﴿وَالطُّورِ﴾ [الطور :1]
أُقسِمُ بالجبَل. ذُكِرَ أنَّ المَقصُودَ جبَلُ سِينين، وهوَ جبَلُ سَيْناء، الذي كلَّمَ اللهُ عليهِ نبيَّهُ موسَى عليهِ السلام.
﴿وَكِتَٰبٖ مَّسۡطُورٖ﴾ [الطور :2]
وكتابٍ مَكتوبٍ بانتِظام،
﴿فِي رَقّٖ مَّنشُورٖ﴾ [الطور :3]
في رَقٍّ مَبسُوط. والرَّقُّ ما يُكتَبُ عَليه، مِنْ صَحيفَةٍ ولَوحٍ وغَيرِه.
والمَقصُودُ القُرآنُ الكريم، أو الكتُبُ السَّماويَّة. وقيلَ غَيرُ ذلك.
﴿وَالۡبَيۡتِ الۡمَعۡمُورِ﴾ [الطور :4]
والبَيتِ المَعمُور. وهوَ في السَّماءِ السَّابِعَة، "يَدخلُهُ كُلَّ يَومٍ سَبعونَ ألفَ مَلَك، لا يَعودونَ إليه"، كما في صَحيحِ مُسلم.
قالَ ابنُ كثيرٍ رَحِمَهُ الله: يَعني يَتعبَّدونَ فيهِ ويَطوفونَ بهِ كما يَطوفُ أهلُ الأرْضِ بكَعبَتِهم، كذلكَ ذلكَ البَيت، هوَ كعبَةُ أهلِ السَّماءِ السَّابِعَة.
﴿وَالسَّقۡفِ الۡمَرۡفُوعِ﴾ [الطور :5]
والسَّماءِ المَرفوعَةِ بغَيرِ عَمَد.
﴿وَالۡبَحۡرِ الۡمَسۡجُورِ﴾ [الطور :6]
والبَحرِ المُوْقَد. ولعلَّ المَقصودَ البَراكينُ التي تَخرُجُ مِنْ قاعِ البِحار، وهيَ أكثَرُ عَددًا مِنَ المَوجودَةِ على سَطحِ البَرّ، فتَندَفِعُ مِنْ قِيعانِ المُحيطاتِ وتَرتَفِعُ إلى قُربِ سَطحِ الماءِ لتُشَكِّلَ جزُرًا بُركانيَّة. ولا يَستَطيعُ الماءُ أنْ يُطفِئَ حَرارَتَها العاليَةَ عندَ صُعودِها، التي تَبلُغُ أكثرَ مِنْ ألفِ درَجَة!
﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّكَ لَوَٰقِعٞ﴾ [الطور :7]
إنَّ عَذابَ رَبِّكَ كائنٌ لا مَحالَة، واقِعٌ بالكُفَّار.
﴿مَّا لَهُۥ مِن دَافِعٖ﴾ [الطور :8]
ليسَ لأحَدٍ قُدرَةٌ على دَفعِهِ ومَنعِهِ إذا أرادَهُ اللهُ بهم.
﴿يَوۡمَ تَمُورُ السَّمَآءُ مَوۡرٗا﴾ [الطور :9]
يَومَ تَضطَرِبُ السَّماءُ وتَرتَجُّ رجًّا.
﴿وَتَسِيرُ الۡجِبَالُ سَيۡرٗا﴾ [الطور :10]
وتَزولُ الجِبالُ عنْ أماكنِها وتَصيرُ هَباءً مَنثُورًا.
﴿فَوَيۡلٞ يَوۡمَئِذٖ لِّلۡمُكَذِّبِينَ﴾ [الطور :11]
فإذا كانَ ذلكَ اليَوم، فالوَيلُ والهَلاكُ للمُكَذِّبينَ بيَومِ القِيامَة.
﴿الَّذِينَ هُمۡ فِي خَوۡضٖ يَلۡعَبُونَ﴾ [الطور :12]
الذينَ يَخوضُونَ في الباطِل، ويَتَّخِذونَ دِينَهمْ لَعِبًا، وهمْ غافِلونَ لاهُون.
﴿يَوۡمَ يُدَعُّونَ إِلَىٰ نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا﴾ [الطور :13]
في ذلكَ اليَومِ المَهول، يُدفَعونَ إلى النَّارِ دَفعًا عَنيفًا، ويُطرَحونَ فيها وهمْ أَذِلَّة.
﴿هَٰذِهِ النَّارُ الَّتِي كُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾ [الطور :14]
يَقولُ لهمْ زَبانيَةُ النَّار: هذهِ هيَ النَّارُ التي كنتُمْ تُنكِرونَها في الدُّنيا.
﴿أَفَسِحۡرٌ هَٰذَآ أَمۡ أَنتُمۡ لَا تُبۡصِرُونَ﴾ [الطور :15]
فهلْ هذهِ النَّارُ سِحرٌ تُخدَعونَ بهِ كما كنتُمْ تَقولونَ في الوَحي إنَّهُ سِحر، أمْ أنَّها نارٌ حَقيقيَّة، أمْ أنَّكمْ عُميٌ لا تَرَونَ ما أنتُمْ فيه؟!
﴿اصۡلَوۡهَا فَاصۡبِرُوٓاْ أَوۡ لَا تَصۡبِرُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡكُمۡۖ إِنَّمَا تُجۡزَوۡنَ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [الطور :16]
ادخُلوها وذُوقُوا عَذابَها، وسَواءٌ أصبَرتُمْ عَليها أمْ لم تَصبِروا، فإنَّهُ لا مَحيدَ لكمْ عَنها، وإنَّما تُجزَونَ بما عَمِلتُمْ في الدُّنيا، ولا تُعاقَبونَ بأكثرَ ممَّا تَستَحِقُّون.
﴿إِنَّ الۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّـٰتٖ وَنَعِيمٖ﴾ [الطور :17]
إنَّ عِبادَ اللهِ المؤمِنينَ المتَّقين، في جنَّاتٍ عاليَات، وفي ترفُّهٍ وطيبِ عيشٍ دائم.
﴿فَٰكِهِينَ بِمَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡ وَوَقَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡ عَذَابَ الۡجَحِيمِ﴾ [الطور :18]
مُتلَذِّذينَ مُتنَعِّمينَ بما آتاهمْ رَبُّهمْ مِنْ أصنَافِ المَآكلِ وأنواعِ المَشارِب، وترَفُّهٍ في المَلبَسِ والمَسكَن، وأنجاهُمْ مِنْ عَذابِ النَّارِ وشِدَّتِه.
﴿كُلُواْ وَاشۡرَبُواْ هَنِيٓـَٔۢا بِمَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [الطور :19]
كُلُوا واشرَبوا ما شِئتُمْ في سُرورٍ وهَناء، وأمنٍ وعافيَة، جَزاءَ أعمالِكمُ الحسَنة، وثَوابَ إخلاصِكمْ وصَبرِكمْ في الدُّنيا.
﴿مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ سُرُرٖ مَّصۡفُوفَةٖۖ وَزَوَّجۡنَٰهُم بِحُورٍ عِينٖ﴾ [الطور :20]
مُتَّكئينَ على أسِرَّةٍ مَوضوعَةٍ بَعضُها إلى جَنبِ بَعض، وزَوَّجناهُمْ بحُورٍ بِيضٍ حِسانِ الوجوه، واسِعاتُ العُيونِ جميلاتُها.
﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَاتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَمَآ أَلَتۡنَٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَيۡءٖۚ كُلُّ امۡرِيِٕۭ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞ﴾ [الطور :21]
والمؤمِنونَ الذينَ اتَّبعَتْهُمْ ذُرِّياتُهمْ في الإيمَان، ألحَقناهُمْ بآبائهمْ فكانوا معَهمْ في الجنَّة، وإنْ كانوا دونَهمْ في العمَل، إكرامًا لهم، ولتقَرَّ أعينُهمْ بهم، وما نقَصنا مِنْ عمَلِ الآباءِ شَيئًا بهذا الإكرَام، كُلُّ إنسَانٍ رَهْنٌ بكَسبِهِ عندَ الله، غَيرُ مَفكوكٍ عنه، ولا يُؤاخَذُ أحَدٌ بذَنبِ أحَد، سَواءٌ كانَ أبًا أمِ ابنًا.
﴿وَأَمۡدَدۡنَٰهُم بِفَٰكِهَةٖ وَلَحۡمٖ مِّمَّا يَشۡتَهُونَ﴾ [الطور :22]
وزَوَّدناهُمْ بأنوَاعِ الفَواكهِ اللَّذيذَة، واللَّحمِ الشهيِّ الذي تَرغَبُ فيهِ النَّفس.
﴿يَتَنَٰزَعُونَ فِيهَا كَأۡسٗا لَّا لَغۡوٞ فِيهَا وَلَا تَأۡثِيمٞ﴾ [الطور :23]
يَتعاطَونَ في الجنَّةِ كؤوسَ الخَمرِ ويتَجاذَبونَها، لا تُسكِرُ ولا تُؤذي، ولا يَتكلَّمُ أصحابُها بهذَيان، ولا كلامٍ فاحِشٍ يأثَمونَ بهِ كما في الدُّنيا، بلْ يَفعَلونَ ما يَفعَلُهُ الكِرام.
﴿۞وَيَطُوفُ عَلَيۡهِمۡ غِلۡمَانٞ لَّهُمۡ كَأَنَّهُمۡ لُؤۡلُؤٞ مَّكۡنُونٞ﴾ [الطور :24]
ويَطوفُ عَليهمْ ويَخدِمُهمْ غِلمانٌ مُختَصُّونَ بهم، كأنَّهمْ لؤلؤٌ مَصُونٌ في الصَّدَف، في بَهائهمْ ونَظافَتِهمْ وحُسنِ مَلابسِهم.
﴿وَأَقۡبَلَ بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ يَتَسَآءَلُونَ﴾ [الطور :25]
وأقبَلَ أهلُ الجنَّةِ يتَحادَثون، ويَسألُ بَعضُهمْ بَعضًا عنْ أحوالِهمْ في الدُّنيا.
﴿قَالُوٓاْ إِنَّا كُنَّا قَبۡلُ فِيٓ أَهۡلِنَا مُشۡفِقِينَ﴾ [الطور :26]
قالوا: لقدْ كنَّا خائفينَ وَجِلينَ بينَ أهلِينا، نَخشَى عَذابَ اللهِ ونُشفِقُ على أنفُسِنا مِنْ عِقابِه.
﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيۡنَا وَوَقَىٰنَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾ [الطور :27]
فمَنَّ اللهُ عَلينا برَحمَتِه، وأكرمَنا بنِعمَتِه، فأدخلَنا جنَّتَه، وجنَّبَنا نارَ جهنَّمَ الشَّديدَةَ النَّافِذَة، التي تَدخلُ في الجسمِ وتُحرِقُهُ مباشرَة.
﴿إِنَّا كُنَّا مِن قَبۡلُ نَدۡعُوهُۖ إِنَّهُۥ هُوَ الۡبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ [الطور :28]
لقدْ كنَّا نَعبُدُ اللهَ في الدُّنيا مُخلِصين، ونَرجُوهُ أنْ يَقيَنا العَذاب، إنَّهُ هوَ المُحسِنُ الكَريم، ذو الرَّحمَةِ العَظيمَة.
﴿فَذَكِّرۡ فَمَآ أَنتَ بِنِعۡمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٖ وَلَا مَجۡنُونٍ﴾ [الطور :29]
فعِظْهُمْ بالقُرآنِ أيُّها الرسُول، وبَلِّغْهمْ رسالَةَ ربِّك، فلستَ بحَمدِ اللهِ كاهِنًا تَكذِبُ عَليهمْ في نَقلِ الأخبَارِ بالظُّنونِ والأباطِيل، ولا مَجنونًا تَقولُ كلامًا فاسِدًا غَيرَ مَعقولٍ مِنْ مَسِّ الجِنّ.
﴿أَمۡ يَقُولُونَ شَاعِرٞ نَّتَرَبَّصُ بِهِۦ رَيۡبَ الۡمَنُونِ﴾ [الطور :30]
بلْ يَقولونَ هوَ شاعِرٌ نَنتَظِرُ أنْ يأتيَ عليهِ المَوت، فيَموتُ كما ماتَ مَنْ قَبلَهُ مِنَ الشُّعَراء، ويتَفرَّقُ أصحابُهُ عنه، فنَستَريحُ منهُ ومنهم.
﴿قُلۡ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الۡمُتَرَبِّصِينَ﴾ [الطور :31]
قُلْ لهمْ أيُّها الرسُول: انتَظِروا، فإنَّني أنتَظِرُ هَلاكَكمْ كما تَنتَظِرونَ هَلاكي، وستَعلَمونَ لمَنْ تَكونُ العاقِبَة.