ولا يَهُمُّهُمْ ولا يَغُمُّهُمْ يَومُ الهَولِ الأكبَر، لأنَّهمْ يُعطَونَ الأمَانَ بأنَّهمْ منْ أهلِ الجَنَّة، وتَستَقبِلُهمْ مَلائكَةُ الرَّحمَةِ وتُبَشِّرُهمْ بذلك، وتَقولُ لهم: هذا يَومُ الثَّوابِ الذي تُجزَونَ به، وهذا يَومُ سُرورِكمُ الذي وُعِدتُمْ به.
في يَومِ القِيامَةِ نَطوي السَّماءَ كطَيِّ الصَّحيفَةِ لِمَا كُتِبَ فيها(85)، وكما بدَأنا خَلْقَ الإنسَانِ في بُطونِ أُمَّهاتِهم، حُفاةً غُرْلاً (غَيرَ مَختُونين)، فسَنُعيدُ خَلْقَهُ ونَحشُرُهُ يَومَ البَعثِ كذلكَ، وَعدًا عَلَينا أنْ نفعَلَ ذلك، لا مَحالَة.
وفي الحَديثِ الصَّحيحِ الذي رَواهُ البُخاريُّ رَحِمَهُ الله، قَولُهُ صلى الله عَليه وسلم: "أيُّها النَّاس، إنَّكمْ مَحشورونَ إلى اللهِ عُراةً غُرْلاً. ثمَّ قال: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ}".
(85) في إضافةِ السجلِّ إلى الكتبِ قالَ الآلوسيُّ رحمهُ الله: أي كطيِّ السجلِّ كائنًا للكتب، أو الكائنِ للكتب، فإن الكتبَ عبارةٌ عن الصحائفِ وما كُتبَ فيها، فسجلُّها بعضُ أجزائها، وبه يتعلَّق الطيُّ حقيقة. (روح المعاني).
ويُفهمُ من كلامهِ رحمَهُ الله أن المقصودَ مجموعةُ أوراقٍ أو صفحاتٍ من الكتاب.
ويكونُ معنى الكتابِ عندهُ الكتابَ العاديَّ الذي نعرفه، يعني جنسَ الكتاب، أعني هيئتهُ وشكلَه، بغضِّ النظرِ عن مصدرهِ أو محتواه. (الكتاب في كتاب الله تعالى/ محمد خير يوسف).
ولقدْ أنزَلنا في الكتُبِ السَّماويَّة، بعدَ كتابَتِهِ في اللَّوحِ المَحفوظ، أنَّ أرضَ الجنَّةِ يَرِثُها عِباديَ الصَّالِحونَ المُتَّقون(86).
(86) ذهبَ كثيرٌ من أهلِ التفسيرِ إلى أنَّ المقصودَ بالأرضِ هنا أرضُ الجنة، لكنْ قالَ الشوكانيُّ رحمَهُ الله: "الظاهرُ أن هذا تبشيرٌ لأمةِ محمدٍ صلى الله عليه وسلمَ بوراثةِ أرضِ الكافرين، وعليه أكثرُ المفسرين". (فتح القدير).
إنَّ فيما ذُكِرَ في هذهِ السُّورَة، أو في القُرآن، مِنَ الأخبَار، والمَواعِظ، والتَّرغيبِ والتَّرهيب، والآياتِ البيِّنات، كِفايَةً لمَنْ آثرَ العِبادَةَ والطَّاعَةَ على العِصيان.
وما أرسَلناكَ إلاّ رَحمَةً للنَّاسِ كُلِّهم، بما أُرسِلْتَ بهِ مِنْ شَريعَةٍ عامَّة، فيها العَقيدَةُ الصَّحيحَة، والأحكامُ العادِلَة، والدَّعوَةُ إلى السُّلوكِ المُستَقيم، التي تؤدِّي إلى السَّعادَةِ والأمانِ في الدَّارَين.
وقالَ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم: اللهمَّ اقْضِ بينَنا وبينَ المُشرِكينَ بحُكمِكَ الحقّ، ورَبُّنا ذو رَحمَةٍ كبيرَةٍ بعِبادِه، والعَونُ والنَّصْرُ مِنَ اللهِ على ما يَقولُ المشرِكونَ مِنَ الكفرِ والتَّكذيب.