تفسير سورة النور

  1. سور القرآن الكريم
  2. النور
24

﴿لَّيۡسَ عَلَى الۡأَعۡمَىٰ حَرَجٞ وَلَا عَلَى الۡأَعۡرَجِ حَرَجٞ وَلَا عَلَى الۡمَرِيضِ حَرَجٞ وَلَا عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ أَن تَأۡكُلُواْ مِنۢ بُيُوتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ إِخۡوَٰنِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَعۡمَٰمِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ عَمَّـٰتِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ أَخۡوَٰلِكُمۡ أَوۡ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمۡ أَوۡ مَا مَلَكۡتُم مَّفَاتِحَهُۥٓ أَوۡ صَدِيقِكُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَأۡكُلُواْ جَمِيعًا أَوۡ أَشۡتَاتٗاۚ فَإِذَا دَخَلۡتُم بُيُوتٗا فَسَلِّمُواْ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمۡ تَحِيَّةٗ مِّنۡ عِندِ اللَّهِ مُبَٰرَكَةٗ طَيِّبَةٗۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الۡأٓيَٰتِ لَعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ﴾ [النور:61]


ليسَ هُناكَ بأسٌ ولا حرَجٌ عَليكمْ في مُؤاكَلَةِ الأعمَى، والأعرَج، والمَريض، ولا حرجَ عليهمْ في ذلكَ أيضًا (وكانوا يتَحرَّجونَ مِنْ ذلك). ولا حرَجَ عليكمْ أنْ تأكُلوا مِنْ بُيوتِكم (ومنها بُيوتُ أولادِكمْ وزَوجاتِكم)، أو بُيوتِ آبائكم، أو بُيوتِ أُمَّهاتِكم، أو بُيوتِ إخوانِكم، أو بُيوتِ أخَواتِكم، أو بُيوتِ أعمامِكم، أو بُيوتِ عَمَّاتِكم، أو بُيوتِ أخوالِكم، أو بُيوتِ خالاتِكم، أو ما تحتَ أيديكمْ وتصَرُّفِكم، كبُستانٍ أو ماشِيَةٍ مَوَكَّلَةٍ بكم، أو بُيوتِ أصدِقائكم، فلا حرَجَ عليكمْ أنْ تأكُلوا منها، وإنْ لم يَكونوا حاضِرين، مُجتَمعينَ كنتُمْ أو مُنفَرِدين.

وكانَ المسلِمونَ يأنَفونَ ويتحَرَّجونَ أنْ يأكُلَ الرَّجُلُ الطَّعامَ وحدَه، حتَّى يَكونَ معَهُ غيرُه، فرَخَّصَ اللهُ لهمْ ذلك، فقال: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً}.

وإذا دخَلتُمْ أحدَ البُيوتِ المَذكورَة، فسَلِّموا على أصحابِها تَحيَّةً حسَنَةً مَشروعَةً مِنْ عندِ اللهِ نافِعَة، تَطِيبُ بها نَفسُ المُستَمِع (وهوَ قَول: السَّلامُ عَليكمْ ورَحمَةُ اللهِ وبركاتُه). وهكذا يُبَيِّنُ اللهُ لكمُ الأحكامَ العادِلَةَ الكافيَة، لتَتدَبَّروها، وتَعمَلوا بمُوجبِها، فإنَّها خَيرٌ لكم.

﴿إِنَّمَا الۡمُؤۡمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِۦ وَإِذَا كَانُواْ مَعَهُۥ عَلَىٰٓ أَمۡرٖ جَامِعٖ لَّمۡ يَذۡهَبُواْ حَتَّىٰ يَسۡتَـٔۡذِنُوهُۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسۡتَـٔۡذِنُونَكَ أُوْلَـٰٓئِكَ الَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِۦۚ فَإِذَا اسۡتَـٔۡذَنُوكَ لِبَعۡضِ شَأۡنِهِمۡ فَأۡذَن لِّمَن شِئۡتَ مِنۡهُمۡ وَاسۡتَغۡفِرۡ لَهُمُ اللَّهَۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾ [النور:62]


إنَّما المؤمِنونَ الصَّادِقونَ في إيمانِهم، الذينَ آمَنوا باللهِ ورَسولِه بحَقّ، إذا كانوا معَ رَسولِهمْ في أمرٍ مُهِمّ، كاجتِماعِ مَشورَةٍ أو جِهاد، لم يَنصَرِفوا عنهُ إلاّ بعدَ الإذنِ منه. إنَّ الذينَ يستأذِنونَكَ أيُّها الرَّسُولُ لبَعضِ أمورِهم، همُ المؤمِنونَ باللهِ ورَسولِهِ إيمانًا صَادِقًا عَميقًا، فَأْذَنْ لمَنْ شِئتَ منهُم، وادْعُ اللهَ أنْ يَغفِرَ لهم، فإنَّ الاستِئذانَ منِ اجتِماعٍ يَكونُ مُديرُهُ الرَّسولُ صلى الله عليه وسلم لا يَخلو مِنْ تَفضيلٍ عَليه، وفي ذلكَ شائبَةٌ تَبعَثُ على الاستِغفارِ لهم، واللهُ يَغفِرُ لعِبادِهِ ويَرحَمُهم، إنْ همْ تابُوا وأنابُوا.

﴿لَّا تَجۡعَلُواْ دُعَآءَ الرَّسُولِ بَيۡنَكُمۡ كَدُعَآءِ بَعۡضِكُم بَعۡضٗاۚ قَدۡ يَعۡلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنكُمۡ لِوَاذٗاۚ فَلۡيَحۡذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ أَن تُصِيبَهُمۡ فِتۡنَةٌ أَوۡ يُصِيبَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [النور:63]


ولا تُنادُوا الرَّسولَ باسمِهِ أو بكُنيَتِهِ كما يَدعو بَعضُكمْ بَعضًا، فيَقول: يا فُلان، ويا أبا فُلان، ويا ابنَ فُلان، بلْ شَرِّفوهُ وزِيدوا مِنْ إكرامِه، وقولوا: يا رسُولَ الله، ويا نبيَّ الله.

أو أنَّ المَقصود: لا تَظنُّوا أنَّ دُعاءَ الرَّسولِ كدُعاءِ غَيرِه، فاحذَروا أنْ يَدعُوَ عَليكم، فإنَّ دُعاءَهُ مُستَجاب.

ويَعلَمُ اللهُ الذينَ يُخالِفونَ أمرَهُ ولا يَستأذِنونَ رَسولَه، وهمُ المُنافِقون، الذينَ يَخرُجونَ مِنَ الجماعَةِ خِفيَة، فيَلوذُ بَعضُهمْ ببَعضٍ ويَستَتِرُ بهِ حتَّى يَخرُج. فليَخْشَ هؤلاءِ المُخالِفونَ العاصُونَ لأمرِ رَسولِهِ أنْ يُصيبَهمْ بَلاءٌ أو مِحنَةٌ في الدُّنيا، بقَتلٍ أو غَيرِه، أو أنْ يَنالَهمْ عذابٌ شَديدٌ في الآخِرَة.

﴿أَلَآ إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِۖ قَدۡ يَعۡلَمُ مَآ أَنتُمۡ عَلَيۡهِ وَيَوۡمَ يُرۡجَعُونَ إِلَيۡهِ فَيُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُواْۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمُۢ﴾ [النور:64]


وللهِ كُلُّ ما في السَّماواتِ والأرْض، خَلقًا ومُلكًا وتَدبيرًا، وهوَ يَعلَمُ ما أنتُمْ عَليهِ مِنَ الأوضاعِ والأحوَال، والأقوَالِ والأفعَال، والإيمانِ والنِّفاق، لا يَغيبُ عنهُ شَيءٌ مِنْ ذلك. وعندَما يُرْجَعُ إليهِ الخلائقُ يَومَ الحِساب، يُخبِرُهمْ بالذي عَمِلوهُ مِنْ خَيرٍ وشَرّ، قَليلاً كانَ أو كثيرًا. وعِلمُ اللهِ مُحيطٌ بكُلِّ شَيء، فلا تَخفَى عَليهِ خافيَة.