﴿فَلَا تُطِعِ الۡكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادٗا كَبِيرٗا﴾ [الفرقان :52]
فلا تُطِعِ الكافِرينَ فيما يُريدونَكَ عَليه، ولا تَلِنْ لهم، وادعُهُمْ بهذا القُرآن، بتِلاوَةِ ما فيهِ مِنَ الآيات، وتَذكيرِهمْ بمواعظِه، وبمصيرِ الأُمَمِ المُكَذِّبَةِ فيه، فإنَّ في ذلكَ جِهادًا كبيرًا.
﴿۞وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الۡبَحۡرَيۡنِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞ وَجَعَلَ بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٗا وَحِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا﴾ [الفرقان :53]
وهوَ الذي أجرَى كِلا نَوعَي البَحرَينِ في مَجرَيَيْهِما، فهذا نَهرٌ جارٍ طَعمُهُ عَذبٌ لَذيذ، وهذا بَحرٌ ماؤهُ مالِحٌ مُرٌّ لا يُطاقُ شُرْبُه، وقدْ جعلَ اللهُ بينَهما حاجِزًا، وسِترًا مَمنوعًا، فإذا دخلَ ماءُ أحَدِهما على الآخَرِ لم يَختَلِطا.
ويَحدُثُ هذا عندَ مَصَابِّ الأنهارِ في البِحار، وبَعضُ هذهِ الأنهارِ يَمتَدُّ مَسيرُها ثمانينَ كيلومِترًا ولا يَتمازَجُ ماؤهُ معَ ماءِ البَحر! ومُعظَمُ أسماكِ المياهِ العَذبَةِ الدَّاخِلَةِ في البَحرِ لا تَدخُلُ مياهَ البَحرِ المالِحَة، وأسماكُ المالِحَةِ لا تَدخُلُ العَذبَة! وقدِ اكتُشِفَ هذا حَديثًا، وصُوِّرَ الحاجِزُ بالسُّفُنِ الفَضائيَّة، وهذا الحاجِزُ يَكونُ في حالَةِ مُروجٍ وذَهابٍ وإيَاب...
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الۡمَآءِ بَشَرٗا فَجَعَلَهُۥ نَسَبٗا وَصِهۡرٗاۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرٗا﴾ [الفرقان :54]
وهوَ الذي خلَقَ الإنسَانَ مِنْ مَاءٍ مَهين، وهوَ المَنيّ، أو خلَقَ آدمَ مِنَ الماءِ المَخلوطِ بالطِّين، ثمَّ جعلَ منهُ الذَّكرَ والأُنثَى، والذَّكَرُ يُنْسَبُ إليه (النسَب)، والأُنثَى يُصْهَرُ بها (المُصاهرَة)، ويَنشأُ منهما التعارفُ والتواصل. واللهُ قادِرٌ على كُلِّ شَيء، ومِنْ ذلكَ خَلْقُ البَشَرِ مِنْ مادَّةٍ واحِدَة.
﴿وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمۡ وَلَا يَضُرُّهُمۡۗ وَكَانَ الۡكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِۦ ظَهِيرٗا﴾ [الفرقان :55]
وهؤلاءِ المُشرِكونَ يَعبدُونَ أصْنامًا لا تُجلُبُ لهمْ نَفْعًا إذا عبَدوها، ولا تَمنَعُ عنهمْ ضُرًّا إذا لم يَعبُدوها، فهمْ أهلُ هوًى وجَهل، لا عَقلٍ وتَدَبُّر. وكانَ الكافِرُ مُواليًا للشَّيطانِ ومُعاوِنًا لهُ في عَداوَةِ رَبِّهِ والإشرَاكِ به.
﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا مُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا﴾ [الفرقان :56]
وما أرسَلناكَ إلاّ مُبَشِّرًا للمُؤمِنينَ المُطيعينَ بالثَّوابِ الحسَن، ومُنذِرًا للكافِرينَ العاصِينَ المُكّذِّبينَ بالعَذابِ والنَّكال.
﴿قُلۡ مَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍ إِلَّا مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلٗا﴾ [الفرقان :57]
قُلْ أيُّها النبيُّ الكريم: لا أطلُبُ منكمْ على تَبليغِ الدِّينِ والإنذَارِ بالقُرآنِ أجرًا تُعطوني، إلاّ ما أنفَقتُمْ مِنْ أمولِكمْ في سَبيلِ اللهِ وطلَبِ مَرضاتِه.
﴿وَتَوَكَّلۡ عَلَى الۡحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِهِۦۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًا﴾ [الفرقان :58]
والجَأْ إلى اللهِ واعتَمِدْ عَليه، وفَوِّضْ أمرَكَ إليه، فهوَ الحَيُّ الباقي الذي لا يَموت، يَنصُرُكَ ويُؤيِّدُكَ بقُوَّتِهِ وتأييدِه، ونَزِّهْهُ عنْ كُلِّ نَقصٍ وعَيب، واثْنِ عَليهِ بصِفاتِ الكمالِ والجَلال، واللهُ مُطَّلِعٌ على أحوالِ عِبادِهِ وأفعالِهمْ وما يَقتَرِفونَ مِنْ ذُنوب، ومنهمُ المُشرِكونَ الذينَ لا يَزالونَ يؤذونَك، وسَوفَ يُحاسِبُ كُلاًّ على ما عَمِل.
﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ اسۡتَوَىٰ عَلَى الۡعَرۡشِۖ الرَّحۡمَٰنُ فَسۡـَٔلۡ بِهِۦ خَبِيرٗا﴾ [الفرقان :59]
اللهُ الذي خلقَ السَّماواتِ العَظيمَةَ وما فيها مِنْ شُموسٍ وكواكِبَ ومَخلوقاتٍ لم نَرَها، والأرضَ وما فيها مِنْ حيَوانٍ ونَباتٍ وجَماد، في سِتَّةِ أيَّام، ثمَّ استَوَى على العَرش، يُدَبِّرُ الأمرَ ويَقضي بينَ الخَلق، هوَ اللهُ المُتَّصِفُ بالرَّحمَةِ العَظيمَة، والجُودِ والإحسَان، فاسألْ خَبيرًا بهِ إنْ شِئتَ تَحقيقَ ما ذُكِر. ورَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أعلَمُ النَّاسِ برَبِّه. أو أنَّ الضَّميرَ يَعودُ إلى اللهِ سُبحانَه، أي: فاسألِ اللهَ الخبيرَ بحقائقِ الأمور، يُفِدْكَ به.
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسۡجُدُواْۤ لِلرَّحۡمَٰنِ قَالُواْ وَمَا الرَّحۡمَٰنُ أَنَسۡجُدُ لِمَا تَأۡمُرُنَا وَزَادَهُمۡ نُفُورٗا۩﴾ [الفرقان :60]
وإذا قيلَ للمُشرِكينَ اسجُدُوا للرحمن، قالوا في جَهلٍ وعِناد: وما هوَ الرحمن؟ لا نَعرِفُهُ ولا نُقِرُّ به! أنَسجدُ لمُجرَّدِ قَولِكَ اسجُدوا له؟ وزادَهمْ ذلكَ بُعدًا عنِ الدِّينِ والإيمان.
﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَآءِ بُرُوجٗا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَٰجٗا وَقَمَرٗا مُّنِيرٗا﴾ [الفرقان :61]
تعالَى اللهُ أهلُ المَجدِ والثَّناء، الذي جعلَ في السَّماءِ النجومَ والكَواكِب، أو منازِلَها الاثنَي عشَر، التي تتَنقَّلُ في مَدارِها الخاصِّ بها فيها، وجعلَ فيها الشَّمسَ الوهَّاجَة، والقمَرَ المُضيء.
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ الَّيۡلَ وَالنَّهَارَ خِلۡفَةٗ لِّمَنۡ أَرَادَ أَن يَذَّكَّرَ أَوۡ أَرَادَ شُكُورٗا﴾ [الفرقان :62]
وهوَ الذي جعَلَ كُلاًّ مِنَ اللَّيلِ والنَّهارِ يَخلُفُ الآخَر، فيَذهَبُ هذا ويَجيءُ ذاك، بشَكلٍ مُستَمرّ، وبانتِظامٍ ودِقَّة، لمَنْ أرادَ أنْ يتفَكَّرَ في قُدرَةِ اللهِ وإبداعِه، فيَعتَبِرُ ويَزدادُ إيمانًا، أو يَشكُرَهُ على نِعَمِهِ وآلائه، وما سَخَّرَهُ لهُ مِنَ اللَّيلِ والنَّهارِ وغَيرِهما.
﴿وَعِبَادُ الرَّحۡمَٰنِ الَّذِينَ يَمۡشُونَ عَلَى الۡأَرۡضِ هَوۡنٗا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الۡجَٰهِلُونَ قَالُواْ سَلَٰمٗا﴾ [الفرقان :63]
ومِنْ صِفاتِ عِبادِ اللهِ المؤمِنينَ المُتَّقين، أنَّهمْ يَمشُونَ على الأرضِ بتُؤدَةٍ وسَكينَة، فهمْ متَواضِعونَ هَيِّنون، غَيرُ مُستَكبِرينَ ولا مُتجَبِّرين، وإذا قالَ لهمُ السُّفهاءُ كلامًا لا يَليق، لم يُقابِلوهمْ بمِثلِه، فعفَوا وصَفَحوا، وحَلُمُوا ولم يَجهَلوا، ولم يَقولوا إلاّ خَيرًا.
﴿وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمۡ سُجَّدٗا وَقِيَٰمٗا﴾ [الفرقان :64]
وهمُ الذينَ يُحيونَ اللَّيلَ أو بَعضَه، فيَسجُدونَ للهِ ويَخشَعون، ويَقومونَ في صَلاتِهمْ قارِئينَ عابِدين.
﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصۡرِفۡ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا﴾ [الفرقان :65]
والذينَ يَقولونَ في رَهبَةٍ وخُشوع: رَبَّنا أبعِدْ عنَّا عَذابَ جهنَّم، إنَّ عَذابَها مُلازِمٌ مُستَمِرّ، غَيرُ مُفارِق.
﴿إِنَّهَا سَآءَتۡ مُسۡتَقَرّٗا وَمُقَامٗا﴾ [الفرقان :66]
إنَّها بئسَ المَوضِع، وبئسَ المَكانُ المُقامُ فيه.
﴿وَالَّذِينَ إِذَآ أَنفَقُواْ لَمۡ يُسۡرِفُواْ وَلَمۡ يَقۡتُرُواْ وَكَانَ بَيۡنَ ذَٰلِكَ قَوَامٗا﴾ [الفرقان :67]
وهمُ الأخيارُ المُعتَدِلون، الذينَ إذا أنفَقوا لم يَزيدوا فَوقَ الحاجَة، ولمْ يتَجاوَزوا حدَّ الكرَم، وكذلكَ لم يَبخَلوا ولم يُمسِكوا أيديهمْ عنِ الإنفاق، بلْ كانوا وسَطًا وعَدْلاً.
﴿وَالَّذِينَ لَا يَدۡعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ وَلَا يَقۡتُلُونَ النَّفۡسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالۡحَقِّ وَلَا يَزۡنُونَۚ وَمَن يَفۡعَلۡ ذَٰلِكَ يَلۡقَ أَثَامٗا﴾ [الفرقان :68]
وهمُ المؤمِنونَ الموَحِّدونَ المُخلِصون، الذينَ لا يُشرِكونَ في عِبادَتِهمْ معَ اللهِ أحَدًا.
ولا يَقتُلونَ النَّفسَ التي حرَّمَ اللهُ قَتْلَها، إلاّ بسَبَبٍ مِنَ الأسبابِ التي تُزيلُ هذهِ الحُرمَة، كالردَّة، والزِّنا بعدَ الإحصَان، وقَتلِ النَّفسِ عَمدًا.
ولا يَقرَبونَ الزِّنا، {إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً} [سورة الإسراء: 32].
ومَنْ يَفعَلْ ما ذُكِرَ مِنَ المُحَرَّمات، فسيُلاقي عُقوبَةً ونَكالاً يُناسِبُ عملَهُ السيِّءَ.
﴿يُضَٰعَفۡ لَهُ الۡعَذَابُ يَوۡمَ الۡقِيَٰمَةِ وَيَخۡلُدۡ فِيهِۦ مُهَانًا﴾ [الفرقان :69]
يُغَلَّظْ لهُ العَذابُ ويُضاعَفْ لهُ أضعافًا، ويَبقَى في ذلكَ العَذابِ أبدًا، وهوَ ذَليلٌ مُهان. ومُضاعَفَةُ العُقوبَةِ يأتي مِنِ انضمامِ المَعصيَةِ إلى الكُفر.
﴿إِلَّا مَن تَابَ وَءَامَنَ وَعَمِلَ عَمَلٗا صَٰلِحٗا فَأُوْلَـٰٓئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّـَٔاتِهِمۡ حَسَنَٰتٖۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورٗا رَّحِيمٗا﴾ [الفرقان :70]
إلاّ مَنْ تابَ مِنْ تلكَ المُنكراتِ في الدُّنيا، وآمنَ إيمانًا صَحيحًا، وعمِلَ أعمالاً حسَنة، فأولئكَ يَمحو اللهُ سَيِّئاتِهمْ ومَعاصيهم، ويُعطَونَ بدَلاً منها الثَّوابَ الحسَن، تفَضُّلاً وتَكرُّمًا منهُ سُبحانَه.
أو أنَّ المعنَى: أبدَلَهمُ اللهُ بالعمَلِ السيِّءِ العملَ الصَّالِح، وأبدَلَهمْ بالشِّركِ إخلاصًا، وبالفُجورِ إحصانًا، وبالكُفرِ إسلامًا.
واللهُ يَغفِرُ ذُنوبَ عِبادِهِ التائبينَ ويَرحَمُهم، فيُدخِلُهمُ الجنَّةَ إذا آمَنوا وعَمِلوا صالِحًا.
﴿وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَٰلِحٗا فَإِنَّهُۥ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابٗا﴾ [الفرقان :71]
ومَنْ تابَ مِنْ ذُنوبِه، كبيرَةً كانتْ أو صَغيرَة، ونَدِمَ عَليها، وعَمِلَ بما أمرَهُ اللهُ فأطاعَه، فإنَّهُ يَرجِعُ إلى اللهِ مَرجِعًا طَيِّبًا مَرضِيًّا عنه، فيَقبَلُ تَوبتَه، ويَعفو عَنه.
﴿وَالَّذِينَ لَا يَشۡهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّواْ بِاللَّغۡوِ مَرُّواْ كِرَامٗا﴾ [الفرقان :72]
ومِنْ صِفاتِ عِبادِ الرحمنِ المُتَّقين، أنَّهمْ لا يُدْلُونَ بشَهاداتٍ كاذِبَة، ولا يُساعِدونَ أهلَ الباطِلِ على باطلِهمْ بالكَذِبِ المُتعَمَّد، فهذا مِنْ أكبرِ الكبائر، وقدْ قُورِنَ بالشِّركِ وعُقوقِ الوالِدَين، كما في الحديثِ الذي أخرَجَهُ الشَّيخانِ وغَيرُهما، مِنْ حَديثِ أبي بَكرَةَ المرفوع، واللفظُ لمسلِم: "ألَا أُنَبِّئكمْ بأكبَرِ الكبائرِ (ثلاثًا)؟: الإشراكُ بالله، وعُقوقُ الوالِدَين، وشَهادَةُ الزُّور، أو قَولُ الزُّور. وكانَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئًا، فجلَسَ، فما زالَ يُكَرِّرُها، حتَّى قُلنا: لَيتَهُ سَكت".
وإذا حدَثَ أنْ مَرُّوا بالكَلامِ الذي لا خَيرَ فيه، أعرَضوا عَنه، وأكرَموا أنفُسَهمْ عنِ الخَوضِ فيه.
﴿وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُواْ بِـَٔايَٰتِ رَبِّهِمۡ لَمۡ يَخِرُّواْ عَلَيۡهَا صُمّٗا وَعُمۡيَانٗا﴾ [الفرقان :73]
وإذا تُلِيَتْ على هؤلاءِ المؤمِنينَ آياتٌ مِنَ القُرآنِ الكريم، وما فيها مِنَ المَواعِظِ والأحكَام، والوَعدِ والوَعيد، لم يُصِمُّوا آذانَهمْ عنْ سَماعِ الحَقّ، ولم يُعْمُوا عُيونَهمْ عنْ دلائلِهِ وحقائقِه، بلْ أكَبُّوا عَليها مُتدَبِّرينَ بآذانٍ واعِية، وعُيونٍ مُبصِرَة.
﴿وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبۡ لَنَا مِنۡ أَزۡوَٰجِنَا وَذُرِّيَّـٰتِنَا قُرَّةَ أَعۡيُنٖ وَاجۡعَلۡنَا لِلۡمُتَّقِينَ إِمَامًا﴾ [الفرقان :74]
وهمُ الذينَ يَدعُونَ رَبَّهم، ويَطلُبونَ منهُ أنْ يَرزُقَهمُ الذرِّيَّةَ المؤمِنَة، الطيِّبَةَ المُبارَكَة، وأنْ يُقِرَّ عُيونَهمْ ويُفرِحَ قُلوبَهمْ بأزواجِهمْ وذُرِّياتِهم، بتَوفَيقِهمْ لطاعَتِه، ويَقولون: اللهمَّ واجعَلنا أئمَّةً يُقتَدَى بِنا في الخَير، وهُداةً يُهتَدَى بنا. وبهذا يَكونُ أجرُهمْ مُتَواصِلاً، ومُضاعَفًا.
﴿أُوْلَـٰٓئِكَ يُجۡزَوۡنَ الۡغُرۡفَةَ بِمَا صَبَرُواْ وَيُلَقَّوۡنَ فِيهَا تَحِيَّةٗ وَسَلَٰمًا﴾ [الفرقان :75]
فهؤلاءِ المُتَّصِفونَ بصِفاتِ "عبادِ الرحمن"، يَنالُونَ جنَّةَ اللهِ الدَّائمَة، وتَبتَدِرُهمُ المَلائكَةُ بالتحيَّةِ والسَّلامِ مِنْ كُلِّ باب، معَ التَّقديرِ والإكرام.
﴿خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ حَسُنَتۡ مُسۡتَقَرّٗا وَمُقَامٗا﴾ [الفرقان :76]
ويُقيمونَ في الجنَّةِ على الدَّوَام، لا يَموتونَ فيها ولا يَخرجُونَ منها، وما أحسَنَها وأجملَها مَوضِعًا، وما أطيَبَها مَنزِلاً ومُقامًا.
﴿قُلۡ مَا يَعۡبَؤُاْ بِكُمۡ رَبِّي لَوۡلَا دُعَآؤُكُمۡۖ فَقَدۡ كَذَّبۡتُمۡ فَسَوۡفَ يَكُونُ لِزَامَۢا﴾ [الفرقان :77]
قُلْ للنَّاسِ أيُّها الرَّسُول: لا يُبالي اللهُ بكمْ، ولا يَعتَدُّ بكمْ إذا لم تؤمِنوا بهِ ولم تَعبدُوه، فإنَّما خلقَكمْ للعِبادَة، وأنتُمْ أيُّها الكافِرونَ أنكَرتمْ آياتي وكذَّبتُمْ رسُلي ولم تَعبُدوني، وسَوفَ يَكونُ جَزاءُ تَكذيبِكمْ هذا لازِمًا لكمْ في الآخِرَة، وفيهِ هلاكُكمْ وعَذابُكم، وندَمُكمْ وخَيبَتُكم.
سورة الشعراء - مكية - عدد الآيات: 227
26
حروفٌ مُقَطَّعَةٌ لم يَرِدْ في تَفسيرِها حديثٌ ثابِتٌ صَحيح، واختلفَ المفسِّرونَ في دلالَتِها.
﴿تِلۡكَ ءَايَٰتُ الۡكِتَٰبِ الۡمُبِينِ﴾ [الشعراء :2]
هذهِ آياتٌ مِنَ القُرآنِ الظَّاهِرِ إعجازُه، البيِّنِ في أحكامِه، الذي يَفصِلُ بينَ الحقِّ والباطِل.
﴿لَعَلَّكَ بَٰخِعٞ نَّفۡسَكَ أَلَّا يَكُونُواْ مُؤۡمِنِينَ﴾ [الشعراء :3]
لعلَّكَ أيُّها النبيُّ مُهلِكٌ نفسَكَ حِرصًا على إيمانِ المشرِكين، وحُزنًا على تَكذيبِهمْ إيّاك.
﴿إِن نَّشَأۡ نُنَزِّلۡ عَلَيۡهِم مِّنَ السَّمَآءِ ءَايَةٗ فَظَلَّتۡ أَعۡنَٰقُهُمۡ لَهَا خَٰضِعِينَ﴾ [الشعراء :4]
إذا شِئنا أنزَلنا عَليهمْ أمرًا قاهِرًا مِنَ السَّماءِ يُلجِئهمْ إلى الإيمانِ ويُجبِرُهمْ عَليه، فتظَلُّ أعناقُهمْ مُنقادَةً لهُ قَسرًا ولا يَعصُونَ الله، ولكنْ لا نُريدُ ذلكَ بهم، بلْ نُريدُ منهمُ الإيمانَ الاختِياريّ.