديه، ونَكونَ مِنَ المؤمِنينَ بما جاءَ بهِ مِنْ عندِك؟
﴿فَلَمَّا جَآءَهُمُ الۡحَقُّ مِنۡ عِندِنَا قَالُواْ لَوۡلَآ أُوتِيَ مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ مُوسَىٰٓۚ أَوَلَمۡ يَكۡفُرُواْ بِمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ مِن قَبۡلُۖ قَالُواْ سِحۡرَانِ تَظَٰهَرَا وَقَالُوٓاْ إِنَّا بِكُلّٖ كَٰفِرُونَ﴾ [القصص :48]
ولمَّا جاءَ أهلَ مكَّةَ الأمرُ الحَقُّ المُنْزَلُ مِنْ عِندِنا، وهوَ القُرآن، قالوا: هلاَّ أُوتيَ محمَّدٌ مِنَ المُعجِزاتِ كما أُوتيَ موسَى منها؟
أوَ لمْ يَكفُرْ فِرعَونُ وقَومُهُ بالآيَاتِ التي أُيِّدَ بها موسَى، كما كفرَ مُشرِكو مَكَّةَ بمُعجِزَةِ القُرآن الذي أُنزِلَ على محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وقالوا: إنَّ محمَّدًا وموسَى ساحِرانِ تَعاوَنا بتَصديقِ كُلِّ واحِدٍ منهما الآخَرَ وتأييدِهِ إيَّاه، وقالوا: نحنُ نَكفرُ بالتَّوراةِ والقُرآن!
﴿قُلۡ فَأۡتُواْ بِكِتَٰبٖ مِّنۡ عِندِ اللَّهِ هُوَ أَهۡدَىٰ مِنۡهُمَآ أَتَّبِعۡهُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ﴾ [القصص :49]
قُلْ لهمْ أيُّها النبيّ: فهاتُوا كِتابًا آخرَ مِنْ عندِ اللهِ يَكونُ أعظمَ وأجلَّ مِنَ القُرآنِ والتَّوراةِ أَسِرْ على هَديه، إذا كنتُمْ صَادقينَ في قَولِكمْ بأنَّهما غَيرُ مُوحًى بهما مِنْ عندِ الله.
والتَّوراةُ أعظَمُ كتابٍ سَماويٍّ بعدَ القُرآن، وقدْ حكمَ بها نَبيُّونَ كُثُرٌ بعدَ موسَى عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلام، والإنجِيلُ نزلَ مُتَمِّمًا لها. وقدْ بُدِّلا وحُرِّفا، ونُسِخَتْ جَميعُ الكتبِ السَّماويَّةِ بالقُرآنِ الكريم.
﴿فَإِن لَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكَ فَاعۡلَمۡ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهۡوَآءَهُمۡۚ وَمَنۡ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَىٰهُ بِغَيۡرِ هُدٗى مِّنَ اللَّهِۚ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهۡدِي الۡقَوۡمَ الظَّـٰلِمِينَ﴾ [القصص :50]
فإذا لم يَستَجِبِ المشرِكونَ لِما جِئتَهمْ بهِ مِنْ عندِ الله، فاعلمْ أنَّ مَوقِفَهمْ هذا ليسَ عنْ حُجَّةٍ ودَليل، بلْ هوَ عِنادٌ مِنْ عندِ أنفُسِهم، ومُتابَعَةٌ لأهوَائهمُ الضَّالَّةِ وأفكارِهمُ الزَّائغَة، وليسَ هُناكَ أضَلُّ ممَّنْ تابعَ هَواهُ ورَغبتَهُ بغَيرِ دَليلٍ مِنَ اللهِ العَليمِ الحَكيم، واللهُ لا يَهدي مَنْ ظلمَ نَفسَهُ فأعرَضَ عنِ الدِّينِ الحَقِّ واتَّبعَ هَواه.
﴿۞وَلَقَدۡ وَصَّلۡنَا لَهُمُ الۡقَوۡلَ لَعَلَّهُمۡ يَتَذَكَّرُونَ﴾ [القصص :51]
ولقدْ أنزَلنا القُرآنَ مُتواصِلاً بَعضَهُ إثْرَ بَعض، بحَسبِ ما تَقتَضيهِ الحِكمَة، ليَتذَكَّرَ القَومُ بذلكَ أمرَ اللهِ بعدَ كُلِّ قِصَّةٍ وحادِثَةٍ وخبَر، وليَكونَ أكثرَ تأثيرًا في نفُوسِهم.
﴿الَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ الۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِهِۦ هُم بِهِۦ يُؤۡمِنُونَ﴾ [القصص :52]
العُلماءُ الأولياءُ الذينَ آتَيناهمُ الكِتابَ مِنْ قَبل، همُ الذينَ يؤمِنونَ بالقُرآن.
﴿وَإِذَا يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِهِۦٓ إِنَّهُ الۡحَقُّ مِن رَّبِّنَآ إِنَّا كُنَّا مِن قَبۡلِهِۦ مُسۡلِمِينَ﴾ [القصص :53]
إنَّهمْ مؤمِنو أهلِ الكِتاب، الذينَ إذا سَمِعوا آياتِ القُرآنِ تُتلَى عَليهمْ قالوا: آمَنَّا بأنَّهُ كلامُ اللهِ تعالَى، إنَّهُ الحَقُّ الذي كُنَّا نَعرِفُهُ في كتُبِنا، فقدْ كُنَّا مُسلِمينَ مُوَحِّدينَ قَبلَ نُزولِ القُرآن، وكنَّا مُصَدِّقينَ بالرَّسولِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فإنَّ ذكرَ صِفَتِهِ والحَديثَ عنِ القُرآنِ مَوجودٌ في التَّوراةِ والإنجِيل.
﴿أُوْلَـٰٓئِكَ يُؤۡتَوۡنَ أَجۡرَهُم مَّرَّتَيۡنِ بِمَا صَبَرُواْ وَيَدۡرَءُونَ بِالۡحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ﴾ [القصص :54]
أولئكَ المؤمِنونَ منْ أهلِ الكِتابِ يُعطَونَ ثَوابَهمْ مرَّتين، لإيمانِهمْ بكتابِهمْ أوَّلاً، ثمَّ لإيمانِهمْ بالقُرآنِ الكريم؛ وذلكَ لصَبرِهمْ وثَباتِهمْ على الحقّ. وهمْ يَدفَعونَ الأذَى بالعَفوِ والمَغفِرَة، ويُنفِقونَ ممَّا رزَقناهُمْ مِنَ الحَلالِ في طاعَةِ الله.
﴿وَإِذَا سَمِعُواْ اللَّغۡوَ أَعۡرَضُواْ عَنۡهُ وَقَالُواْ لَنَآ أَعۡمَٰلُنَا وَلَكُمۡ أَعۡمَٰلُكُمۡ سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ لَا نَبۡتَغِي الۡجَٰهِلِينَ﴾ [القصص :55]
وإذا سَمِعوا القَبيحَ مِنَ القَول، والأذَى والسبَّ مِنَ المشرِكين، أعرَضوا عَنهم، وقالوا في حِلْمٍ وأناة: لَنا حِلْمُنا ولكمْ سفَهُكم، أو لَنا دِينُنا ولكمْ دِينُكم، لا نَشتُمُكمْ كما تَشتُمونَنا، لا نُريدُ مَسلَكَ الجاهِلين، ولا نُحِبُّ صُحبتَهمْ ولا مُجاورَتَهم.
﴿إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهۡدِي مَن يَشَآءُۚ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِالۡمُهۡتَدِينَ﴾ [القصص :56]
إنَّكَ أيُّها الرَّسولُ لا تَقدِرُ على أنْ تَهديَ مَنْ أحبَبتَ هِدايتَه، إنَّما عَليكَ البَلاغ، واللهُ يَهدي مَنْ يَشاءُ إلى الإسْلام، وهوَ أعلَمُ بمَنْ يَستَحِقُّ الهِدايَةَ ممَّنْ يَستَحِقُّ الضَّلال.
وقدْ ثبتَ في الصَّحيحَينِ أنَّها نزَلَتْ في أبي طالِبٍ عَمِّ الرَّسولِ صلى الله عليه وسلم، فقدْ عرَضَ عَليهِ الإسلامَ قُبَيلَ وفاتِهِ فأبَى؛ خَوفًا مِنْ أنْ تُعَيِّرَهُ قُرَيشٌ بذلك!
﴿وَقَالُوٓاْ إِن نَّتَّبِعِ الۡهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفۡ مِنۡ أَرۡضِنَآۚ أَوَلَمۡ نُمَكِّن لَّهُمۡ حَرَمًا ءَامِنٗا يُجۡبَىٰٓ إِلَيۡهِ ثَمَرَٰتُ كُلِّ شَيۡءٖ رِّزۡقٗا مِّن لَّدُنَّا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ﴾ [القصص :57]
وقالَ المشرِكونَ للرَّسولِ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلام: إذا اتَّبَعْنا دِينَ الإسْلامِ فسيَجتَمِعُ العرَبُ عَلَينا ويُخرِجونَنا مِنْ دِيارِنا. وقدْ كذَبوا، ألا يَرَى هؤلاءِ المشرِكونَ كيفَ عصَمنا دِماءَهمْ وجعَلناهُمْ في حرَمٍ آمِن، بحُرمَةِ بيتِ الله، بينَما العرَبُ مِنْ حَولِ مكَّةَ يتَقاتَلونَ ويَتذابَحون؟ ويُجلَبُ إلى مكَّةَ أنواعُ الثِّمارِ والبَضائعِ الموجودَةُ مِنْ حولِها وهمْ بوادٍ غَيرِ ذي زَرع، رِزقًا مِنْ عندِنا، ولكنَّ أكثرَهمْ لا يَتدَبَّرونَ ذلك، ولا يَتفَكَّرونَ فيما يَقولُهُ اللهُ بحَقّ، ولذلكَ قالُوا ما قالُوا.
﴿وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَرۡيَةِۭ بَطِرَتۡ مَعِيشَتَهَاۖ فَتِلۡكَ مَسَٰكِنُهُمۡ لَمۡ تُسۡكَن مِّنۢ بَعۡدِهِمۡ إِلَّا قَلِيلٗاۖ وَكُنَّا نَحۡنُ الۡوَٰرِثِينَ﴾ [القصص :58]
وقدْ أهلَكنا كثيرًا مِنْ أهلِ القُرَى، الذينَ طغَوا وبَطِروا وكفَروا بنِعمَةِ اللهِ ولم يُقَدِّرُوها، وهذهِ آثارُ مساكنِهمُ التي دَمَّرْناها، تَمرُّونَ بها في أسفَارِكم، لم تُسكَنْ مِنْ بَعدِهم، إلاّ سَكنًا قَليلاً، مِنْ قِبَلِ المارَّةِ والمسافِرين، ونحنُ الذينَ نُميتُهم، ثمَّ يَرجِعُ إلَينا جَميعُ ما آتَيناهُمْ مِنَ النِّعَمِ التي كانوا يَتفاخَرونَ بها، ونُحاسبُهمْ عَليها.
﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهۡلِكَ الۡقُرَىٰ حَتَّىٰ يَبۡعَثَ فِيٓ أُمِّهَا رَسُولٗا يَتۡلُواْ عَلَيۡهِمۡ ءَايَٰتِنَاۚ وَمَا كُنَّا مُهۡلِكِي الۡقُرَىٰٓ إِلَّا وَأَهۡلُهَا ظَٰلِمُونَ﴾ [القصص :59]
واللهُ لا يُهلِكُ أهلَ مَدينَةٍ أو قَريَةٍ حتَّى يَبعثَ في أعظَمِها رَسولاً يُنذِرُهمْ ويُبَيِّنُ لهمْ ما يأتونَ وما يَذَرون، ممَّا نوحي إليهِ مِنْ آياتِنا النَّاطِقَةِ بالحَقّ، ولا نُهلِكُ أحدًا منهمْ إلاّ إذا كذَّبوهُ وكفَروا بآياتِنا ونِعَمِنا عَليهم.
﴿وَمَآ أُوتِيتُم مِّن شَيۡءٖ فَمَتَٰعُ الۡحَيَوٰةِ الدُّنۡيَا وَزِينَتُهَاۚ وَمَا عِندَ اللَّهِ خَيۡرٞ وَأَبۡقَىٰٓۚ أَفَلَا تَعۡقِلُونَ﴾ [القصص :60]
وما كسَبتُمْ مِنْ مَالٍ أو أحرَزتُمْ أمرًا مِنْ أمُورِ الدُّنيا، فهوَ مَتاعٌ قَليلٌ وزِينَةٌ مؤقَّتَةٌ مَصيرُها الزَّوالُ والفَناء، وما أَعَدَّهُ اللهُ لعِبادِهِ المؤمِنينَ مِنَ الثَّوابِ العَظيمِ والنَّعيمِ المُقيم، أفضَلُ وأبقَى، فالبَاقي خَيرٌ مِنَ الفاني، أفلا تتَفهَّمونَ ذلكَ وتَتدَبَّرونَ ما يَقولُ لكمْ رَبُّكم؟