تفسير الجزء 29 من القرآن الكريم

  1. أجزاء القرآن الكريم
  2. الجزء التاسع والعشرون
29
سورة الملك
سورة القلم
سورة الحاقة
سورة المعارج
سورة نوح
سورة الجن
سورة المزمل
سورة المدثر
سورة القيامة
سورة الإنسان
سورة المرسلات

﴿قَالُواْ يَٰوَيۡلَنَآ إِنَّا كُنَّا طَٰغِينَ﴾ [القلم:31]


قالوا: يا هَلاكَنا ويا سُوءَ فعلِنا، لقدْ تَجاوَزنا حُدودَ اللهِ ومَنَعْنا حُقوقَ المساكِين، فأصابَنا ما أصابَنا.

﴿عَسَىٰ رَبُّنَآ أَن يُبۡدِلَنَا خَيۡرٗا مِّنۡهَآ إِنَّآ إِلَىٰ رَبِّنَا رَٰغِبُونَ﴾ [القلم:32]


عسَى أنْ يُعَوِّضَنا اللهُ خَيرًا منه، إنَّا تائبونَ إلى رَبِّنا، نَرجُو عَفوَه، ونَطلبُ خَيرَه.

﴿كَذَٰلِكَ الۡعَذَابُۖ وَلَعَذَابُ الۡأٓخِرَةِ أَكۡبَرُۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ﴾ [القلم:33]


هكذا يَكونُ العَذابُ لمَنْ خالفَ أمرَ اللهِ وكفرَ بنِعمَتِه، والعُقوبَةُ في الآخِرَةِ أشَدُّ وأبقَى، ولو كانُوا مِنْ أهلِ العِلمِ والفَهمِ لعَلِموا ذلك.

﴿إِنَّ لِلۡمُتَّقِينَ عِندَ رَبِّهِمۡ جَنَّـٰتِ النَّعِيمِ﴾ [القلم:34]


إنَّ للمُؤمِنينَ المُمتَثِلينَ أمرَ ربِّهمْ جنَّاتٍ واسِعاتٍ يَومَ القِيامَة، فيها النَّعيمُ والسَّعادَة.

﴿أَفَنَجۡعَلُ الۡمُسۡلِمِينَ كَالۡمُجۡرِمِينَ﴾ [القلم:35]


أفنَجعَلُ المسلِمينَ المُلتَزِمينَ بشَرعِ الله، في الحِسابِ والثَّواب، كالكافِرينَ المُجرِمينَ الذينَ يَعصُونَهُ ويُكذِّبونَ أنبِياءَه؟

﴿مَا لَكُمۡ كَيۡفَ تَحۡكُمُونَ﴾ [القلم:36]


ماذا بكم؟ وعلى أيِّ شَيءٍ تَبنونَ أحكامَكم، وكيفَ تَزِنونَ الأمُورَ حتَّى تَجعَلوا الفَريقَينِ بَعضَهمْ مثلَ بَعضٍ في الجزَاء؟

﴿أَمۡ لَكُمۡ كِتَٰبٞ فِيهِ تَدۡرُسُونَ﴾ [القلم:37]


أمْ أنَّ لكمْ كتابًا سَماويًّا تَقرَؤونَ فيه وتَعتَمِدونَ عليهِ فيما تدَّعون؟

﴿إِنَّ لَكُمۡ فِيهِ لَمَا تَخَيَّرُونَ﴾ [القلم:38]


إنَّ لكمْ في ذلكَ الكتابِ ما تَختارونَ وما تَشتَهون!

﴿أَمۡ لَكُمۡ أَيۡمَٰنٌ عَلَيۡنَا بَٰلِغَةٌ إِلَىٰ يَوۡمِ الۡقِيَٰمَةِ إِنَّ لَكُمۡ لَمَا تَحۡكُمُونَ﴾ [القلم:39]


أمْ أقسَمنا لكم، فلكمْ عَلينا عُهودٌ ومَواثيقُ مؤكَّدَةٌ لا تَنقَطِعُ إلى يَومِ القِيامَةِ فأنتُمْ مُلازِمونَ لها؟ إنَّكمْ تَحكمونَ لأنفُسِكمْ بالخَيرِ والكرامَةِ عندَ اللهِ كما تَشاؤون!

﴿سَلۡهُمۡ أَيُّهُم بِذَٰلِكَ زَعِيمٌ﴾ [القلم:40]


اِسْألْهمْ أيُّها الرسُول: مَنِ المُتَكفِّلُ منهمْ أنْ يَكونَ لهمْ في الآخِرَةِ ما يَكونُ للمسلِمين؟

﴿أَمۡ لَهُمۡ شُرَكَآءُ فَلۡيَأۡتُواْ بِشُرَكَآئِهِمۡ إِن كَانُواْ صَٰدِقِينَ﴾ [القلم:41]


أمْ أنَّ عندَهمْ شُرَكاءَ للهِ تكفَّلوا لهمْ بذلك، أو شَهِدوا لهمْ بمَكانَتِهمْ عندَ الله؟ فليَأتُوا بهمْ وليَدُلُّوا عَليهمْ إنْ كانُوا صَادِقينَ فيما يدَّعُونَه.

﴿يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ وَيُدۡعَوۡنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسۡتَطِيعُونَ﴾ [القلم:42]


في يَومِ القيامَةِ تَكونُ شَدائدُ وأهوال، وفيهِ يُكشَفُ عنْ ساق. (والآيَةُ مِنَ المُتشابِه، فاللهُ أعلَمُ بمَعناها. والمهمُّ أنَّهُ يَومُ شِدَّةٍ وكَرب، ومَقامٍ هائل، يُميِّزُ اللهُ فيهِ بينَ الخُبَثاءِ والطيِّبينَ مِنْ عِبادِه، وبينَ أهلِ النَّارِ وأهلِ الجنَّة). ويُدعَى الكافِرونَ والمُنافِقونَ يَومَئذٍ إلى السُّجودِ فلا يَستَطيعون؛ لتَركِهمْ ذلكَ في الحيَاةِ الدُّنيا، أو لفِعلِهمْ ذلكَ رِياءً وسُمعَة، فيَصيرُ ظَهرُ كُلٍّ منهمْ طبَقًا واحِدًا، وتَستَوي فَقَارُ ظَهرِه، فلا يَنثَني للسُّجود.

﴿خَٰشِعَةً أَبۡصَٰرُهُمۡ تَرۡهَقُهُمۡ ذِلَّةٞۖ وَقَدۡ كَانُواْ يُدۡعَوۡنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمۡ سَٰلِمُونَ﴾ [القلم:43]


عُيونُهمْ ذَليلَةٌ لا يَرفَعونَها، يَغشاهُمْ ذُلُّ الكآبَةِ والنَّدامَة، وقدْ كانوا يُدعَونَ إلى السُّجودِ في الحياةِ الدُّنيا وهمْ قادِرونَ عليهِ فيَمتَنِعونَ أو يتَخلَّفونَ عنه.

﴿فَذَرۡنِي وَمَن يُكَذِّبُ بِهَٰذَا الۡحَدِيثِۖ سَنَسۡتَدۡرِجُهُم مِّنۡ حَيۡثُ لَا يَعۡلَمُونَ﴾ [القلم:44]


فدَعني ومَنْ يُكَذِّبُ بالقُرآنِ العَظيم، ولا تَشغَلْ قَلبَكَ بهم، سنَمُدُّهمْ في غَيِّهمْ ونَجُرُّهمْ إلى العَذابِ وهمْ غافِلونَ عنه.

﴿وَأُمۡلِي لَهُمۡۚ إِنَّ كَيۡدِي مَتِينٌ﴾ [القلم:45]


وأُمهِلُهمْ وأُؤخِّرُهمْ ليَزدَادوا إثمًا، وهمْ يَظنُّونَ أنَّ ذلكَ لكرامَةٍ لهمْ عندَ الله، وهوَ مَكرٌ بهم، عُقوبةً لخُبثِهمْ وتَماديهمْ في الكُفرِ والعِصيان، وإنَّ مَكري بهمْ عَظيمٌ لا يُدفَع.

﴿أَمۡ تَسۡـَٔلُهُمۡ أَجۡرٗا فَهُم مِّن مَّغۡرَمٖ مُّثۡقَلُونَ﴾ [القلم:46]


أمْ أنَّكَ تَسألُهمْ أُجرَةً على تَبليغِ رِسالَةِ الله، ولذلكَ فهمْ يُعرِضونَ عنكَ ويَتبرَّمونَ ويَتثاقَلونَ ممَّا تَطلبُهُ منهم، وكأنَّ عليهمْ غَرامَةً ماليَّة؟

﴿أَمۡ عِندَهُمُ الۡغَيۡبُ فَهُمۡ يَكۡتُبُونَ﴾ [القلم:47]


أمْ أنَّ عندَهمْ عِلمًا بما في الغَيبِ فهمْ يَكتُبونَ منه، ويَقِفونَ على حَقيقَةِ الأخبارِ مِنْ خِلالِه، وعَلِموا بذلكَ أنَّهمْ بمَنزِلَةٍ عندَ اللهِ يَومَ القِيامَة؟

﴿فَاصۡبِرۡ لِحُكۡمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الۡحُوتِ إِذۡ نَادَىٰ وَهُوَ مَكۡظُومٞ﴾ [القلم:48]


فاصبِرْ أيُّها الرسُولُ على أذَى قَومِكَ وتَكذيبِهمْ لك، ولاتَكنْ كالنبيِّ يونُسَ في الضَّجَرِ والعَجَلَة، الذي وعدَ قَومَهُ بالعَذاب، ثمَّ هجرَهمْ وهوَ غاضِبٌ عَليهم، مُنتَظِرًا أنْ يَحِلَّ بهمْ ما وعدَهمُ اللهُ به، قَبلَ أنْ يأذنَ اللهُ لهُ بالخُروج، ولم يَصبِرِ الصَّبرَ اللَّازِم، فرَكِبَ البَحر، وابتلعَهُ الحُوت، ودَعا رَبَّهُ - وهوَ مَملوءٌ غمًّا - أنْ يَغفِرَ لهُ ويَتوبَ عَليه.

﴿لَّوۡلَآ أَن تَدَٰرَكَهُۥ نِعۡمَةٞ مِّن رَّبِّهِۦ لَنُبِذَ بِالۡعَرَآءِ وَهُوَ مَذۡمُومٞ﴾ [القلم:49]


ولو لم تُدْرِكْهُ رَحمَةٌ مِنْ رَبِّهِ ولم يَستَجِبْ دُعاءَه، لطُرِحَ بأرْضٍ خاليَة، وهوَ يُلامُ على ذَنبِه.

﴿فَاجۡتَبَٰهُ رَبُّهُۥ فَجَعَلَهُۥ مِنَ الصَّـٰلِحِينَ﴾ [القلم:50]


ولكنْ تَدارَكَتْهُ رَحمَةُ الله، فأنبتَ عَليهِ شَجرَةً مِنْ يَقطِين، وردَّ إليهِ الوَحي، وجعلَهُ مِنْ عِبادِهِ المُتَّقين، ورجعَ إلى قَومِه.

﴿وَإِن يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَيُزۡلِقُونَكَ بِأَبۡصَٰرِهِمۡ لَمَّا سَمِعُواْ الذِّكۡرَ وَيَقُولُونَ إِنَّهُۥ لَمَجۡنُونٞ﴾ [القلم:51]


ويَنظرُ إليكَ المشرِكونَ نَظرةَ حِقدٍ وعَداوَة، ويَكادُونَ أنْ يُصيبُوكَ بالعَينِ منْ جَرَّاءِ ذلك، ليُزِلُّوا قدَمَكَ ويَرمُوكَ على الأرْض، عندَ سَماعِهمُ القُرآنَ وأنتَ تَتلُوه؛ لكُرهِهمْ وبُغضِهمْ له، ويَقولونَ مِنْ جَهلِهمْ إنَّ محمَّدًا مَجنون!

﴿وَمَا هُوَ إِلَّا ذِكۡرٞ لِّلۡعَٰلَمِينَ﴾ [القلم:52]


وما القرآنُ إلاّ عِظَةٌ للنَّاسِ أجمَعين، وتَذكيرٌ وبَيانٌ لِما يَحتاجونَ إليهِ مِنْ أُمورِ الدُّنيا والدِّين، فكيفَ يُنسَبُ إلى الجُنونَ مَنْ يَنزِلُ عليهِ القُرآنُ ذو الشأنِ العَظيم؟

سورة الحاقة - مكية - عدد الآيات: 52

69

﴿الۡحَآقَّةُ﴾ [الحاقة:1]


الحاقَّةُ يَومُ القِيامَة، فهوَ حَقيقَةٌ لا كَذِب. وفيهِ تتَحقَّقُ الأمُورُ وتَثبُتُ وتُعرَفُ على الحقيقَة. وفيهِ يتَحقَّقُ الوَعدُ والوَعيد، والثَّوابُ والعِقاب.

﴿مَا الۡحَآقَّةُ﴾ [الحاقة:2]


وما هوَ يَومُ القِيامةِ وما صِفَتُه؟

﴿وَمَآ أَدۡرَىٰكَ مَا الۡحَآقَّةُ﴾ [الحاقة:3]


وما أعلمَكَ بالقِيامَةِ وأهوالِها وفَظائعِها؟

﴿كَذَّبَتۡ ثَمُودُ وَعَادُۢ بِالۡقَارِعَةِ﴾ [الحاقة:4]


كذَّبَتْ قَبيلَتا ثَمودَ وعادٍ بيَومِ المَعاد، الذي يَقرَعُ النَّاسَ فيُخيفُ قُلوبَهم، ويُفزِعُهمْ بأهوالِه.

﴿فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهۡلِكُواْ بِالطَّاغِيَةِ﴾ [الحاقة:5]


فأمَّا ثَمودُ فقدْ أهلكَهمُ اللهُ بالصَّيحَةِ القويَّة، فأرجفَتْهُمْ وجعَلَتْهُمْ جُثَثًا هامِدَة؛ لطُغيانِهمْ وتَكذيبِهمْ نبيَّهمْ صالحًا.

﴿وَأَمَّا عَادٞ فَأُهۡلِكُواْ بِرِيحٖ صَرۡصَرٍ عَاتِيَةٖ﴾ [الحاقة:6]


وأمَّا عادٌ قَومُ هُود، فقدْ أهلكَهمُ اللهُ بريحٍ قَويَّةٍ عاصِفَة، شَديدَةِ الهُبوب.

﴿سَخَّرَهَا عَلَيۡهِمۡ سَبۡعَ لَيَالٖ وَثَمَٰنِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومٗاۖ فَتَرَى الۡقَوۡمَ فِيهَا صَرۡعَىٰ كَأَنَّهُمۡ أَعۡجَازُ نَخۡلٍ خَاوِيَةٖ﴾ [الحاقة:7]


سلَّطها عَليهمْ سَبعَ لَيالٍ وثَمانيةَ أيَّامٍ مُتَتابِعات، لم تَنقَطِعْ عَنهم، فترَى القَومَ في تلكَ الأيَّامِ واللَّيالي هَلكَى، كأنَّهمْ أعجازُ نَخلٍ خَرِبَةٍ باليَة(149).

(149) شُبِّهوا بأعجازِ نخل، أي: أصولِ النخل، وعجزُ النخلةِ هو الساقُ التي تتصلُ بالأرضِ من النخلة، وهو أغلظُ النخلةِ وأشدُّها. ووجهُ التشبيهِ بها، أن الذين يقطعون النخلَ إذا قطعوهُ للانتفاعِ بأعوادهِ في إقامةِ البيوتِ للسُّقُفِ والعضادات، انتقَوا منه أصولَه؛ لأنها أغلظُ وأملأ، وتركوها على الأرضِ حتى تيبسَ وتزولَ رطوبتُها، ثم يجعلوها عَمَداً وأساطين. (التحرير والتنوير).

﴿فَهَلۡ تَرَىٰ لَهُم مِّنۢ بَاقِيَةٖ﴾ [الحاقة:8]


فهلْ ترَى لهمْ بَقيَّةً بعدَ هذا العَذاب؟ لقدْ هلَكوا جَميعًا.