تفسير سورة طه

  1. سور القرآن الكريم
  2. طه
20

﴿وَاصۡطَنَعۡتُكَ لِنَفۡسِي﴾ [طه:41]


وقدِ اصطَفَيتُكَ رَسولاً لنَفسي إلى خَلقِي، وجعَلتُكَ القائمَ بحُجَّتي.

﴿اذۡهَبۡ أَنتَ وَأَخُوكَ بِـَٔايَٰتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكۡرِي﴾ [طه:42]


اذهَبْ أنتَ وأخوكَ هارونُ بآياتي ومُعجِزاتي، ولا تَضْعُفا في ذِكري والدَّعوَةِ إلى عِبادَتي.

﴿اذۡهَبَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ إِنَّهُۥ طَغَىٰ﴾ [طه:43]


اذهَبا إلى فِرعَونَ فقدْ تجَبَّرَ وعصَى، حتَّى قالَ أنا رَبُّكمُ الأعلى!

﴿فَقُولَا لَهُۥ قَوۡلٗا لَّيِّنٗا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوۡ يَخۡشَىٰ﴾ [طه:44]


وارفُقا بهِ عندَما تَدعُوانِه، خاطِباهُ باللُّطفِ واللِّينِ ولا تُعَنِّفاه، ليَكونَ ذلكَ أوقعَ في نَفسِه، وأكثرَ قَبولاً لدَيه، ولعلَّهُ بذلكَ يتأمَّلُ ويَتدَبَّر، أو يَخافُ منَ اللهِ ويَحذَرُ عِقابَه.

﴿قَالَا رَبَّنَآ إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفۡرُطَ عَلَيۡنَآ أَوۡ أَن يَطۡغَىٰ﴾ [طه:45]


قالَ موسَى وهارونُ عليهما السَّلام: ربَّنا إنَّنا نَخافُ أنْ يُعَجِّلَ عَلينا بالعُقوبَةِ قَبلَ أنْ نُرِيَهُ المُعجِزات، أو أنْ يَزدادَ بذلكَ استِكبارًا وعِنادًا، ويَتجاوزَ الحَدَّ في الإسَاءَةِ إلَينا.

﴿قَالَ لَا تَخَافَآۖ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسۡمَعُ وَأَرَىٰ﴾ [طه:46]


قالَ اللهُ لهما: اطْمَئنَّا ولا تَخافا منه، إنَّني معَكما بحِفظي وتأيِيدي، أسمَعُ كلامَكما وكلامَه، وأرَى ما يُرادُ بكُما، والأمرُ بيَدي، فلا تَهتمّا.

﴿فَأۡتِيَاهُ فَقُولَآ إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرۡسِلۡ مَعَنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ وَلَا تُعَذِّبۡهُمۡۖ قَدۡ جِئۡنَٰكَ بِـَٔايَةٖ مِّن رَّبِّكَۖ وَالسَّلَٰمُ عَلَىٰ مَنِ اتَّبَعَ الۡهُدَىٰٓ﴾ [طه:47]


فاذهَبا إليهِ وقُولا له: إنَّا رَسولانِ مِنْ قِبَلِ رَبِّكَ إلَيك، فأطلِقْ بَني إسْرائيلَ ممّا أوجَبْتَهُ عَليهم، ولا تُبْقِهمْ تحتَ العَذاب. وكانوا يُكَلِّفونَهمْ بالأعمالِ الشَّاقَّة، ويَقتُلونَ أبناءَهم، ويَستَخدِمونَ نِساءَهم.

وقدْ أتَيناكَ بمُعجِزَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَدُلُّ على صِحَّةِ رِسالَتِنا إليك، ولكَ السَّلامَةُ منَ العَذابِ إذا اتَّبَعتَ الحقّ، وصدَّقْتَ بالمُعجِزة.

﴿إِنَّا قَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡنَآ أَنَّ الۡعَذَابَ عَلَىٰ مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّىٰ﴾ [طه:48]


وقَدْ أوحَى اللهُ إلَينا أنَّ عَذابَهُ يُصيبُ مَنْ كذَّبَ رسُلَهُ وأعرضَ عنْ آياتِه.

﴿قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَٰمُوسَىٰ﴾ [طه:49]


قالَ لهما فِرعَونُ مُنكِرًا أنْ يَكونَ هُناكَ رَبٌّ غَيرُه: فمَنْ هوَ رَبُّكما الذي أرسَلَكما إليَّ يا موسَى، فإنِّي لا أعرِفُه؟

﴿قَالَ رَبُّنَا الَّذِيٓ أَعۡطَىٰ كُلَّ شَيۡءٍ خَلۡقَهُۥ ثُمَّ هَدَىٰ﴾ [طه:50]


قالَ لهُ موسَى عَليهِ السَّلام: رَبُّنا الذي أعطَى كُلَّ شَيءٍ ما يَنبَغي لهُ وما يُصلِحُهُ ويُوافِقُه، على الوَجهِ اللّائقِ بهِ شَكلاً ومَضمونًا، وهيَّأهُ لوَظيفَتِهِ التي يَقومُ بها في الحَياة.

﴿قَالَ فَمَا بَالُ الۡقُرُونِ الۡأُولَىٰ﴾ [طه:51]


قالَ لهُ فِرعَون: فما حالُ القُرونِ السَّابِقَةِ والأُمَمِ الكثيرَةِ الماضِية، وماذا يَكونُ شأنُها وقدْ هلَكَت، ولماذا لم تُحاسَب؟

﴿قَالَ عِلۡمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَٰبٖۖ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى﴾ [طه:52]


قالَ موسَى عَليهِ السَّلام: هذا مِنَ الغُيوبِ التي لا يَعلَمُها إلاّ الله، وإنَّ عمَلَهمْ مَضبُوطٌ عَليهمْ ومُسَجَّلٌ عندَ اللهِ في اللَّوحِ المَحفوظ، إنَّ رَبِّي لا يُخطِئُ ولا يَفوتُهُ أمْر، ولا يَنسَى شَيئًا ممّا جرَى ويَجري، صَغيرًا كانَ أو كبيرًا، وسَوفَ يُحاسِبُهمْ ويَجزيهمْ على أعمالِهمْ كُلِّها يَومَ القيامَةِ بما يَستَحِقُّون.

﴿الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الۡأَرۡضَ مَهۡدٗا وَسَلَكَ لَكُمۡ فِيهَا سُبُلٗا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءٗ فَأَخۡرَجۡنَا بِهِۦٓ أَزۡوَٰجٗا مِّن نَّبَاتٖ شَتَّىٰ﴾ [طه:53]


اللهُ الذي بسَطَ لكمُ الأرضَ ومَهَّدَها لتَستَقِرُّوا عَليها، وجعلَ لكمْ فيها طُرُقًا ومَسالِكَ بينَ الأودِيَةِ والجِبالِ لتتَنقَّلوا مِنْ خِلالِها بينَ الأقطارِ والبُلدان، وأنزلَ لكمْ مِنَ السَّحابِ مطَرًا، فأخرَجَ بالماءِ أصنافًا وألوانًا مِنْ نَباتاتٍ وثِمارٍ كَثيرَة، مُختَلِفَةٍ في الطَّعمِ واللَّون، والرَّائحَةِ والشَّكل.

﴿كُلُواْ وَارۡعَوۡاْ أَنۡعَٰمَكُمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّأُوْلِي النُّهَىٰ﴾ [طه:54]


فكُلوا منها ما يَصلُحُ لأبدانِكم، وارعَوا فيها أنعامَكمْ(78) لتَسرَحَ وتُنتِجَ ما يَنفَعُكم، وفي ذلكَ آياتٌ وأدِلَّةٌ على وحدانيَّةِ اللهِ وقُدرَتِهِ وعظَمتِه، لأصحَابِ العُقولِ المُتدَبِّرَةِ المُستَقيمَة.

(78) هي الإبِلُ والبقرُ والغنمُ والمعْز.

﴿۞مِنۡهَا خَلَقۡنَٰكُمۡ وَفِيهَا نُعِيدُكُمۡ وَمِنۡهَا نُخۡرِجُكُمۡ تَارَةً أُخۡرَىٰ﴾ [طه:55]


مِنْ هذهِ الأرضِ أصلُكمْ ومَبدَؤكم، وفيها تُدفَنونَ إذا مُتُّم، ومنها نُخرِجُكمْ أحياءً مرَّةً أخرَى للبَعثِ والحِساب.

﴿وَلَقَدۡ أَرَيۡنَٰهُ ءَايَٰتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَىٰ﴾ [طه:56]


ولقدْ أبصَرْنا فِرعَونَ وعَرَّفناهُ آياتِنا ومُعجِزاتِنا بتفاصيلِها، ولكنَّهُ كذَّبَ بها استِكبارًا وعِنادًا، وأبَى أنْ يؤمِن.

﴿قَالَ أَجِئۡتَنَا لِتُخۡرِجَنَا مِنۡ أَرۡضِنَا بِسِحۡرِكَ يَٰمُوسَىٰ﴾ [طه:57]


وقالَ فِرعَونُ لموسَى بعدَ أنْ رأى آيَةَ العَصا، مُتَّهِمًا إيَّاهُ بالسِّحر: أجِئتَنا مِنْ مَدْيَنَ بعدَ طولِ غيابِكَ لتَسحَرَنا وتَجمعَ النَّاسَ عَلينا وتَطرُدَنا مِنْ أرضِنا ويَبقَى الأمرُ لكَ ولبَني إسْرائيل؟

﴿فَلَنَأۡتِيَنَّكَ بِسِحۡرٖ مِّثۡلِهِۦ فَاجۡعَلۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكَ مَوۡعِدٗا لَّا نُخۡلِفُهُۥ نَحۡنُ وَلَآ أَنتَ مَكَانٗا سُوٗى﴾ [طه:58]


فسَوفَ نأتيكَ بسِحْرٍ مِنْ مثلِ سِحْرِك، فحَدِّدْ مَوعِدًا يَكونُ بينَنا وبينَك، لا نتخَلَّفُ عنهُ نحنُ ولا أنْت، في مَكانٍ مُعَيَّن، يَكونُ مُستَويًا، لا يَحجُبُ أحَدًا عنْ مُشاهَدَةِ ما يَجري.

﴿قَالَ مَوۡعِدُكُمۡ يَوۡمُ الزِّينَةِ وَأَن يُحۡشَرَ النَّاسُ ضُحٗى﴾ [طه:59]


قالَ موسَى عليهِ السَّلامُ لفِرعَونَ وجَماعَتِه: المَوعِدُ الذي بينَنا هوَ يَومُ الزِّينَة - وكانَ يَومَ عِيدِهمْ - وأنْ يَجتَمِعَ النَّاسُ في وَقتِ الضُّحَى.

﴿فَتَوَلَّىٰ فِرۡعَوۡنُ فَجَمَعَ كَيۡدَهُۥ ثُمَّ أَتَىٰ﴾ [طه:60]


ومضَى فِرعَونُ يُدَبِّرُ الأمرَ ويُخَطِّطُ ليَغلِبَ موسَى عليهِ السَّلام، فجمَعَ السَّحرَةَ الكِبارَ مِنْ أنحَاءِ مِصر، وكانتْ سُوقُهمْ رائجَةً في ذلكَ الوَقت، ثمَّ أتَى إلى المَيدانِ في وَقتِه.