﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادۡعُواْ رَبَّكُمۡ يُخَفِّفۡ عَنَّا يَوۡمٗا مِّنَ الۡعَذَابِ﴾ [غافر :49]
ولمَّا اشتدَّتْ بهمُ النَّار، وضَاقَتْ بهمُ الحيَل، قالوا للمَلائكةِ المُوَكَّلينَ بتَعذيبِ أهلِ النَّار: ادعُوا اللهَ ربَّكمْ أنْ يُخَفِّفَ عنَّا ولو مِقدارَ يَومٍ مِنْ أيَّامِ العَذاب.
﴿قَالُوٓاْ أَوَلَمۡ تَكُ تَأۡتِيكُمۡ رُسُلُكُم بِالۡبَيِّنَٰتِۖ قَالُواْ بَلَىٰۚ قَالُواْ فَادۡعُواْۗ وَمَا دُعَـٰٓؤُاْ الۡكَٰفِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَٰلٍ﴾ [غافر :50]
قالَ لهمُ الخزَنَة: أمَا كانَ الأنبِياءُ المرسَلونَ إليكمْ يأتونَكمْ بالأدلَّةِ الواضِحَة، والحُجَجِ المُقنِعَة، الدالَّةِ على صِدقِ نبوَّتِهمْ وصِحَّةِ رِسالَتِهم؟ قالوا: بلَى، قدْ أتَونا بها، فكذَّبناهم.
قالَ لهمُ المَلائكة: فادعُوا أنتُم، فإنَّنا لا نَدعو للكفَرَةِ المجرِمين، العاصِينَ لرَبِّ العالَمين. ودُعاءُ الكافِرينَ باطِلٌ لا نَفعَ فيه، لا يُجدي ولا يُستَجاب.
﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي الۡحَيَوٰةِ الدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ الۡأَشۡهَٰدُ﴾ [غافر :51]
إنَّا لنَنصُرُ رسُلَنا، وأتْباعَهمْ مِنَ المؤمِنين، بالحُجَّةِ على مَنْ خالفَهم، أو بغلبَتِهم، في الحيَاةِ الدُّنيا، وفي الآخِرَة، بحضُورِ مَنْ يَشهَدُ على أعمالِهم.
وللانتِصارِ صُوَرٌ شَتَّى في الدُّنيا، ولا يَقتَصِرُ على الغلبَةِ العَسكريَّة، والعِبرَةُ بالعَواقِب، وإنْ ظهرَ ذلكَ بعدَ مُدَّة.
﴿يَوۡمَ لَا يَنفَعُ الظَّـٰلِمِينَ مَعۡذِرَتُهُمۡۖ وَلَهُمُ اللَّعۡنَةُ وَلَهُمۡ سُوٓءُ الدَّارِ﴾ [غافر :52]
في ذلكَ اليَومِ لا يُقبَلُ عُذرٌ مِنَ المشرِكينَ ولا فِديَة، وجَزاؤهمُ البُعدُ مِنْ رَحمَةِ الله، ومَكانُهمْ جهنَّم، أسوَأُ مَرجِعٍ ومَأوى.
﴿وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَى الۡهُدَىٰ وَأَوۡرَثۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ الۡكِتَٰبَ﴾ [غافر :53]
ولقدْ آتَينا موسَى بنَ عِمرانَ مِنَ العِلمِ والوَحي، ما يُهتَدَى بهِ إلى الحقِّ والصَّواب، وأبقَينا لبَني إسْرائيلَ التَّوراة.
﴿هُدٗى وَذِكۡرَىٰ لِأُوْلِي الۡأَلۡبَٰبِ﴾ [غافر :54]
فيها هِدايَةٌ مِنَ الضَّلال، وتَذكيرٌ وعِظَة، لأصحابِ العُقولِ السَّليمَة.
﴿فَاصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ اللَّهِ حَقّٞ وَاسۡتَغۡفِرۡ لِذَنۢبِكَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ بِالۡعَشِيِّ وَالۡإِبۡكَٰرِ﴾ [غافر :55]
فاصبِرْ على أذَى المُشرِكينَ وتَكذيبِهمْ أيُّها الرسُول، فإنَّ وَعدَ اللهِ لكَ ولأتْباعِكَ المؤمِنينَ بالنَّصرِ حَقّ، فأقبِلْ على عِبادَةِ رَبِّكَ واستَعِنْ به، واستَغفِرْ لذَنبِكَ - وفيهِ تَربيَةٌ للنَّفسِ وتَزكيَةٌ للقَلبِ - ونَزِّهِ اللهَ مِنَ النَّقصِ والشَّريكِ بذِكْرِه، واثنِ عَليهِ واشكُرْ لهُ فَضلَهُ عَليكَ وعلى المؤمِنين، في الصَّباحِ والمَساء.
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ اللَّهِ بِغَيۡرِ سُلۡطَٰنٍ أَتَىٰهُمۡ إِن فِي صُدُورِهِمۡ إِلَّا كِبۡرٞ مَّا هُم بِبَٰلِغِيهِۚ فَاسۡتَعِذۡ بِاللَّهِۖ إِنَّهُۥ هُوَ السَّمِيعُ الۡبَصِيرُ﴾ [غافر :56]
إنَّ الذينَ يُجادِلونَ بالباطِل، ويَدفَعونَ دَلائلَ اللهِ الواضِحَةَ بالشُّبَهِ الفاسِدَة، وهمْ لا حُجَّةَ عندَهمْ ولا بُرهان، وإنَّما يُقدِمُونَ على ذلكَ لكِبْرٍ في قُلوبِهمْ وحسَدٍ منهم، ولنْ يَبلُغوا ما يُؤَمِّلونَهُ مِنِ استِعلاءٍ وغلَبَةٍ عَليك، فإنَّ اللهَ خاذِلُهمْ ومُذِلُّهم. فالتَجِئْ إلى اللهِ واعتَصِمْ بهِ مِنْ حالِ هؤلاءِ المُجادِلين، إنَّهُ سَميعٌ لأقوالِكم، بَصيرٌ بأحوالِكم.
﴿لَخَلۡقُ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِ أَكۡبَرُ مِنۡ خَلۡقِ النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ النَّاسِ لَا يَعۡلَمُونَ﴾ [غافر :57]
إنَّ خَلقَ السَّماواتِ والأرْضِ العَظيمَتين، وما بَثَّ اللهُ في السَّماءِ الدُّنيا وَحدَها مِنْ مَلايينِ النُّجومِ والكواكبِ المُتَناثِرَة، معَ تَوازُنٍ وتَناسُقٍ ونِظامٍ دَقيق، وما في الأرْضِ مِنْ ماءٍ ونَباتٍ وشَجَر، وبِحارٍ وقِفار، ومَعادِنَ وكنُوز، وغَيرِها... كُلُّ هذا أكبَرُ وأعظَمُ مِنْ خَلقِ الإنسَان، ولكنَّ أكثَرَ النَّاسِ لا يُفكِّرونَ فيه، ولا يَتصوَّرونَ عَظمَةَ هذا الكونِ الكبيرِ ونِسبتَهمْ إليه، ولا يَستَدِلُّونَ بهِ على قُدرَتِهِ تعالَى على إعادَةِ إحيائهمْ بَعدَ المَوت.
﴿وَمَا يَسۡتَوِي الۡأَعۡمَىٰ وَالۡبَصِيرُ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـٰلِحَٰتِ وَلَا الۡمُسِيٓءُۚ قَلِيلٗا مَّا تَتَذَكَّرُونَ﴾ [غافر :58]
ولا يَستَوي الكَفيفُ الذي لا يُبصِرُ شَيئًا والبَصيرُ الذي يرَى ما انتهَى إليهِ بَصرُه، وكذلكَ لا يَستَوي المؤمِنونَ الصَّالِحونَ والكافِرونَ المُسِيؤون. ما أقَلَّ ما تَتذَكَّرونَ هذا!
﴿إِنَّ السَّاعَةَ لَأٓتِيَةٞ لَّا رَيۡبَ فِيهَا وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ النَّاسِ لَا يُؤۡمِنُونَ﴾ [غافر :59]
إنَّ يَومَ القِيامَةِ آتٍ لا شَكَّ فيه، ولكنَّ أكثرَ النَّاسِ لا يُصَدِّقونَ وقوعَه، فهمْ على عَقيدَةٍ ضالَّةٍ مُنحَرِفَة، ومُلتَهونَ بالدُّنيا وما فيها.
﴿وَقَالَ رَبُّكُمُ ادۡعُونِيٓ أَسۡتَجِبۡ لَكُمۡۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسۡتَكۡبِرُونَ عَنۡ عِبَادَتِي سَيَدۡخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ﴾ [غافر :60]
وقالَ اللهُ رَبُّكم: اسألُوني يا عِبادي أُعطِكم، واعبُدوني وَحدي أُثِبْكمْ على طاعَتِكم. والدُّعاءُ والعِبادِةُ تَذَلُّلٌ وخُضوعٌ للهِ تَعالَى، واللهُ يُحِبُّ أنْ يُسألَ، ويُحِبُّ أنْ يُعطِي.
إنَّ الذينَ يَستَكبِرونَ عنْ عِبادَتي ودُعائي، يَدخُلونَ جهنَّمَ أذِلَّةً صاغِرين.
اللهمَّ إنَّا نَسألُكَ حُسنَ الطَّاعةِ والرِّضَى.
﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الَّيۡلَ لِتَسۡكُنُواْ فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبۡصِرًاۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضۡلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَ النَّاسِ لَا يَشۡكُرُونَ﴾ [غافر :61]
هوَ الذي جعلَ لكمُ اللَّيلَ مُظلِمًا هادِئًا لتَسكُنوا وتَستَريحوا فيهِ مِنْ تعَبِ النَّهار، وجعلَ النَّهارَ مُضيئًا لتَتمَكَّنوا فيهِ مِنَ الحرَكةِ والعمَلِ والسفَر، واللهُ ذو فَضلٍ وإنعامٍ على عبادِه، ولكنَّ أكثرَهمْ لا يَشكرونَ نِعمَه. وقدْ يَشكرونَ مَعروفَ النَّاسِ ولا يَنسَونَ فَضلَهمْ! وهذا مِنْ جَهلِهمْ بالمُنعِمِ الأوَّلِ والأكبَر، وغَفلَتِهمْ عنْ أصلِ النِّعمَة.
﴿ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمۡ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖ لَّآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ فَأَنَّىٰ تُؤۡفَكُونَ﴾ [غافر :62]
إنَّهُ رَبُّكمُ الذي خلقَ كُلَّ شَيء، لا إلهَ في الكَونِ غَيرُه، فكيفَ تُصرَفونَ إلى عِبادَةِ غَيرِه؟
﴿كَذَٰلِكَ يُؤۡفَكُ الَّذِينَ كَانُواْ بِـَٔايَٰتِ اللَّهِ يَجۡحَدُونَ﴾ [غافر :63]
وكما ضَلَّ هؤلاءِ المشرِكونَ فعبَدوا غَيرَ الله، كذلكَ كانَ المشرِكونَ مِنْ قَبلِهم، ضَلُّوا عنِ العَقيدَةِ الصَّحيحَة، فكفَروا بالمُعجِزاتِ الظَّاهِرَةِ الدَّالَّةِ على صِدقِ نُبوَّةِ الأنبِياء، وعبَدوا الأصْنامَ والأوثان.
﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الۡأَرۡضَ قَرَارٗا وَالسَّمَآءَ بِنَآءٗ وَصَوَّرَكُمۡ فَأَحۡسَنَ صُوَرَكُمۡ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَٰتِۚ ذَٰلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمۡۖ فَتَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [غافر :64]
هوَ اللهُ الذي جعلَ لكمُ الأرْضَ مُستَقَرًّا مُمَهَّدًا لتَتمَكَّنوا مِنَ العَيشِ عَليها والتصَرُّفِ فيها، وجعَلَ السَّماءَ كالسَّقفِ والقُبَّةِ فَوقَكم، وجعَلكمْ في أحسَنِ الأشكالِ مِنْ بينِ الخَلق، ورزَقَكمْ مِنَ الأطعِمَةِ والثَّمَراتِ الطيِّبَةِ المُستَلذَّة، ذلكمُ المُنعِمُ عَليكمْ هوَ الله، خالقُكمْ ورازِقُكم، فتعالَى وتقدَّسَ رَبُّ العالَمينَ كُلِّهم، مالِكُ أمرِهمْ والمُتصَرِّفُ في شُؤونِهم.
﴿هُوَ الۡحَيُّ لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ فَادۡعُوهُ مُخۡلِصِينَ لَهُ الدِّينَۗ الۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [غافر :65]
هوَ الحيُّ الباقي الذي لا يَموت، لا إلهَ يُعبَدُ بحَقٍّ سِواه، فاعبُدوهُ وَحدَه، وأخلِصوا لهُ في الطَّاعَة، والحَمدُ والثَّناءُ كُلُّه، لرَبِّ العالَمينَ كُلِّهم.
﴿۞قُلۡ إِنِّي نُهِيتُ أَنۡ أَعۡبُدَ الَّذِينَ تَدۡعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَمَّا جَآءَنِيَ الۡبَيِّنَٰتُ مِن رَّبِّي وَأُمِرۡتُ أَنۡ أُسۡلِمَ لِرَبِّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [غافر :66]
قُلْ لهؤلاءِ المصرِّينَ على الشِّرك، قَطعًا لأطمَاعِهمُ الفاسِدَة: إنِّي مُنِعتُ وصُرِفتُ عنْ عِبادَةِ الأصْنامِ التي تَدَّعونَ أنَّها آلهةٌ وتَعبدونَها، وهيَ لا تَسمَعُ ولا تَتكلَّم، ولا تَضُرُّ ولا تَنفَع، لمَّا جاءَتْني الحُجَجُ والآياتُ مِنَ الله، التي تدلُّ على وَحدانيَّتِه، وعلى فَسادِ الأصْنام، وأُمِرتُ أنْ أستَسلِمَ لأمرِ رَبِّ العالَمين، وأُخلِصَ لهُ طاعَتي وعِبادَتي.
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن تُرَابٖ ثُمَّ مِن نُّطۡفَةٖ ثُمَّ مِنۡ عَلَقَةٖ ثُمَّ يُخۡرِجُكُمۡ طِفۡلٗا ثُمَّ لِتَبۡلُغُوٓاْ أَشُدَّكُمۡ ثُمَّ لِتَكُونُواْ شُيُوخٗاۚ وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّىٰ مِن قَبۡلُۖ وَلِتَبۡلُغُوٓاْ أَجَلٗا مُّسَمّٗى وَلَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ﴾ [غافر :67]
هوَ الذي خلقَ أصلَكمْ مِنْ تُراب، ثمَّ جعلَ نَسلَكمْ مِنْ نُطفَة، وهوَ المَنيّ، فإذا استقَرَّ في رَحِمِ المرأةِ وبَقيَ أربَعينَ يَومًا، تَحوَّلَ إلى عَلَقَة، وهيَ قِطعَةٌ مِنَ الدَّمِ الغَليظِ المتَجمِّد، التي تتعلَّقُ بجِدارِ الرَّحِم، ثمَّ نُخرِجُكمْ مِنَ الأرْحامِ طِفلاً ضَعيفًا لا حيلةَ له، ثمَّ تَكبَرونَ فتَقوَى أجسامُكمْ وتَكتَمِلُ حَواسُّكم، ثمَّ تَتقَدَّمونَ في العمُرِ وتَشيخُون، ومنكمْ مَنْ يَموتُ قَبلَ أنْ يَشِبَّ أو يَشيخ. ولتَبلُغوا جَميعًا سنًّا مُعَيَّنَةً لا تَتجاوزُونَه، هوَ أجَلُ مَوتِكمُ الذي حُدِّدَ لكلٍّ منكم، لعلَّكمْ بهذا البَيانِ تَتفَكَّرونَ وتَعتَبِرون، وإنَّكمْ إلى الموتِ صائرون، وستَحيَونَ بعدَما تَموتون.
﴿هُوَ الَّذِي يُحۡيِۦ وَيُمِيتُۖ فَإِذَا قَضَىٰٓ أَمۡرٗا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُۥ كُن فَيَكُونُ﴾ [غافر :68]
هوَ اللهُ الذي يُحيي الأموَاتَ ويُمِيتُ الأحيَاء، فإذا أرادَ أمرًا مِنَ الأمورِ قالَ لهُ كُنْ، فيَكونُ كما يُريد، دونَ مُخالفَةٍ ولا مُمانَعة.
﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجَٰدِلُونَ فِيٓ ءَايَٰتِ اللَّهِ أَنَّىٰ يُصۡرَفُونَ﴾ [غافر :69]
ألَا تَعجَبُ أيُّها الرسُولُ مِنَ المشرِكين، الذينَ يُجادِلونَ في آياتِ اللهِ البَيِّنَة، بآرائهمُ الفاسِدَةِ وأقاويلِهمُ الباطِلَة، وكيفَ يُصرَفونَ بهذا عنْ دينِ اللهِ الحقّ؟
﴿الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِالۡكِتَٰبِ وَبِمَآ أَرۡسَلۡنَا بِهِۦ رُسُلَنَاۖ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ﴾ [غافر :70]
الذينَ كذَّبوا بالقُرآنِ العَظيم، وبسائرِ الكتُبِ السَّماويَّةِ التي أنزَلناها على رسُلِنا، فسَوفَ يَعلَمونَ ما يَحِلُّ بهمْ مِنَ العَذاب.
﴿إِذِ الۡأَغۡلَٰلُ فِيٓ أَعۡنَٰقِهِمۡ وَالسَّلَٰسِلُ يُسۡحَبُونَ﴾ [غافر :71]
عندَما تَكونُ أغلالُ الحَديدِ والسَّلاسِلُ مُطَوِّقَةً بأعناقِهم، يَجرُّهمْ بها مَلائكةُ العَذابِ على وجُوهِهم.
﴿فِي الۡحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسۡجَرُونَ﴾ [غافر :72]
في ماءٍ شَديدِ الحَرارَةِ مسخَّنٍ على نارِ جهنَّم، ثمَّ في النَّارِ يُحرَقونَ بلَهيبِها وهَيَجانِها.
﴿ثُمَّ قِيلَ لَهُمۡ أَيۡنَ مَا كُنتُمۡ تُشۡرِكُونَ﴾ [غافر :73]
ثمَّ قيلَ لأهلِ النَّارِ مِنَ المشرِكين: أينَ هيَ الأصْنامُ التي كنتُمْ تُشرِكونَها معَ الله؟
﴿مِن دُونِ اللَّهِۖ قَالُواْ ضَلُّواْ عَنَّا بَل لَّمۡ نَكُن نَّدۡعُواْ مِن قَبۡلُ شَيۡـٔٗاۚ كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللَّهُ الۡكَٰفِرِينَ﴾ [غافر :74]
وتَعبُدونَها مِنْ دونِهِ سُبحانَه؟ قالوا: لقدْ غابَتْ عنَّا، أو ذهبَتْ فلمْ تَنفَعْنا بشَيء. ثمَّ قالوا كاذِبين: بلْ لم نَكنْ نَعبدُ أصْنامًا في الدُّنيا، كما قالوا: {وَاللّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} [سورة الأنعام: 23]. وهكذا يُضِلُّ اللهُ الكافِرين، فلا يَدرونَ بماذا يُجيبُون، أو إذا أجابوا يَكذِبون!
﴿ذَٰلِكُم بِمَا كُنتُمۡ تَفۡرَحُونَ فِي الۡأَرۡضِ بِغَيۡرِ الۡحَقِّ وَبِمَا كُنتُمۡ تَمۡرَحُونَ﴾ [غافر :75]
وهذا الذي عُوقِبتُمْ بهِ في جَهنَّم، هوَ جَزاءُ ما كنتُمْ تأشِرونَ وتَبطَرون، وتَظلِمونَ وتُفسِدونَ في الأرْض، بغَيرِ ما وَجهِ حَقّ، وبما كنتُمْ تَتوَسَّعونَ في الأفراحِ والملذَّات، وتَنسَونَ أمرَ رَبِّكم.
﴿ادۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ فَبِئۡسَ مَثۡوَى الۡمُتَكَبِّرِينَ﴾ [غافر :76]
وقيلَ لهم: ادخُلوا جهنَّمَ مِنْ أبوابِها المَقسومَةِ لكم، ماكثينَ فيها أبَدًا، فبئسَ المَنزِلُ النَّارُ المُستَعِرَةُ لمَنِ استَكبرَ عنِ اتِّباعِ الحقّ، وأصَرَّ على الكُفرِ والضَّلال.
﴿فَاصۡبِرۡ إِنَّ وَعۡدَ اللَّهِ حَقّٞۚ فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعۡضَ الَّذِي نَعِدُهُمۡ أَوۡ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيۡنَا يُرۡجَعُونَ﴾ [غافر :77]
فاصبِرْ على تَكذيبِهمْ لك، فإنَّ ما وعدَكَ اللهُ بهِ مِنَ النَّصرِ عَليهمْ حَقٌّ لا رَيبَ فيه، فإمَّا أنْ نُرِيَكَ بعضَ الذي أوعَدناهُمْ به، وهوَ القَتلُ والأَسْر، وهوَ ما حدَثَ في بَدرٍ وفَتحِ مكَّة، أو نَتوَفَّينَّكَ قَبلَ أنْ يَحِلَّ بهمْ ذلك، فيُرجَعونَ إلينا يَومَ القِيامَة، فنُحاسِبُهمْ على ما عَمِلوا، ونُذيقُهمُ العَذابَ الشَّديد. فأنتَ المُنتَصِرُ على كُلِّ حال، وهمُ المَخذُولونَ الخاسِرون.
﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا رُسُلٗا مِّن قَبۡلِكَ مِنۡهُم مَّن قَصَصۡنَا عَلَيۡكَ وَمِنۡهُم مَّن لَّمۡ نَقۡصُصۡ عَلَيۡكَۗ وَمَا كَانَ لِرَسُولٍ أَن يَأۡتِيَ بِـَٔايَةٍ إِلَّا بِإِذۡنِ اللَّهِۚ فَإِذَا جَآءَ أَمۡرُ اللَّهِ قُضِيَ بِالۡحَقِّ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الۡمُبۡطِلُونَ﴾ [غافر :78]
وقدْ بعَثنا رسُلاً كثيرينَ إلى أقوامِهم، قَبلَ إرسالِك، منهمْ مَنْ أورَدنا أخبارَهمْ وقِصَصَهمْ لكَ في القُرآن، وكيفَ كُذِّبوا وصبَروا، ومنهمْ مَنْ لم نَذكُرْهم، وهمُ الأكثَر. وما كانَ لنَبيٍّ أنْ يأتيَ بمُعجِزَةٍ إلاّ بأمرِ الله، فإذا جاءَ أمرُ اللهِ بالعُقوبَة، في الحيَاةِ الدُّنيا أو في الآخِرَة، حُكِمَ بالعَدلِ بينَ الرسُلِ ومُكذِّبيهم، بإنجاءِ المحقِّ، وإهلاكِ المبطلِ وتعذيبه، وخَسِرَ يَومَئذٍ المصِرُّونَ على الباطِل.
﴿اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الۡأَنۡعَٰمَ لِتَرۡكَبُواْ مِنۡهَا وَمِنۡهَا تَأۡكُلُونَ﴾ [غافر :79]
هوَ الذي خلقَ لكمُ الأنعامَ، مِنَ الإبِلِ والبقَرِ والغنَمِ والمَعْز، وسخَّرَها لكم، فتَركَبونَ بَعضَها وتَحمِلونَ عليها، وتأكلونَ لحومَ بَعضِها الآخَر.