الحروفُ المُقَطَّعَةُ... اختلَفَ المفسِّرونَ في دَلالتِها.
أُقسِمُ بالقلَمِ، وما يَكتُبون.
فيهِ تَنبيهٌ على فَضيلَةِ القلَم، وتَعليمِ الكتابَة.
وصحَّ في الحديثِ قَولُهُ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ أوَّلَ شَيءٍ خلقَهُ اللهُ القلَم، وأمرَهُ فكتبَ كُلَّ شَيءٍ يَكون". رواهُ أبو يَعلَى في مُسنَدِه، والحاكمُ في مُستَدرَكِه وصحَّحَ إسنادَه، والترمذيُّ وحسَّنَه، واللَّفظُ للأوَّل.
وعندَما سُئلَتْ أُمُّنا عائشَةُ رضِيَ اللهُ عَنها عنْ أخلاقِهِ صلى الله عليه وسلم قالتْ للسَّائل: ألَستَ تَقرَأُ القُرآن؟ قال: بلَى. قالت: فإنَّ خُلُقَ نَبيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ القُرآن. رَواهُ مُسلمٌ في صَحيحِه.
قالوا: يَعني أنَّ ما في القُرآنِ كُلِّهِ مِنْ مَكارِمِ الأخلاقِ كانَ فيهِ صلى الله عليه وسلم، وما فيهِ مِنَ النَّهي عنْ سَيِّءِ الأخلاقِ كانَ مُنتَهيًا عنه. هذا على ما طَبعَهُ اللهُ مِنَ الأخلاقِ العَظيمَة، كالحِلم، والعَفو، والكرَم، والحيَاء، والشَّجاعَة، وكُلِّ خُلُقٍ جَميل.
(148) في الطبعة الأولى: "ولم يَستَثنوا في حَلِفِهم، فلمْ يَقولوا: إنْ شاءَ الله، إصرَارًا وثِقَةً منهمْ بالأمرِ الذي همْ مُقدِمونَ عليه".
وهذا عند كثيرٍ من المفسرين. وقالَ العلّامةُ إسماعيل حقي بعدَ ذكرِ تفسيرهِ بالمشيئة: والأظهرُ ان المعنى: ولا يستثنون حصةَ المساكين، أي: لا يميِّزونها ولا يخرجونها كما كان يفعلهُ أبوهم. وقالَ أبو حيان: ولا ينثنون عمَّا عَزموا عليه من منعِ المساكين. (روح البيان).
وهو عند العلامةِ الطاهر بنِ عاشور أيضًا، قال: ومعنى {لَا يَسْتَثْنُونَ} أنهم لا يستثنون من الثمرةِ شيئاً للمساكين، أي: أقسَموا ليَصْرِمُنَّ جميعَ الثمرِ ولا يتركون منه شيئاً. وهذا التعميمُ مستفادٌ مما في الصرمِ من معنى الخزنِ والانتفاعِ بالثمرة، وإلاّ فإن الصرمَ لا ينافي إعطاءَ شيءٍ من المجذوذِ لمن يريدون. وأُجمِلَ ذلك اعتماداً على ما هو معلومٌ للسامعين من تفصيلِ هذه القصة، على عادةِ القرآنِ في إيجازِ حكايةِ القصصِ بالاقتصارِ على موضعِ العبرةِ منها.
وقالَ في آخره: وعلى الرواياتِ كلِّها يُعلَمُ أن أهلَ هذه الجنةِ لم يكونوا كفاراً، فوجهُ الشبهِ بينهم وبين المشركين المضروبُ لهم هذا المثل، هو بطرُ النعمةِ والاغترارُ بالقوة. (التحرير والتنوير).
ولكنَّهمْ لمَّا وقَفوا على حَقيقةِ الأمرِ قالُوا: لم نُخطِئِ الطَّريق، فهذا بُستانُنا، ولكنَّنا حُرِمنا خَيرَه، لحِرمانِنا المسَاكينَ مِنْ خَيرِه، فلا حظَّ لنا فيهِ ولا نَصيب.