تفسير الجزء 19 من القرآن الكريم

  1. أجزاء القرآن الكريم
  2. الجزء التاسع عشر
19
سورة الفرقان (21-77)
سورة الشعراء
سورة النمل (1-55)

﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [الشعراء:67]


وفي هذهِ القِصَّةِ آياتٌ وعِبَر، مِنْ بَيانِ صِدْقِ ما جاءَ بهِ نبيُّ اللهِ موسَى، ومِنْ تأييدِ عِبادِ اللهِ المؤمِنين، والنَّكالِ بأعدَائهمُ المُستَكبِرين، وما كانَ أكثَرُ قَومِ فِرعَونَ مؤمِنين.

﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الۡعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الشعراء:68]


وإنَّ اللهَ قَويٌّ عَزيز، يَنتَقِمُ مِنْ أعدَائهِ وأعدَاءِ أوليَائه، رَحيمٌ بعبادِهِ المؤمِنينَ حينَ أنجاهُمْ مِنْ ظُلمِ فِرعَونَ وكَيدِه.

﴿وَاتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ إِبۡرَٰهِيمَ﴾ [الشعراء:69]


واذكُرْ لأمَّتِكَ أيُّها الرَّسولُ خبَرَ نبيِّ اللهِ إبراهيمَ الخَليل.

﴿إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦ مَا تَعۡبُدُونَ﴾ [الشعراء:70]


عندَما قالَ لأبيهِ وقَومِهِ المشرِكين: أيَّ شَيءٍ تَعبُدون؟

﴿قَالُواْ نَعۡبُدُ أَصۡنَامٗا فَنَظَلُّ لَهَا عَٰكِفِينَ﴾ [الشعراء:71]


قالوا: نَعبُدُ أصنَامًا، ولا نَزالُ نُقيمُ على عِبادَتِها ولا نَتركُها.

﴿قَالَ هَلۡ يَسۡمَعُونَكُمۡ إِذۡ تَدۡعُونَ﴾ [الشعراء:72]


فقالَ لهمْ إبراهيمُ عليهِ السَّلام: هلْ تَسمَعُ هذهِ الأصنَامُ دُعاءَكمْ عندَما تَدعونَها؟

﴿أَوۡ يَنفَعُونَكُمۡ أَوۡ يَضُرُّونَ﴾ [الشعراء:73]


أو أنَّها تَنفَعُكمْ بشَيءٍ بسبَبِ عِبادَتِكمْ لها، كجَلبِ رِزق، وطولِ عمُر، ونَصرٍ على الأعداء؟ وهلْ تَدفَعُ عنكمْ ضُرًّا إذا تركتُمْ عِبادَتَها، فحبَسَتْ رِزقًا لكم، أو دخَلَتْ بيوتَكمْ وأخَذَتْ أولادَكمْ وأموالَكم؟

﴿قَالُواْ بَلۡ وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا كَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ﴾ [الشعراء:74]


قالوا في جَهلٍ وغَباء: إنَّها لا تَفعَلُ شَيئًا مِنْ هذا أو ذاك، ولكنَّنا وجَدنا آباءَنا وأجدادَنا يَعبدُونَها، ونحنُ نُقَلِّدُهمْ في ذلك، فنَفعَلُ كما كانوا يَفعَلون.

﴿قَالَ أَفَرَءَيۡتُم مَّا كُنتُمۡ تَعۡبُدُونَ﴾ [الشعراء:75]


قالَ لهمْ إبراهيمُ عَليهِ السَّلام: أفَرأيتُمْ هذهِ الأصَنامَ التي تَعكُفونَ على عِبادَتِها،

﴿أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُمُ الۡأَقۡدَمُونَ﴾ [الشعراء:76]


أنتُمْ وآباؤكمْ وأجدادُكمُ الأوَّلون،

﴿فَإِنَّهُمۡ عَدُوّٞ لِّيٓ إِلَّا رَبَّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الشعراء:77]


فإنَّها عَدوٌّ لي، لا أعبُدُها ولا أُبالي بها، ولا أنتَظِرُ منها نَفْعًا، ولا أتوَقَّعُ منها ضُرًّا، فإذا كانتْ آلِهَةً حقًّا فَلْتَمَسَّني بسُوء. لكنَّ ربَّ العالَمينَ ليسَ كذلك، فهوَ وليِّي في الدُّنيا والآخِرَة، وهوَ الذي بيدِهِ الأمرُ كُلُّه، وأنا أعبدُهُ لأنَّهُ الإلهُ الحَقّ.

﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهۡدِينِ﴾ [الشعراء:78]


الإلهُ الذي خلَقَني، فهوَ يُرشِدُني إلى ما يُصلِحُني، ويَدُلُّني على طريقِ النَّجاة.

﴿وَالَّذِي هُوَ يُطۡعِمُنِي وَيَسۡقِينِ﴾ [الشعراء:79]


وهوَ الذي يَرزُقُني أنواعَ الطَّعامِ والشَّراب، وقدْ هَيَّأ ليَ الاستِفادَةَ منها بما يُناسِبُ طَبيعَتي وجِسمي.

﴿وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ يَشۡفِينِ﴾ [الشعراء:80]


وإذا قدَّرَ اللهُ أنْ مَرِضتُ، فهوَ الذي يُبرِئُني مِنَ المرَض، لا أحَدَ غَيرُه، وما الأدويَةُ والعِلاجاتُ سِوَى أسبَاب، إنْ شاءَ جعلَ فيها الشِّفاء، وإنْ لم يَشَأ لا يَكونُ شِفاء.

﴿وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحۡيِينِ﴾ [الشعراء:81]


وهوَ الإلهُ القادِر، الذي يُميتُني في الدُّنيا، ثمَّ يَبعَثُني بعدَ المَوتِ يَومَ القيامَة، ولا يَقدِرُ على ذلكَ سِواه.

﴿وَالَّذِيٓ أَطۡمَعُ أَن يَغۡفِرَ لِي خَطِيٓـَٔتِي يَوۡمَ الدِّينِ﴾ [الشعراء:82]


وهوَ الغَفورُ الرَّحيم، الذي أرجو أنْ يَغفِرَ لي ذُنوبي يَومَ الحِساب، فإنَّهُ لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلاّ هو.

﴿رَبِّ هَبۡ لِي حُكۡمٗا وَأَلۡحِقۡنِي بِالصَّـٰلِحِينَ﴾ [الشعراء:83]


وقالَ مُناجيًا ربَّه: يا رَبّ، أدعُوكَ أنْ تهَبَنيَ العِلمَ والحِكمَة، وأنْ تَجعَلَني معَ الصَّالِحينَ وفي مَنزِلَتِهم.

﴿وَاجۡعَل لِّي لِسَانَ صِدۡقٖ فِي الۡأٓخِرِينَ﴾ [الشعراء:84]


واجعَلْ لي ذِكرًا جَميلاً، وثَناءً حسَنًا، وقَبولاً عامًّا في الأُمَمِ التي تَجيءُ بَعدي.

﴿وَاجۡعَلۡنِي مِن وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ﴾ [الشعراء:85]


واجعَلني في الآخِرَةِ ممَّنْ يستَحِقُّونَ سُكنَى جنَّةَ النَّعيم.

﴿وَاغۡفِرۡ لِأَبِيٓ إِنَّهُۥ كَانَ مِنَ الضَّآلِّينَ﴾ [الشعراء:86]


واغفِرْ لأبي واهدِهِ، فإنَّهُ ممَّنْ ضَلَّ وكفَر.

﴿وَلَا تُخۡزِنِي يَوۡمَ يُبۡعَثُونَ﴾ [الشعراء:87]


ولا تُهِنِّي يَومَ تَبعَثُ عِبادَكَ للحِساب.

﴿يَوۡمَ لَا يَنفَعُ مَالٞ وَلَا بَنُونَ﴾ [الشعراء:88]


في ذلكَ اليَومِ العَصيب، الذي لا يَنفَعُ المَرءَ فيهِ شَيءٌ مِنْ أموالِ الدُّنيا ولا يَحميهِ مِنَ العَذاب، ولا يَقدِرُ الأبنَاءُ - وهمْ أقرَبُ الناسِ إلى والِدِيهمْ - على أنْ يُفْدُوهُمْ ويُخَلِّصوهُمْ مِنَ العَذاب.

﴿إِلَّا مَنۡ أَتَى اللَّهَ بِقَلۡبٖ سَلِيمٖ﴾ [الشعراء:89]


لا يَنفَعُ إلاّ مَنْ أتَى اللهَ بقَلبٍ صَحيح، خالٍ مِنَ الشِّركِ والنِّفاق.

﴿وَأُزۡلِفَتِ الۡجَنَّةُ لِلۡمُتَّقِينَ﴾ [الشعراء:90]


وأُدنِيَتِ الجَنَّةُ مِنْ أهلِها المؤمِنينَ المُتَّقين، الذينَ خافُوا عَذابَ رَبِّهمْ فكَفُّوا عنِ المعاصي والمُحَرَّمات.

﴿وَبُرِّزَتِ الۡجَحِيمُ لِلۡغَاوِينَ﴾ [الشعراء:91]


وأُظهِرَتْ جهَنَّمُ وكُشِفَ عنها للكافِرينَ الضَّالِّين، ليَرَوا فيها مَوقِعَهمُ الذي يَنتَظِرُهم، ليَزدادوا تألُّمًا وتَحَسُّرًا.

﴿وَقِيلَ لَهُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡبُدُونَ﴾ [الشعراء:92]


وقيلَ للكافِرينَ يَومَ القيامَة: أينَ الذينَ كنتُمْ تَستَمِرُّونَ في عبادَتِهِمْ في الحياةِ الدُّنيا،

﴿مِن دُونِ اللَّهِ هَلۡ يَنصُرُونَكُمۡ أَوۡ يَنتَصِرُونَ﴾ [الشعراء:93]


مِنْ دونِ الله، وتَزعُمونَ أنَّهمْ سيَنفَعونَكم، فهلْ يَنصُرونَكمْ بدَفعِ العَذابِ عنكمُ اليَوم، أو يَنتَصِرونَ لأنفُسِهمْ بدَفعِهِ عنهم؟ بلْ أنتُمْ وهمْ حَصَبُ جهَنَّم.

﴿فَكُبۡكِبُواْ فِيهَا هُمۡ وَالۡغَاوُۥنَ﴾ [الشعراء:94]


فدُهْوِروا في جهَنَّمَ حتَّى استقَرُّوا في قَعرِها، الأصنامُ، وعابِدوها، وقادَتُهمُ الذينَ دَعَوهمْ إلى الشِّركِ والضَّلال.

﴿وَجُنُودُ إِبۡلِيسَ أَجۡمَعُونَ﴾ [الشعراء:95]


ومعَهمْ في الجَحيمِ إبليسُ وجُنودُه، ممَّنِ اتَّبَعَهُ مِنْ شَياطينِ الإنسِ والجِنّ.

﴿قَالُواْ وَهُمۡ فِيهَا يَخۡتَصِمُونَ﴾ [الشعراء:96]


قالَ الضالُّونَ مِنْ أهلِ النَّارِ للأصنَامِ والشَّياطينِ وهمْ يَتخاصَمون:

﴿تَاللَّهِ إِن كُنَّا لَفِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٍ﴾ [الشعراء:97]


واللهِ لقدْ كُنَّا على خطَأ واضِحٍ، وفي ضَلالٍ بيِّنٍ في الدُّنيا،