﴿فَخَسَفۡنَا بِهِۦ وَبِدَارِهِ الۡأَرۡضَ فَمَا كَانَ لَهُۥ مِن فِئَةٖ يَنصُرُونَهُۥ مِن دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الۡمُنتَصِرِينَ﴾ [القصص :81]
وفي يَومِ زِينَتهِ وفَخرِهِ وطُغيانِهِ خسَفنا بهِ وبِدارِهِ وأموالِهِ الأرْض، فابتلَعَتْهم، وغارَتْ بهم، فما كانتْ هُناكَ جَماعَةٌ مِنْ أنصارِهِ تَدْفَعُ عنهُ نِقمَةَ اللهِ وعَذابَه، وما كانَ هوَ قادِرًا على الانتِصارِ لنَفسِه.
﴿وَأَصۡبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوۡاْ مَكَانَهُۥ بِالۡأَمۡسِ يَقُولُونَ وَيۡكَأَنَّ اللَّهَ يَبۡسُطُ الرِّزۡقَ لِمَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ وَيَقۡدِرُۖ لَوۡلَآ أَن مَّنَّ اللَّهُ عَلَيۡنَا لَخَسَفَ بِنَاۖ وَيۡكَأَنَّهُۥ لَا يُفۡلِحُ الۡكَٰفِرُونَ﴾ [القصص :82]
وأصبَحَ الذينَ رَأوا قارُونَ في زِينَتِهِ وتمَنَّوا أنْ يَكونُوا في مَكانِهِ ومَنزِلَتِه بالأمسِ القَريبِ يَقولون، وقدْ نَدِموا على ما قالُوا: عجبًا! إنَّ اللهَ سُبحانَهُ يُعطي المالَ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ ولا يَعني هذا أنَّهُ يُحِبُّهمْ ويَرضَى عَنهم، ويَمنَعُهُ ممَّنْ يَشاءُ ولا يَعني أنَّهُ يَكرَهُهمْ ويُهينُهم، فلَهُ الحِكمَةُ في ذلك، ولولا لُطْفُ اللهِ بنا وتَجاوزُهُ عنْ تَقصيرِنا فيما تَمنَّيناه، لخسَفَ بنا الأرْضَ كما خسَفَ بقارُون. ألمْ ترَ أنَّ الكافِرينَ بنِعمَةِ اللهِ لا يَسعَدونَ ولا يَفوزون؟
﴿تِلۡكَ الدَّارُ الۡأٓخِرَةُ نَجۡعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّٗا فِي الۡأَرۡضِ وَلَا فَسَادٗاۚ وَالۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ﴾ [القصص :83]
تلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ ونَعيمُها المُقيم، نَجعَلُها لعِبادِنا المؤمِنينَ المُتَواضِعين، الذينَ لا يَتعاظَمونَ ولا يَتجَبَّرونَ على الخَلق، ولا يَبغونَ ظُلمًا وعُدوانًا عَليهم، والعاقِبَةُ الحَميدَةُ لمَنْ كانَ صالِحًا تَقيًّا.
﴿مَن جَآءَ بِالۡحَسَنَةِ فَلَهُۥ خَيۡرٞ مِّنۡهَاۖ وَمَن جَآءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجۡزَى الَّذِينَ عَمِلُواْ السَّيِّـَٔاتِ إِلَّا مَا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾ [القصص :84]
مَنْ جاءَ بالحسَنةِ يَومَ القِيامَة، فلَهُ ثَوابٌ أكبَرُ منها وأفضَل، ومَنْ جاءَ بالسَّيِّئة، فلا يُجزَى المُسِيؤونَ إلاّ بمِقدارِ ما عَمِلوا مِنْ سَيِّئات، ولا يُزادونَ عَليها(104) .
(104) مَن جاءَ اللهَ يومَ القيامةِ بإخلاصِ التوحيد، فلهُ خير، وذلكُ الخيرُ هو الجنةُ والنعيمُ الدائم، ومَن جاءَ بالسيِّئة، وهي الشركُ بالله، فلا يُثابُ إلاّ جزاءَ ما كانَ يعمل. (الطبري، باختصار).
أي: ثوابُ الله خيرٌ من حسنةِ العبد، فكيف والله يضاعفهُ أضعافاً كثيرة؟.. (ابن كثير). {وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ}: كالشركِ والرياءِ والجهلِ ونحوها... (روح البيان).
﴿إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيۡكَ الۡقُرۡءَانَ لَرَآدُّكَ إِلَىٰ مَعَادٖۚ قُل رَّبِّيٓ أَعۡلَمُ مَن جَآءَ بِالۡهُدَىٰ وَمَنۡ هُوَ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ﴾ [القصص :85]
إنَّ الذي أنزلَ عَليكَ القُرآنَ أيُّها الرَّسُول، وأوجبَ عليكَ العملَ بهِ وتَبليغَهُ للنَّاس، سيُعيدُكَ إلى مَولِدِكَ بمَكَّةَ كما أُخرِجتَ منها، وقُلْ لِمَنْ خالفَكَ وكذَّبَك: إنَّ اللهَ أعلَمُ بمَنْ هوَ مُهتَدٍ وهوَ على صِراطٍ مُستَقيم، ومَنْ هوَ في ضَلالٍ وخطأ ظاهِر.
﴿وَمَا كُنتَ تَرۡجُوٓاْ أَن يُلۡقَىٰٓ إِلَيۡكَ الۡكِتَٰبُ إِلَّا رَحۡمَةٗ مِّن رَّبِّكَۖ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرٗا لِّلۡكَٰفِرِينَ﴾ [القصص :86]
وما كُنتَ تَظُنُّ أنَّكَ ستَكونُ نَبيًّا يُوحَى إليكَ بهذا القُرآن، ولكنْ أنزلَهُ اللهُ رَحمَةً منهُ بكَ وبالعِباد، وإذا منحَكَ اللهُ هذهِ النِّعمَةَ العَظيمَة، فلا تَكنْ عَونًا للكافِرينَ على دينِهم، بلْ عادِهِمْ وخالِفْهم.
﴿وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنۡ ءَايَٰتِ اللَّهِ بَعۡدَ إِذۡ أُنزِلَتۡ إِلَيۡكَۖ وَادۡعُ إِلَىٰ رَبِّكَۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الۡمُشۡرِكِينَ﴾ [القصص :87]
ولا تهتَمَّ بالمشرِكينَ ومَكائدِهم، ولا تَدَعْ لاقتِراحاتِهمْ ومُلابساتِهمْ تأثيرًا عَليكَ، فيَكونوا سبَبًا لمَنعِكَ مِنْ قِراءَةِ القُرآنِ وتَبليغِه، بعدَ أنْ أنزلَهُ اللهُ عَليكَ واصطَفاكَ مِنْ بَينِ النَّاسِ لتَبليغِه، وادْعُ إلى عِبادَةِ رَبِّكَ وحدَهُ لا شَريكَ له، ولا تَكنْ مِنَ المشرِكينَ بمُظاهَرَتِهمْ وإعانَتِهمْ على ضَلالِهم.
وظاهِرُ الخِطابِ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، والمُرادُ تَحذيرُ أُمَّتِه.
﴿وَلَا تَدۡعُ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۘ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۚ كُلُّ شَيۡءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجۡهَهُۥۚ لَهُ الۡحُكۡمُ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ﴾ [القصص :88]
ولا تَعبُدْ معَ اللهِ أحَدًا، فلا عِبادَةَ إلاّ لهُ جَلَّ جَلالُه، كُلُّ شَيءٍ سيَفنَى ويَعْدَمُ إلاّ ذاتَهُ العَليَّة، فهوَ الحَيُّ القَيُّوم، الذي يَبقَى ويَدومُ ولا يَموت، لهُ القضاءُ النَّافِذُ في مُلكِه، لا يُشارِكُهُ فيهِ أحَد، وإليهِ تُرجَعونَ يَومَ القِيامَة، ليُحاسِبَكمْ على أعمالِكم، ويُجازيَكمْ عَليها بما تَستَحِقُّون.