تفسير الجزء 8 من القرآن الكريم

  1. أجزاء القرآن الكريم
  2. الجزء الثامن
8
سورة الأنعام (111-165)
سورة الأعراف (1-87)

﴿أَوَعَجِبۡتُمۡ أَن جَآءَكُمۡ ذِكۡرٞ مِّن رَّبِّكُمۡ عَلَىٰ رَجُلٖ مِّنكُمۡ لِيُنذِرَكُمۡۚ وَاذۡكُرُوٓاْ إِذۡ جَعَلَكُمۡ خُلَفَآءَ مِنۢ بَعۡدِ قَوۡمِ نُوحٖ وَزَادَكُمۡ فِي الۡخَلۡقِ بَصۜۡطَةٗۖ فَاذۡكُرُوٓاْ ءَالَآءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ﴾ [الأعراف:69]


ولماذا تَتعجَّبونَ وتَستَبعِدونَ مجيءَ رَسولٍ إليكمْ مِنْ ربِّكمْ يَكونُ مِنْ بينِكم، يَعرِفُكمْ وتَعرِفونَه، فيُحَذِّرُكمْ بأسَهُ إذا أعرضتُمْ عنْ أمرِه، وأصررتُمْ على الكُفرِ والعِصيان. واذكروا فضلَ اللهِ عليكمْ واشْكروا نعمتَه، وقدْ جعلَكمْ خُلفاءَ ومُلوكاً بعدَ قَومِ نوح، وقدْ أهلكَهمْ لتَكذيبِهمْ رسولَ ربِّهم، فلا تَكونوا مثلَهم. واشكروهُ كذلكَ أنْ ميَّزَكمْ في أجسادِكمْ على الناسِ بالطُّولِ والقوَّة، فتذكَّروا نِعمَهُ ومِنَنهُ عليكمْ وكُونوا لهُ منَ الشَّاكرين، لتكونوا عندَهُ مِنَ الفائزين.

﴿قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا لِنَعۡبُدَ اللَّهَ وَحۡدَهُۥ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعۡبُدُ ءَابَآؤُنَا فَأۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الصَّـٰدِقِينَ﴾ [الأعراف:70]


قالوا في تحدٍّ وعِناد: هلْ أُ رسِلْتَ إلينا منْ قِبَلِ ربِّكَ لنَعبدَهُ وحدَهُ ونترُكَ ما كانَ يَعبدهُ آباؤنا وأجدادُنا مِنْ أصنامٍ وألِفْنا ذلكَ ورَضِينا به؟ فإذا كنتَ صادقاً في قولِكَ فأتِنا بالعَذابِ الذي وعدتَنا به!

﴿قَالَ قَدۡ وَقَعَ عَلَيۡكُم مِّن رَّبِّكُمۡ رِجۡسٞ وَغَضَبٌۖ أَتُجَٰدِلُونَنِي فِيٓ أَسۡمَآءٖ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٖۚ فَانتَظِرُوٓاْ إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الۡمُنتَظِرِينَ﴾ [الأعراف:71]


قالَ لهمْ نبيُّهمْ هُود: لقدْ وجَبَ عليكمْ منَ اللهِ السُّخْطُ والغَضَب، والعَذابُ والانتِقام، أتخاصِمُونَني وتُجادِلونَني في هذهِ الأسماءِ التي وضعتُموها للأصنامِ أنتُمْ وآباؤكمُ المشرِكون، وجعلتُمْ منها آلهة، وهوَ ما لم يُنْزِلِ اللهُ بهِ حُجَّةً ولا دَليلاً؟

قيلَ إنَّهمْ سمَّوها خالِقة، ورازِقة، ومُنزِلةَ المطر، ونحوَ ذلك.

فانتَظِروا نزولَ العَذابِ بكمْ كما طَلبتُموه، وأنا مُنتَظِرٌ مَعكمْ ليَحيقَ بكمْ ويُهلِكَكم.

﴿فَأَنجَيۡنَٰهُ وَالَّذِينَ مَعَهُۥ بِرَحۡمَةٖ مِّنَّا وَقَطَعۡنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَاۖ وَمَا كَانُواْ مُؤۡمِنِينَ﴾ [الأعراف:72]


فوقعَ العَذابُ المُتربِّصُ بهم، وأنجَينا هوداً ومَنْ مَعه منَ المؤمِنينَ رأفةً بهم، وأهلَكنا الكافرينَ الذينَ كذَّبوا رَسولَنا واستكبَروا عنِ الإيمانِ بآياتِنا، واستأصَلناهمْ عنْ آخِرِهم، ولم يؤمِنوا كما آمنَ غيرُهمْ ليَنجوا، بلْ أصرُّوا على الكُفرِ والتَّكذيب.

﴿وَإِلَىٰ ثَمُودَ أَخَاهُمۡ صَٰلِحٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ اعۡبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ قَدۡ جَآءَتۡكُم بَيِّنَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡۖ هَٰذِهِۦ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمۡ ءَايَةٗۖ فَذَرُوهَا تَأۡكُلۡ فِيٓ أَرۡضِ اللَّهِۖ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوٓءٖ فَيَأۡخُذَكُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ﴾ [الأعراف:73]


وأرسَلنا إلى قَبيلةِ ثمودَ أخاهُمْ في النسَبِ النبيَّ صالحاً عليهِ السَّلام، وكانوا فيما بينَ الحجازِ والشَّام (مدائنَ صالحٍ في بلادِ الحرَمَينِ في عَصرِنا)، فقالَ لهمْ وقدْ كفَروا وأشرَكوا: يا قوم، اعبُدوا اللهَ وحدَهُ ولا تُشرِكوا في عبادتِهِ أصناماً لا تَنطِقُ ولا تَسمَع، ليسَ لكمْ منْ إلهٍ غيرُ الله، وهذهِ مُعجِزَةٌ خارِقةٌ تَدُلُّ على صِدقِ نبوَّتي وإرسالي إليكمْ منْ قِبَلِ ربِّكم، هذهِ ناقةُ اللهِ - قيلَ ذلكَ تعظيماً لها وتشريفاً، وقدْ جاءتْ منْ عندِ اللهِ ولم يَملِكْها أحَد - فاترُكوها تأكلِ العشبَ في أرضِ اللهِ الواسِعة، ولا تمدُّوا أيديَكمْ إليها بأذًى وشَرّ، كذَبحٍ أو ضَرْب، حتَّى لا يُصيبَكمُ اللهُ بعَذابٍ مِنْ عندِه.

﴿وَاذۡكُرُوٓاْ إِذۡ جَعَلَكُمۡ خُلَفَآءَ مِنۢ بَعۡدِ عَادٖ وَبَوَّأَكُمۡ فِي الۡأَرۡضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُورٗا وَتَنۡحِتُونَ الۡجِبَالَ بُيُوتٗاۖ فَاذۡكُرُوٓاْ ءَالَآءَ اللَّهِ وَلَا تَعۡثَوۡاْ فِي الۡأَرۡضِ مُفۡسِدِينَ﴾ [الأعراف:74]


وتذكَّروا فَضلَ اللهِ عليكم، حيثُ جعلَكمْ خُلفاءَ في الأرضِ منْ بعدِ قَومِ عاد، وأنزلَكمْ في أرضِ الحِجْر، بينَ الحِجازِ والشَّام، تَبنونَ المساكنَ العاليةَ في سُهولِها، وتَنقُبونَ الجبالَ وتَنحِتونَ منها البُيوتَ لتَسكُنوا فيها شِتاء، فتذكّروا النِّعمَ التي قدَّرَكمُ اللهُ عليها، ولا تُفسِدوا في الأرضِ(45) فتَكونوا أشراراً مستَحقِّينَ العِقاب.

(45) قالَ العلّامة الشوكاني عند تفسيرهِ الآيةَ (60) من سورةِ البقرة: عثَى يعثي عثيًا، وعثا يعثو عثواً، وعاثَ يعيثُ عيثاً، لغات، بمعنى أفسد... وفي الكشاف: العثي: أشدُّ الفساد، فقيل لهم: لا تمادوا في الفسادِ في حالِ فسادكم؛ لأنهم كانوا متمادين فيه. (فتح القدير، باختصار).

﴿قَالَ الۡمَلَأُ الَّذِينَ اسۡتَكۡبَرُواْ مِن قَوۡمِهِۦ لِلَّذِينَ اسۡتُضۡعِفُواْ لِمَنۡ ءَامَنَ مِنۡهُمۡ أَتَعۡلَمُونَ أَنَّ صَٰلِحٗا مُّرۡسَلٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قَالُوٓاْ إِنَّا بِمَآ أُرۡسِلَ بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ﴾ [الأعراف:75]


قالَ السَّادةُ والأشرافُ الذينَ تَكبَّروا منْ قَومِ صالح، ممَّنْ لم يَسمَعوا نصيحتَه، واستهزَؤوا بالمُعجِزةِ التي أيَّدتْ نُبوَّته؛ قالوا لأتباعهِ منَ المؤمِنينَ الضُّعفاءِ في سُخريةٍ وتَهكُّم: هلْ أنتُمْ متأكِّدونَ مِنْ أنَّ صالحاً نبيٌّ مُرسَلٌ منْ عندِ اللهِ إليكم؟ قالوا: نحنُ مؤمِنونَ بذلك، ولا شُبهةَ عندَنا فيه.

﴿قَالَ الَّذِينَ اسۡتَكۡبَرُوٓاْ إِنَّا بِالَّذِيٓ ءَامَنتُم بِهِۦ كَٰفِرُونَ﴾ [الأعراف:76]


قالَ لهمُ الكافِرونَ المستَكبِرونَ في عتوٍّ وجَلافة: ونحنُ نَجحَدُ بالذي آمنتُمْ به، ولا نسلِّمُ مثلَكمْ بنبوَّته.

﴿فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوۡاْ عَنۡ أَمۡرِ رَبِّهِمۡ وَقَالُواْ يَٰصَٰلِحُ ائۡتِنَا بِمَا تَعِدُنَآ إِن كُنتَ مِنَ الۡمُرۡسَلِينَ﴾ [الأعراف:77]


فنَحروا الناقَة، واستَكبَروا عنِ الامتِثالِ لأمرِ ربِّهمُ الذي بلَّغَهمْ نبيُّهم، ثمَّ وقَفوا في تحدٍّ وتَعجيزٍ أمامَ تهديدهِ قائلين: يا صالح، ائتِنا بالعَذابِ الذي وعدتَنا به، إذا كنتَ حقًّا نبيًّا مُرسَلاً.

﴿فَأَخَذَتۡهُمُ الرَّجۡفَةُ فَأَصۡبَحُواْ فِي دَارِهِمۡ جَٰثِمِينَ﴾ [الأعراف:78]


فأهلكَهمُ اللهُ بزَلزَلةٍ شَديدةٍ مِنْ تحتِهم، وصَيحةٍ قويَّةٍ مِنْ فَوقِهم، فأصبَحوا في ديارِهمْ خامِدين، موتَى هامِدين، لا حَرَاك بهم، ولا حِسَّ فيهم.

﴿فَتَوَلَّىٰ عَنۡهُمۡ وَقَالَ يَٰقَوۡمِ لَقَدۡ أَبۡلَغۡتُكُمۡ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحۡتُ لَكُمۡ وَلَٰكِن لَّا تُحِبُّونَ النَّـٰصِحِينَ﴾ [الأعراف:79]


فأعرضَ عنهمْ صالحٌ وهوَ مُتَحسِّرٌ على ما فاتَهمْ منَ الإيمان، وخاطَبَهُمْ كما خاطبَ رسولُنا صلى الله عليهِ وسلم موتَى المشرِكينَ في غَزوةِ بدر: يا قوم، لقدْ أبلغتُكمْ رسالةَ ربِّي كما طَلبَ منِّي، وكانَ فيها فوزُكمْ ونجاتُكمْ لو أطعتُمْ ولم تُعانِدوا، ونَصحتُكمْ كما يَنبغي، وأنا مُشفِقٌ عليكم، وودِدْتُ لو آمنتُمْ عنْ آخِرِكم، ولكنَّكمْ لا تَوَدُّون الناصِحين، وتُعادونَ المخلِصين، فكانَ هذا جزاءَكم، وفي الآخِرةِ عذابٌ أشدُّ وأبقَى.

﴿وَلُوطًا إِذۡ قَالَ لِقَوۡمِهِۦٓ أَتَأۡتُونَ الۡفَٰحِشَةَ مَا سَبَقَكُم بِهَا مِنۡ أَحَدٖ مِّنَ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الأعراف:80]


وقدْ أرسَلنا لوطاً نبيًّا منْ عندِنا إلى قومِه، وكانوا حولَ البَحرِ الميِّت بفلسطين، فقالَ لهمْ مُستَنكِراً: أتأتونَ فاحشةً بَغيضةً مُنكَرةً لم يَسبِقْكمْ بها أحدٌ منَ العالَمين؟

﴿إِنَّكُمۡ لَتَأۡتُونَ الرِّجَالَ شَهۡوَةٗ مِّن دُونِ النِّسَآءِۚ بَلۡ أَنتُمۡ قَوۡمٞ مُّسۡرِفُونَ﴾ [الأعراف:81]


إنَّكم تأتونَ الذُّكورَ منَ الرِّجالِ في أدبارِهمْ لشَهوتِكمْ وتَترُكونَ ما خلقَ اللهُ لكمْ منَ النِّساءِ وهنَّ محلُّ الاشتهاءِ عندَ ذوي الفِطَرِ السَّليمةِ والطِّباعِ المستَقِيمة؟ لا شكَّ أنَّكمْ مُتجاوزونَ بذلكَ الحلالَ إلى الحرام، والمُستَحْسَنَ إلى المرْذول، والمعرُوفَ إلى المُنكَرِ المُستَهجَن.

فاللِّواطُ فِعلٌ فاحِشٌ بَذيء، فيهِ فسادُ الفِطرةِ، وانحلالُ الخُلق، وسوءُ السُّلوك، وانحِرافُ الرُّجولة. ويسبِّبُ أمراضاً خَطيرة، مثلَ الزُّهْرِيّ، وقُصورِ الجهازِ المناعي عنْ أداءِ وظيفتِه، فيُصبِحُ الجسمُ ضَعيفاً عاجِزاً عنْ مقاومةِ أنواعٍ كثيرةٍ منَ العدوَى، معَ أمراضٍ أخرى...

﴿وَمَا كَانَ جَوَابَ قَوۡمِهِۦٓ إِلَّآ أَن قَالُوٓاْ أَخۡرِجُوهُم مِّن قَرۡيَتِكُمۡۖ إِنَّهُمۡ أُنَاسٞ يَتَطَهَّرُونَ﴾ [الأعراف:82]


وما كانَ جوابَ المستَكبِرينَ مِنْ قومِه، إلاّ أنْ قالَ بعضُهمْ لبَعض، وقدْ أبَوا نَصيحةَ نبيِّهمْ وأعرَضوا عنْ رسالتِه: أخرِجوا لوطاً ومَنْ تَبِعَهُ منْ بلدتِكُمْ هذه، وقالوا في سُخريةٍ وتهكُّم: إنَّهمْ يَتطهَّرونَ منَ الفواحِش، ويَتنَزَّهونَ عن اللِّواط، ويَتقَذَّرونَ ما نَرغَبُ فيه.

﴿فَأَنجَيۡنَٰهُ وَأَهۡلَهُۥٓ إِلَّا امۡرَأَتَهُۥ كَانَتۡ مِنَ الۡغَٰبِرِينَ﴾ [الأعراف:83]


فأنجينا لوطاً وأهلَهُ الذينَ آمَنوا به، إلا امرأتَه، التي بَقيتْ على دِينِ قومِها، فكانتْ منَ الباقينَ معَهم، وقدْ هَلَكوا جميعاً.

﴿وَأَمۡطَرۡنَا عَلَيۡهِم مَّطَرٗاۖ فَانظُرۡ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الۡمُجۡرِمِينَ﴾ [الأعراف:84]


فكانَ جزاءُ عِصيانِهمْ وإصرارِهمْ على هذه الفاحِشَةِ المُنكَرة، أنْ {أَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ} [سورة الحِجر: 74]، فانظُر، وتأمَّل، واعتَبِر، عاقبةَ هؤلاءِ المُجرِمين، ولْيَحْذَرْ غَضَبَ اللهِ وعُقوبتَهُ يومَ الدِّينِ مَنْ فعلَ هذا الفِعلَ المُستقَذَر.

﴿وَإِلَىٰ مَدۡيَنَ أَخَاهُمۡ شُعَيۡبٗاۚ قَالَ يَٰقَوۡمِ اعۡبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُم مِّنۡ إِلَٰهٍ غَيۡرُهُۥۖ قَدۡ جَآءَتۡكُم بَيِّنَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡۖ فَأَوۡفُواْ الۡكَيۡلَ وَالۡمِيزَانَ وَلَا تَبۡخَسُواْ النَّاسَ أَشۡيَآءَهُمۡ وَلَا تُفۡسِدُواْ فِي الۡأَرۡضِ بَعۡدَ إِصۡلَٰحِهَاۚ ذَٰلِكُمۡ خَيۡرٞ لَّكُمۡ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [الأعراف:85]


وأرسَلنا إلى قَبيلةِ مَدْيَن - وهوَ اسمُ مدينةٍ أيضاً، قُربَ مَعَان - أخاهُمْ في النسَبِ شُعَيباً، فقالَ لهمْ ناصِحاً ومُحَذِّراً: يا قَوم، اعبُدوا اللهَ وحدَه، ولا تُشرِكوا في عِبادتهِ أحداً مِنْ أصنامِكمُ التي تَزعُمونَ أنَّها آلهة، فإنَّهُ لا إلهَ لكمْ غيرُ الله، وقدْ جاءَتكمْ آيةٌ بيِّنة، ومُعجِزةٌ ظاهِرةٌ مِنْ ربِّكم، تدلُّ على صِدقِ رِسالتي إليكم، فاسمَعوا التَّوجيهاتِ الربَّانية، والنصائحَ النبويَّة، التي تأخذُ بيدكمْ إلى السَّعادةِ والنَّجاة:

أتِمُّوا المِكيالَ ولا تَنقُصوا مِنْ مَقاديرِ مَقاييسِ الوَزنِ والكَيْل، واعدِلوا في وَزنِ الميزان، ولا تَنقُصوا الناسَ حقوقَهم، ولا تَخونُوهمْ في أموالِهمْ ومُبايعاتِهمْ خُفْيَةً وتَدليساً.

ولا تُفسِدوا في الأرضِ بالكفرِ والظُّلم، والتحايلِ والخيانة، بعد إصلاحِ أمرِها وأهلِها بالشَّرائعِ الربّانية، فإنَّهُ خيرٌ لكمْ وأفضلُ لمجتَمعِكمْ وأهليكمْ منَ الظُّلمِ والفسادِ الذي أنتمْ فيه، هذا إذا تدبَّرتمْ ما أقولُ ووَعيتُموهُ وآمنتُمْ بأنَّهُ الأحسَنُ والأَولى.

﴿وَلَا تَقۡعُدُواْ بِكُلِّ صِرَٰطٖ تُوعِدُونَ وَتَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ مَنۡ ءَامَنَ بِهِۦ وَتَبۡغُونَهَا عِوَجٗاۚ وَاذۡكُرُوٓاْ إِذۡ كُنتُمۡ قَلِيلٗا فَكَثَّرَكُمۡۖ وَانظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الۡمُفۡسِدِينَ﴾ [الأعراف:86]


وقالَ شُعيبٌ عليهِ الصلاةُ والسَّلامُ أيضاً وهوَ يَعِظُ قومَهُ، وكانَ يُسمَّى خطيبَ الأنبياء، لفَصاحةِ عبارتِه، وجَودةِ حوارِه، ومهارتهِ في الحديث: ولا تَقعُدوا بالطرُقِ تخوِّفونَ النَّاسَ وتُهَدِّدونهمْ بالقَتلِ والأذَى، وتَمنعونَ الناسَ عنْ دينِ الله، وتَقولونَ إنَّ شُعيباً كذَّابٌ فلا يَصرِفنَّكمْ عنْ دينِكم، وتتوعَّدون الذينَ آمنوا بهِ بافتِتانِهمْ عنْ دِينِهم، وتَبغونَ مِنْ دِينِ اللهِ الميَلانَ والعُدولَ عنِ الحقِّ ليوافِقَ أهواءَكم.

وتَذكَّروا كيفَ أنَّكمْ كنتُمْ قِلَّةً مُستَضعَفين، فوهبَكمُ الذريَّةَ وزادَ منْ عددِكمْ حتَّى صِرتُمْ كُثُراً.

وتَفَكّروا واعتَبِروا بمنْ كانَ قبلَكمْ مِنْ قَومِ نوحٍ وعادٍ وثمودَ ولوط، وما حلَّ بهمْ منَ العَذابِ نَتيجةَ فسادِهمْ وعِصيانِهمْ وتكذيبِهمْ رُسُلَهم.

﴿وَإِن كَانَ طَآئِفَةٞ مِّنكُمۡ ءَامَنُواْ بِالَّذِيٓ أُرۡسِلۡتُ بِهِۦ وَطَآئِفَةٞ لَّمۡ يُؤۡمِنُواْ فَاصۡبِرُواْ حَتَّىٰ يَحۡكُمَ اللَّهُ بَيۡنَنَاۚ وَهُوَ خَيۡرُ الۡحَٰكِمِينَ﴾ [الأعراف:87]


وإذا كانَ مِنكمْ جماعةٌ قدِ اهتَدَوا وآمَنوا وصدَّقوا برِسالتي إليكم، وجماعةٌ أخرَى ضلُّوا وكفَروا وأبَوا أنْ يُصَدِّقوني، فانتَظِروا - جماعةَ الكفّارِ - وتربَّصوا، حتَّى يَفصِلَ اللهُ بينَنا وبينَكم، وستَرونَ حينئذٍ حُكمَهُ العادِل، وكيفَ أنَّهُ يَنصُرُ المُحِقَّ ويَخذُلُ المُبطِل، وهوَ سبحانَهُ أعدَلُ الحاكِمين.