﴿أَمَّا مَنِ اسۡتَغۡنَىٰ﴾ [عبس:5]
أمَّا مَنِ استَغنَى بالكُفرِ أو الغِنَى عمَّا عندكَ منَ العلمِ والإيمَان،
﴿فَأَنتَ لَهُۥ تَصَدَّىٰ﴾ [عبس:6]
فأنتَ تَتعَرَّضُ لهُ وتُقبِلُ عليه؟
﴿وَمَا عَلَيۡكَ أَلَّا يَزَّكَّىٰ﴾ [عبس:7]
ولستَ مُطالَبًا بأنْ يؤمِنَ ويَهتَدي، فما عَليكَ إلاّ البَلاغ.
﴿وَأَمَّا مَن جَآءَكَ يَسۡعَىٰ﴾ [عبس:8]
وأمَّا مَنْ جاءَكَ يَقصِدُك، يَبتَغي النُّصحَ والرُّشد،
﴿وَهُوَ يَخۡشَىٰ﴾ [عبس:9]
وهوَ يَخافُ اللهَ ويَخشَى عَذابَه،
﴿فَأَنتَ عَنۡهُ تَلَهَّىٰ﴾ [عبس:10]
فأنتَ تَتشاغَلُ عنه؟
﴿كَلَّآ إِنَّهَا تَذۡكِرَةٞ﴾ [عبس:11]
كلاّ، لا تَعُدْ إلى مِثلِ هذا، إنَّ هذا القُرآن، أو هذهِ السورةُ، مَوعِظَةٌ يَجِبُ أنْ يُعمَلَ بها.
﴿فَمَن شَآءَ ذَكَرَهُۥ﴾ [عبس:12]
فمَنْ شاءَ مِنَ العِبادِ اتَّعظَ به.
﴿فِي صُحُفٖ مُّكَرَّمَةٖ﴾ [عبس:13]
وهوَ مثبَتٌ في صُحُفٍ مُعَظَّمَةٍ مُكرَّمَة، والمقصود: اللوحُ المحفوظ. وكلُّ ما كُتِبَ فيه فهو صَحيفة،
﴿مَّرۡفُوعَةٖ مُّطَهَّرَةِۭ﴾ [عبس:14]
وهي رَفيعَةِ القَدْرِ، مُنزَّهَةٌ مِنْ كُلِّ دنَس، فلا يَمَسُّها إلّا المطهَّرون، وهمُ الملائكة،
﴿بِأَيۡدِي سَفَرَةٖ﴾ [عبس:15]
بأيدي كتبَةٍ مِنَ المَلائكةِ عَليهمُ السَّلام(157).
(157) المعنى: أنها [الصحفُ] بأيدي كتبةٍ من الملائكة، ينسخون الكتبَ من اللوحِ المحفوظ. (فتح القدير).
المرادُ بأيْديهم: حِفْظُهم إيّاهُ إلى تبليغه، فمثَّلَ حالَ الملائكةِ بحالِ السفراء، الذين يحملون بأيديهم الأَلُوكَ والعُهود. (التحرير والتنوير).
الألوك: الرسالة.
﴿كِرَامِۭ بَرَرَةٖ﴾ [عبس:16]
ذَوي قَدْرٍ وكرَامَةٍ عندَ الله، مُطيعينَ لهُ مُتَّقين.
﴿قُتِلَ الۡإِنسَٰنُ مَآ أَكۡفَرَهُۥ﴾ [عبس:17]
لُعِنَ المكذِّبُ بالبَعثِ والنُّشورِ ما أشَدَّ كُفرَه!
﴿مِنۡ أَيِّ شَيۡءٍ خَلَقَهُۥ﴾ [عبس:18]
مِنْ أيِّ شَيءٍ مَهينٍ خَلقَه؟ ما أصلُهُ وما مَبدَؤهُ حتَّى يَتكبَّرَ ويُعرِض؟
﴿مِن نُّطۡفَةٍ خَلَقَهُۥ فَقَدَّرَهُۥ﴾ [عبس:19]
خَلقَهُ مِنْ نُطفَةٍ ضَعيفَة، ثمَّ قدَّرَهُ أطوَارًا إلى أنْ تمَّ خَلقُه، وهيَّأهُ لِما يَصلُحُ له.
﴿ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُۥ﴾ [عبس:20]
ثمَّ سهَّلَ خُروجَهُ مِنْ بَطنِ أُمِّه. أو يسَّرَ لهُ سبُلَ العَيشِ في الحياة.
﴿ثُمَّ أَمَاتَهُۥ فَأَقۡبَرَهُۥ﴾ [عبس:21]
ثمَّ قبضَ روحَهُ وجعلَهُ في قَبرٍ تُوارَى فيهِ جُثَّتُه، تَكريمًا له، ولم يَجعَلْهُ مَطروحًا على الأرْضِ كالحيَواناتِ يَستَقذِرُهُ مَنْ يَراه، وتأكلُهُ السِّباعُ والطَّير.
﴿ثُمَّ إِذَا شَآءَ أَنشَرَهُۥ﴾ [عبس:22]
ثمَّ إذا أرادَ بَعَثَهُ مِنْ قَبرِهِ بعدَ المَوت.
﴿كَلَّا لَمَّا يَقۡضِ مَآ أَمَرَهُۥ﴾ [عبس:23]
كلاّ، ليسَ الأمرُ كما يَقولُ هذا المُكذِّبُ الكافِر، إنَّهُ لم يُؤَدِّ ما فرَضَهُ اللهُ عليهِ مِنَ الفَرائض.
﴿فَلۡيَنظُرِ الۡإِنسَٰنُ إِلَىٰ طَعَامِهِۦٓ﴾ [عبس:24]
فليَنظُرِ الإنسَانُ إلى نَوعِ غِذائهِ الذي يَعيشُ به، مِنْ أينَ جاءَهُ وكيفَ خُلِقَ ودُبِّرَ له.
﴿أَنَّا صَبَبۡنَا الۡمَآءَ صَبّٗا﴾ [عبس:25]
أنزَلنا المطرَ مِنَ السَّحابِ وصبَبناهُ على الأرْضِ بكَثرَة،
﴿ثُمَّ شَقَقۡنَا الۡأَرۡضَ شَقّٗا﴾ [عبس:26]
ثمَّ شقَقْنا الأرْضَ بنموِّ النَّباتِ فيها، وأسكنَّا المَاءَ فيما يَتخَلَّلُها.
﴿فَأَنۢبَتۡنَا فِيهَا حَبّٗا﴾ [عبس:27]
فأنبَتْنا فيها الحُبوبَ والنَّباتَاتِ لتَكونَ غِذاءً وقُوْتًا للإنسَانِ والحيَوان،
﴿وَعِنَبٗا وَقَضۡبٗا﴾ [عبس:28]
وعِنبًا لَذيذًا، ونَباتًا تأكلُهُ الحيَوانات، هوَ القَتّ، وهوَ أنوَاع، تَنبُتُ في المُروجِ والحُقولِ وتُزرَعُ.
والعِنَبُ مِنْ أغنَى الفَواكهِ بالفِيتامينَات، حتَّى إنَّهُ يُوازَنُ بالحَليب، لهُ دَورٌ فعَّالٌ في بِناءِ الجسمِ وتَقويَتِه، وتَرميمِ أنسِجَتِه، وعِلاجِ كثيرٍ مِنْ أمرَاضِه...
﴿وَزَيۡتُونٗا وَنَخۡلٗا﴾ [عبس:29]
وزَيتونًا مُفيدًا، يُؤكَل، ويُوقَدُ منه، ويُدَّهَنُ به، فَوائدُهُ كثيرَةٌ جدًّا، ويُتعالَجُ به. ونَخلاً، يُؤكَلُ رُطَبًا، وتَمْرًا، ومَطبوخًا، ويُعتَصَرُ منه، طيِّبٌ ولَذيذٌ ومُفيد...
﴿وَحَدَآئِقَ غُلۡبٗا﴾ [عبس:30]
وبَساتينَ كبيرَةً واسِعَة، كالغابَاتِ ذاتِ الأشجَارِ الكثيفَةِ الملتفَّة، الغَليظَةِ القَويَّة.
﴿وَفَٰكِهَةٗ وَأَبّٗا﴾ [عبس:31]
وفَواكهَ مُتنَوِّعَةً في شَكلِها وطَعمِها ورائحتِها، والكَلأَ والمَرعَى.
﴿مَّتَٰعٗا لَّكُمۡ وَلِأَنۡعَٰمِكُمۡ﴾ [عبس:32]
مَنفَعَةً لكمْ تَعيشونَ بها أنتُمْ ومَواشيكمْ في هذهِ الحيَاةِ الدُّنيا.
﴿فَإِذَا جَآءَتِ الصَّآخَّةُ﴾ [عبس:33]
فإذا جاءَتْ صَيحَةُ القِيامَة، التي تَصِخُّ الأسمَاع، حتَّى تَكادُ تُصِمُّها. وهيَ النَّفخَةُ الثَّانية.
﴿يَوۡمَ يَفِرُّ الۡمَرۡءُ مِنۡ أَخِيهِ﴾ [عبس:34]
في ذلكَ اليَومِ الرَّهيبِ المُفزِع، يرَى المرءُ أخاهُ فيَفِرُّ منهُ ولا يأبَهُ به، لشدَّةِ الهَولِ والفزَعِ الذي أمامَه،
﴿وَأُمِّهِۦ وَأَبِيهِ﴾ [عبس:35]
ويَفِرُّ مِنْ والِدَيه، أُمِّهِ وأبِيه، وقدْ كانَ حَريصًا على سَلامَتِهما وراحَتِهما،