﴿ثُمَّ إِنَّ مَرۡجِعَهُمۡ لَإِلَى الۡجَحِيمِ﴾ [الصافات :68]
ثمَّ يُعادُ بهمْ - بعدَ شُربِ الحَميمِ - إلى مقَرِّهمْ مِنَ النَّارِ المُوقَدَة. وفي جهنَّمَ مَواضِعُ للعَذاب، يُرَحَّلونَ إليها ثمَّ يُعادُ بهمْ إلى مَكانِهم.
﴿إِنَّهُمۡ أَلۡفَوۡاْ ءَابَآءَهُمۡ ضَآلِّينَ﴾ [الصافات :69]
لقدْ وَجدَ هؤلاءِ الكافِرونَ آباءَهمْ ضالِّينَ ناكِبينَ عنِ الحقّ،
﴿فَهُمۡ عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِمۡ يُهۡرَعُونَ﴾ [الصافات :70]
فسَارَعوا إلى مُتابَعَتِهم، مِنْ غَبرِ تَفَكُّرٍ منهمْ بما هُمْ عَليهِ مِنْ حَقِّ أو باطِل، بلْ قلَّدوهمْ وصَاروا مثلَهم.
﴿وَلَقَدۡ ضَلَّ قَبۡلَهُمۡ أَكۡثَرُ الۡأَوَّلِينَ﴾ [الصافات :71]
وقدْ ضَلَّ قبلَ هؤلاءِ المشرِكينَ أكثَرُ الأُمَمِ السَّابِقَة.
﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا فِيهِم مُّنذِرِينَ﴾ [الصافات :72]
ولقدْ أرسَلنا في تلكَ الأُمَمِ رسُلاً مُنذِرين، يُحَذِّرونَهمْ بأسَ اللهِ ونِقمَتَه، إنْ همْ خالَفوا أمرَه، وأصَرُّوا على الكُفرِ والتَّكذيب.
﴿فَانظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الۡمُنذَرِينَ﴾ [الصافات :73]
فانظُرْ كيفَ كانتْ نِهايَةُ مَنْ اُنذِروا ولم يَعتَبِروا، فقدْ أهلكَهمُ اللهُ وجعلَهمْ عِبرَةً للآخِرين؛ لإصرارِهمْ على الكُفرِ والعِصيان.
﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الۡمُخۡلَصِينَ﴾ [الصافات :74]
إلاّ عِبادَ اللهِ المؤمِنين، الذينَ صدَقوا في إيمانِهمْ وأخلَصوا في أعمالِهمْ لرَبِّهم، فإنَّهمْ لا يُعذَّبون، بلْ يُكرَمونَ ويُؤجَرون.
﴿وَلَقَدۡ نَادَىٰنَا نُوحٞ فَلَنِعۡمَ الۡمُجِيبُونَ﴾ [الصافات :75]
ولقدْ دَعانا نُوحٌ لمَّا كذَّبَهُ قَومُه، وأَيِسَ مِنْ إيمانِهم، فدَعا عَليهم، فأجَبنا دُعاءَه، فنِعمَ المُجيبونَ لهُ نَحن.
﴿وَنَجَّيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥ مِنَ الۡكَرۡبِ الۡعَظِيمِ﴾ [الصافات :76]
فأهلَكناهُم، وأنقَذنا نُوحًا وأهلَهُ المؤمِنينَ مِنَ الغَمِّ الشَّديدِ الذي لازمَهم.
﴿وَجَعَلۡنَا ذُرِّيَّتَهُۥ هُمُ الۡبَاقِينَ﴾ [الصافات :77]
ولم يَبقَ مِنَ الكافِرينَ وذُرِّيَّتِهمْ أحَد، وجعَلنا ذُرِّيَّةَ نُوحٍ همُ البَاقين، فهوَ الأبُ الثَّاني للبشَر.
﴿وَتَرَكۡنَا عَلَيۡهِ فِي الۡأٓخِرِينَ﴾ [الصافات :78]
وأبقَينَا لهُ الذِّكرَ الطيِّب، والثَّناءَ الحسَن، فيمَنْ بعدَهُ مِنَ الأنبِياءِ والأُمَم.
﴿سَلَٰمٌ عَلَىٰ نُوحٖ فِي الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الصافات :79]
سَلامٌ مِنَ اللهِ على نَبيِّهِ نُوح، وسَلامٌ عَليهِ مِنْ جَميعِ الطَّوائفِ والأُمَم(123) .
(123) {سَلَامٌ} أي: هذا الكلامُ بعينه. وهو واردٌ على الحكاية، كقولك: قرأتُ (سورةٌ أنزلناها)، فلم ينتصبِ (السلام)؛ لأن الحكايةَ لا تُزالُ عن وجهها. والمعنى: يسلِّمون عليه تسليمًا، ويَدعون له على الدوام، أمةٌ بعد أمة. (روح البيان).
إنشاءُ ثناءِ الله على نوح، وتحيةٌ له، ومعناهُ لازِمُ التحية، وهو الرضى والتقريب، وهو نعمةٌ سادسة. وتنوينُ {سَلَامٌ} للتعظيم. (التحرير).
مفسِّرٌ لما أبقَى عليه الذكرُ الجميلُ والثناءُ الحسن، أنه يسلَّمُ عليه في جميعِ الطوائفِ والأمم. (ابن كثير).
﴿إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي الۡمُحۡسِنِينَ﴾ [الصافات :80]
وهكذا نُثيبُ مَنْ أحسَنَ، فصبَرَ على الدَّعوَة، وجاهدَ أعداءَ اللهِ دَهرًا.
﴿إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا الۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الصافات :81]
إنَّهُ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِنْ عِبادِنا الموَحِّدين، المُخلِصينَ في طاعَتِهمْ ودَعوَتِهمْ إلى الله.
﴿ثُمَّ أَغۡرَقۡنَا الۡأٓخَرِينَ﴾ [الصافات :82]
ثمَّ أغرَقْنا قَومَهُ الكافِرينَ أجمَعين، ولم نُبقِ منهمْ أحَدًا.
﴿۞وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِۦ لَإِبۡرَٰهِيمَ﴾ [الصافات :83]
وإنَّ مِنْ أهلِ نُوحٍ في أصُولِ دِينِهِ وسُنَّتِهِ إبراهيمُ عَليهِ السَّلام.
﴿إِذۡ جَآءَ رَبَّهُۥ بِقَلۡبٖ سَلِيمٍ﴾ [الصافات :84]
فقدْ جاءَ رَبَّهُ بقَلبٍ نَقيٍّ خالٍ مِنَ الشَّكِّ والشِّرك.
﴿إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦ مَاذَا تَعۡبُدُونَ﴾ [الصافات :85]
وقالَ لأبيهِ وقَومِهِ مُنكِرًا عَليهمْ فِعلَهم: ما هذا الذي تَعبُدونَه؟
﴿أَئِفۡكًا ءَالِهَةٗ دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ﴾ [الصافات :86]
أتُريدونَ أنْ تَجعَلوا معَ اللهِ آلهَةً أُخرَى كذِبًا وباطِلاً؟ وهلِ الحِجارَةُ تَفقَهُ شَيئًا أو تَتصَرَّفُ في شَيءٍ حتَّى يَكونَ لها شُبهَةُ أُلوهيَّةٍ عندَكم؟
﴿فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الصافات :87]
فما تَقولونَ في عِبادَةِ رَبِّ الكَونِ كُلِّه، أليسَ هوَ الجَديرَ بالعِبادَةِ حقًّا؟
﴿فَنَظَرَ نَظۡرَةٗ فِي النُّجُومِ﴾ [الصافات :88]
فنظَرَ إلى النُّجومِ مُلتَهيًا عَنهم، وقدْ أرادُوا الخُروجَ إلى عِيدٍ لهم،
﴿فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٞ﴾ [الصافات :89]
فقالَ لهم: إنَّني مَريض - يَعني سَقيمَ القَلبِ لعِبادَتِهمُ الأوثانَ - فلا أخرُجُ إلى احتِفالٍ أو عِيد.
﴿فَتَوَلَّوۡاْ عَنۡهُ مُدۡبِرِينَ﴾ [الصافات :90]
فأعرَضوا عَنه، وتَرَكوا القُربَ منه، ومضَوا إلى عيدِهم.
﴿فَرَاغَ إِلَىٰٓ ءَالِهَتِهِمۡ فَقَالَ أَلَا تَأۡكُلُونَ﴾ [الصافات :91]
فخرَجَ مِنْ بَعدِهمْ بسُرعَةٍ مُختَفيًا إلى أصنامِهم، وقدْ وُضِعَ طَعامٌ أمامَهم، فقالَ لهمْ مُستَهزِئًا: ألَا تَأكُلونَ الطَّعامَ الذي أمامَكم؟
﴿مَا لَكُمۡ لَا تَنطِقُونَ﴾ [الصافات :92]
ما لكمْ أيُّها الأصْنامُ لا تُجيبُون؟
﴿فَرَاغَ عَلَيۡهِمۡ ضَرۡبَۢا بِالۡيَمِينِ﴾ [الصافات :93]
فمالَ مُستَعليًا عَليهمْ يَضرِبهمْ بيَدِهِ اليُمنَى.
﴿فَأَقۡبَلُوٓاْ إِلَيۡهِ يَزِفُّونَ﴾ [الصافات :94]
فرَجَعوا مِنْ عيدِهمْ ورَأوا أصنامَهمْ مَكسورَة، فدُلُّوا على مَنْ كانَ يَذكرُهمْ بسُوءٍ مِنْ قَبل، وهوَ إبراهيمُ عَليهِ السَّلام، فجاؤوا إليهِ مُسرِعين، يَسألونَهُ عنْ سبَبِ إذلالِ أصنامِهم؟
﴿قَالَ أَتَعۡبُدُونَ مَا تَنۡحِتُونَ﴾ [الصافات :95]
فقالَ لهم: أتَعبُدونَ أحجارًا تَنحِتُونَها بأيديكم،
﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمۡ وَمَا تَعۡمَلُونَ﴾ [الصافات :96]
واللهُ خالِقُكمْ وخالِقُ ما تَعمَلونَ بأيديكمْ مِنَ الأصْنامِ وغَيرِها، أفلا تَتوَجَّهونَ إليهِ إذًا وتَعبُدونَه؟
﴿قَالُواْ ابۡنُواْ لَهُۥ بُنۡيَٰنٗا فَأَلۡقُوهُ فِي الۡجَحِيمِ﴾ [الصافات :97]
فلمِ يَقدِروا على مُجابَهتِهِ بالحُجَّةِ والدَّليل، فقالوا: ابنُوا لهُ بُنيانًا(124) ، وأَلقُوهُ في نَارٍ شَديدَةِ الوقُود، لتُحرِقَهُ ونَتخَلَّصَ منه.
(124) ذُكِرَ أنهم بنوا له بنياناً يشبهُ التنُّور، ثم نقَلوا إليه الحطب، وأوقدوا عليه.. (الطبري).
﴿فَأَرَادُواْ بِهِۦ كَيۡدٗا فَجَعَلۡنَٰهُمُ الۡأَسۡفَلِينَ﴾ [الصافات :98]
فأرادُوا بهِ شَرًّا، فجعَلناهمُ الأذَلِّين، ونَجَّينا إبراهيمَ مِنَ النَّار. {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [سورة الأنبياء: 69].