﴿طَاعَةٞ وَقَوۡلٞ مَّعۡرُوفٞۚ فَإِذَا عَزَمَ الۡأَمۡرُ فَلَوۡ صَدَقُواْ اللَّهَ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡ﴾ [محمد :21]
هوَ طاعَةٌ منهمْ يَستَسلِمونَ فيها لأمرِ الله، وقَولٌ مَعروفٌ بالإجابَة، فإذا جَدَّ الأمر، وحضَرَ القِتال، فلو صدَقوا اللهَ في الطَّاعَةِ والحِرصِ على الجِهادِ كالمؤمِنينَ الصَّادِقين، لكانَ خَيرًا لهم.
﴿فَهَلۡ عَسَيۡتُمۡ إِن تَوَلَّيۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُواْ فِي الۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوٓاْ أَرۡحَامَكُمۡ﴾ [محمد :22]
فلعَلَّكمْ إنْ أعرَضتُمْ عنْ طاعَةِ الله، والجِهادِ في سَبيلِه، أنْ تَعودوا إلى ما كنتُمْ عَليهِ في الجاهليَّة، تَسفِكونَ الدِّماء، وتَظلِمونَ النَّاس، وتَقطَعونَ الأرحَام.
﴿أُوْلَـٰٓئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعۡمَىٰٓ أَبۡصَٰرَهُمۡ﴾ [محمد :23]
فأولئكَ المُعرِضونَ المُفسِدون، قاطِعو الأرحَام، أبعدَهمُ اللهُ مِنْ رَحمَتِه، فأصَمَّ سَمعَهمْ عنِ الاستِماعِ للحقّ، وأعمَى أبصارَهمْ عنْ رؤيَةِ آياتِهِ الدَّالَّةِ على صِدقِ رسُلِه، فقدْ عطَّلوا حَواسَّهمْ عنْ ذلك، وأبعَدوها عنْ وَظيفَتِها الأساسيَّة، فكانَ جَزاؤهمْ مِنْ جنسِ عمَلِهم.
وقَطعُ الأرحامِ ذَنْبٌ عَظيم، وعَليهِ عُقوبَةٌ كبيرَة، وفي ذلكَ أحاديثُ صَحيحَة.
﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الۡقُرۡءَانَ أَمۡ عَلَىٰ قُلُوبٍ أَقۡفَالُهَآ﴾ [محمد :24]
أفلا يَتفَهَّمونَ القُرآن، ويَتمَعَّنونَ في آياتِه، ومَواعظِهِ وأحكامِه، وزَواجرِهِ ونَواهيه، حتَّى لا يَقَعوا فيما وَقعَ فيهِ الجاهِلون؟ بلْ هذهِ القُلوبُ مُغَطَّاةٌ بحُجُبٍ كثيفَة، ومُقفَلَةٌ بأقفالٍ ثَقيلَة، لا تَختَرِقُها الكلِماتُ مَهما كانتْ مُؤَثِّرَة، ولا تَنتَهي إليها الأنوارُ مَهما كانتْ مُشِعَّة!
﴿إِنَّ الَّذِينَ ارۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَٰرِهِم مِّنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الۡهُدَى الشَّيۡطَٰنُ سَوَّلَ لَهُمۡ وَأَمۡلَىٰ لَهُمۡ﴾ [محمد :25]
إنَّ الذينَ رجَعوا إلى ما كانوا عَليهِ منَ الكُفر، بَعدَما تَبيَّنَ لهمْ أنَّ ما أتَى بهِ الرسُولُ صلى الله عليه وسلم هوَ الحقّ، بالدَّلائلِ والبيِّنات، كالمُنافِقين، وأهلِ الكتاب، الذينَ عَلِموا أوصافَ النبيِّ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ ومُطابَقتَها لِما عندَهم، فترَكوا ذلكَ ورجَعوا إلى ضَلالِهم، فهؤلاءِ قدْ زيَّنَ الشَّيطانُ عمَلَهمُ السيِّءَ في قُلوبِهم، فغَرَّهمْ بذلكَ وخدعَهم، ومدَّ لهمْ في الأمانيِّ والآمال، حتَّى أطاعُوه، وفَضَّلوهُ على الدَّلائلِ والحُجَجِ الواضِحات!
﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمۡ قَالُواْ لِلَّذِينَ كَرِهُواْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمۡ فِي بَعۡضِ الۡأَمۡرِۖ وَاللَّهُ يَعۡلَمُ إِسۡرَارَهُمۡ﴾ [محمد :26]
ذلكَ بأنَّ المُنافِقينَ قالوا لليَهودِ الذينَ كَرِهوا نُزولَ القُرآنِ على محمَّدٍ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلام: سَنُطيعُكمْ في بَعضِ أُمورِكمْ ورَغَباتِكم، فنَتعَاوَنُ معَكمْ في عَداوَةِ محمَّدٍ (صلى الله عليه وسلم) ونَقعُدُ عنِ الجِهادِ معَه. واللهُ مُطَّلِعٌ على ما يُسِرُّون، وعالِمٌ بما يَمكرون.
﴿فَكَيۡفَ إِذَا تَوَفَّتۡهُمُ الۡمَلَـٰٓئِكَةُ يَضۡرِبُونَ وُجُوهَهُمۡ وَأَدۡبَٰرَهُمۡ﴾ [محمد :27]
فكيفَ تَكونُ حالُهمْ إذا جاءَ مَلَكُ المَوتِ وأعوانُهُ مِنَ المَلائكةِ لقَبضِ أروَاحِهم، وهمْ يَضرِبونَ وجوهَهمْ وأدبارَهمْ بالمَقامِع؟
﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُواْ مَآ أَسۡخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضۡوَٰنَهُۥ فَأَحۡبَطَ أَعۡمَٰلَهُمۡ﴾ [محمد :28]
وهذا الذي استحَقُّوهُ ونالُوهُ مِنَ العَذاب، بسبَبِ أنَّهمُ اتَّبَعوا ما أغضبَ اللهَ وأسخطَهُ مِنَ الكُفرِ والضَّلالِ والمَعاصي، وكَرِهوا ما يَرضاهُ مِنَ الإيمانِ والجِهادِ والطَّاعَة، فأبطلَ اللهُ ثوابَ أعمالِهم.
﴿أَمۡ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَن لَّن يُخۡرِجَ اللَّهُ أَضۡغَٰنَهُمۡ﴾ [محمد :29]
أمْ حَسِبَ المُنافِقونَ أنَّنا لنْ نُظهِرَ أحقادَهمْ وما يُبطِنونَهُ مِنْ عَداوَةٍ للمؤمِنين؟
﴿وَلَوۡ نَشَآءُ لَأَرَيۡنَٰكَهُمۡ فَلَعَرَفۡتَهُم بِسِيمَٰهُمۡۚ وَلَتَعۡرِفَنَّهُمۡ فِي لَحۡنِ الۡقَوۡلِۚ وَاللَّهُ يَعۡلَمُ أَعۡمَٰلَكُمۡ﴾ [محمد :30]
ولو أرَدنا أيُّها الرسُولُ لعرَّفناكَ أسماءَهم، وأرَيناكَ أشخاصَهم، وجعَلنا عَليهمْ عَلاماتٍ عرَفتَهمْ بها، ولتَعرِفنَّهمْ مِنْ فَحوَى كلامِهم، الدَّالِّ على مَقاصدِهم.
قالَ ابنُ كثيرٍ رَحِمَهُ الله: ولكنْ لم يَفعَلْ تَعالَى ذلكَ في جَميعِ المُنافِقين، سِترًا منهُ على خَلقِه، وحَملاً للأمورِ على ظَاهرِ السَّلامَة، ورَدِّ السَّرائرِ إلى عالمِها. اهـ.
واللهُ يَعلَمُ أحوالَكمْ وأعمالَكم، وسيُجازيكمْ عَليها بحسَبِ مَقاصدِكم.
﴿وَلَنَبۡلُوَنَّكُمۡ حَتَّىٰ نَعۡلَمَ الۡمُجَٰهِدِينَ مِنكُمۡ وَالصَّـٰبِرِينَ وَنَبۡلُوَاْ أَخۡبَارَكُمۡ﴾ [محمد :31]
ولنَختَبِرَنَّكمْ بالجِهادِ ونَحوِهِ مِنَ الأوامِر، الذي يَبدو مِنْ خِلالِهِ صِدقُ الإيمانِ مِنْ عدَمِه، حتَّى نرَى المُجاهِدينَ منكمْ حقًّا والصَّابِرينَ على مَشاقِّ التَّكاليف، ونُظهِرَ نَتيجةَ أعمالِكمْ ومَواقفِكمُ الحقيقيَّة.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَآقُّواْ الرَّسُولَ مِنۢ بَعۡدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الۡهُدَىٰ لَن يَضُرُّواْ اللَّهَ شَيۡـٔٗا وَسَيُحۡبِطُ أَعۡمَٰلَهُمۡ﴾ [محمد :32]
إنَّ الذينَ كفَروا باللهِ ورَسُولِه، ومنَعوا النَّاسَ مِنْ دِينِ اللهِ الحقّ، وعادَوا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم بعدَما ظهرَ لهمْ بالدَّلائلِ والمُعجِزاتِ أنَّ الإسْلامَ هوَ الدِّينُ الحقّ، وأنَّ محمَّدًا صلى الله عليه وسلم رَسُولُه، لنْ يَضرُّوا اللهَ بكُفرِهمْ وصَرفِ النَّاسِ عنْ دِينِه، وإنَّما يَضُرُّونَ أنفُسَهم، وسيُبطِلُ اللهُ ثَوابَ أعمالَهم، لأنَّها لم تَكنْ في سَبيلِهِ ولمَرضاتِه.
﴿۞يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَلَا تُبۡطِلُوٓاْ أَعۡمَٰلَكُمۡ﴾ [محمد :33]
يا عِبادَ اللهِ المؤمِنين، أقبِلوا على طاعَةِ اللهِ ورَسُولِه، بالقَولِ الطيِّبِ والعمَلِ الصَّالح، ولا تُبطِلوا أعمالَكمُ الحسنَةَ بالشِّركِ والنِّفاق.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ مَاتُواْ وَهُمۡ كُفَّارٞ فَلَن يَغۡفِرَ اللَّهُ لَهُمۡ﴾ [محمد :34]
إنَّ الذينَ كفَروا باللهِ ورَسولِه، ومنَعوا النَّاسَ مِنِ اعتِناقِ دِينِه، وأصَرُّوا على الكُفرِ واستمَرُّوا عليهِ حتَّى ماتُوا وهمْ كافِرون، فلنْ يَغفِرَ اللهُ لهم، فاللهُ لا يَغفِرُ أنْ يَشرَكَ به، ويَغفِرُ ما دونَ ذلكَ لمَنْ يَشاء، ومَنْ لم يَغفِرِ اللهُ لهُ فلا نَصيبَ لهُ في الجنَّة.
﴿فَلَا تَهِنُواْ وَتَدۡعُوٓاْ إِلَى السَّلۡمِ وَأَنتُمُ الۡأَعۡلَوۡنَ وَاللَّهُ مَعَكُمۡ وَلَن يَتِرَكُمۡ أَعۡمَٰلَكُمۡ﴾ [محمد :35]
فلا تَضعُفوا عنِ الأعدَاء، ولا تُظهِروا لهمْ لِيْنًا، ولا تَدْعُوهمْ إلى الصُّلحِ والمُهادَنَةِ ووَقفِ القِتالِ بينَكمْ وبينَهمْ وأنتُمُ الأقوَى، واللهُ معَكم، وناصِرُكمْ على أعدَائكم، ولنْ يَنقُصَكمْ شَيئًا مِنْ ثَوابِ أعمالِكم، بلْ يُوفيكمْ ثَوابَها ويَزيدُها لكم.
﴿إِنَّمَا الۡحَيَوٰةُ الدُّنۡيَا لَعِبٞ وَلَهۡوٞۚ وَإِن تُؤۡمِنُواْ وَتَتَّقُواْ يُؤۡتِكُمۡ أُجُورَكُمۡ وَلَا يَسۡـَٔلۡكُمۡ أَمۡوَٰلَكُمۡ﴾ [محمد :36]
إنَّما هذهِ الحياةُ الدُّنيا - في غالبِها - كاللَّعِبِ واللَّهوِ في عدَمِ النَّفعِ والثَّبات، فلا يَشتَغِلُ العاقِلُ بما هوَ باطِلٌ وغُرورٌ ولا بَقاءَ له. وإنْ تَكونوا صادِقينَ في إيمانِكم، وتتَّقوا اللهَ فيما تأتونَ وما تذَرون، يؤتِكمْ ثَوابَ أعمالِكمْ في الآخِرَة، ولا يَسألْكُمْ جَميعَ أموالِكم، بلْ جُزءًا قَليلاً منهُ تُؤدُّونَهُ لإخوانِكمُ المُحتاجين، ويَرجِعُ ثَوابُهُ إليكم.
﴿إِن يَسۡـَٔلۡكُمُوهَا فَيُحۡفِكُمۡ تَبۡخَلُواْ وَيُخۡرِجۡ أَضۡغَٰنَكُمۡ﴾ [محمد :37]
وإذا سألَكمْ جَميعَ أموالِكم، فسيُجهِدُكمْ ذلك، وستَبخَلونَ بها، ويُخرِجُ بذلكَ أحقادَكم، لمَزيدِ حُبِّكمْ للمَال.
﴿هَـٰٓأَنتُمۡ هَـٰٓؤُلَآءِ تُدۡعَوۡنَ لِتُنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبۡخَلُۖ وَمَن يَبۡخَلۡ فَإِنَّمَا يَبۡخَلُ عَن نَّفۡسِهِۦۚ وَاللَّهُ الۡغَنِيُّ وَأَنتُمُ الۡفُقَرَآءُۚ وَإِن تَتَوَلَّوۡاْ يَسۡتَبۡدِلۡ قَوۡمًا غَيۡرَكُمۡ ثُمَّ لَا يَكُونُوٓاْ أَمۡثَٰلَكُم﴾ [محمد :38]
ها أنتُمْ تُدْعَونَ للإنفَاقِ في طاعَةِ الله، مِنَ الجِهادِ وغَيرِه، فمِنكمْ مَنْ يَبخَلُ بمالِهِ فلا يُجيب، ومَنْ يَبخَلْ بما عندَهُ فإنَّما يَضرُّ نَفسَه، ويَنقُصُ مِنْ أجرِه، واللهُ غَنيٌّ عنْ طاعَتِكم، غَيرُ مُحتاجٍ إلى أموالِكم، وأنتمُ الفُقَراءُ إليه، المُحتاجُونَ إلى رِزقِه، فإنفاقُكمْ أو عدَمُهُ مَحسُوبٌ لكمْ أو عَليكم. وإذا أعرَضتُمْ عنْ طاعَةِ اللهِ يَستَبدِلْ بكمْ قَومًا آخَرينَ، ولا يَكونوا مثلَكمْ مُعرِضينَ عنْ أمرِ الله، بلْ يَسمَعونَ ويُطيعون.