تفسير سورة النور

  1. سور القرآن الكريم
  2. النور
24

﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَن فِي السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِ وَالطَّيۡرُ صَـٰٓفَّـٰتٖۖ كُلّٞ قَدۡ عَلِمَ صَلَاتَهُۥ وَتَسۡبِيحَهُۥۗ وَاللَّهُ عَلِيمُۢ بِمَا يَفۡعَلُونَ﴾ [النور:41]


ألمْ تَعلَمْ أنَّ اللهَ يُسَبِّحُ لهُ ويُنَزِّهُهُ كُلُّ مَنْ في السَّماواتِ والأرض، مِنَ المَلائكة، والإنس، والجِنّ، والحيَوان، وحتَّى الجَماد، ولكنْ لا نفهَمُ تَسبيحَهم، والطَّيرُ تُسَبِّحُهُ وتَعبدُهُ وهيَ تَبسُطُ أجنِحتَها في الهَواء، وقدْ عَلِمَ كُلٌّ طريقَةَ عِبادَةِ رَبِّهِ وتَنزيهِه، بعدَ أنْ أرشدَهُ اللهُ إلى ذلك، واللهُ عَليمٌ بما يَفعَلونَه، لا يَخفَى عَليهِ شَيءٌ منه.

﴿وَلِلَّهِ مُلۡكُ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِۖ وَإِلَى اللَّهِ الۡمَصِيرُ﴾ [النور:42]


وكُلُّ مَنْ في السَّماواتِ والأرضِ لهُ سُبحانَه، خَلقًا ومُلكًا وتَدبيرًا، فلا عِبادَةَ إلاّ له، وإليهِ يُرجَعُ الأمرُ كُلُّهُ يَومَ القيامَة، فلا حُكمَ إلاّ له.

﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزۡجِي سَحَابٗا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيۡنَهُۥ ثُمَّ يَجۡعَلُهُۥ رُكَامٗا فَتَرَى الۡوَدۡقَ يَخۡرُجُ مِنۡ خِلَٰلِهِۦ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَآءِ مِن جِبَالٖ فِيهَا مِنۢ بَرَدٖ فَيُصِيبُ بِهِۦ مَن يَشَآءُ وَيَصۡرِفُهُۥ عَن مَّن يَشَآءُۖ يَكَادُ سَنَا بَرۡقِهِۦ يَذۡهَبُ بِالۡأَبۡصَٰرِ﴾ [النور:43]


ألمْ تَنظُرْ إلى السَّحابِ كيفَ يَسوقُهُ اللهُ بلُطفٍ إلى حيثُ يَشاء، ثمَّ يجمَعُ بينَ مُتَفرِّقِه، ثمَّ يَجعَلُهُ مُتراكِمًا بعضَهُ فوقَ بَعض، فترَى المطرَ بعدَ ذلكَ يَنزِلُ مِنْ بَينِهِ، ويُنَزِّلُ مِنَ السَّحابِ مِنْ قِطَعٍ عَظيمَةٍ منهُ تُشبِهُ الجِبالَ بَرَدًا، فيَصيبُ بهِ مَنْ يَشاءُ في نَفسِهِ أو مالِه، ويَصرِفُهُ عَمِّنْ يَشاءُ فيَنجو.

والبَرَدُ لا يَتكوَّنُ إلاّ في السُّحُبِ التي تَكونُ على شَكلِ الجِبال، التي قَدْ يَصِلُ ارتِفاعُها إلى 15 كم، وتتَألَّفُ مِنْ طبَقَةٍ سُفلَى بارِدَةٍ وأُخرَى عاليَةٍ حارَّة، وتَنشأ دَوَّاماتٌ شَديدَةٌ بسبَبِ الاختِلافِ في درَجاتِ الحرارَة، وتَكونُ سبَبًا في تَبريدِ السَّحاب، الذي يُشَكِّلُ حبَّاتِ البَرَد.

ويَكادُ ضَوءُ بَرْقِ هذا السَّحابِ أنْ يَخطِفَ الأبصارَ لشِدَّةِ لمَعانِهِ وقوَّةِ تأثيرِه.

﴿يُقَلِّبُ اللَّهُ الَّيۡلَ وَالنَّهَارَۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَعِبۡرَةٗ لِّأُوْلِي الۡأَبۡصَٰرِ﴾ [النور:44]


ويَتصَرَّفُ اللهُ في اللَّيلِ والنَّهار، فيأتي بأحَدِهما بعدَ الآخَر، ويَنقُصُ مِنْ هذا ويَزيدُ في الآخَر، ويُغَيِّرُ أحوالَهما بالحرارَةِ والبُرودَة، وغَيرِ ذلك، وفيهِ دَليلٌ على قُدرَةِ اللهِ وعظَمَتِه، لمَنْ كانتْ لهُ بَصيرَةٌ يتدَبَّرُ بها.

﴿وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَآبَّةٖ مِّن مَّآءٖۖ فَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ بَطۡنِهِۦ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰ رِجۡلَيۡنِ وَمِنۡهُم مَّن يَمۡشِي عَلَىٰٓ أَرۡبَعٖۚ يَخۡلُقُ اللَّهُ مَا يَشَآءُۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ﴾ [النور:45]


واللهُ خلقَ كُلَّ دابَّةٍ تَدُبُّ على الأرضِ مِنْ ماءٍ مَهين، وهوَ النُّطْفَة، أي: خلقَ كُلَّ دابَّةٍ مِنْ نَوعٍ منَ الماءِ يَختَصُّ بتلكَ الدابَّة. أو خلقَها مِنْ ماء، بنِسَبٍ مُختَلِفَة، فالماءُ أصلُ الحياة {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ} [سورة الأنبياء: 30]. وقدْ ذكرَ العُلماءُ أنَّ جَميعَ الكائناتِ الحَيَّةَ مُكوَّنَةٌ مِنْ 80% منَ الماء، وأنَّ جسمَ الإنسانِ مُعظمهُ ماء، وأنَّ كافَّةَ وظائفِ الجسمِ الحَيِّ تتَوقَّفُ في غيابِ الماء...

ومِنْ هذهِ الدوابِّ مَنْ يَمشي على بَطنِه، كالأفاعي والديدانِ وما شاكلَها منَ الزَّواحِف. ومنهمْ مَنْ يَمشي على رِجلَين، كالإنسانِ والطَّير. ومنهمْ مَنْ يَمشي على أربَع، كالأنعام.

ويَخلقُ اللهُ ما يَشاءُ، ممّا ذُكِرَ وغَيرِه، واللهُ قادِرٌ على ذلك، لا يُعجِزُهُ شَيء، فيَخلُقُ ما يَشاءُ كما يَشاء.

﴿لَّقَدۡ أَنزَلۡنَآ ءَايَٰتٖ مُّبَيِّنَٰتٖۚ وَاللَّهُ يَهۡدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ﴾ [النور:46]


لقدْ أنزَلنا في هذا القُرآنِ آياتٍ مُحكَمَةً فيها أحكامٌ عادِلَة، وحِكَمٌ وأمثالٌ بيِّنَة، واللهُ يُرشِدُ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ - بالتَّفَكُّرِ فيها والاعتِبارِ بها - إلى الطَّريقِ المُستَقيمة، التي تؤدِّي إلى السَّعادَةِ والفَلاح.

﴿وَيَقُولُونَ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعۡنَا ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٞ مِّنۡهُم مِّنۢ بَعۡدِ ذَٰلِكَۚ وَمَآ أُوْلَـٰٓئِكَ بِالۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [النور:47]


ويَقولُ المُنافِقونَ الذينَ لم يَتَّبِعوا الصِّراطَ المُستَقيم: آمَنَّا باللهِ رَبًّا، وبمُحمَّدٍ نَبيًّا ورَسولاً، وأطَعنا أمرَ اللهِ ورَسولِه، ثمَّ يُعرِضُ فَريقٌ منهمْ عَمَّا يأمرُ بهِ الدِّين، مِنْ بَعدِ ادِّعائهمُ الإيمانَ والطَّاعَة، وما أولئكَ بمؤمِنين، فإنَّهمْ يُظهِرونَ خِلافَ ما يُبطِنون.

﴿وَإِذَا دُعُوٓاْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ إِذَا فَرِيقٞ مِّنۡهُم مُّعۡرِضُونَ﴾ [النور:48]


وإذا دُعيَ هؤلاءِ المُنافِقونَ إلى دِينِ الله، وأنْ يَحكُمَ رَسُولُهُ بينَهمْ وبينَ خُصومِهم، إذا فَريقٌ منهمْ يأبَى ويَستَكبِرُ عنْ قَبولِه، لمَعرِفَتِهمْ أنَّ الحُكمَ بالحقَّ ليسَ في مَصلَحتِهم، ورَسولُ اللهِ لا يَحكمُ إلاّ بالحَقّ.

﴿وَإِن يَكُن لَّهُمُ الۡحَقُّ يَأۡتُوٓاْ إِلَيۡهِ مُذۡعِنِينَ﴾ [النور:49]


فإذا كانَ الحقُّ في طرَفِهم، وعَلِموا أنَّهُ سيَحكمْ لهم، أتَوا إليهِ مُطيعينَ مُنقادِينَ لحُكمِه.

﴿أَفِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ أَمِ ارۡتَابُوٓاْ أَمۡ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَرَسُولُهُۥۚ بَلۡ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الظَّـٰلِمُونَ﴾ [النور:50]


فهلْ سبَبُ إعراضِهمْ هوَ وجودُ مرَضٍ في قُلوبِهمْ لكُفرِهمْ ونِفاقِهم، أمْ شَكُّوا في أمرِ نبوَّةِ رَسولِنا، أمْ خافُوا أنْ يَظلِمَهمُ اللهُ ورَسولُهُ في الحُكم؟ بلْ إنَّهمْ ظلَموا أنفُسَهمْ وفَجَروا بإعراضِهمْ عنِ الحقّ.

﴿إِنَّمَا كَانَ قَوۡلَ الۡمُؤۡمِنِينَ إِذَا دُعُوٓاْ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِۦ لِيَحۡكُمَ بَيۡنَهُمۡ أَن يَقُولُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الۡمُفۡلِحُونَ﴾ [النور:51]


إنَّما المؤمِنونَ الصَّادِقونَ في إيمانِهم، إذا دُعُوا إلى حُكمِ اللهِ وقضاءِ الرَّسولِ بينَهم، استَجابوا لنِداءِ الحَقِّ وقَالوا: سَمِعنا كلامَ اللهِ وأطَعنا حُكمَه. فأولئكَ همُ السُّعَداءُ الفَائزون.

﴿وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَخۡشَ اللَّهَ وَيَتَّقۡهِ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الۡفَآئِزُونَ﴾ [النور:52]


ومَنْ يُطِعْ أمرَ اللهِ وأمرَ رسُولِه، ويَخَفِ اللهَ ويَجتَنِبْ ما نهَى عَنه، فأولئكَ النَّاجُون، الفائزونَ بجنَّةِ اللهِ ورِضوانِه.

﴿۞وَأَقۡسَمُواْ بِاللَّهِ جَهۡدَ أَيۡمَٰنِهِمۡ لَئِنۡ أَمَرۡتَهُمۡ لَيَخۡرُجُنَّۖ قُل لَّا تُقۡسِمُواْۖ طَاعَةٞ مَّعۡرُوفَةٌۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾ [النور:53]


وحلَفَ المُنافِقونَ حَلِفًا عَظيمًا أنَّكَ إذا أمرتَهمْ بالخُروجِ إلى الجِهادِ خرَجوا، قُلْ لهمْ أيُّها النبيّ: لا تَحلِفوا حَلِفاً فاجِرًا، فإنَّ طاعتَكمْ طاعَةٌ مَعروفَة، هيَ باللِّسانِ فقط، لا بالعمَل. واللهُ خَبيرٌ بأعمالِكمُ الظَّاهِرَةِ والباطِنَة، وما تُضمِرونَ مِنْ كُفر، وتَكذِبونَ في حَلِف.

﴿قُلۡ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَۖ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَإِنَّمَا عَلَيۡهِ مَا حُمِّلَ وَعَلَيۡكُم مَّا حُمِّلۡتُمۡۖ وَإِن تُطِيعُوهُ تَهۡتَدُواْۚ وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الۡبَلَٰغُ الۡمُبِينُ﴾ [النور:54]


وقُلْ لهم: أطيعوا اللهَ واستَجيبُوا لأمرِه، وأطيعوا رَسولَهُ ولا تُخالِفوه، فإذا أعرَضوا وترَكوا ما جئتَهمْ به، فإنَّما عَليكَ ما كُلِّفْتَ بهِ مِنَ الدَّعوَةِ والتَّبليغ، وعَليهمْ ما أُمِروا بهِ مِنَ الاستِجابَةِ والطَّاعَة، وإذا أطَعتُمُ الرَّسولَ فقدِ اهتَدَيتُمْ إلى الحقّ، وما على رَسولِنا إلاّ أنْ يُبَلِّغَكمْ ما أوحِيَ إليه، في وضُوحٍ وبَيان، وقدْ فعَل، ولا سَيطرَةَ لهُ على قُلوبِكم.

﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ الصَّـٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي الۡأَرۡضِ كَمَا اسۡتَخۡلَفَ الَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ الَّذِي ارۡتَضَىٰ لَهُمۡ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّنۢ بَعۡدِ خَوۡفِهِمۡ أَمۡنٗاۚ يَعۡبُدُونَنِي لَا يُشۡرِكُونَ بِي شَيۡـٔٗاۚ وَمَن كَفَرَ بَعۡدَ ذَٰلِكَ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الۡفَٰسِقُونَ﴾ [النور:55]


وعدَ اللهُ مَنْ آمنَ منكمْ بصِدقٍ وإخلاص، وأحسَنَ في العمَل، أنْ يَستَخلِفَهمْ في الأرْض، ويَجعلَ الحُكمَ بأيديهم، كما جعَلَ الخِلافَةَ فيمَنْ قبلَهمْ مِنَ المؤمِنين، ولَيُثْبِتَنَّ دِينَ الإسْلامِ الذي اختارَهُ لهمْ ويَجعَلُهُ فوقَ كُلِّ المِلَلِ والنِّحَل، ولَيُبَدِّلَنَّ حالَهمْ مِنْ بعدِ خَوفِهمْ وصَبرِهمْ على أذَى أعدائهمْ أمنًا وعِزًّا، يوَحِّدونَني في عِبادَتِهمْ آمِنين، غَيرَ خائفينَ أحَدًا غَيري، ومَنْ خرَجَ عنْ طاعَتي وارتَدَّ بعدَ بَيانِ الحَقِّ وظُهورِ الدِّين، فقدْ كفرَ وعصَى.

وصَحَّ عنْ أُبيِّ بنِ كَعبٍ رَضيَ اللهُ قَولُه: لمَّا قَدِمَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُهُ المدينَة، وآوَتْهمُ الأنصار، رَمَتْهمُ العرَبُ عنْ قَوسٍ واحِدَة، فكانوا لا يَبيتونَ إلاّ في السِّلاح، ولا يُصبِحونَ إلاّ فيه، فقالوا: أترَونَ أنَّا نَعيشُ حتَّى نَبيتَ آمنينَ مُطمَئنِّينَ لا نَخافُ إلاّ اللهَ عَزَّ وجَلّ؟ فأنزَلَ اللهُ الآيَة.

وقدْ أنجزَ اللهُ وعدَه، وأظهَرَ دِينَه، ونصرَ أولياءَه، فما ماتَ رَسولُهُ حتَّى دانَتْ لهُ الجَزيرَةُ العرَبيَّة، ومَكَّنَ أصحابَهُ مِنْ فَتحِ البلادِ ونصَرَهم.

﴿وَأَقِيمُواْ الصَّلَوٰةَ وَءَاتُواْ الزَّكَوٰةَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾ [النور:56]


وداوِموا على الصَّلاةِ في أوقاتِها، بشُروطِها وأرْكانِها، وأعطُوا الزَّكاةَ لمُستَحقِّيها مِنَ الفُقَراءِ والمُحتاجين، وأطِيعوا الرِّسولَ وتمسَّكوا بسُنَّتِه، لتُؤجَروا بذلكَ وتُرحَموا.

﴿لَا تَحۡسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مُعۡجِزِينَ فِي الۡأَرۡضِۚ وَمَأۡوَىٰهُمُ النَّارُۖ وَلَبِئۡسَ الۡمَصِيرُ﴾ [النور:57]


ولا تَظُنَّنَّ الذينَ كفَروا باللهِ وكذَّبوا بما جئتَ بهِ مُعجِزينَ اللهَ عنْ إدراكِهمْ وإهلاكِهم، وإنْ جالُوا في أقطَارِ الأرْض، وهرَبوا واستَخْفَوا، فهوَ قادِرٌ عَليهم، ولهمْ أجَلٌ لنْ يَستَقدِموهُ ولن يَستأخِروه، فهمْ مَهزومونَ مَقهورونَ في الدُّنيا، مُخزَونَ مُهانُونَ في الآخِرَة، يُعَذِّبُهمُ اللهُ في النَّارِ عَذابًا مؤلِمًا موجِعًا، وبئسَ مَثواهُمْ ومَآلُهمْ ذاك.

﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لِيَسۡتَـٔۡذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتۡ أَيۡمَٰنُكُمۡ وَالَّذِينَ لَمۡ يَبۡلُغُواْ الۡحُلُمَ مِنكُمۡ ثَلَٰثَ مَرَّـٰتٖۚ مِّن قَبۡلِ صَلَوٰةِ الۡفَجۡرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنۢ بَعۡدِ صَلَوٰةِ الۡعِشَآءِۚ ثَلَٰثُ عَوۡرَٰتٖ لَّكُمۡۚ لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ وَلَا عَلَيۡهِمۡ جُنَاحُۢ بَعۡدَهُنَّۚ طَوَّـٰفُونَ عَلَيۡكُم بَعۡضُكُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الۡأٓيَٰتِۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ﴾ [النور:58]


أيُّها المؤمِنون، ليَستأذِنْكمْ في الدُّخولِ عَليكمُ العَبيدُ والإمَاء، والأطفالُ المُميِّزونَ مِنَ الأحرَار، الذينَ لم يَبلُغوا سِنَّ البُلوغِ بعد، ثلاثَ أوقاتٍ في اليَومِ واللَّيلَة: مِنْ قَبلِ صَلاةِ الفَجر، حيثُ يَكونُ النَّاسُ نِيامًا، وفي وَقتِ القَيلُولَة، حينَ تَخلَعونَ ثيابَكمُ التي لَبِستُموها في النَّهار، ومِنْ بعدِ صلاةِ العِشاء، لأنَّهُ وقتُ النَّوم.

وهيَ أوقاتُ خَلْوَةٍ وعَورَة، لا يُحِبُّ المُسلِمُ أنْ يطَّلِعَ عليهِ فيها أحَد. أمَّا في غَيرِ هذهِ الأوقَات، فلا حرَجَ عَليكمْ مِنَ السَّماحِ لهمْ بالدُّخولِ عَليكم، ولا حرَجَ عَليهمْ في الدُّخولِ عَليكمْ مِنْ غَيرِ استِئذان، لأنَّ العَبيدَ والخدَمَ والصِّبيانَ طوَّافونَ عَليكمْ بالخِدمَةِ والعمَل، يَدخلُ بَعضُكمْ على بَعض.

وهكذا يوَضِّحُ اللهُ أحكامَهُ لكم، وهوَ عَليمٌ بأحوَالِ النَّاسِ وأوقَاتِ شُغلِهمْ وراحَتِهم، حَكيمٌ بما يَشرَعُهُ لكم.

﴿وَإِذَا بَلَغَ الۡأَطۡفَٰلُ مِنكُمُ الۡحُلُمَ فَلۡيَسۡتَـٔۡذِنُواْ كَمَا اسۡتَـٔۡذَنَ الَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمۡ ءَايَٰتِهِۦۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ﴾ [النور:59]


وإذا بلغَ الأطفالُ الأحرارُ سِنَّ الاحتِلام، فليَستأذِنوا في جَميعِ الأوقاتِ في الدُّخولِ عَليكم، مثلَ غَيرِهمْ مِنَ الرِّجال، كما سبَقَ في الآيَةِ 27 مِنْ هذهِ السُّورَة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا}. وهكذا يوَضِّحُ اللهُ لكمْ أحكامَهُ الدالَّةَ على ما فيهِ نَفعُكمْ وصَلاحُكم، وهوَ عَليمٌ بأمورِ خَلقِه، حَكيمٌ بما يَشرَعُهُ لكم.

﴿وَالۡقَوَٰعِدُ مِنَ النِّسَآءِ الَّـٰتِي لَا يَرۡجُونَ نِكَاحٗا فَلَيۡسَ عَلَيۡهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعۡنَ ثِيَابَهُنَّ غَيۡرَ مُتَبَرِّجَٰتِۭ بِزِينَةٖۖ وَأَن يَسۡتَعۡفِفۡنَ خَيۡرٞ لَّهُنَّۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٞ﴾ [النور:60]


والنِّساءُ العَجائزُ اللَّواتي لا يُرِدْنَ الرِّجال، ولا يَتشَوَّفْنَ إلى الزَّواج، لكِبَرِ سنِّهنّ، فلا حرَجَ عَليهنَّ أنْ يَخلَعْنَ ثيابَهُنَّ الظَّاهِرَةَ أمامَ الرِّجال، كالجِلبابِ والقِناعِ الذي فَوقَ الخِمار، وهُنَّ لا يَقصِدْنَ إبرازَ جمَالٍ أو إظهارَ زِينَةٍ عَليهنّ، وإذا ترَكْنَ ذلكَ واحتَشَمْنَ فهوَ أفضَلُ لهنّ، فهوَ أبعَدُ عنِ التُّهمَة، وأدفَعُ لكلامِ السُّفَهاءِ عَنهنّ. واللهُ سَميعٌ بما يَجري في مجالسِ الرِّجالِ والنِّساء، عَليمٌ بمقاصِدِهمْ مِنْ ذلك.