تفسير سورة السجدة

  1. سور القرآن الكريم
  2. السجدة
32

﴿وَلَنُذِيقَنَّهُم مِّنَ الۡعَذَابِ الۡأَدۡنَىٰ دُونَ الۡعَذَابِ الۡأَكۡبَرِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ﴾ [السجدة:21]


ولنُذيقَنَّ هؤلاءِ الفاسِقينَ المكَذِّبينَ طرَفًا مِنَ العَذابِ في الحياةِ الدُّنيا قَبلَ عَذابِ الآخِرَة، مِنَ المَصائبِ والآفات، والأسْرِ والقَتل، والمرَضِ والفَقر، لعلَّ مَنْ بَقيَ منهمْ يَتوبُ ويَرجِعُ إلى الله.

﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِۦ ثُمَّ أَعۡرَضَ عَنۡهَآۚ إِنَّا مِنَ الۡمُجۡرِمِينَ مُنتَقِمُونَ﴾ [السجدة:22]


وليسَ هُناكَ أظلَمُ ممَّنْ وُعِظَ بآياتِ اللهِ فأعرضَ عَنها ولم يَتدَبَّرْ فيها، أو تَناساها وجحَدَها، وسنَنتَقِمُ مِنَ المشرِكينَ المُكَذِّبينَ انتِقامًا شَديدًا.

﴿وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى الۡكِتَٰبَ فَلَا تَكُن فِي مِرۡيَةٖ مِّن لِّقَآئِهِۦۖ وَجَعَلۡنَٰهُ هُدٗى لِّبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ﴾ [السجدة:23]


ولقدْ آتَينا موسَى التَّوراةَ المُصَدِّقَةَ للقُرآن، فلا تَكنْ في شَكٍّ مِنْ لقَاءِ موسَى. وقدْ رآهُ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ليلةَ أُسرِيَ به، ووَصفَه، كما رَواهُ البُخاريُّ وغَيرُه.

ووردَ أنَّ المَعنى: لا تَكنْ في شَكٍّ مِنْ تلَقِّي الكِتاب، فإنَّكَ تَتلَقَّاهُ كما تَلقَّى موسَى الكِتاب.

وجَعَلنا التَّوراةَ هادِيًا لبَني إسْرائيلَ مِنَ الضَّلالَة.

﴿وَجَعَلۡنَا مِنۡهُمۡ أَئِمَّةٗ يَهۡدُونَ بِأَمۡرِنَا لَمَّا صَبَرُواْۖ وَكَانُواْ بِـَٔايَٰتِنَا يُوقِنُونَ﴾ [السجدة:24]


وجعَلنا مِنْ بَني إسْرائيلَ هُداةً وقادَةً في الخَير، يَدْعُونَ إلى الحَقِّ بأمرِ الله، عندَما صبَروا على الدَّعوَةِ إلى اللهِ ونُصرَةِ دِينِهِ والأذَى في سَبيلِه، وكانوا مَصَدِّقينَ بآياتِنا، قدْ رسَخَ الإيمَانُ في قُلوبِهم، ولذلكَ جعَلهمُ اللهُ أئمَّة، وعندَما انحرَفوا عنْ تعاليمِ التَّوراةِ وبدَّلوها، وصارَتْ قُلوبُهمْ قاسيَة، أذلَّهمُ اللهُ ولعنَهم.

﴿إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفۡصِلُ بَيۡنَهُمۡ يَوۡمَ الۡقِيَٰمَةِ فِيمَا كَانُواْ فِيهِ يَخۡتَلِفُونَ﴾ [السجدة:25]


والله يَقضي بينَ المؤمِنينَ والمشرِكينَ يَومَ القيامَة، فيما كانوا يَختَلِفونَ فيهِ مِنْ أُمُورِ العَقيدَةِ والدِّين، ويُميِّزُ بينَ المُحِقِّ والمُبطِل.

﴿أَوَلَمۡ يَهۡدِ لَهُمۡ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّنَ الۡقُرُونِ يَمۡشُونَ فِي مَسَٰكِنِهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٍۚ أَفَلَا يَسۡمَعُونَ﴾ [السجدة:26]


أوَلمْ يَتبيَّنْ لهؤلاءِ المُكَذِّبينَ كثرَةُ مَنْ أهلَكنا قبلَهمْ مِنَ الأُمَمِ السَّابقَة، مثلِ عَادٍ وثَمودَ وقَومِ لُوط، وهمْ يَمرُّونَ بمساكنِهمْ ويُشاهِدونَ آثارَ هَلاكِهم، وإنَّ فيما حَلَّ بهمْ مِنْ دَمارٍ وهَلاكٍ بسبَبِ تَكذيبِهمْ ومُخالفَتِهمُ الرسُلَ مَواعِظَ وعِبَرًا، أفلا يَسمَعونَ أخبارَهمْ ويَتَّعِظونَ بها؟

﴿أَوَلَمۡ يَرَوۡاْ أَنَّا نَسُوقُ الۡمَآءَ إِلَى الۡأَرۡضِ الۡجُرُزِ فَنُخۡرِجُ بِهِۦ زَرۡعٗا تَأۡكُلُ مِنۡهُ أَنۡعَٰمُهُمۡ وَأَنفُسُهُمۡۚ أَفَلَا يُبۡصِرُونَ﴾ [السجدة:27]


ألَا يُشاهِدونَ دَلائلَ وَحدانيَّةِ اللهِ وآثارَ قُدرَتِهِ في الأرْض، كيفَ يَسوقُ السَّحابَ الحامِلَ للمطَر، أو يُجري الماءَ مِنَ العُيونِ والأنهَار، إلى ما هوَ يابِسٌ منها، لا نَباتَ فيها ولا حياة، فيُخرِجُ بذلكَ الماءِ الزَّرعَ والعُشبَ بأنوَاعِه، فتأكلُ منهُ دَوابُّهم، وهمْ يأكلونَ مِنْ حبوبِهِ وبُقولِه، أفلا يُبصِرونَ ذلكَ فيَتَّعِظون، ويَشكرونَ للهِ ويؤمِنون؟

﴿وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هَٰذَا الۡفَتۡحُ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ﴾ [السجدة:28]


ويَقولُ المشرِكونَ مِنْ قَبيلِ التَّكذيبِ والاستِهزاء: ومتَى يُفتَحُ لكمْ ويَفصِلُ اللهُ بينَنا وبينَكم، ويَنتَقِمُ منَّا لكم، إذا كنتُمْ صادِقينَ في ادِّعائكمْ ذلك؟

﴿قُلۡ يَوۡمَ الۡفَتۡحِ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِيمَٰنُهُمۡ وَلَا هُمۡ يُنظَرُونَ﴾ [السجدة:29]


قُلْ لهمْ أيُّها الرسُول: إذا جاءَ يَومُ الحُكمِ والقَضاء، وحَلَّ بكمْ بأسُ اللهِ وغضَبُهُ يَومَ القِيامَة، فلنْ يَنفعَ الكافِرينَ إيمانُهمْ إنْ آمَنوا يَومَئذ، ولا يُمهَلونَ ليَتوبوا ويَعتَذِروا.

﴿فَأَعۡرِضۡ عَنۡهُمۡ وَانتَظِرۡ إِنَّهُم مُّنتَظِرُونَ﴾ [السجدة:30]


فأعرِضْ عنهمْ ولا تُبالِ بتَكذيبِهمْ وسُخريَتِهم، وبَلِّغْ ما أُنزِلَ إليكَ مِنْ رَبِّك، وانتَظرِ النَّصرَ مِنَ الله، إنَّهمْ يترَبَّصونَ بكمْ ويَنتَظِرونَ الغلبَةَ عَليكم، وسترَى عاقِبَةَ أمرِهم.

ووَردَ أنَّ هذهِ الآيةَ مَنسوخَةٌ بآيَةِ السَّيف. وقالَ صاحِبُ "روحِ المعاني": لا يَخفَى أنَّهُ يُحتَمَلُ أنَّ المُرادَ الإعراضُ عنْ مُناظَرَتِهمْ لعدَمِ نَفعِها، أو تَخصيصُها بوَقتٍ مُعَيَّن، فلا يَتعيَّنُ النَّسخ.

وقدْ صَحَّ عنْ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أنَّهُ كانَ لا يَنامُ حتَّى يَقرأ {الم . تَنزِيلُ} السَّجدة، و{تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ}. رواهُ الترمذيّ، والحاكم في المستَدرَك، وغَيرُهما.