تفسير الجزء 23 من القرآن الكريم

  1. أجزاء القرآن الكريم
  2. الجزء الثالث والعشرون
23
سورة يس (28-83)
سورة الصَّافات
سورة ص
سورة الزمر (1-31)

﴿ثُمَّ إِنَّ مَرۡجِعَهُمۡ لَإِلَى الۡجَحِيمِ﴾ [الصافات:68]


ثمَّ يُعادُ بهمْ - بعدَ شُربِ الحَميمِ - إلى مقَرِّهمْ مِنَ النَّارِ المُوقَدَة. وفي جهنَّمَ مَواضِعُ للعَذاب، يُرَحَّلونَ إليها ثمَّ يُعادُ بهمْ إلى مَكانِهم.

﴿إِنَّهُمۡ أَلۡفَوۡاْ ءَابَآءَهُمۡ ضَآلِّينَ﴾ [الصافات:69]


لقدْ وَجدَ هؤلاءِ الكافِرونَ آباءَهمْ ضالِّينَ ناكِبينَ عنِ الحقّ،

﴿فَهُمۡ عَلَىٰٓ ءَاثَٰرِهِمۡ يُهۡرَعُونَ﴾ [الصافات:70]


فسَارَعوا إلى مُتابَعَتِهم، مِنْ غَبرِ تَفَكُّرٍ منهمْ بما هُمْ عَليهِ مِنْ حَقِّ أو باطِل، بلْ قلَّدوهمْ وصَاروا مثلَهم.

﴿وَلَقَدۡ ضَلَّ قَبۡلَهُمۡ أَكۡثَرُ الۡأَوَّلِينَ﴾ [الصافات:71]


وقدْ ضَلَّ قبلَ هؤلاءِ المشرِكينَ أكثَرُ الأُمَمِ السَّابِقَة.

﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا فِيهِم مُّنذِرِينَ﴾ [الصافات:72]


ولقدْ أرسَلنا في تلكَ الأُمَمِ رسُلاً مُنذِرين، يُحَذِّرونَهمْ بأسَ اللهِ ونِقمَتَه، إنْ همْ خالَفوا أمرَه، وأصَرُّوا على الكُفرِ والتَّكذيب.

﴿فَانظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الۡمُنذَرِينَ﴾ [الصافات:73]


فانظُرْ كيفَ كانتْ نِهايَةُ مَنْ اُنذِروا ولم يَعتَبِروا، فقدْ أهلكَهمُ اللهُ وجعلَهمْ عِبرَةً للآخِرين؛ لإصرارِهمْ على الكُفرِ والعِصيان.

﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الۡمُخۡلَصِينَ﴾ [الصافات:74]


إلاّ عِبادَ اللهِ المؤمِنين، الذينَ صدَقوا في إيمانِهمْ وأخلَصوا في أعمالِهمْ لرَبِّهم، فإنَّهمْ لا يُعذَّبون، بلْ يُكرَمونَ ويُؤجَرون.

﴿وَلَقَدۡ نَادَىٰنَا نُوحٞ فَلَنِعۡمَ الۡمُجِيبُونَ﴾ [الصافات:75]


ولقدْ دَعانا نُوحٌ لمَّا كذَّبَهُ قَومُه، وأَيِسَ مِنْ إيمانِهم، فدَعا عَليهم، فأجَبنا دُعاءَه، فنِعمَ المُجيبونَ لهُ نَحن.

﴿وَنَجَّيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥ مِنَ الۡكَرۡبِ الۡعَظِيمِ﴾ [الصافات:76]


فأهلَكناهُم، وأنقَذنا نُوحًا وأهلَهُ المؤمِنينَ مِنَ الغَمِّ الشَّديدِ الذي لازمَهم.

﴿وَجَعَلۡنَا ذُرِّيَّتَهُۥ هُمُ الۡبَاقِينَ﴾ [الصافات:77]


ولم يَبقَ مِنَ الكافِرينَ وذُرِّيَّتِهمْ أحَد، وجعَلنا ذُرِّيَّةَ نُوحٍ همُ البَاقين، فهوَ الأبُ الثَّاني للبشَر.

﴿وَتَرَكۡنَا عَلَيۡهِ فِي الۡأٓخِرِينَ﴾ [الصافات:78]


وأبقَينَا لهُ الذِّكرَ الطيِّب، والثَّناءَ الحسَن، فيمَنْ بعدَهُ مِنَ الأنبِياءِ والأُمَم.

﴿سَلَٰمٌ عَلَىٰ نُوحٖ فِي الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الصافات:79]


سَلامٌ مِنَ اللهِ على نَبيِّهِ نُوح، وسَلامٌ عَليهِ مِنْ جَميعِ الطَّوائفِ والأُمَم(123).

(123) {سَلَامٌ} أي: هذا الكلامُ بعينه. وهو واردٌ على الحكاية، كقولك: قرأتُ (سورةٌ أنزلناها)، فلم ينتصبِ (السلام)؛ لأن الحكايةَ لا تُزالُ عن وجهها. والمعنى: يسلِّمون عليه تسليمًا، ويَدعون له على الدوام، أمةٌ بعد أمة. (روح البيان). إنشاءُ ثناءِ الله على نوح، وتحيةٌ له، ومعناهُ لازِمُ التحية، وهو الرضى والتقريب، وهو نعمةٌ سادسة. وتنوينُ {سَلَامٌ} للتعظيم. (التحرير). مفسِّرٌ لما أبقَى عليه الذكرُ الجميلُ والثناءُ الحسن، أنه يسلَّمُ عليه في جميعِ الطوائفِ والأمم. (ابن كثير).

﴿إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي الۡمُحۡسِنِينَ﴾ [الصافات:80]


وهكذا نُثيبُ مَنْ أحسَنَ، فصبَرَ على الدَّعوَة، وجاهدَ أعداءَ اللهِ دَهرًا.

﴿إِنَّهُۥ مِنۡ عِبَادِنَا الۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الصافات:81]


إنَّهُ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ مِنْ عِبادِنا الموَحِّدين، المُخلِصينَ في طاعَتِهمْ ودَعوَتِهمْ إلى الله.

﴿ثُمَّ أَغۡرَقۡنَا الۡأٓخَرِينَ﴾ [الصافات:82]


ثمَّ أغرَقْنا قَومَهُ الكافِرينَ أجمَعين، ولم نُبقِ منهمْ أحَدًا.

﴿۞وَإِنَّ مِن شِيعَتِهِۦ لَإِبۡرَٰهِيمَ﴾ [الصافات:83]


وإنَّ مِنْ أهلِ نُوحٍ في أصُولِ دِينِهِ وسُنَّتِهِ إبراهيمُ عَليهِ السَّلام.

﴿إِذۡ جَآءَ رَبَّهُۥ بِقَلۡبٖ سَلِيمٍ﴾ [الصافات:84]


فقدْ جاءَ رَبَّهُ بقَلبٍ نَقيٍّ خالٍ مِنَ الشَّكِّ والشِّرك.

﴿إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦ مَاذَا تَعۡبُدُونَ﴾ [الصافات:85]


وقالَ لأبيهِ وقَومِهِ مُنكِرًا عَليهمْ فِعلَهم: ما هذا الذي تَعبُدونَه؟

﴿أَئِفۡكًا ءَالِهَةٗ دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ﴾ [الصافات:86]


أتُريدونَ أنْ تَجعَلوا معَ اللهِ آلهَةً أُخرَى كذِبًا وباطِلاً؟ وهلِ الحِجارَةُ تَفقَهُ شَيئًا أو تَتصَرَّفُ في شَيءٍ حتَّى يَكونَ لها شُبهَةُ أُلوهيَّةٍ عندَكم؟

﴿فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الصافات:87]


فما تَقولونَ في عِبادَةِ رَبِّ الكَونِ كُلِّه، أليسَ هوَ الجَديرَ بالعِبادَةِ حقًّا؟

﴿فَنَظَرَ نَظۡرَةٗ فِي النُّجُومِ﴾ [الصافات:88]


فنظَرَ إلى النُّجومِ مُلتَهيًا عَنهم، وقدْ أرادُوا الخُروجَ إلى عِيدٍ لهم،

﴿فَقَالَ إِنِّي سَقِيمٞ﴾ [الصافات:89]


فقالَ لهم: إنَّني مَريض - يَعني سَقيمَ القَلبِ لعِبادَتِهمُ الأوثانَ - فلا أخرُجُ إلى احتِفالٍ أو عِيد.

﴿فَتَوَلَّوۡاْ عَنۡهُ مُدۡبِرِينَ﴾ [الصافات:90]


فأعرَضوا عَنه، وتَرَكوا القُربَ منه، ومضَوا إلى عيدِهم.

﴿فَرَاغَ إِلَىٰٓ ءَالِهَتِهِمۡ فَقَالَ أَلَا تَأۡكُلُونَ﴾ [الصافات:91]


فخرَجَ مِنْ بَعدِهمْ بسُرعَةٍ مُختَفيًا إلى أصنامِهم، وقدْ وُضِعَ طَعامٌ أمامَهم، فقالَ لهمْ مُستَهزِئًا: ألَا تَأكُلونَ الطَّعامَ الذي أمامَكم؟

﴿مَا لَكُمۡ لَا تَنطِقُونَ﴾ [الصافات:92]


ما لكمْ أيُّها الأصْنامُ لا تُجيبُون؟

﴿فَرَاغَ عَلَيۡهِمۡ ضَرۡبَۢا بِالۡيَمِينِ﴾ [الصافات:93]


فمالَ مُستَعليًا عَليهمْ يَضرِبهمْ بيَدِهِ اليُمنَى.

﴿فَأَقۡبَلُوٓاْ إِلَيۡهِ يَزِفُّونَ﴾ [الصافات:94]


فرَجَعوا مِنْ عيدِهمْ ورَأوا أصنامَهمْ مَكسورَة، فدُلُّوا على مَنْ كانَ يَذكرُهمْ بسُوءٍ مِنْ قَبل، وهوَ إبراهيمُ عَليهِ السَّلام، فجاؤوا إليهِ مُسرِعين، يَسألونَهُ عنْ سبَبِ إذلالِ أصنامِهم؟

﴿قَالَ أَتَعۡبُدُونَ مَا تَنۡحِتُونَ﴾ [الصافات:95]


فقالَ لهم: أتَعبُدونَ أحجارًا تَنحِتُونَها بأيديكم،

﴿وَاللَّهُ خَلَقَكُمۡ وَمَا تَعۡمَلُونَ﴾ [الصافات:96]


واللهُ خالِقُكمْ وخالِقُ ما تَعمَلونَ بأيديكمْ مِنَ الأصْنامِ وغَيرِها، أفلا تَتوَجَّهونَ إليهِ إذًا وتَعبُدونَه؟

﴿قَالُواْ ابۡنُواْ لَهُۥ بُنۡيَٰنٗا فَأَلۡقُوهُ فِي الۡجَحِيمِ﴾ [الصافات:97]


فلمِ يَقدِروا على مُجابَهتِهِ بالحُجَّةِ والدَّليل، فقالوا: ابنُوا لهُ بُنيانًا(124)، وأَلقُوهُ في نَارٍ شَديدَةِ الوقُود، لتُحرِقَهُ ونَتخَلَّصَ منه.

(124) ذُكِرَ أنهم بنوا له بنياناً يشبهُ التنُّور، ثم نقَلوا إليه الحطب، وأوقدوا عليه.. (الطبري).

﴿فَأَرَادُواْ بِهِۦ كَيۡدٗا فَجَعَلۡنَٰهُمُ الۡأَسۡفَلِينَ﴾ [الصافات:98]


فأرادُوا بهِ شَرًّا، فجعَلناهمُ الأذَلِّين، ونَجَّينا إبراهيمَ مِنَ النَّار. {قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ} [سورة الأنبياء: 69].