﴿وَلَقَدِ اسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلٖ مِّن قَبۡلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنۡهُم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ﴾ [الأنبياء :41]
ولقدْ أرسَلنا أنبياءَ قَبلَك، فاستَهزَأ بهمُ الكافِرونَ كما يَستَهزِئُ بكَ كُفّارُ قَومِك، فأحاطَ بالذينَ استَهزَؤوا منهمُ العَذابُ الذي كانوا يَتحَدَّونَ بهِ أنبياءَهمْ أنْ يأتوهُمْ به، ويَستَبعِدونَ وقوعَه.
﴿قُلۡ مَن يَكۡلَؤُكُم بِالَّيۡلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحۡمَٰنِۚ بَلۡ هُمۡ عَن ذِكۡرِ رَبِّهِم مُّعۡرِضُونَ﴾ [الأنبياء :42]
قُلْ لهؤلاءِ المشرِكينَ المُستَهزِئين: مَنِ الذي يَحفَظُكمْ باللَّيلِ والنَّهارِ مِنْ بأسِ اللهِ وغضَبِهِ أنْ يَنزِلَ بكم؟ وما الذي غرَّكمْ برَبِّكمُ الكَريمِ الحَليمِ أنْ يَسخَطَ عَليكمْ إذا تَمادَيتُمْ في كُفرِكمْ وعِنادِكمْ وتَكذيبِكمْ رَسولَه؟ بلْ همْ عنِ القُرآنِ ومَواعظِهِ وآياتِ اللهِ ونُذُرِهِ غافِلون، غَيرُ مُبالِين ولا مُعتَبِرين.
﴿أَمۡ لَهُمۡ ءَالِهَةٞ تَمۡنَعُهُم مِّن دُونِنَاۚ لَا يَسۡتَطِيعُونَ نَصۡرَ أَنفُسِهِمۡ وَلَا هُم مِّنَّا يُصۡحَبُونَ﴾ [الأنبياء :43]
أمْ أنَّ آلِهتَهمُ المَزعومَةَ هيَ التي تَحفَظُهمْ وتَمنَعُ عَذابَ اللهِ عَنهم؟ كلاّ، إنَّها لا تَستَطيعُ أنْ تَمنعَ عنْ نَفسِها ضُرًّا يُصيبُها، ولا أحدَ يُجيرُها ويَنتَصِرُ لها مِنْ عندِنا ويُخَلِّصُها ممّا يُصيبُها، فكيفَ تَنتَصِرُ هيَ لعابِديها؟!
﴿بَلۡ مَتَّعۡنَا هَـٰٓؤُلَآءِ وَءَابَآءَهُمۡ حَتَّىٰ طَالَ عَلَيۡهِمُ الۡعُمُرُۗ أَفَلَا يَرَوۡنَ أَنَّا نَأۡتِي الۡأَرۡضَ نَنقُصُهَا مِنۡ أَطۡرَافِهَآۚ أَفَهُمُ الۡغَٰلِبُونَ﴾ [الأنبياء :44]
بلْ غَرَّ هؤلاءِ وآباءَهمْ ما همْ فيهِ مِنْ نِعمَةٍ ومَال، واستمَرُّوا على ذلكَ عمُرًا مَديدًا، واعتَقَدوا أنَّهمْ بذلكَ على شَيء، وما هوَ إلاّ إمهَالٌ لهم. ألا يَنظُرُ هؤلاءِ الكافِرونَ كيفَ أنَّنا نَنقُصُ مِنْ أطرافِ أراضيهمْ ونَنتَزِعُها مِنْ أيديهمْ بغَلَبَةِ المُسلِمينَ عَليها شَيئًا فشَيئًا، أفهمُ الذينَ سيَغلِبونَ المؤمِنين؟ بلْ همُ المَغلُوبونَ المَهزومُون.
﴿قُلۡ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بِالۡوَحۡيِۚ وَلَا يَسۡمَعُ الصُّمُّ الدُّعَآءَ إِذَا مَا يُنذَرُونَ﴾ [الأنبياء :45]
قُلْ لهمْ أيُّها النبيُّ الكريم: إنَّما أُنذِرُكمْ وأُخَوِّفُكمْ بالقُرآن، أنْ يُصيبَكمُ العَذابُ إنْ أنتُمْ أعرَضتُمْ عنْ دينِ الله، وحارَبتُمْ رَسولَه، ولكنَّ الذي أصَمَّهُ اللهُ في أُذُنَيهِ لا يَسمَعُ الكلام، وإنْ أُنذِرَ بما يُؤذيه، كما لا يُجدي الإنذارُ مَنْ أعمَى اللهُ بَصيرتَه، وختمَ على سَمعِهِ وقَلبِه.
﴿وَلَئِن مَّسَّتۡهُمۡ نَفۡحَةٞ مِّنۡ عَذَابِ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ يَٰوَيۡلَنَآ إِنَّا كُنَّا ظَٰلِمِينَ﴾ [الأنبياء :46]
وإذا أصابَهمْ أدنَى شَيءٍ مِنْ عَذابِ الله، تذَكَّروا ما فرَّطوا فيه، واعترَفوا بذُنوبِهمُ التي أودَتْ بهمْ إلى هذا العَذاب، وقالوا مُتحَسِّرين: يا هَلاكنا، لقدْ أسرَفنا وتَجاوَزنا الحَدَّ وأغفَلنا أمرَ الله.
﴿وَنَضَعُ الۡمَوَٰزِينَ الۡقِسۡطَ لِيَوۡمِ الۡقِيَٰمَةِ فَلَا تُظۡلَمُ نَفۡسٞ شَيۡـٔٗاۖ وَإِن كَانَ مِثۡقَالَ حَبَّةٖ مِّنۡ خَرۡدَلٍ أَتَيۡنَا بِهَاۗ وَكَفَىٰ بِنَا حَٰسِبِينَ﴾ [الأنبياء :47]
ونُحضِرُ الميزَانَ الذي تُوزَنُ بهِ صَحائفُ الأعْمالِ يَومَ الحِسابِ بالحَقِّ والعَدل، ولا يُظلَمُ أحَدٌ في ذلكَ اليَوم، فلا يُنقَصُ مِنْ ثَوابِهِ إنْ أحسَن، ولا يُزادُ في عُقوبَتِهِ إنْ أساء، وإنْ كانَ عمَلُهُ زِنةَ حَبَّةِ الخَردَلِ في صِغَرِها وقِلَّتِها جئنا بها، وكفَى بنا مُحصِينَ لتِلكَ الأعمَال، فلا يَخفَى عَلينا منها شَيء.
﴿وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَا مُوسَىٰ وَهَٰرُونَ الۡفُرۡقَانَ وَضِيَآءٗ وَذِكۡرٗا لِّلۡمُتَّقِينَ﴾ [الأنبياء :48]
وقدْ آتَينا موسَى وهارونَ التَّوراة، وفيها التَّفرِقَةُ بينَ الحقِّ والباطِل، وما يُنيرُ القُلوبَ ويُخَلِّصُها مِنْ ظُلُماتِ الجَهل، وعِظَةٌ وتَذكِرَةٌ لمَنْ خشِيَ اللهَ ولم يُخالِفْ أمرَه.
﴿الَّذِينَ يَخۡشَوۡنَ رَبَّهُم بِالۡغَيۡبِ وَهُم مِّنَ السَّاعَةِ مُشۡفِقُونَ﴾ [الأنبياء :49]
الذينَ يَخافونَ ربَّهمْ وإنْ لم يَرَوهُ ولم يَرَوا عَذابَه، وهمْ مِنْ حِسابِ وأهوالِ يَومِ القيامَةِ خائفونَ وَجِلون، يَرجُونَ رَحمةَ رَبِّهمْ ويَخافونَ عَذابَه.
﴿وَهَٰذَا ذِكۡرٞ مُّبَارَكٌ أَنزَلۡنَٰهُۚ أَفَأَنتُمۡ لَهُۥ مُنكِرُونَ﴾ [الأنبياء :50]
وهذا القُرآنُ جَليلٌ في قَدْرِه، عَظيمٌ في مَنفَعَتِه، أنزَلناهُ تَذكِرَةً للنّاس، وإنذارًا وبُشرَى، كالتَّوراةِ وغَيرِها مِنَ الكتُبِ السَّماويَّة، أفتُنكِرونَهُ وتَستَبعِدونَهُ وهوَ ظاهِرٌ جَليٌّ في مُعجِزَتِه، وفي أوامرِهِ ونَواهيه؟
﴿۞وَلَقَدۡ ءَاتَيۡنَآ إِبۡرَٰهِيمَ رُشۡدَهُۥ مِن قَبۡلُ وَكُنَّا بِهِۦ عَٰلِمِينَ﴾ [الأنبياء :51]
وقدْ هَدَينا إبراهيمَ إلى التَّوحيد، وألهَمناهُ طَريقَ الخَيرِ والفَلاح، قَبلَ موسَى وهارون، وكُنّا عالِمينَ بأحوالِهِ ومَحاسِنِ صِفاتِه، واستِعدادِهِ لحَملِ الرِّسالَة.
﴿إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦ مَا هَٰذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِيٓ أَنتُمۡ لَهَا عَٰكِفُونَ﴾ [الأنبياء :52]
إذْ قالَ لأبيهِ آزَرَ وقَومِهِ المشرِكين: ما هذهِ الأصنامُ التي تُلازِمونَ عِبادتَها؟
﴿قَالُواْ وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا لَهَا عَٰبِدِينَ﴾ [الأنبياء :53]
قالوا له: هكذا وجَدنا آباءَنا وأجدادَنا يَعبدُونَها، ونحنُ نتَّبِعُهمْ ونُقَلِّدُهمْ في ذلك.
﴿قَالَ لَقَدۡ كُنتُمۡ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُمۡ فِي ضَلَٰلٖ مُّبِينٖ﴾ [الأنبياء :54]
قالَ لهمْ إبراهيمُ عَليهِ السَّلام: إنَّكمْ أنتُمْ وآباؤكمْ زائغونَ مُنحَرِفون، على غَيرِ هِدايَةٍ ودَليلٍ تَعبُدون.
﴿قَالُوٓاْ أَجِئۡتَنَا بِالۡحَقِّ أَمۡ أَنتَ مِنَ اللَّـٰعِبِينَ﴾ [الأنبياء :55]
قالوا لهُ مُتَعَجِّبينَ مِنْ تَخطِئَتِهِ إيّاهُم: أتَقولُ ذلكَ جادًّا أمْ لَعِبًا وهَزْلاً، فإنَّنا لم نَرَ مَنْ تكَلَّمَ على آلهَتِنا، وعابَ عَلينا عِبادتَهمْ قَبلَك؟
﴿قَالَ بَل رَّبُّكُمۡ رَبُّ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا۠ عَلَىٰ ذَٰلِكُم مِّنَ الشَّـٰهِدِينَ﴾ [الأنبياء :56]
قالَ لهمْ مُصَحِّحًا ومُنَبِّهًا: إنَّ هذهِ الأصْنامَ أحجَارٌ عَمِلتُموها بأيدِيكمْ ثمَّ زَعَمتُمْ أنَّها آلِهة، فليسَ فيها أيَّةُ صِفَةٍ مِنْ صِفاتِ الأُلوهيَّة، إنَّما خالِقُكمْ ورازِقُكمْ هوَ اللهُ رَبُّ السَّماواتِ والأرْض، الذي خَلقَهُنَّ ومَنْ فيهنَّ مِنَ الأحْياءِ والنَّباتِ والجَماد، وأنتُمْ جُزءٌ مِنْ هذهِ الأحياءِ المَخلوقَةِ بأمرِهِ وتَدبيرِه، وأنا أشهَدُ أنَّهُ هوَ الإلهُ الحَقُّ الذي لا إلهَ غَيرُه، ولا يُعبَدُ سِوَاه.
﴿وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصۡنَٰمَكُم بَعۡدَ أَن تُوَلُّواْ مُدۡبِرِينَ﴾ [الأنبياء :57]
وواللهِ لأَمكُرَنَّ بأصنامِكمْ وأجتَهِدَنَّ في تَحطِيمِها بعدَ أنْ تَنتَهوا مِنْ عِبادَتِها وتَمضُوا.
﴿فَجَعَلَهُمۡ جُذَٰذًا إِلَّا كَبِيرٗا لَّهُمۡ لَعَلَّهُمۡ إِلَيۡهِ يَرۡجِعُونَ﴾ [الأنبياء :58]
فحَطَّمَها وجعلَها قِطَعًا، إلاّ الصَّنمَ الكبيرَ بينَها، لم يَكسِرْه، لعلَّهُمْ يَرجِعونَ إليهِ ويَسألونَهُ عمَّنْ داهَمَ آلِهَتَهمْ فكسَرَها وأذَلَّها هكذا، وكيفَ لم يُدافِعْ عَنها وهوَ كبيرُها؟! ثمَّ يَرجِعونَ إلى أنفُسِهمْ ويُدرِكونَ ما هُمْ فيهِ منْ وَهْمٍ وخطَأ.
﴿قَالُواْ مَن فَعَلَ هَٰذَا بِـَٔالِهَتِنَآ إِنَّهُۥ لَمِنَ الظَّـٰلِمِينَ﴾ [الأنبياء :59]
وحينَ رجَعوا إلى أصنامِهمْ مرَّةً أُخرَى ورأَوها مَكسورة، تنادَوا قائلِين: مَنِ الذي أهانَ آلِهتَنا وفعلَ بها كُلَّ هذا؟ لا شَكَّ أنَّهُ ظالِمٌ مُتَعَدٍّ، قدْ عرَّضَ نفسَهُ لعِقابٍ كَبير.
﴿قَالُواْ سَمِعۡنَا فَتٗى يَذۡكُرُهُمۡ يُقَالُ لَهُۥٓ إِبۡرَٰهِيمُ﴾ [الأنبياء :60]
قالَ بعضُ مَنْ سَمِعَ إبرَاهيمَ يَتعَرَّضُ لها ويُهَدِّدُ بكَسرِها: سَمِعنا شابًّا يَعِيبُها يُقالُ لهُ إبرَاهيم.