تفسير سورة غافر

  1. سور القرآن الكريم
  2. غافر
40

﴿وَيُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ فَأَيَّ ءَايَٰتِ اللَّهِ تُنكِرُونَ﴾ [غافر:81]


ويُريكمُ اللهُ بذلكَ دَلائلَ قُدرَتِهِ وعظَمتِه، فأيًّا مِنْ هذهِ الآياتِ العَظيمَةِ تُنكِرون؟ إلاّ أنْ تُعانِدوا وتُكابِروا.

﴿أَفَلَمۡ يَسِيرُواْ فِي الۡأَرۡضِ فَيَنظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَانُوٓاْ أَكۡثَرَ مِنۡهُمۡ وَأَشَدَّ قُوَّةٗ وَءَاثَارٗا فِي الۡأَرۡضِ فَمَآ أَغۡنَىٰ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَكۡسِبُونَ﴾ [غافر:82]


أوَلمْ يُسافِرِ المشرِكونَ فيَنظُروا في آثارِ الذينَ أهلَكناهُمْ ممَّنْ كانوا قَبلَهم، كثَمودَ وعادٍ وقَومِ لُوط، وقدْ كانوا أقوَى منهمْ أبدانًا، وأكثرَ آثارًا وعُمرانًا في الأرْض، فلمْ تَنفَعْهُمْ قُوَّتُهمْ وصِناعاتُهم، ولم تَمنَعْهمْ مِنْ عَذابِ الله، بلْ كانَ ذلكَ مِنْ أسبَابِ غُرورِهمْ وهَلاكِهم.

﴿فَلَمَّا جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُهُم بِالۡبَيِّنَٰتِ فَرِحُواْ بِمَا عِندَهُم مِّنَ الۡعِلۡمِ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ﴾ [غافر:83]


فلمَّا جاءَتْهمْ رسُلُنا بالمُعجِزاتِ والحُجَجِ الدَّالَّةِ على نبوَّتِهمْ وصِدْقِ رسالَتِهم، اغترَّ المشرِكونَ بما عندَهمْ مِنَ العِلمِ الدنيَويّ، وتَمسَّكوا بما وَرِثوهُ مِنْ آبائهمْ وجادَلوا بهِ مِنَ الأفكارِ الزَّائغَةِ والعَقائدِ الباطِلَة، وجعَلوا مِنَ الأوْهامِ حَقائق، وأحاطَ بهمْ ما كانوا يَستَهزِؤونَ بهِ ويَستَبعِدونَ وقوعَهُ مِنَ المَعادِ والجَزاءِ على الأعمال.

﴿فَلَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَا قَالُوٓاْ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَحۡدَهُۥ وَكَفَرۡنَا بِمَا كُنَّا بِهِۦ مُشۡرِكِينَ﴾ [غافر:84]


فلمَّا رَأوا شِدَّةَ عَذابِنا، وعَلِموا أنَّهمْ سيُعاقَبونَ على ما اكتسَبوا مِنَ المَعاصي والذُّنوب، أدرَكوا ما كانوا عَليهِ مِنْ كُفرٍ وجَهلٍ وغُرور، وقالوا في استِسلام: آمَنَّا باللهِ وَحدَهُ لا شَريكَ له، وتبرَّأنا مِنَ الآلهَةِ التي كنَّا نَعبُدُها مِنْ دونِ الله.

﴿فَلَمۡ يَكُ يَنفَعُهُمۡ إِيمَٰنُهُمۡ لَمَّا رَأَوۡاْ بَأۡسَنَاۖ سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدۡ خَلَتۡ فِي عِبَادِهِۦۖ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الۡكَٰفِرُونَ﴾ [غافر:85]


ولكنَّهمْ قالوا ذلكَ بعدَ فَواتِ الأوَان، فلمْ يَنفَعْهُمْ إيمانُهمْ بعدَ أنْ عايَنوا العَذاب، لأنَّهُ إيمانٌ عنْ إلجاءٍ واضطِرار، وقدْ مضَى وَقتُ التَّكليف، وجاءَ وَقتُ الحِسابِ والجَزاء. وهذا حُكمٌ عامٌّ وضعَهُ اللهُ للنَّاس، بأنْ لا يَقبلَ إيمانَ أحَدٍ منهمْ عندَ رؤيَةِ العَذاب. وخَسِرَ الكافِرونَ عندَما رأوا بأسَ اللهِ يُحيطُ بهم، وعَلِموا أنَّهمْ في النَّارِ معَذَّبونَ على الدَّوام.