﴿لَّهُۥ مَقَالِيدُ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِۗ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ اللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الۡخَٰسِرُونَ﴾ [الزمر :63]
لهُ مَفاتِحُ خَزائنِ السَّماواتِ والأرْض، لا تأثيرَ لأحَدٍ غَيرِهِ في قِيادِها وتَحرُّكِها ونَواميسِها وما يَجري فيها، والذينَ جَحدوا بآياتِ اللهِ والأدلَّةِ التي تؤدِّي إلى مَعرِفَةِ الحقِّ مِنْ دِينِه، همُ الخاسِرونَ حقًّا.
﴿قُلۡ أَفَغَيۡرَ اللَّهِ تَأۡمُرُوٓنِّيٓ أَعۡبُدُ أَيُّهَا الۡجَٰهِلُونَ﴾ [الزمر :64]
قُلْ للمشرِكينَ أيُّها الرسُول: أتَطلُبونَ منِّي أنْ أعبُدَ غَيرَ اللهِ أيُّها الجاهِلون؟
﴿وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الۡخَٰسِرِينَ﴾ [الزمر :65]
ولقدْ أوحَينا إليكَ وإلى النبيِّينَ مِنْ قَبلِكَ: لئنْ أشرَكتَ معَ اللهِ في عِبادَتِك، لَيُبطِلَنَّ ثَوابَ عَمَلِكَ الصَّالِحِ الذي عَمِلتَه، ولتَكونَنَّ مِنَ الهالكينَ يَومَ القِيامَةِ إنْ أشرَكتَ باللهِ شيئًا.
﴿بَلِ اللَّهَ فَاعۡبُدۡ وَكُن مِّنَ الشَّـٰكِرِينَ﴾ [الزمر :66]
بلِ اعبُدِ اللهَ وَحدَهُ ولا تُشرِكْ بهِ شَيئًا، أنتَ ومَنِ اتَّبَعك، وكُنْ مِنَ الشَّاكرِينَ لنِعَمِه.
﴿وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَالۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ الۡقِيَٰمَةِ وَالسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّـٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾ [الزمر :67]
إنَّ المشرِكينَ ما عَظَّموا اللهَ تَعالَى حقَّ عَظمَتِهِ حينَ عَبدُوا معَهُ غَيرَه، وطلَبوا مِنْ رَسُولِهِ أنْ يَعبُدَ غَيرَه، وهوَ القادِرُ العَظيم، الذي بيدِهِ كُلُّ شَيء، والأرْضُ وما فيها قَبضَتُهُ يَومَ القيامَة، والسَّماواتُ جَميعُها مَطويَّاتٌ بيَمينِه، فتَعالَى وتَقدَّسَ عمَّا يَقولُهُ المشرِكون.
وفي صَحيحِ البُخاريِّ قَولُهُ صلى الله عليه وسلم: "يَقبِضُ اللهُ الأرْض، ويَطوي السَّماءَ بيَمينِه، ثمَّ يَقول: أنا المَلِك، أينَ مُلوكُ الأرض؟".
﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي الۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ اللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ﴾ [الزمر :68]
ويأمرُ اللهُ إسرَافيلَ فيَنفُخُ في الصُّوْرِ النَّفخَةَ الأُولَى، وهيَ نَفخَةُ الصَّعْق، فيَموتُ كُلُّ مَنْ في السَّماواتِ ومَنْ في الأرض، إلاّ مَنْ شَاءَ اللهُ ألاّ يَموتَ بتلكَ النَّفخَة، فيَقبِضُ أرواحَهمْ في وَقتٍ آخَر، ولا يَبقَى إلاّ هوَ سُبحانَهُ وتَعالَى. ثمُّ نُفِخَ في الصُّوْرِ نَفخَةٌ أُخرَى، فإذا همْ أحياءٌ قائمونَ جَميعًا، يَنتَظِرونَ ما يُفعَلُ بهم.
﴿وَأَشۡرَقَتِ الۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الۡكِتَٰبُ وَجِاْيٓءَ بِالنَّبِيِّـۧنَ وَالشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِالۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ﴾ [الزمر :69]
وأضاءَتْ أرْضُ المَحشَرِ يَومَ القِيامَةِ بنُورِ خالقِها، ووُضِعَتْ صَحائفُ الأعمَالِ للحِساب، وجِيءَ بالنَّبيِّينَ ليَشهَدوا أنَّهمْ بلَّغوا أُمَمَهمْ رِسالاتِ رَبِّهم، وجِيءَ بالشُّهَداءِ مِنَ المَلائكةِ الحفَظَةِ على أعمَالِ العِباد، وهمْ لا يُظلَمونَ شَيئًا مِنْ ثَوابِ أعمالِهم، فلا يُنقَصُ مِنْ أَجر، ولا يُزادُ في عِقاب.
﴿وَوُفِّيَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِمَا يَفۡعَلُونَ﴾ [الزمر :70]
وأُعطِيَتْ كلُّ نَفسٍ جَزاءَ ما عَمِلَتْهُ مِنْ خَيرٍ أو شَرّ، وهوَ أعلَمُ بالذي كانوا يَعمَلونَهُ في الدُّنيا، دونَ حاجَةٍ إلى كاتِبٍ أو شاهِد.
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَتۡلُونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ رَبِّكُمۡ وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنۡ حَقَّتۡ كَلِمَةُ الۡعَذَابِ عَلَى الۡكَٰفِرِينَ﴾ [الزمر :71]
وسِيقَ الكافِرونَ المجرِمونَ إلى جهنَّمَ أفوَاجًا، بزَجرٍ وعُنفٍ وإهانَة، حتَّى إذا وصَلوا إليها فُتِحَتْ أبوابُها سَريعًا ليَدخُلوها، وقالَ لهمْ خزَنَتُها مِنَ المَلائكةِ الزَّبانيَةِ تَوبيخًا وتَقريعًا لهم: ألمْ يَأتِكُمْ رسُلٌ مِنْ جِنسِكمْ تَفهَمونَ منهمْ ما يَقولون، وهمْ يَقرَؤونَ عليكمْ آياتِ اللهِ المُنزَلَة، لِما فيهِ خَيرُكمْ وصَلاحُكم، ويُحَذِّرونَكمْ مِنَ الحِسابِ والجَزاء، ويُخَوِّفونَكمْ مِنَ النَّارِ المُعَدَّةِ للكافِرين؟
قالَ الكافِرون: بلَى قدْ جاءَتْنا رسُلُنا، ولكنَّنا كذَّبْنا وخالَفنا، وآثَرْنا الهوَى والضَّلال، ووَجبَ عَلينا حُكمُ اللهِ بالعَذابِ الذي نَستَحِقُّه.
﴿قِيلَ ادۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ فَبِئۡسَ مَثۡوَى الۡمُتَكَبِّرِينَ﴾ [الزمر :72]
فقِيلَ لهم: ادخُلوا جهنَّمَ مِنْ أبوابِها المَقسُومَةِ لكم، لتَمكثُوا فيها أبَدًا، فبئسَ مَأوَى المُتَكبِّرين، الذينَ دُعُوا إلى الحقِّ في الدُّنيا فاستَكبَروا عنْ قَبولِه، وعنِ اتِّباعِ رسُلِ رَبِّهم، وأصَرُّوا على ذلكَ حتَّى ماتُوا عَليه.
﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى الۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَادۡخُلُوهَا خَٰلِدِينَ﴾ [الزمر :73]
وسِيقَ المؤمِنونَ المتَّقونَ إلى الجنَّةِ جَماعَةً بعدَ جَماعَة، بحسَبِ طَبقاتِهمْ في الفَضل، حتَّى إذا وصَلوا إليها وفُتِحَتْ أبوابُها، حيَّاهُمْ خَزنَتُها قائلين: سَلامٌ عَليكم: أنتُمْ في أمَانٍ مِنْ كُلِّ مَكروه، طابَتْ أعمالُكم، فطِبتُمْ نَفسًا، وطابَ لكمُ المُقام، فادخُلوا الجنَّةَ ماكثينَ فيها أبَدًا، لا مَوتَ فيها، ولا تَحوُّلَ عَنها.
﴿وَقَالُواْ الۡحَمۡدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعۡدَهُۥ وَأَوۡرَثَنَا الۡأَرۡضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الۡجَنَّةِ حَيۡثُ نَشَآءُۖ فَنِعۡمَ أَجۡرُ الۡعَٰمِلِينَ﴾ [الزمر :74]
وقالَ أهلُ الجنَّةِ حامِدينَ شَاكِرين: الحَمدُ للهِ والثَّناءُ عَليهِ بما هوَ أهلُه، الذي صدَقَ فيما وعدَنا بهِ مِنَ الثَّوابِ على ألسِنَةِ رسُلِه، وأعطانا أرْضَ الجنَّة، نَنزِلُ فيما أعطانا رَبُّنا مِنَ الجنَّةِ الواسِعَةِ حيثُ نَشاء، فأنعِمْ بهذا الأجرِ الجَزيل لأهلِها.
﴿وَتَرَى الۡمَلَـٰٓئِكَةَ حَآفِّينَ مِنۡ حَوۡلِ الۡعَرۡشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡۚ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِالۡحَقِّۚ وَقِيلَ الۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الزمر :75]
وترَى المَلائكةَ مُحْدِقِينَ مِنْ حَولِ عَرشِ اللهِ العَظيم، وهمْ يُقَدِّسُونَ رَبَّهمْ ويُمَجِّدونَهُ ويَحمَدونَه، وقُضِيَ بينَ الخَلائقِ بالقِسطِ والعَدل، والحَمدُ للهِ والشُّكرُ لهُ على حُكمِهِ وعَدلِه.
في حَديثٍ صَحيحٍ رَواهُ الترمِذيُّ وغَيرُه، عنْ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها قالت: "كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يَنامُ حتَّى يَقرأَ الزُّمَر، وبَني إسرائيل"، وهيَ سُورةُ الإسراء.
سورة غافر - مكية - عدد الآيات: 85
40
﴿حمٓ﴾ [غافر :1]
الحروفُ المُقَطَّعَةُ لم يَرِدْ فيها حَديثٌ صَحيح، واللهُ أعلَمُ بمَعناها.
﴿تَنزِيلُ الۡكِتَٰبِ مِنَ اللَّهِ الۡعَزِيزِ الۡعَلِيمِ﴾ [غافر :2]
تَنزيلُ القُرآنِ مِنَ اللهِ العَزيزِ الذي لا يُغلَب، العالِمِ بكلِّ شَيء.
﴿غَافِرِ الذَّنۢبِ وَقَابِلِ التَّوۡبِ شَدِيدِ الۡعِقَابِ ذِي الطَّوۡلِۖ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ إِلَيۡهِ الۡمَصِيرُ﴾ [غافر :3]
الذي يَغفِرُ ذُنوبَ عِبادِهِ التَّائبينَ مهما عَظُمَت، ويَقبَلُ تَوبَةَ عِبادِهِ المؤمِنينَ مهما أذنَبوا، وهوَ شَديدُ العُقوبَةِ لمَنْ عاندَ وكفَر، الغَنيُّ، المُتَفَضِّلُ على عِبادِهِ بالخَيرِ والنِّعَمِ الكثيرَة، لا مَعبودَ بحَقٍّ سِوَاه، إليهِ المآبُ للحِسابِ والجَزاء.
﴿مَا يُجَٰدِلُ فِيٓ ءَايَٰتِ اللَّهِ إِلَّا الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَا يَغۡرُرۡكَ تَقَلُّبُهُمۡ فِي الۡبِلَٰدِ﴾ [غافر :4]
لا يَدفَعُ الحقَّ ولا يُجادِلُ بالباطلِ إلاّ الجاحِدونَ بآياتِ اللهِ البيِّنَة، فلا تَلتَفِتْ إلى ما هُمْ فيهِ مِنْ ثَراءٍ ونَعيم، وصِحَّةٍ ورَخاء، معَ كُفرِهم، فإنَّهمْ عنْ قَريبٍ تَنتَهي آجالُهم، وقدْ خَسِروا أنفُسَهمْ وأهليهم.
﴿كَذَّبَتۡ قَبۡلَهُمۡ قَوۡمُ نُوحٖ وَالۡأَحۡزَابُ مِنۢ بَعۡدِهِمۡۖ وَهَمَّتۡ كُلُّ أُمَّةِۭ بِرَسُولِهِمۡ لِيَأۡخُذُوهُۖ وَجَٰدَلُواْ بِالۡبَٰطِلِ لِيُدۡحِضُواْ بِهِ الۡحَقَّ فَأَخَذۡتُهُمۡۖ فَكَيۡفَ كَانَ عِقَابِ﴾ [غافر :5]
كذَّبَ قَبلَ مُشرِكي مكَّةَ قَومُ نُوحٍ نَبيَّهم، فكانوا أوَّلَ مَنْ كذَّبوا رَسُولاً، وكذلكَ الجَماعاتُ التي تَحزَّبَتْ على مُعاداةِ الرسُل، كعادٍ وثَمودَ وقَومِ فِرعَون، فكذَّبوهم، وهمَّ كُلٌّ منهمْ أنْ يُوقِعُوا بنَبيِّهم، مِنْ قَتلٍ، أو أذًى، وشَكَّكوا في رِسالاتِهم، وجادَلُوهمْ وعانَدوهم، ليَطمِسُوا الحقَّ وَيَصرِفوا النَّاسَ عنه، فأنزَلتُ بهمْ نِقمَتي، فانظُرْ كيفَ كانتْ عُقوبَتي شَديدَةً فيهم.
﴿وَكَذَٰلِكَ حَقَّتۡ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَنَّهُمۡ أَصۡحَٰبُ النَّارِ﴾ [غافر :6]
وكما وجبَ حُكمُ اللهِ على الأُمَمِ المكذِّبَةِ السَّابقَةِ بالعَذاب، كذلكَ يَكونُ حُكمُهُ على مَنْ كذَّبَكَ وخالفَك، لأنَّهمْ جَميعًا كافِرونَ مُعانِدونَ مِنْ أهلِ النَّار.
﴿الَّذِينَ يَحۡمِلُونَ الۡعَرۡشَ وَمَنۡ حَوۡلَهُۥ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡ وَيُؤۡمِنُونَ بِهِۦ وَيَسۡتَغۡفِرُونَ لِلَّذِينَ ءَامَنُواْۖ رَبَّنَا وَسِعۡتَ كُلَّ شَيۡءٖ رَّحۡمَةٗ وَعِلۡمٗا فَاغۡفِرۡ لِلَّذِينَ تَابُواْ وَاتَّبَعُواْ سَبِيلَكَ وَقِهِمۡ عَذَابَ الۡجَحِيمِ﴾ [غافر :7]
إنَّ المَلائكةَ الذينَ يَحمِلونَ عَرشَ الرَّحمن، ومَنْ حَولَهمْ مِنَ المَلائكةِ المقَرَّبين، يُقَدِّسُونَ اللهَ ويُنَزِّهونَهُ مِنْ كُلِّ شِركٍ ونَقص، ويُثنونَ عَليه، ويُؤمِنونَ بهِ إيمانًا كامِلاً عَميقًا ويَخشَونَه، ويَطلُبونَ منهُ العَفوَ والمَغفِرَةَ لعِبادِهِ المؤمِنين، قائلين: اللهمَّ إنَّ رَحمَتَكَ وَسِعَتْ كُلَّ شَيء، وعِلمَكَ أحاطَ بما قالَهُ عِبادُكَ المؤمِنونَ وما عَمِلوه، مِنْ خَيرٍ وشَرّ، فاغفِرْ ذُنوبَ التَّائبينَ الذينَ أنابُوا إليك، والتزَموا صِراطَكَ المُستَقيم، واحفَظهُمْ مِنْ عَذابِ النَّار.
﴿رَبَّنَا وَأَدۡخِلۡهُمۡ جَنَّـٰتِ عَدۡنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمۡ وَمَن صَلَحَ مِنۡ ءَابَآئِهِمۡ وَأَزۡوَٰجِهِمۡ وَذُرِّيَّـٰتِهِمۡۚ إِنَّكَ أَنتَ الۡعَزِيزُ الۡحَكِيمُ﴾ [غافر :8]
اللهمَّ وأدخِلْهمْ جَنَّاتِ الإقامَةِ الدَّائمَةِ التي وعَدتَهمْ بها، واجمَعْ بينَهمْ وبينَ مَنْ آمَنَ وعَمِلَ صالِحًا مِنْ أزواجِهم، وذُرِّياتِهم، لتَبتَهِجَ قُلوبُهم، ويَكتَمِلَ سُرورُهم، فأنتَ الغالِبُ الذي لا يَمتَنِعُ عَليهِ شَيء، الحَكيمُ فيما تَفعَلُ وتَقول.
﴿وَقِهِمُ السَّيِّـَٔاتِۚ وَمَن تَقِ السَّيِّـَٔاتِ يَوۡمَئِذٖ فَقَدۡ رَحِمۡتَهُۥۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الۡفَوۡزُ الۡعَظِيمُ﴾ [غافر :9]
وقِهمْ وَبالَ السَّيِّئاتِ وسُوءَ عاقِبَتِها، فإنَّ مَنْ حَفِظتَهُ منها يَومَ المؤاخَذَةِ والحِساب، فقدْ رَحِمْتَهُ وأنقَذتَهُ مِنَ العَذاب، وذلكَ هوَ الفَلاحُ والسَّعادَةُ العُظمَى.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُنَادَوۡنَ لَمَقۡتُ اللَّهِ أَكۡبَرُ مِن مَّقۡتِكُمۡ أَنفُسَكُمۡ إِذۡ تُدۡعَوۡنَ إِلَى الۡإِيمَٰنِ فَتَكۡفُرُونَ﴾ [غافر :10]
إنَّ الكافِرينَ يُنادَونَ مِنْ قِبَلِ المَلائكةِ وهمْ في سَعيرِ النَّار: إنَّ بُغْضَ اللهِ لكمْ في الدُّنيا حينَما كانَ يَدعُوكمْ إلى الإيمانِ فتُعانِدونَ وتَستَكبِرونَ عنِ اتِّباعِه، أكبَرُ مِنْ بُغضِكمْ لأنفُسِكم، التي عرَّضَتْكُمْ للعُقوبَةِ والنِّيران، بسبَبِ ما أسلفَتْ مِنَ الأعمالِ السَّيِّئة.
﴿قَالُواْ رَبَّنَآ أَمَتَّنَا اثۡنَتَيۡنِ وَأَحۡيَيۡتَنَا اثۡنَتَيۡنِ فَاعۡتَرَفۡنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلۡ إِلَىٰ خُرُوجٖ مِّن سَبِيلٖ﴾ [غافر :11]
قالَ أهلُ النَّارِ وهمْ يَتحَسَّرون: اللهمَّ إنَّكَ أمَتَّنا مرَّتين، حيتَ خُلِقنا في أرْحامِ أُمَّهاتِنا قَبلَ نَفخِ الرُّوح، وعندَ انقِضاءِ آجالِنا في الدُّنيا. وأحيَيْتَنا مرَّتين: حينَ نفَختَ فينا الرُّوحَ ونحنُ في الأرْحام، ثمَّ إحياءَنا للبَعثِ يَومَ القِيامَة. وقدِ اعتَرَفْنا بما كنَّا عليهِ مِنْ كُفرٍ وتَكذيب، فهلْ مِنْ طَريقَةٍ للخُروجِ مِنَ النَّار، والعَودَةِ إلى الدُّنيا، لنَعملَ غَيرَ الذي كنَّا نَعمَل، فإنَّكَ قادِرٌ على كُلِّ شَيء؟
وقدْ أُجيبُوا أنْ لا خُروجَ منها.
﴿ذَٰلِكُم بِأَنَّهُۥٓ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحۡدَهُۥ كَفَرۡتُمۡ وَإِن يُشۡرَكۡ بِهِۦ تُؤۡمِنُواْۚ فَالۡحُكۡمُ لِلَّهِ الۡعَلِيِّ الۡكَبِيرِ﴾ [غافر :12]
ذلكمُ العَذابُ الذي حقَّ عَليكم، لأنَّهُ إذا عُبِدَ اللهُ وَحدَهُ ودُعِيتُمْ إلى التَّوحيدِ جحَدتُم، وإذا أُشرِكَ بهِ غَيرُهُ ودُعيتُمْ إلى ذلك، كعِبادَةِ اللَّاتِ والعُزَّى، صدَقتُمْ واستَجَبتُم، فالقَضاءُ الحقُّ في أمرِكمْ هوَ للهِ العَليِّ الذي لا يَعلو عَليهِ شَيء، الكبيرِ الذي لا أكبرَ منهُ ولا أعظَم.
﴿هُوَ الَّذِي يُرِيكُمۡ ءَايَٰتِهِۦ وَيُنَزِّلُ لَكُم مِّنَ السَّمَآءِ رِزۡقٗاۚ وَمَا يَتَذَكَّرُ إِلَّا مَن يُنِيبُ﴾ [غافر :13]
هوَ اللهُ الذي يُظهِرُ لكمْ دلائلَ عَظيمَةً مِنْ خَلقِهِ لتَستَدِلُّوا بها على تَوحيدِهِ وتَتعَرَّفوا قُدرَتَه، ويُنَزِّلُ لكمُ المطَرَ مِنَ السَّحابِ لتَنبُتَ بهِ الزُّروعُ والثِّمارُ وتَكونَ رِزقًا لكم، ولا يَعتَبِرُ بهذا إلاّ مَنْ تفكَّرَ ورجعَ إلى رَبِّه، وعَلِمَ أنَّهُ هوَ الرَّازِق، ذو الفَضلِ على عِبادِه.
﴿فَادۡعُواْ اللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوۡ كَرِهَ الۡكَٰفِرُونَ﴾ [غافر :14]
فاعبُدوا اللهَ وَحدَهُ ولا تُشرِكوا بهِ شَيئًا، وادعُوهُ وَحدَه، ولو أبغضَكمُ المشرِكونَ في هذا وكَرِهوا إخلاصَكمْ في العِبادَة.
﴿رَفِيعُ الدَّرَجَٰتِ ذُو الۡعَرۡشِ يُلۡقِي الرُّوحَ مِنۡ أَمۡرِهِۦ عَلَىٰ مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦ لِيُنذِرَ يَوۡمَ التَّلَاقِ﴾ [غافر :15]
وعَرشُ اللهِ عَظيم، عالٍ على جَميعِ مَخلوقاتِه، وهوَ سُبحانَهُ رَفيعُ الدَّرَجات، ذو المَقامِ العالي، يُنزِلُ الوَحيَ بأمرِهِ على مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِه، ممَّنِ اصطَفاهُمْ للنبوَّة، لتَحيا بهمُ القُلوب، وليُنذِروا مِنْ عَذابِ يَومِ القِيامَة.
﴿يَوۡمَ هُم بَٰرِزُونَۖ لَا يَخۡفَىٰ عَلَى اللَّهِ مِنۡهُمۡ شَيۡءٞۚ لِّمَنِ الۡمُلۡكُ الۡيَوۡمَۖ لِلَّهِ الۡوَٰحِدِ الۡقَهَّارِ﴾ [غافر :16]
في ذلكَ اليَومِ العَصيب، يَكونُ أهلُ المَحشَرِ جَميعًا ظاهِرين، لا يَستُرُهمْ شَيء. ولِمَنْ يَكونُ المُلكُ يَومَئذ؟ للهِ وَحدَه، فهوَ المتفَرِّدُ بالمُلك، الذي قهَرَ كُلَّ شَيءٍ وغلبَه.
﴿الۡيَوۡمَ تُجۡزَىٰ كُلُّ نَفۡسِۭ بِمَا كَسَبَتۡۚ لَا ظُلۡمَ الۡيَوۡمَۚ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الۡحِسَابِ﴾ [غافر :17]
وفي هذا اليَومِ المَخُوف، تُحاسَبُ كُلُّ نَفسٍ على ما عَمِلَتْ مِنْ خَيرٍ وشَرّ، وتُجزَى على ذلكَ إثابَةً أو عُقوبَة، ولا ظُلمَ في هذا اليَوم، فالحاكِمُ فيهِ هوَ اللهُ الحكَمُ العَدل، لا يَنقُصُ مِنْ ثَوابِ أحَد، ولا يَزيدُ في عُقوبَةِ أحَد. وهوَ سَريعُ الحِساب، على كثرَةِ الخَلق، وكثرَةِ ما عَمِلوا.