تفسير الجزء 12 من القرآن الكريم

  1. أجزاء القرآن الكريم
  2. الجزء الثاني عشر
12
سورة هود (6-123)
سورة يوسف (1-52)

﴿۞وَمَا مِن دَآبَّةٖ فِي الۡأَرۡضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزۡقُهَا وَيَعۡلَمُ مُسۡتَقَرَّهَا وَمُسۡتَوۡدَعَهَاۚ كُلّٞ فِي كِتَٰبٖ مُّبِينٖ﴾ [هود:6]


وليسَتْ هُناكَ دابَّةٌ في الأرض، مِنْ إنسان، وحَيَوان، وطَير، وسَمَك، وحَشَرة... إلاّ وقدْ تَكفَّلَ اللهُ برِزقِها، فقدْ أودعَ في السَّماءِ والأرضِ أرزاقًا مَذخورةً تَكفيها كلَّها، وجعلَ في هذهِ الدوابِّ إمكاناتٍ لتَحصيلِها.

وعِلمُهُ مُحيطٌ بها جَميعًا، يَعلَمُ أينَ تَذهَبُ وأينَ تَجيءُ وأينَ تَقِفُ في سَيرِها، ويَعلَمُ أينَ تَبيتُ وتأوي، معَ كثرَتِها وتَنوُّعِها، وكلُّ ذلكَ مكتوبٌ ومُثْبَتٌ في اللَّوحِ المحفوظِ قبلَ خَلقِها: وجودُها، وتحرُّكُها، ورِزقُها...

﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَكَانَ عَرۡشُهُۥ عَلَى الۡمَآءِ لِيَبۡلُوَكُمۡ أَيُّكُمۡ أَحۡسَنُ عَمَلٗاۗ وَلَئِن قُلۡتَ إِنَّكُم مَّبۡعُوثُونَ مِنۢ بَعۡدِ الۡمَوۡتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ﴾ [هود:7]


وهوَ الخالِقُ المُبدِع، الذي خَلقَ السَّماواتِ والأرضَ في سِتَّةِ أيَّام، وكانَ عَرْشُهُ على الماء، وأودعَ فيهما ما تَحتاجونَ إليه، وما تَستَدِلُّونَ بهِ على الخَالِق، وأودعَ فيكمُ الاستِعداداتِ والطَّاقاتِ المادِّيةَ والمعنويَّةَ الملائمةَ لِما سَخَّرَهُ لكمْ فيهما، ليَختَبِرَكمْ، ويَنظُرَ في مواقِفِكمْ وأعمالِكم، في الذي تَستَخدِمونَهُ وتَتعامَلونَ به، فيما يَنفَعُ أو فيما يَضُرّ، وهلْ تتَّبِعونَ الحقَّ الذي بيَّنَهُ لكمْ ربُّكم بواسِطَةِ رسُلِه، أمْ تَضِلُّونَ وتَكفُرون؟

ولئنْ قُلتَ لهؤلاءِ المشرِكين: إنَّكمْ ستُبعَثونَ بعدَ مماتِكمْ ليُحاسِبَكمُ اللهُ على أعمالِكم، استَهزَؤوا بكلامِك، وقالوا مُنكِرينَ ذلكَ مُستَبعِدين: إنَّ ما تَقولُهُ خَديعَةٌ وبُطلان، لا واقِعَ لهُ ولا أسَاس.

﴿وَلَئِنۡ أَخَّرۡنَا عَنۡهُمُ الۡعَذَابَ إِلَىٰٓ أُمَّةٖ مَّعۡدُودَةٖ لَّيَقُولُنَّ مَا يَحۡبِسُهُۥٓۗ أَلَا يَوۡمَ يَأۡتِيهِمۡ لَيۡسَ مَصۡرُوفًا عَنۡهُمۡ وَحَاقَ بِهِم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ﴾ [هود:8]


وإذا أخَّرنا عنهمُ العَذابَ الدُّنيويَّ إلى أجَلٍ مَعدود، لحِكمةٍ يَعلمُها الله، قالوا في جَهلٍ وحُمْق: أيُّ شَيءٍ يَحبِسُ العَذاب، وما الذي يَمنَعُ مَجيئَه؟ يَعنونَ أنَّهُ ليسَ بشَيء.

وإنَّ اليومَ الذي يأتيهمْ - وفيهِ العَذابُ - لا يُرفَعُ عَنهم، ولا يَستَطيعُ أحَدٌ أنْ يَدفَعَهُ عنهم، بلْ سيُحيطُ بهمْ جزاءَ استهزائهمْ وكُفرِهم.

وكانَ في تأخيرِ العَذابِ عنهمْ رحمةٌ منَ اللهِ بهم، فقدْ أسلَموا منْ بعد، ونَفَعَ اللهُ بهم، وفتَحَ بهمْ فُتوحَات...

﴿وَلَئِنۡ أَذَقۡنَا الۡإِنسَٰنَ مِنَّا رَحۡمَةٗ ثُمَّ نَزَعۡنَٰهَا مِنۡهُ إِنَّهُۥ لَيَـُٔوسٞ كَفُورٞ﴾ [هود:9]


وإذا أنعَمنا على الإنسَانِ نِعمَة، مِنْ غِنىً وصِحَّةٍ وأمن، وذاقَ لذَّتَها، واستَمتعَ بها، ثمَّ سَلبناها منه، وجدتَهُ مَهمومًا مَغمومًا على ما أصابَه، يائسًا منْ رُجوعِ رحمةِ اللهِ إليه، جاحِداً بتلكَ النِّعمَة.

﴿وَلَئِنۡ أَذَقۡنَٰهُ نَعۡمَآءَ بَعۡدَ ضَرَّآءَ مَسَّتۡهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّـَٔاتُ عَنِّيٓۚ إِنَّهُۥ لَفَرِحٞ فَخُورٌ﴾ [هود:10]


وإذا أعطَيناهُ نِعمةً منْ عندِنا بعدَ شِدَّةٍ وبَلاءٍ أصابَه، قال: زالتِ الشَّدائدُ عنِّي، فهوَ بذلكَ فَرِحٌ فَخور، مُغتَرٌّ مُتَعاظِمٌ على النَّاس، لا يَحسُبُ لزوالِها حِسابًا. وذاكَ دأبُ الكافِرينَ وضَعِيفي الإيمان.

﴿إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـٰلِحَٰتِ أُوْلَـٰٓئِكَ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٞ كَبِيرٞ﴾ [هود:11]


أمّا المؤمِنونَ الصَّابِرون، الذينَ أتْبَعوا إيمانَهمْ بالعمَلِ الصالِحِ الموافِقِ للدِّين، وأخلَصوا للهِ فيه، فإنَّهمْ إذا أصابَتْهُمْ شِدَّةٌ صَبَروا حتَّى يأتيَ اللهُ بالفرَج، وإذا أنعمَ عليهمْ بالخَيرِ والعَافيةِ شَكروا ولم يَبْطَروا، ولم يَنسَوا حُقوقَ الناس، فأولئكَ الذينَ يَغفِرُ اللهُ ذُنوبَهم، ويُثيبُهمْ على أعمالِهمُ الحسَنةِ ثوابًا عَظيمًا؛ جَزاءَ صَبرِهمْ على الشَّدائد، وشُكرِهمْ على النِّعَم.

﴿فَلَعَلَّكَ تَارِكُۢ بَعۡضَ مَا يُوحَىٰٓ إِلَيۡكَ وَضَآئِقُۢ بِهِۦ صَدۡرُكَ أَن يَقُولُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ كَنزٌ أَوۡ جَآءَ مَعَهُۥ مَلَكٌۚ إِنَّمَآ أَنتَ نَذِيرٞۚ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيلٌ﴾ [هود:12]


فلعلَّكَ تَترُكُ أيُّها الرسُولُ تَبليغَ بعضِ ما أوحَى اللهُ إليكَ مِنَ القُرآن، ويَضيقُ صَدرُكَ بكلِماتِ الكافِرينَ التي تُنْبِئُ عنُ مواقِفُهمُ السيِّئةِ منه.

و"لعلَّ" هنا ليسَ استفهامًا خالِصًا، بلِ المُرادُ منهُ الزَّجْر. وكانَ الكافِرونَ يَستَهزِؤونَ بالقُرآن، فيَضيقُ صَدرُ الرسُولِ صلى اللهُ عليه وسلم أنْ يُسمِعَهُمْ ما لا يَقبَلونَهُ ويَضحَكونَ منه، فأثارَتِ الآيةُ عزيمتَهُ لئلاّ يَنالَ منها ذلك.

وقالَ الكافِرون: هلاّ نزلَ على هذا الرسُولِ مالٌ كَثير، أو جاءَ معَهُ مَلَكٌ يُصَدِّقهُ حتَّى نُصَدِّقَه؟

فلا يَضِقْ صَدرُكَ بهذا وبغَيرِهِ منْ كلامِهمْ ومُقتَرَحاتِهمُ التي يَقولونَها تَعجيزًا واستِهزاء، لا طَلَباً للإيمان، فلستَ موَكَّلاً بهمْ وبإيمانِهم، إنَّما أنتَ مُبَلِّغ، واللهُ هوَ القائمُ بكلِّ شَيء، الحافِظُ له، يَعلَمُ مَنْ يَستَحِقُّ الهِدايةَ فيَهديه، ومَنْ يَستَحِقُّ الضَّلالةَ فيُبقِيهِ عليها.

﴿أَمۡ يَقُولُونَ افۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ فَأۡتُواْ بِعَشۡرِ سُوَرٖ مِّثۡلِهِۦ مُفۡتَرَيَٰتٖ وَادۡعُواْ مَنِ اسۡتَطَعۡتُم مِّن دُونِ اللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ﴾ [هود:13]


أمْ يَقولُ المشرِكونَ إنَّ محمَّدًا (صلى الله عليه وسلم) اختلقَ القُرآنَ مِنْ عندِهِ وليسَ هوَ وحيًا منْ عندِ الله؟ قلْ لهمْ أيُّها الرسُول: إذا كانَ الأمرُ كما تَقولون، فَأْتوا بعَشرِ سُوَرٍ مِنْ مِثْلِ القرآن، مُفتَعلاتٍ مُختلِفات، تكونُ في بلاغتِهِ وحُسْنِ نَظْمِهِ ودِقَّةِ مَعناه، فأنتُمْ بَشَرٌ مِثلي، وكَلِماتُ اللُّغةِ مُشَاعَةٌ لي ولكم، واستَعينوا بمَنْ شِئتُمْ مِنْ فُصَحائكمْ وبُلَغائكمْ وكُهَّانِكمْ منَ الإنسِ والجِنِّ ليُساعِدوكمْ في الإتيانِ بمِثْلِه، إنْ كنتُمْ صَادِقينَ في أنَّني قُمتُ بتأليفِ القرآنِ مِنْ عِندي.

﴿فَإِلَّمۡ يَسۡتَجِيبُواْ لَكُمۡ فَاعۡلَمُوٓاْ أَنَّمَآ أُنزِلَ بِعِلۡمِ اللَّهِ وَأَن لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَهَلۡ أَنتُم مُّسۡلِمُونَ﴾ [هود:14]


فإذا لم يَستَجِبْ لكمُ المشرِكونَ المعانِدونَ المستَكبِرون، فلمْ يأتوا بمثْلِ هذا القُرآنِ أو عَشرِ آياتٍ مِنْ مثلِه، فاعلَموا جَميعًا أنَّ القُرآنَ كلامُ الله، أنزَلَهَ على رسُولِهِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فهوَ كلامٌ مُعجِزٌ لا يَقدِرُ أحَدٌ على أنْ يأتيَ بمِثلِهِ حتَّى آخِرِ الدَّهر. واعلَموا أنَّ اللهَ واحِدٌ لا شَريكَ له، وآلِهتُكمْ أيُّها المشرِكونَ لا شِرْكَةَ لها بالله، ولو كانَ لها شَيءٌ منْ ذلكَ لساعَدَتْكمْ فيما تُعانِدونَ بهِ الرسُول، فهلْ أنتُمْ داخِلونَ في الإسْلامِ بعدَ عَجزِكمْ عنْ هذا التحدِّي المُبِين؟

﴿مَن كَانَ يُرِيدُ الۡحَيَوٰةَ الدُّنۡيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيۡهِمۡ أَعۡمَٰلَهُمۡ فِيهَا وَهُمۡ فِيهَا لَا يُبۡخَسُونَ﴾ [هود:15]


مَنْ أرادَ بأعمالِهِ المَنفَعةَ في الدُّنيا وحُسنَ الإقامةِ بها، وفَّيناهُمْ أجورَهمْ فيها كامِلة، فوسَّعنا لهمْ في الرزق، وأعطيناهُمُ الصحَّة... ولم نَنقُصْ مِنْ حظِّهمُ الدُّنيويِّ شَيئاً ممّا يَستَحِقُّونَهُ مُقابِلَ ما قاموا بهِ مِنْ أعمالٍ خَيريَّةٍ إنسانيَّة، ولكنْ ليسَ لهمْ في الآخِرةِ شَيءٌ عندَ الله، لأنَّهمْ لم يَبتَغوا بذلكَ وجهَ اللهِ والآخِرة.

﴿أُوْلَـٰٓئِكَ الَّذِينَ لَيۡسَ لَهُمۡ فِي الۡأٓخِرَةِ إِلَّا النَّارُۖ وَحَبِطَ مَا صَنَعُواْ فِيهَا وَبَٰطِلٞ مَّا كَانُواْ يَعۡمَلُونَ﴾ [هود:16]


وهؤلاءِ المشرِكونَ المكذِّبونَ ليسَ لهمْ استِحقاقٌ عندَ اللهِ سِوَى النَّار، لأنَّ همَّهمْ كانَ مَصروفًا إلى الدُّنيا ومَتاعِها، ولم يَحسَبوا للآخِرةِ حِسابًا، فأعمالُهمْ تلكَ كانَ لها وَزنٌ في الدُّنيا وقدْ أخَذوا مُقابِلَها آنَذاك، أمّا في الآخِرَةِ فلا وَزنَ لها، وبطَلَ ثوابُ كلِّ ما عَمِلوه، لأنَّها مِنْ غيرِ إيمانٍ ولا طلَبِ ثوابٍ أُخْرَويّ.

﴿أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّهِۦ وَيَتۡلُوهُ شَاهِدٞ مِّنۡهُ وَمِن قَبۡلِهِۦ كِتَٰبُ مُوسَىٰٓ إِمَامٗا وَرَحۡمَةًۚ أُوْلَـٰٓئِكَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۚ وَمَن يَكۡفُرۡ بِهِۦ مِنَ الۡأَحۡزَابِ فَالنَّارُ مَوۡعِدُهُۥۚ فَلَا تَكُ فِي مِرۡيَةٖ مِّنۡهُۚ إِنَّهُ الۡحَقُّ مِن رَّبِّكَ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ النَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ﴾ [هود:17]


أفمَنْ كانَ على دَليلٍ وبُرهانٍ واضِحٍ - والمقصودُ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم - وبيِّنةٍ عَظيمةِ الشأنِ مِنْ قِبَلِ ربِّه - وهيَ القُرآنُ - ويَتْبَعُهُ مَنْ يَشهَدُ لهُ بصِدقِهِ - وهوَ جِبريل، أو الشواهِدُ والمعجِزات - وقبلَ ذلكَ ما وردَ مِنْ خبَرِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ ووَصفِهِ والتبشيرِ بهِ في التَّوراة، التي كانتْ نِظامًا وقُدوةً للنَّاس، وهِدايةً ورَحمةً منَ اللهِ لمَنِ اتَّبعَها، وهيَ مُصَدِّقَةٌ للقُرآن، شاهِدةٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، فإنَّ أولئكَ الذينَ يؤمِنونَ بكلِّ ما فيها، يؤمِنونَ أيضًا بمحمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، لأنَّهُ يَلزَمُ هذا مِنْ ذاك، أفمَنْ كانَ على بيِّنةٍ مثلَ هذا النبيّ، كمَنْ هوَ في الضَّلالةِ والجَهالةِ منَ الكفّارِ والمشرِكين؟!

ومَنْ يَكفُرْ بالرَّسولِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم منَ الكافرِينَ وأهلِ المِلَلِ كُلِّها، فإنَّهُ لا مكانَ لهمْ في الآخِرَةِ إلاّ النار، فلا تَكنْ في شَكٍّ مِنْ أمرِ القُرآنِ - وهوَ تَعريضٌ بمَنْ شَكَّ فيه - فإنَّهُ الحقُّ مِنْ ربِّكَ، الذي لا حَقَّ بَعدَه، ولكنَّ أكثرَ الناسِ لا يؤمِنونَ بذلك، جَهلاً وحُمْقًا منهم، أو عِنادًا واستِكبارًا، بعدَ أنْ عَرَفوا أنَّهُ الحَقّ.

﴿وَمَنۡ أَظۡلَمُ مِمَّنِ افۡتَرَىٰ عَلَى اللَّهِ كَذِبًاۚ أُوْلَـٰٓئِكَ يُعۡرَضُونَ عَلَىٰ رَبِّهِمۡ وَيَقُولُ الۡأَشۡهَٰدُ هَـٰٓؤُلَآءِ الَّذِينَ كَذَبُواْ عَلَىٰ رَبِّهِمۡۚ أَلَا لَعۡنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّـٰلِمِينَ﴾ [هود:18]


وليسَ هُناكَ أظلَمُ ممَّنْ كذَبَ على الله(55)، كمَنْ أشركَ به، أو ادَّعَى لهُ كلامًا وليسَ هوَ بكلامِه، فأولئكَ الكاذِبونَ المُفتَرون، يُعرَضونَ على اللهِ يومَ البَعثِ ليُحاسِبَهمْ على أقوالِهمْ وأعمالِهم، وتَقولُ الملائكةُ المُكلَّفَةُ بمراقَبتِهمْ وإحصَاءِ أعمالِهم: هؤلاءِ همُ الذينَ كذَبوا على الله، ألَا بُعدًا وهَلاكًا لهؤلاءِ الظَّالِمينَ المُفتَرين.

(55) ذكرَ العلّامة ابن عاشور عند تفسيرِ الآيةِ (94) من سورةِ آلِ عمران، أن الافتراءَ هو الكذب، وأنه مرادفُ الاختلاق، وكأن أصلَهُ كنايةٌ عن الكذبِ وتلميح، وشاعَ ذلك حتى صارَ مرادفًا للكذب. (التحرير والتنوير).

﴿الَّذِينَ يَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبۡغُونَهَا عِوَجٗا وَهُم بِالۡأٓخِرَةِ هُمۡ كَٰفِرُونَ﴾ [هود:19]


الذينَ يَرُدُّونَ النَّاسَ عنِ الحقّ، ويَمنعونَهمْ منْ سُلوكِ طَريقِ الهُدَى، ويُريدونَ لهمْ طريقًا مُنحَرِفًا يأخذُ بهمْ إلى الضَّلال، ويَرُدُّهمْ إلى الكُفر، وهمْ لا يؤمِنونَ بالآخِرَة، التي فيها إثابَةٌ على اتِّباعِ الحقّ، ومُعاقبَةٌ على اتِّباعِ الباطِل.

﴿أُوْلَـٰٓئِكَ لَمۡ يَكُونُواْ مُعۡجِزِينَ فِي الۡأَرۡضِ وَمَا كَانَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ مِنۡ أَوۡلِيَآءَۘ يُضَٰعَفُ لَهُمُ الۡعَذَابُۚ مَا كَانُواْ يَسۡتَطِيعُونَ السَّمۡعَ وَمَا كَانُواْ يُبۡصِرُونَ﴾ [هود:20]


فأولئكَ الضالُّونَ المُنحَرِفونَ لا هُروبَ لهمْ منَ الله، فهمْ تحتَ قَهرهِ وسُلطانِه، وهوَ قادِرٌ على الانتِقامِ منهم، ولا يَقدِرُ مُساعِدوهمْ ومُناصِروهمْ على أنْ يَمنَعوا عنهمْ شَيئاً مِنَ العُقوبة، وسيُضاعَفُ لهمُ العَذابُ، لأنَّهمْ كانوا يَستَثقِلونَ سماعَ الحق، ويُصِمُّونَ آذانَهمْ دونَ سَماعِه، ويَتعامَونَ عنْ آياتِ اللهِ المبثُوثَةِ في الكَون، فلا يَتفكَّرونَ في دَلالتِها وأسبابِها والحِكمةِ مِنْ خَلْقِها.

﴿أُوْلَـٰٓئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ وَضَلَّ عَنۡهُم مَّا كَانُواْ يَفۡتَرُونَ﴾ [هود:21]


وسَوفَ يَخسَرُ هؤلاءِ أنفُسَهمْ بتَعريضِها لعَذابِ النَّارِ يومَ القيامة، فقدْ فَضَّلوا عِبادةَ الآلِهةِ على عِبادةِ خالقِهمْ ورازِقِهمُ الحقّ، وذهبَ عنهمْ ما كانوا يَعبُدونَه، فلمْ تُغْنِ عنهمْ أصنامُهمْ شَيئاً.

﴿لَا جَرَمَ أَنَّهُمۡ فِي الۡأٓخِرَةِ هُمُ الۡأَخۡسَرُونَ﴾ [هود:22]


ولا مَحالةَ أنَّ هؤلاءِ الكفّارَ همُ الأكثرُ والأبيَنُ خُسرانًا، فقدِ استعاضُوا بالجنَّةِ ونَعيمِها، جَهنَّمَ وسَعيرَها.

﴿إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـٰلِحَٰتِ وَأَخۡبَتُوٓاْ إِلَىٰ رَبِّهِمۡ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ الۡجَنَّةِۖ هُمۡ فِيهَا خَٰلِدُونَ﴾ [هود:23]


إنَّ الذينَ استَجابوا لنِداءِ ربِّهم، فآمَنوا حقَّ الإيمان، وأَتْبَعُوا إيمانَهمْ بالعمَلِ الصَّالحِ الموافِقِ لكتابِ ربِّهم، وأخلَصوا في طَاعتِهمْ ولم يُراؤوا، وخَشعَتْ جوارِحُهم، واطمأنَّتْ نُفوسُهمْ إلى ربِّهم، أولئكَ أهلُ الجنَّة، يَتنعَّمونَ فيها ويَفرَحون، خالدينَ فيها، لا يَموتونَ ولا يَهرَمون.

﴿۞مَثَلُ الۡفَرِيقَيۡنِ كَالۡأَعۡمَىٰ وَالۡأَصَمِّ وَالۡبَصِيرِ وَالسَّمِيعِۚ هَلۡ يَسۡتَوِيَانِ مَثَلًاۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [هود:24]


ومِثالُ الفَريقَين: الكافرِ الشَّقيّ، والمؤمِنِ السَّعيد، كحالِ مَنْ جَمعَ بينَ العَمَى والصَّمَم، ومَنْ جَمَعَ بينَ البصَرِ والسَّمْع، فهلْ يَستَوي الفَريقان؟ الكافِرونَ أعرَضُوا عنِ الحقِّ لأنَّهمْ لم يَنتَفِعوا بحاسَّتَي السَّمعِ والبصَر، والمؤمِنونَ انتَفَعوا بهما فآمَنوا واهتَدَوا إلى طريقِ الجنَّة. أفلا تّتَّعِظونَ بهذا المثَلِ وتَتأمَّلُونَه، حتَّى لا تَخسَروا؟

﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا نُوحًا إِلَىٰ قَوۡمِهِۦٓ إِنِّي لَكُمۡ نَذِيرٞ مُّبِينٌ﴾ [هود:25]


ولقدْ أرسَلنا نُوحًا إلى قَومِهِ المشرِكينَ منْ عَبدَةِ الأوْثان، وكانوا في العِراق، فقالَ لهم: إنِّي بُعِثتُ إليكمْ رَسُولاً مِنْ عندِ الله، لأُنذِرَكمْ في رَسالةٍ وَاضِحةٍ وكلامٍ بيِّن.

﴿أَن لَّا تَعۡبُدُوٓاْ إِلَّا اللَّهَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ عَلَيۡكُمۡ عَذَابَ يَوۡمٍ أَلِيمٖ﴾ [هود:26]


وهوَ ألاّ تَعبدوا إلاّ الله، فهوَ الإلهُ الحقّ، الذي لا تَنبَغي العِبادةُ إلاّ له، إنِّي أخافُ إنِ استَمرَرتُمْ في شِركِكُمْ وعِصيانِكم، أنْ يُصيبَكمْ عَذابٌ شَديدٌ يومَ القِيامَة.

﴿فَقَالَ الۡمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ مَا نَرَىٰكَ إِلَّا بَشَرٗا مِّثۡلَنَا وَمَا نَرَىٰكَ اتَّبَعَكَ إِلَّا الَّذِينَ هُمۡ أَرَاذِلُنَا بَادِيَ الرَّأۡيِ وَمَا نَرَىٰ لَكُمۡ عَلَيۡنَا مِن فَضۡلِۭ بَلۡ نَظُنُّكُمۡ كَٰذِبِينَ﴾ [هود:27]


فقالِ الرؤساءُ والعِلْيَةُ الكُبَراءُ مِنْ قَومِه: ما نَراكَ يا نوحُ إلاّ بَشَرًا مِثلَنا، وليسَتْ فيكَ خَصْلَةٌ تُمَيِّزُكَ عنّا كما تَقول، وما نَراكَ اتَّبعَكَ في دَعوتِكَ سِوَى الفُقراءِ والضُّعَفاءِ وأهلِ الحاجَةِ مِنْ بينِنا، وقدِ اتَّبَعوكَ دونَ تَرَوٍّ ولا تَفكير، واغتَرُّوا بظَاهِرِ قَولِك، ولا نَرَى لكمْ عَلينا فَضيلَةً في خُلُقٍ ولا مَال، ولا قُوَّةٍ ولا عَدَد، بلْ نَظنُّكمْ كاذِبينَ فيما تَدَّعُونَهُ منْ صَلاحِ وإصْلاح، وعَقيدَةٍ ودَعوَة.

﴿قَالَ يَٰقَوۡمِ أَرَءَيۡتُمۡ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٖ مِّن رَّبِّي وَءَاتَىٰنِي رَحۡمَةٗ مِّنۡ عِندِهِۦ فَعُمِّيَتۡ عَلَيۡكُمۡ أَنُلۡزِمُكُمُوهَا وَأَنتُمۡ لَهَا كَٰرِهُونَ﴾ [هود:28]


قالَ نُوحٌ عليهِ السَّلام: يا قَومي، أرأيتُمْ إنْ كنتُ على أمرٍ جَليٍّ وحُجَّةٍ ظَاهِرةٍ مِنْ ربِّي، وشاهِدٍ يَشهَدُ لي بصِحَّةِ دَعواي، ونُبوَّةٍ صادِقَةٍ أكرمَني اللهُ بها، فيها هِدايةٌ ورحمَةٌ للنَّاس، فخَفِيَتْ والتَبَسَتْ عليكُمْ فلمْ تَهتَدوا إليها، ولم تَعرِفوا قَدْرَها، بلْ بادَرْتُمْ إلى تَكذيبِها ورَدِّها، وأنا لا أستَطيعُ أنْ أُلزِمَكُمْ بها وأُكرِهَكُمْ عليها، وأنتُمْ كارِهونَ لها، لا تَختارونَها ولا تَتأمَّلونَ فيها.

﴿وَيَٰقَوۡمِ لَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مَالًاۖ إِنۡ أَجۡرِيَ إِلَّا عَلَى اللَّهِۚ وَمَآ أَنَا۠ بِطَارِدِ الَّذِينَ ءَامَنُوٓاْۚ إِنَّهُم مُّلَٰقُواْ رَبِّهِمۡ وَلَٰكِنِّيٓ أَرَىٰكُمۡ قَوۡمٗا تَجۡهَلُونَ﴾ [هود:29]


ويا قومي لا أطلبُ مِنكمْ على تَبليغِ الرِّسالةِ والنُّصحِ لَكمْ أُجرَةً تؤدُّونَها إليّ، إنَّما أطلبُ ثوابَ ذلكَ منَ اللهِ وحدَه. ولنْ أُبعِدَ المؤمِنينَ الضُّعَفاءَ مِنْ حَولي حتَّى تَجلِسوا مَعيَ دُونَهم، فقدْ آمَنوا، وسَوفَ يُلاقُونَ ربَّهمْ يومَ الحِسابِ ليَجزِيَهمْ على إيمانِهم، ولكنِّي أراكُمْ تَجهَلونَ مِيزانَ المقارَنةِ والمُفاضَلة، ومَعرِفَةَ الخَيرِ والشرّ، فالمَرءُ ليسَ بمالِهِ وحَسَبِه، إنَّما هواَ بإيمانِهِ وطاعَتِه، ولا فَرقَ بينَ الغَنيِّ والفَقيرِ في الإسْلام، ولا الشَّريفِ والوَضيع، ما داموا مُسلِمين.

﴿وَيَٰقَوۡمِ مَن يَنصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِن طَرَدتُّهُمۡۚ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [هود:30]


ويا قومي مَنْ يَدفَعُ عنِّي غَضَبَ اللهِ ويَمنَعُني مِنْ عَذابِهِ إذا أبعَدتُ هؤلاءِ المؤمِنين، وهمْ أكرَمُ عندَ اللهِ مِنكم، أفلا تَتَّعِظون؟ وهَلْ تَستَمرُّونَ في جَهلِكمْ بدَعوَةِ الرسُلِ هكذا؟

﴿وَلَآ أَقُولُ لَكُمۡ عِندِي خَزَآئِنُ اللَّهِ وَلَآ أَعۡلَمُ الۡغَيۡبَ وَلَآ أَقُولُ إِنِّي مَلَكٞ وَلَآ أَقُولُ لِلَّذِينَ تَزۡدَرِيٓ أَعۡيُنُكُمۡ لَن يُؤۡتِيَهُمُ اللَّهُ خَيۡرًاۖ اللَّهُ أَعۡلَمُ بِمَا فِيٓ أَنفُسِهِمۡ إِنِّيٓ إِذٗا لَّمِنَ الظَّـٰلِمِينَ﴾ [هود:31]


ولا أقولُ لكمْ إنَّني أملِكُ أموالاً عظيمةً وأرزاقًا فائضَةً مِنْ خزائنِ اللهِ التي لا تَنفَد، حتَّى أُظهِرَ نَفسِي بمَظهرِ الغَنيِّ الذي تُحِبُّونَه، ولأُعطيَكمْ منهُ ما تَرغَبون، إنَّما عِندي رِسالةٌ أُبَلِّغُها، ودَعوَةٌ أَنشُرُها، وعِلمٌ نافِعٌ أبثُّهُ للنَّاس.

ولا أعلَمُ ما في المستَقبَلِ لأُخبِرَكمْ بما تُريدون، إلاّ ما أطْلَعَني اللهُ عليه، وما أُخبِرُكمْ بهِ هوَ ما أوحَى بهِ إليّ، وليسَ مِنْ عِندي.

ولا أقولُ إنَّني مَلَكٌ مِنَ الملائكةِ حتَّى تُصَدِّقوا نُبوَّتي، فإنَّني بَشَرٌ، مُؤيَّدٌ بمُعجِزات، والنبوَّةُ تَكونُ فيهمْ لا في الملائكة، إنَّما جِبريلُ رُسولُ اللهِ منَ الملائكةِ إلى رُسُلِ اللهِ مِنْ عِبادِه.

ولا أقولُ للَّذينَ تَحتَقِرونَهمْ وتَستَصغِرونَهمْ مِنَ المؤمِنينَ الضُّعفاءِ الذينَ اتَّبَعوا دِينَ اللهِ لنْ يُؤتيَهمُ اللهُ تَوفيقًا في الدُّنيا وأجرًا في الآخِرَة، مُتابَعةً لمطالبِكمْ وتِرضِيَةً لكم، فاللهُ أعلَمُ بما في نُفوسِهمْ مِنْ خَيرٍ وشَرّ، وليسَ لي إلاّ ظاهِرُ ما هُمْ عليه، ولو نقَصتُ مِنْ حُقوقِهمْ وقلتُ إنَّهمْ أشرارٌ وقدْ آمَنوا، فقدْ ظَلَمتُهم، وكنتُ قائلاً بما لا أعلَم، وعرَّضتُ نفسي لغَضَبِ الله.

﴿قَالُواْ يَٰنُوحُ قَدۡ جَٰدَلۡتَنَا فَأَكۡثَرۡتَ جِدَٰلَنَا فَأۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصَّـٰدِقِينَ﴾ [هود:32]


قالَ قومُ نوحٍ الكافِرون: يا نوح، قدْ حاجَجْتَنا وجادَلتَنا وأكثَرتَ مِنْ ذلك، ولنْ نُؤمِنَ برِسالَتِك، فأنزِلْ عَلَينا العَذابَ الذي وَعَدتَنا به، إذا كنتَ صادِقًا بأنَّهُ سيُصيبُنا.

﴿قَالَ إِنَّمَا يَأۡتِيكُم بِهِ اللَّهُ إِن شَآءَ وَمَآ أَنتُم بِمُعۡجِزِينَ﴾ [هود:33]


قالَ لهمْ نوحٌ عليهِ السَّلام: ذلكمْ إلى اللهِ وليسَ إليّ، فإذا كنتُمْ مُستَحِقِّينَ للعَذابِ أنزَلَهُ بكمْ في الوقتِ الذي يَشاءُ فيه، ولا يَستَطيعُ أحَدٌ مِنكمْ أنْ يؤخِّرَهُ أو يَمنَعَهُ إذا جَاء.

﴿وَلَا يَنفَعُكُمۡ نُصۡحِيٓ إِنۡ أَرَدتُّ أَنۡ أَنصَحَ لَكُمۡ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغۡوِيَكُمۡۚ هُوَ رَبُّكُمۡ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ﴾ [هود:34]


ولا تَنفَعُكمْ نَصيحَتي ولا تُفيدُكمْ مَوعِظتي وقدْ أقفَلتُمْ قلوبَكمْ عنْ سَماعِ النُّصحِ لكم، ولا فائدةَ مِنْ ذلكَ إنْ كانَ اللهُ يُريدُ أنْ يُهلِكَكم؛ لإعراضِكمْ عنْ سَماعِ الحقّ، وإصرارِكمْ على الكُفرِ والتَّكذيب، فاللهُ خالِقُكم، وهوَ العالِمُ بأحْوالِكم، المُتَصَرِّفُ في أمورِكم، وإليهِ مَآلُكم، ليُحاسِبَكمْ على مَواقِفِكم، ويُجازيَكمْ على أعمالِكم.

﴿أَمۡ يَقُولُونَ افۡتَرَىٰهُۖ قُلۡ إِنِ افۡتَرَيۡتُهُۥ فَعَلَيَّ إِجۡرَامِي وَأَنَا۠ بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُجۡرِمُونَ﴾ [هود:35]


أمْ يَقولُ الكافِرونَ مِنْ قَومِ نُوح: إنَّ نوحًا كذَبَ بإسنادِهِ الكلامَ إلى اللهِ؟ قُلْ لهمْ يا نبيَّ اللهِ نوحًا: إنَّني إنِ اختَلَقتُ هذا الكلامَ مِنْ عِندي فعليَّ إثمُهُ وعُقوبَتُه، وإنْ كنتُ صادِقًا فيما أقولُ وكذَّبتُموني، فعَليكمْ عِقابُ ذلكَ التَّكذيب، وأنا بريءٌ مِنْ عُقوبَةِ جُرمِكم، فلا أُحاسَبُ إنْ كذَّبتُكم، لأنَّكمْ على ضَلالٍ ظاهِر، وعِبادَةٍ لا يُقِرُّها عَقل، ودَعوَتي نقيَّةٌ طَاهِرة، مؤيَّدَةٌ بالمُعجِزاتِ والأدلَّةِ الواضِحةِ القويَّة، التي لا يُنكِرُها عَقل.

﴿وَأُوحِيَ إِلَىٰ نُوحٍ أَنَّهُۥ لَن يُؤۡمِنَ مِن قَوۡمِكَ إِلَّا مَن قَدۡ ءَامَنَ فَلَا تَبۡتَئِسۡ بِمَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ﴾ [هود:36]


وأوحَى اللهُ إلى نبيِّهِ نوحٍ أنَّهُ لنْ يؤمِنَ مِنْ قَومِكَ إلاّ مَنْ كانَ آمَنَ مِنْ قَبل - واللهُ أعلمُ بأحوالِهمْ وبما يَكونونَ عَليه - فلمْ تَعُدْ هُناكَ فائدَةٌ مِنْ دَعوَتِكَ إيَّاهُم، فلا تَحزَنْ ولا تَهتَمَّ بمواقِفِهمُ السيِّئةِ وأفعالِهمُ الدنيَّة، منْ تَكذيبٍ وإيذاءٍ واستِهزاء، فإنِّي مُهلِكُهُم.