وما جعَلنا خزَنةَ النَّارِ إلاّ مَلائكة، غِلاظًا شِدادًا، لا يُقاوَمونَ ولا يُغلَبون. وما جعَلنا عدَدَهمْ (تِسعَةَ عَشَرَ) إلاّ اختِبارًا للكافِرين، الذينَ لا يُسَلِّمونَ بما أنزلَ الله، ويَستَبعِدونَ أنْ تَقومَ قِلَّةٌ مِنَ المَلائكةِ بتَعذيبِ عدَدٍ هائلٍ مِنَ البشَر. وليَعلَمَ أهلُ الكتابِ أنَّ هذا النبيَّ حقّ، وأنَّ القُرآنَ مُوحًى به، فإنَّ عدَدَهمْ هذا مَذكورٌ في الكتُبِ السَّماويَّةِ السَّابقَة. وليَزدادَ بذلكَ إيمَانُ المؤمِنين، لِما يَقِفونَ عليهِ مِنْ دَلائلِ صِدقِهِ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلام، ولئلاَّ يَشُكَّ أهلُ الكتابِ والمؤمِنونَ في عدَدِهم، وليَقولَ المُنافِقونَ والكافِرون: أيَّ شَيءٍ أرادَ اللهُ بذِكرِ هذا العدَدِ مِنَ الملائكة، وبذِكرِ هذا الخبَرِ كُلِّهِ؟
وبمِثلِ هذا يُضِلُّ اللهُ مَنْ شَاء، ممَّنْ صرَفَ اختيارَهُ إلى الإنكَارِ والحقُّ ظاهِر، ويَهدي مَنْ شَاء، ممَّنِ استعَدَّ لقَبولِ الحقِّ والتَّسليمِ بما أنزَلَ الله، وبذلكَ يتأكَّدُ إيمَانُ أقوامٍ، ويَتزَلزَلُ عندَ آخَرين.
ولا يَعلَمُ جُنودَ اللهِ وكثرَتَهم، وحَقيقَتَهمْ ووَظائفَهمْ إلاّ هوَ سُبحانَه، فإنَّهُ مِنَ الغَيبِ الذي اختصَّ بهِ تَعالَى.
وما النَّارُ التي وُصِفَتْ إلاّ تَذكِرَةٌ ومَوعِظَةٌ للنَّاس، ليَعتَبِروا ويَرجِعوا إلى رَبِّهم.