﴿إِذۡ تَقُولُ لِلۡمُؤۡمِنِينَ أَلَن يَكۡفِيَكُمۡ أَن يُمِدَّكُمۡ رَبُّكُم بِثَلَٰثَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ الۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُنزَلِينَ﴾ [آل عمران :124]
وقدْ بشَّرْتَ المؤمِنينَ المجَاهدينَ منْ أصحابِكَ بقولِك: أليسَ كافيكُمْ أنْ يُمِدَّكمْ رَبُّكمْ بعددِ ثلاثةِ آلافٍ منَ الملائكةِ يَنزِلونَ منَ السَّماء؟
﴿بَلَىٰٓۚ إِن تَصۡبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأۡتُوكُم مِّن فَوۡرِهِمۡ هَٰذَا يُمۡدِدۡكُمۡ رَبُّكُم بِخَمۡسَةِ ءَالَٰفٖ مِّنَ الۡمَلَـٰٓئِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾ [آل عمران :125]
بلى، إنْ تَصبِروا على لِقاءِ العَدوَّ، وتُطيعوا أمرَ اللهِ ولا تُخالِفُوا نبيَّه، ويأتيكمُ المشركونَ مِنْ ساعَتِهمْ هذه، يُمِدِدْكُمُ اللهُ بخمسةِ آلافٍ منَ الملائكة، مُعْلَمينَ بسِيماءٍ مُعَيَّنة.
﴿وَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ إِلَّا بُشۡرَىٰ لَكُمۡ وَلِتَطۡمَئِنَّ قُلُوبُكُم بِهِۦۗ وَمَا النَّصۡرُ إِلَّا مِنۡ عِندِ اللَّهِ الۡعَزِيزِ الۡحَكِيمِ﴾ [آل عمران :126]
وما جعلَ اللهُ هذا الإمدادَ بالملائكةِ إلا بُشرَى لكم، لتَطمئنَّ قلوبُكم، وتَطيبَ نُفوسُكم، ويَثبُتَ جأشُكم، أمّا النصرُ فهوَ منْ عندِ اللهِ وحدَه، فهوَ ذو السُّلطانِ القويّ، القادرُ على تَحقيقِ النصر، وهوَ الحكيمُ الذي يُقَدِّرُ الحِكمَةَ منْ وراءِ هذا النَّصر.
﴿لِيَقۡطَعَ طَرَفٗا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَوۡ يَكۡبِتَهُمۡ فَيَنقَلِبُواْ خَآئِبِينَ﴾ [آل عمران :127]
فجهادُكمْ ضدَّ المشرِكينَ وما يَترتَّبُ عليهِ منْ نصرٍ مِنْ عندِ الله، ليُهْلِكَ بهِ طائفةً منَ القَومِ المشرِكين، ويَكْسِرَ شَوكتَهمْ ويَقْهَرهم، أو يُخزِيَهمْ ويُرَدَّهمْ مَغلوبينَ أذلاّءَ خائبين، لم يَحصُلوا على ما أمَّلوا.
﴿لَيۡسَ لَكَ مِنَ الۡأَمۡرِ شَيۡءٌ أَوۡ يَتُوبَ عَلَيۡهِمۡ أَوۡ يُعَذِّبَهُمۡ فَإِنَّهُمۡ ظَٰلِمُونَ﴾ [آل عمران :128]
والحكمُ في عبادي ليسَ لكَ أيُّها النبيّ، إلا ما أمرتُكَ بهِ فيهم، فإنَّ الأمرَ كلَّهُ لله، فقدْ يقودُ انكسارُ المشرِكينَ إلى التوبةِ فيُسلمونَ ويؤمِنونَ ويَقبلُ اللهُ منهم، أو يُعَذِّبُهم بهذا النصرِ فيُؤسَروا أو يَموتوا على الكفرِ ويَكونُ مصيرَهم النارُ، وهمْ يَستَحِقُّون ذلك، فقدْ فَتَنوا المسلِمينَ عنْ دينِهم، وأفسَدوا في الأرض...
نَزلتْ هذهِ الآيةُ وقدْ قالَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: " كيفَ يُفلِحُ قَومٌ شَجُّوا نَبيَّهم وكسَروا رَباعيَتَهُ وهوَ يَدعوهُمْ إلى الله " في يومِ أُحُد، كما في الصَّحيحَينِ وغَيرِهما.
﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي الۡأَرۡضِۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَاللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾ [آل عمران :129]
وكلُّ شيءٍ في السَّماءِ والأرضِ مُلكٌ للهِ وحدَه، وهوَ المتَصرِّفُ المطلَقُ في شَأنِ العِباد، يَغفِرُ لمنْ يَشاءُ منهمْ فيُدخلُهمُ الجنَّة، ويُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ منهمْ في النّار، وقَضاؤهُ هذا بالحكمةِ والعَدل، وبالرحمةِ والمغفِرَة.
﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَأۡكُلُواْ الرِّبَوٰٓاْ أَضۡعَٰفٗا مُّضَٰعَفَةٗۖ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ﴾ [آل عمران :130]
أيُّها المؤمنون، لا يَحِلُّ لكمْ أنْ تأكلوا الرِّبا، الذي يَتضاعفُ كلَّما عَجَزَ المَدينُ عنْ إيفاءِ دَيْنِه، فإذا لم يُعطِ دَينَهُ زادَهُ الدائنُ في الأجَلِ وزادَهُ المَدينُ في القَدْرِ فتَضاعف، فيَصيرُ القليلُ أضعافاً مُضاعَفة.
فاتَّقوا اللهَ وانتَهوا عنْ هذهِ الكبيرةِ لتُفلِحوا وتَفوزوا، في الدُّنيا والآخِرة، فإنَّهُ لا فوزَ لكمْ إلاّ بطاعتِه.
﴿وَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِيٓ أُعِدَّتۡ لِلۡكَٰفِرِينَ﴾ [آل عمران :131]
وابتَعِدوا عنِ النارِ التي هُيِّئتْ للكافرين؛ نتيجةَ عِصيانهمْ وتعامُلِهمْ بالرِّبا وغيرهِ منَ الكبائرِ والذنوب.
وكانَ أبو حنيفةَ رحمَهُ اللهُ يقول: هيَ أخوفُ آيةٍ في القُرآن، حيثُ أوعدَ اللهُ المؤمِنينَ بالنارِ المُعَدَّةِ للكافرين، إنْ لم يَتَّقوهُ في اجتنابِ مَحارِمِه.
﴿وَأَطِيعُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾ [آل عمران :132]
وأطيعوا اللهَ واتَّبِعوا أوامرَ رسولهِ في كلِّ ما أمرَكمْ بهِ ونهاكمْ عنه؛ لكي تُرْحَموا.
﴿۞وَسَارِعُوٓاْ إِلَىٰ مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا السَّمَٰوَٰتُ وَالۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران :133]
وتَسابَقوا في فعلِ الخَيرات، وسَارِعوا إلى نَيلِ القُرُبات، لتَنالوا جائزةَ ربِّكم: مغفرةَ ذنوبِكم، وجنَّةً واسِعةً عَرْضُها(24) السَّماواتُ والأرض، هُيِّئتْ لعبادِ اللهِ المؤمنينَ الصَّالحين.
(24) ذكرُ العرضِ للمبالغةِ في وصفها بالسعةِ على طريقةِ التمثيل، فإن العرضَ في العادةِ أدنى من الطول. (روح البيان).
﴿الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّآءِ وَالضَّرَّآءِ وَالۡكَٰظِمِينَ الۡغَيۡظَ وَالۡعَافِينَ عَنِ النَّاسِۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الۡمُحۡسِنِينَ﴾ [آل عمران :134]
ومِنْ صِفاتِ المُتَّقينَ أهلِ الجنَّة، أنَّهمْ ثابِتونَ على البَذل، يُنفِقُونَ في الشدَّةِ والرخَاء، والمَنْشَطِ والمَكْرَه، لا يَشْغَلُهم أمرٌ عنْ طاعةِ الله، والإنفاقِ فيما يُرضِيه، والإحسانِ إلى المحتاجينَ مِنْ خَلْقه.
وهمْ يَكتُمونَ غَيظَهمْ وغَضَبَهم عنِ الناسِ ولا يؤذونَهم، ثمَّ يَعفُونَ ويَصفَحون، ويَحتَسِبونَ ذلكَ عندَ الله.
والذينَ أنفَقوا، وكَظَموا غَيظَهم، وعفَوا، فهُمْ مُحسِنون، واللهُ يُحِبُّ المُحسِنين، الذينَ يَنشُرونَ الودَّ والسَّماحةَ والبِشْرَ بينَ الناس.
﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ اللَّهَ فَاسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن يَغۡفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ﴾ [آل عمران :135]
ومِنْ صفاتِ المُتَّقينَ أيضًا، أنَّهمْ إذا أذنَبوا ذَنباً، كبيراً كانَ أو صَغيراً، لم يُصِرُّوا على ما فَعلوا، ولم يَفتَخِروا بالمَعصِية، بلْ تذكَّروا اللهَ وما أعَدَّ للعاصِينَ منْ عِقاب، وما وعدَ بهِ التائبينَ المُستغفِرينَ منَ العَفوِ والمَغفِرة، فاستغفَروا لذنوبِهم، وتابُوا إلى رَبِّهمْ وأنابوا إليه، وهمْ يَعلَمونَ أنهُ لا يَغفِرُ ذنوبَهمْ إلا هو، ولا يَرحمُهمْ إلاّ هو، وأنَّ مَنْ تابَ تابَ اللهُ عليه، مادامَ مُعترِفاً بذَنبِه، نادماً غيرَ مُصِرٍّ عَليه، عازِماً على تَركِه.
﴿أُوْلَـٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَجَنَّـٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا الۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَنِعۡمَ أَجۡرُ الۡعَٰمِلِينَ﴾ [آل عمران :136]
أولئكَ همُ المُتَّقون، وجَزاؤهمْ على هذهِ الصِّفاتِ الطيِّبةِ أنْ يَغفِرَ اللهُ لهم، ويُدْخِلَهمْ جَنّاتٍ تَجري خلالَ أشجارِها وفي أسافلِها الأنهار، ماكثينَ فيها أبداً، ونِعْمَتِ الجنَّةُ جزاءَ أعمالِهمُ الحسَنة.
﴿قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِكُمۡ سُنَنٞ فَسِيرُواْ فِي الۡأَرۡضِ فَانظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الۡمُكَذِّبِينَ﴾ [آل عمران :137]
وما أُصِبْتُمْ بهِ في غزوةِ أُحُدٍ قدْ جَرَى مثلُهُ لأُممٍ مِنْ قبلِكمْ منْ أتباعِ الأنبياءِ وغيرِهم، فانظُروا في آثارِ الهالِكين، وفي السِّيَرِ والتواريخِ والوقائع، واعتَبِروا، فعَليكمْ بالإيمانِ والصَّبر، فإنَّ العاقبةَ لكمْ أهلَ الإيمانِ والحقّ، والدائرةَ على المكذِّبينَ بآياتِ اللهِ ورسُلهِ أهلِ الكفرِ والضَّلال، إنَّما هي سُنَّةُ اللهِ أنْ تُصيبُوا وتُصابُوا، وكانَ ما حدثَ ابتلاءً وتَمحيصاً لتَعتَبِروا.
﴿هَٰذَا بَيَانٞ لِّلنَّاسِ وَهُدٗى وَمَوۡعِظَةٞ لِّلۡمُتَّقِينَ﴾ [آل عمران :138]
وفيما ذُكِرَ مِنْ أمورِ الكفّارِ والمتَّقينَ والتائبين، وفيما سَلفَ مِنْ أحوالِ مَنْ قبلَكم، إيضاحٌ لسُوءِ عاقبةِ المُكذِّبينَ ليتَدبَّروا، وهِدايةٌ ومَوعظةٌ للمؤمِنينَ المُتَّقين، الذينَ يَعتَبِرونَ بها ويَهتدون.
﴿وَلَا تَهِنُواْ وَلَا تَحۡزَنُواْ وَأَنتُمُ الۡأَعۡلَوۡنَ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [آل عمران :139]
ولا تَضْعُفوا ممّا أصابَكم، ولا يَدخُلَنَّ الوهْنُ إلى قلوبِكم، ولا تَحزَنوا على ما فاتَكم، فأنتُمُ الأعلَونَ بدينِكم، وأنتمُ الغالِبون، ما دمتُمْ مُؤمِنين، فإنَّ الإيمانَ يوجِبُ الثقةَ بالله، فلكمُ النصرُ والغَلَبة، وشهداؤكمْ في الجنَّة، وأمرُ الكافرينَ إلى الدَّمارِ كما كانَ حالُ أسلافِهم، ومصيرُ قَتلاهُمْ إلى النّار.
﴿إِن يَمۡسَسۡكُمۡ قَرۡحٞ فَقَدۡ مَسَّ الۡقَوۡمَ قَرۡحٞ مِّثۡلُهُۥۚ وَتِلۡكَ الۡأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيۡنَ النَّاسِ وَلِيَعۡلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمۡ شُهَدَآءَۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّـٰلِمِينَ﴾ [آل عمران :140]
وإذا كنتُمْ قدْ أُصِبْتُمْ بجِراحٍ وقُتِلَ منكمْ جَماعة، فقدْ أُصِيبَ أعداؤكمْ وقُتِلَ منهمْ كذلك، فهيَ سنَّةُ اللهِ أنْ تُصِيبوا وتُصابُوا، فالأيّامُ دُوَل، لهؤلاءِ يَوماً، ولأولئكَ يَوماً، ولِيَتبيَّنَ بذلكَ المؤمِنونَ الصَّادِقونَ في إيمانِهمْ وجهادِهمْ مِنْ غَيرِهم. فإنَّ تَعاقُبَ الشدَّةِ والرخاءِ يَكشِفُ مَعادِنَ النفُوسِ وطَبائعَ القُلوب، ودرجةَ الطاعة، والصبرَ على القِتال، ولِيَختارَ منكمْ شُهداء، ممَّنْ يَبذُلونَ أروَاحهمْ في سبيلِ دينِ اللهِ ومَرضاتِه؛ ليُكرمَهمْ ويَخُصَّهمْ بقُربِه، ويُنعِمَ عليهمْ مِنْ نِعَمِه.
واللهُ لا يُحِبُّ المُكذِّبينَ الضالِّين، بلْ يُحاسِبُهمْ ويُعاقِبُهم.
﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ وَيَمۡحَقَ الۡكَٰفِرِينَ﴾ [آل عمران :141]
وليُصَفِّيَ اللهُ ما في نفوسِكمْ ويُعِدَّها لِما هوَ أكبر، وليُكَفِّرَ عنْ ذنوبِكمْ بجِهادِكم، أو يرفعَ درجاتِكمْ في عِلِّيين، كلٌّ بحسبِ ما جاهدَ وأُصِيب، ولِيَستأصِلَ اللهُ الكافرينَ ويَدفَعَ باطِلَهم، فإنَّهمْ إذا انتَصَروا بَغَوا ودمَّروا.
﴿أَمۡ حَسِبۡتُمۡ أَن تَدۡخُلُواْ الۡجَنَّةَ وَلَمَّا يَعۡلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَٰهَدُواْ مِنكُمۡ وَيَعۡلَمَ الصَّـٰبِرِينَ﴾ [آل عمران :142]
وهلْ ظَننتُمْ أنَّكمْ ستَدخُلونَ الجنَّةَ دونَ أنْ تُكَلَّفوا بالقِتالِ والصَّبرِ على الشدائد، لِيَتبيَّنَ منكمُ المؤمنُ المجاهدُ مِنْ غيرِه، ولِيَعلَمَ الصَّابرينَ منكمْ على الضرّاءِ ومُجالَدةِ الأعدَاء؟
﴿وَلَقَدۡ كُنتُمۡ تَمَنَّوۡنَ الۡمَوۡتَ مِن قَبۡلِ أَن تَلۡقَوۡهُ فَقَدۡ رَأَيۡتُمُوهُ وَأَنتُمۡ تَنظُرُونَ﴾ [آل عمران :143]
وكنتُمْ تُحِبُّونَ الموتَ في سبيلِ الله، وتَتمنَّونَ لقاءَ العدوِّ وتَوَدُّونَ مناجزتَهم، فها هيَ المعركة، وها همُ الأعداء، وها هو الموتُ الذي تُشاهِدونَهُ في مقارعةِ الرِّجالِ للرِّجال، وفي لَمعانِ السيوفِ واشتباكِ الرمَاح، فدونَكُموه.
﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٞ قَدۡ خَلَتۡ مِن قَبۡلِهِ الرُّسُلُۚ أَفَإِيْن مَّاتَ أَوۡ قُتِلَ انقَلَبۡتُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡۚ وَمَن يَنقَلِبۡ عَلَىٰ عَقِبَيۡهِ فَلَن يَضُرَّ اللَّهَ شَيۡـٔٗاۚ وَسَيَجۡزِي اللَّهُ الشَّـٰكِرِينَ﴾ [آل عمران :144]
وأُشِيعَ أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قُتِلَ في غَزوةِ أُحُد، وقدِ ادَّعَى أحدُ المشركينَ أنَّهُ قَتلَه، وكانَ قدْ شُجَّ صلى الله عليه وسلم، فوصَلتِ الشائعةُ إلى صفوفِ المسلِمين، فحَصلَ وهْنٌ وضَعْفٌ وتَأخُّرٌ عنِ القِتال، فأنزلَ اللهُ ما مَعناه: وما محمَّدٌ (صلى الله عليه وسلم) إلا رسولٌ مثلَ غيرهِ مِنَ الأنبياءِ والرُّسُلِ في جوازِ القَتلِ عليه، فإذا ماتَ أو قُتِلَ رَجعتُمْ إلى ما كنتُمْ عليهِ منْ شِركٍ وضَلال؟! إنَّ مَنْ يَفعلُ ذلكَ فلنْ يَضُرَّ اللهَ شَيئاً، وإنَّما يَضُرُّ نَفسَه، فاللهُ غنيٌّ عنكمْ وعنْ إيمانِكم، والدِّينُ سيَبقَى، والمجاهِدونَ سيَنتَصِرون، ويَجزي اللهُ الذينَ قاموا بطاعتِه، وعَرَفوا قَدْرَ نعمتِه، وقاتَلوا دِفاعاً عنْ دينِه، واتَّبعُوا رسولَهُ حَيّاً ومَيِّتاً، ويُعطيهمْ مِنْ رحمتهِ وكرَمهِ بحسَبِ شُكرِهمْ وعَملِهم، ويَزيدُهمْ مِنْ فضلِه.
﴿وَمَا كَانَ لِنَفۡسٍ أَن تَمُوتَ إِلَّا بِإِذۡنِ اللَّهِ كِتَٰبٗا مُّؤَجَّلٗاۗ وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ الدُّنۡيَا نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَا وَمَن يُرِدۡ ثَوَابَ الۡأٓخِرَةِ نُؤۡتِهِۦ مِنۡهَاۚ وَسَنَجۡزِي الشَّـٰكِرِينَ﴾ [آل عمران :145]
ولا تَموتُ نَفسٌ إلاّ إذا قدَّرَ اللهُ لها ذلك، أجَلاً مَرسُومًا، في الوقتِ المُحَدَّدِ لها، بدونِ تَقديمٍ ولا تأخير، فتَقدَّموا إلى الجهادِ ولا تَجْبُنوا أيُّها المسلِمون، فإنَّ عُمُرَ الإنسانِ لا يَزيدُ ولا يَنقُص، سواءٌ كانَ في حَربٍ أمْ في سِلم.
ومَنْ كان يَعملُ للدُّنيا وحدَها أعطاهمُ اللهُ منها وحَرمَهمْ ثوابَ الآخِرة، ومَنْ كانَ يَعملُ للآخِرةِ أعطاهمُ اللهُ منها ولم يَحرِمْهمْ نصيبَهمْ منَ الدُّنيا، بحسَبِ عَملِهمْ وشُكرِهم.
﴿وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيّٖ قَٰتَلَ مَعَهُۥ رِبِّيُّونَ كَثِيرٞ فَمَا وَهَنُواْ لِمَآ أَصَابَهُمۡ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسۡتَكَانُواْۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّـٰبِرِينَ﴾ [آل عمران :146]
وهناكَ أنبياءُ كُثرٌ قاتلَ معهُ جماعاتٌ مِنَ الصَّابرينَ الأبرارِ الأتقِياء، فما ضَعُفَتْ نُفوسُهمْ منَ الكَرْبِ والبَلاء، وما وَهَنوا لِما أصابَهمْ منَ الشدَّةِ والجِراح، وما تَوقَّفوا عنْ متابعةِ الجهادِ في سبَيلِ الله، وما استَسلموا لأعداءِ اللهِ ولا ذَلُّوا، بلْ قاتَلوا على ما قاتلَ عليهِ أنبياؤهمْ حتَّى لَحِقوا بهم، واللهُ يُحِبُّ المدافِعينَ عنْ دينِه، المتَّبعِينَ لأوامرِ أنبيائه، الصَّابرينَ في أوقاتِ الشدَّةِ والحَرب.
﴿وَمَا كَانَ قَوۡلَهُمۡ إِلَّآ أَن قَالُواْ رَبَّنَا اغۡفِرۡ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسۡرَافَنَا فِيٓ أَمۡرِنَا وَثَبِّتۡ أَقۡدَامَنَا وَانصُرۡنَا عَلَى الۡقَوۡمِ الۡكَٰفِرِينَ﴾ [آل عمران :147]
وكانوا معَ جهادِهمْ وطلبِهمْ رِضاءَ اللهِ يَقولون: ربَّنا اغفِرْ لنا ما اقتَرَفنا مِنْ ذنوب، وما تجاوَزنا فيهِ الحدّ، وفرَّطنا ِمنْ أمر، وأيِّدْنا بتأييدٍ مِنْ عندِكَ في مَواطنِ الحَرب، وثبِّتنا على دينِكَ الحقّ، وانصُرنا على أعدائكَ وأعداءِ دينِكَ منَ القَومِ الكافِرين.
﴿فَـَٔاتَىٰهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنۡيَا وَحُسۡنَ ثَوَابِ الۡأٓخِرَةِۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الۡمُحۡسِنِينَ﴾ [آل عمران :148]
فكانَ جزاءَ هؤلاءِ المؤمنينَ الصابرينَ وجوابَ دُعائهم، أنْ آتاهُمْ ثوابَ الدنيا بالنصرِ والعِزِّ والعاقِبَةِ الحسَنة، وفي الآخرةِ النعيمُ الدَّائم، واللهُ يُحِبُّ مَنْ آمنَ وأحسَن، وأتْبعَ إيمانَهُ بالعملِ الصَّالح.
﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن تُطِيعُواْ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَرُدُّوكُمۡ عَلَىٰٓ أَعۡقَٰبِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ﴾ [آل عمران :149]
أيُّها المؤمِنون، إنَّكمْ إنْ أطَعتُمُ المنافِقينَ والكافِرين، واستَمعتُمْ إلى وِشاياتِهم، وتأثَّرتُمْ بما يُشيعُونَهُ ممّا أصابَكمْ مِنَ القتلِ والجَرح، ليُثبِطوا عزائمَكم، ويخوِّفوكمْ مِنْ عواقبِ الحَربِ معَ المشركينَ مرَّةً أخرى، فإنَّكمْ بهذا تُجيبونَهمْ إلى ما أمَّلوهُ وتَستَسلِمونَ لهم، ليَرُدُّوكمْ على ما كنتمْ عليهِ مِنَ الكفرِ والضَّلال، ولتَكونوا بذلكَ مِنَ الخائبينَ النادِمين، في الدُّنيا والآخِرة.
﴿بَلِ اللَّهُ مَوۡلَىٰكُمۡۖ وَهُوَ خَيۡرُ النَّـٰصِرِينَ﴾ [آل عمران :150]
لكنَّ اللهَ وليُّكم، ومثبِّتُكمْ على دينِكم، وهوَ خيرُ ناصرٍ لكم، فاستَعينوا به، وأحسِنوا تَوكُّلَكمْ عليه.
﴿سَنُلۡقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعۡبَ بِمَآ أَشۡرَكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمۡ يُنَزِّلۡ بِهِۦ سُلۡطَٰنٗاۖ وَمَأۡوَىٰهُمُ النَّارُۖ وَبِئۡسَ مَثۡوَى الظَّـٰلِمِينَ﴾ [آل عمران :151]
سَنَبُثُّ الخوفَ والهَلعَ في قُلوبِ الكافِرينَ ونُرْعِبُهم، بسببِ كفرِهمْ وإشراكِهمْ باللهِ آلهةً لا قوَّةَ لها ولا سَيطرةَ على أحَد، فاللهُ لم يَمنحْها سلطاناً، وهيَ لا تَضُرُّ ولا تَنفع، ولا تَسمعُ ولا تَتكلَّم!! فما أجهلَهمْ وما أشدَّ غَفلتَهم، وإنَّ مصيرَهمْ نتيجةَ عَدَمِ استعمالِ عُقولِهمْ وتوظيفِها لاتِّباعِ الحقّ، هوَ النار، وبئسَ المَنزِلُ مَنزِلُهم، الذي أعَدَّهُ اللهُ لمنْ ظلمَ نفسَهُ وظلمَ الآخرينَ منَ الكافِرين. فاستَيقِنوا بالنصرِ أيُّها المؤمِنون، فإنَّ أعداءَكمْ خائفونَ هالِكون.
﴿وَلَقَدۡ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعۡدَهُۥٓ إِذۡ تَحُسُّونَهُم بِإِذۡنِهِۦۖ حَتَّىٰٓ إِذَا فَشِلۡتُمۡ وَتَنَٰزَعۡتُمۡ فِي الۡأَمۡرِ وَعَصَيۡتُم مِّنۢ بَعۡدِ مَآ أَرَىٰكُم مَّا تُحِبُّونَۚ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنۡيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الۡأٓخِرَةَۚ ثُمَّ صَرَفَكُمۡ عَنۡهُمۡ لِيَبۡتَلِيَكُمۡۖ وَلَقَدۡ عَفَا عَنكُمۡۗ وَاللَّهُ ذُو فَضۡلٍ عَلَى الۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [آل عمران :152]
وقدْ صَدقَ اللهُ وعدَهُ معَكمْ بالنَّصرِ في غزوةِ أُحُد، كما كانَ في أوَّلِ النَّهار، عندَما سلَّطكمُ اللهُ عليهِم، فصِرتُمْ تَقتلونَهم، وكِدتُمْ أنْ تَستأصِلوا شأفتَهم، حتَّى إذا جَبُنَ بعضُكمْ في القِتال، نتيجةَ النزاعِ والخِصامِ الذي دارَ بينَكم، وعصَى بعضُكمُ الآخَرُ - وهمُ الرُّماةُ - قائدَهُمْ محمَّداً صلى الله عليه وسلم، وكانَ قدْ أمرَهمْ ألاّ يَبرَحُوا مكانَهم، فنَزلوا يَنهَبونَ في العَسكر، فبقيَ ظهرُ المسلِمينَ مَكشوفاً للعدوّ، أراكمُ اللهُ الفشَلَ بعدَ النصر، فقدْ شابَ إخلاصَكمْ مَطامِعُ، فمنكمْ مَنْ رَغِبَ في الغَنائمِ عندما رَأى هَزيمةَ العدوّ، ومنكمْ مَنْ أرادَ وجهَ اللهِ في جِهادهِ فثَبتَ في مَكانهِ حتَّى يَتلقَّى أوامرَ الرسولِ صلى الله عليه وسلم، فكانَ نتيجةَ ذلكَ أنْ صَرَفَ قوَّتكمْ واجتماعَكمْ عنِ العدوّ، ففَشِلتُم، ليَختَبِرَ إيمانَكم، ويَمتحِنَ قوَّةَ صُمودِكمْ وعَزيمتِكمْ وتَمسُّكِكمْ بدينِكم، ولتَعتَبروا ممّا أصابَكم، ولا تُكرِّروه، وغفرَ لكمْ ضَعْفَكمْ وتنازُعَكمْ وعصِيانَكم، وهذا مِنْ فضلِ اللهِ عليكمْ ورحمتهِ بكم.
﴿۞إِذۡ تُصۡعِدُونَ وَلَا تَلۡوُۥنَ عَلَىٰٓ أَحَدٖ وَالرَّسُولُ يَدۡعُوكُمۡ فِيٓ أُخۡرَىٰكُمۡ فَأَثَٰبَكُمۡ غَمَّۢا بِغَمّٖ لِّكَيۡلَا تَحۡزَنُواْ عَلَىٰ مَا فَاتَكُمۡ وَلَا مَآ أَصَٰبَكُمۡۗ وَاللَّهُ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾ [آل عمران :153]
وتَذكَّروا شُؤم َ عِصيانِكم، عندما بدأتُمْ تَصْعَدونَ إلى الجبلِ هروباً منْ عَدوِّكم، ولا تَنظرونَ وراءَكمْ مِنَ الخَوف، ولا تَسمعونَ كلامَ أحد، لِما أصابَكمْ منْ رُعْبٍ وهَلَع! والرسولُ يُناديكمْ - وقد خَلَّفتُموهُ وراءَكمْ - ليَجمعَكمْ ويُطَمْئنَكمْ بأنَّهُ ما زالَ حيّاً، لا كما أشاعَ العدوُّ بأنَّهُ قُتل! لتَكِرُّوا عليهمْ مِنْ جديد، فجازاكمْ قلقًا وحزنًا موصولًا بحزن، يملأُ نفوسَكمْ كمدُ الهزيمة، وكرْبُ سماعِكمْ مقتلَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، حتَّى لا تَحزَنوا على ما فاتَكمْ منَ الغَنيمةِ والنصرِ على عدوِّكم، وعلى ما أصابَكمْ منَ القَتلِ والجِراح. واللهُ مطَّلِعٌ على خَفايا صُدورِكم، لا يَخفَى عليهِ حقيقةُ أعمالِكمْ ودوافِعُ حركاتِكم.
﴿ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيۡكُم مِّنۢ بَعۡدِ الۡغَمِّ أَمَنَةٗ نُّعَاسٗا يَغۡشَىٰ طَآئِفَةٗ مِّنكُمۡۖ وَطَآئِفَةٞ قَدۡ أَهَمَّتۡهُمۡ أَنفُسُهُمۡ يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيۡرَ الۡحَقِّ ظَنَّ الۡجَٰهِلِيَّةِۖ يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الۡأَمۡرِ مِن شَيۡءٖۗ قُلۡ إِنَّ الۡأَمۡرَ كُلَّهُۥ لِلَّهِۗ يُخۡفُونَ فِيٓ أَنفُسِهِم مَّا لَا يُبۡدُونَ لَكَۖ يَقُولُونَ لَوۡ كَانَ لَنَا مِنَ الۡأَمۡرِ شَيۡءٞ مَّا قُتِلۡنَا هَٰهُنَاۗ قُل لَّوۡ كُنتُمۡ فِي بُيُوتِكُمۡ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيۡهِمُ الۡقَتۡلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمۡۖ وَلِيَبۡتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمۡ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمۡۚ وَاللَّهُ عَلِيمُۢ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [آل عمران :154]
ثمَّ مَنَّ اللهُ عليكمْ بعدَ هذا الحزنِ بنُعاسٍ يَغشَى(25) جَماعةً منكمْ وهمْ في لِباسِ الحَرب، ليكونَ سَكَناً لهمْ وأمناً. وطائفةٌ أخرَى لا يَغشاهمُ النعاسُ منَ القلقِ والخَوفِ والجَزَعِ (وهمُ المُنافِقون) تُهِمُّهمْ نَجاةُ أنفسِهمْ فَقط، فذَهبتْ بهمْ نفوسُهمْ إلى ظُنونٍ سيِّئةٍ لا تُوافِقُ الحقّ، بلْ هيَ مِنْ ظُنونِ الجاهليَّة، وقالوا إنَّهُ قُصِمَ ظهرُ الإسلامِ بهذا، فلا قيامَ لهُ مِنْ بعدُ، ولا نصرَ لأهلهِ بعدَ اليوم!
وكانوا يَقولون: لقدْ دُفِعنا إلى المعركةِ دَفْعاً دونَ إرادةٍ لنا فيها.
فقلْ لهمْ أيُّها النبيّ: إنَّ الأمرَ كلَّهُ لله، فهوَ الآمِرُ الحاكِم، والكلُّ يؤدِّي واجبَهُ تُجاهَ دينهِ وربِّه، وهذا الذي قُمتُمْ بهِ هوَ أداءٌ للواجبِ المفرُوضِ عليكمْ نحوَ دينِكم. إنَّ نفوسَهمْ مَلأى بالهواجسِ والوسَاوس، لم تَكتمِلْ بحقيقةِ الإيمان، فهيَ ما زالتْ تَشكو منِ اعتِراضاتٍ واحتِجاجات، فيُخفُونَ حقيقةَ ما يريدونَ قولَهُ لك، وهو: لو كانَ الأمرُ بيدِنا لمَا استَجبنا نداءَ الرسُول، ولمَا حَضَرْنا المعركة، ولَما أصابَنا القتلُ والجِراحات.
فقلْ لهم: لو أنَّكمْ بَقِيتُمْ في بُيوتِكمْ ولم تَخرجوا إلى القِتال، وكان قَدَرُ المقتولِ منكمْ أنْ يكونَ مصرَعُهُ في مكانِ المعركة، لجاءَ إلى هناكَ وقُتِلَ فيه! فهوَ الأجَلُ الذي لا يَتقدَّمُ في حربٍ، ولا يتأخَّرُ في سِلم.
إنَّهُ الجهادُ الذي يَحتاجُ إلى عَزيمةٍ وصَبر، فيَكشِفُ ما في الصُّدور، ويُخرِجُ ما في القُلوب، وتَتبيَّنُ حقيقةُ كلِّ شخصٍ على ما كانَ يُخفيه، ويَتميَّزُ الخبيثُ منَ الطيِّب، ويَظهَرُ المؤمِنُ والمنافق، فهوَ الابتلاءُ والاختِبار، واللهُ عليمٌ بالأسرارِ الخفيَّةِ التي تَختلجُ في الصُّدور، ولا تَنكَشِفُ في النُّور.
(25) غَشِيَه: سترَه، والغِشاوة: ما يُغطَّى به الشيءُ. (مفردات الراغب).