﴿وَإِذَا رَأَوۡكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلَّا هُزُوًا أَهَٰذَا الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ رَسُولًا﴾ [الفرقان :41]
وإذا رآكَ المشرِكونَ مِنْ قَومِكَ جعَلوا منكَ مَوضِعَ هُزْءٍ وسُخريَة، فعَابُوكَ ونقَصُوا منك، وقالُوا في ازدِراء: أهذا هوَ الذي بعثَهُ اللهُ رَسولاً إلَينا؟
﴿إِن كَادَ لَيُضِلُّنَا عَنۡ ءَالِهَتِنَا لَوۡلَآ أَن صَبَرۡنَا عَلَيۡهَاۚ وَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ حِينَ يَرَوۡنَ الۡعَذَابَ مَنۡ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان :42]
وقالوا: لقدْ كادَ أنْ يَصرِفَنا هذا الرَّجُلُ عنْ عِبادَةِ أصنامِنا لو لم نَثبُتْ عَليها! ولكنَّهمْ سيَعلَمونَ أنَّهمْ كانوا في غايَةِ الضَّلال، عندَما يُعاينُونَ العَذابَ يَومَ القيامَةِ وقدْ أحاطَ بهم.
﴿أَرَءَيۡتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَٰهَهُۥ هَوَىٰهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيۡهِ وَكِيلًا﴾ [الفرقان :43]
انظُرْ إلى هؤلاءِ القَومِ الذينَ جعَلوا مِنْ هَواهُمْ دِينًا ومَذهَبًا لهم، واعجَبْ لشَناعَةِ حالِهمْ في ذلك، أفأنتَ تَحفَظُهمْ منِ اتِّباعِ هواهُمْ وتَقودُهمْ إلى الهُدَى منْ دونِ الله؟
﴿أَمۡ تَحۡسَبُ أَنَّ أَكۡثَرَهُمۡ يَسۡمَعُونَ أَوۡ يَعۡقِلُونَۚ إِنۡ هُمۡ إِلَّا كَالۡأَنۡعَٰمِ بَلۡ هُمۡ أَضَلُّ سَبِيلًا﴾ [الفرقان :44]
أمْ تَظُنُّ أنَّ أكثرَ المشرِكينَ يَفقَهونَ ما يَسمَعونَهُ منك، ويتَدبَّرونَ ما تَتلو عَليهمْ مِنَ القُرآنِ الكريم؟ ما همْ إلاّ كالبَهائم، بلْ همْ أسوَأُ منها، فهيَ تَعرِفُ لِمَ خُلِقَتْ له، وتَنقادُ لصاحبِها الذي يَتعهَّدُها، وتَعرِفُ مَنْ يُحسِنُ إليها، وتَطلُبُ ما يَنفَعُها، وتَجتَنِبُ ما يَضُرُّها، وتَهتَدي لمَراعيها ومَشاربِها، وهؤلاءِ الكافِرونَ لا يَعرِفونَ طريقَ الحَقّ، ولا يُطيعونَ ربَّهمُ الذي خلقَهمْ ورزَقَهم، ولا يَعرِفونَ إحسانَهُ إليهم.
﴿أَلَمۡ تَرَ إِلَىٰ رَبِّكَ كَيۡفَ مَدَّ الظِّلَّ وَلَوۡ شَآءَ لَجَعَلَهُۥ سَاكِنٗا ثُمَّ جَعَلۡنَا الشَّمۡسَ عَلَيۡهِ دَلِيلٗا﴾ [الفرقان :45]
ألمْ تَنظُرْ إلى صُنعِ رَبِّكَ كيفَ مَدَّ الظِّلَّ، وهوَ ما يَكونُ بينَ بزوغِ الفَجرِ إلى طلوعِ الشَّمس، لأنَّهُ ظِلٌّ لا شَمسَ له، ولو شاءَ لجعلَهُ ثابتًا لا يَزول، كما هوَ حالُ ظِلِّ الجنَّة، ولكنَّهُ سُبحانَهُ شاءَ أنْ تَطلُعَ الشَّمسُ لتَكونَ دَليلاً على ظُهورِه، ولو لم تَكُنِ الشَّمسُ لمَا عُرِفَ الظِّلّ.
﴿ثُمَّ قَبَضۡنَٰهُ إِلَيۡنَا قَبۡضٗا يَسِيرٗا﴾ [الفرقان :46]
ثمَّ قبَضنا الظِّلَّ قَليلاً قَليلاً، بطُلوعِ الشَّمسِ وسَيرِها. ومَرجِعُ الظلِّ إليهِ سُبحانَه، لا يُشارِكهُ أحَدٌ في إزالَتِه.
﴿وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الَّيۡلَ لِبَاسٗا وَالنَّوۡمَ سُبَاتٗا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورٗا﴾ [الفرقان :47]
وهوَ الذي جعلَ اللَّيلَ كاللِّباسِ لمَنفَعَتِكم، يَستُرُكمْ بظَلامِهِ كما يَسترُكمُ اللِّباس، وجعلَ النَّومَ راحَةً للأبدَان، بقَطْعِ الحرَكاتِ التي يُزاوِلُها المَرءُ أثناءِ اليَقَظَة، وجعلَ النَّهارَ وقتًا يَنتَشِرُ فيهِ النَّاسُ لطلَبِ المَعاشِ والمَكسَب.
﴿وَهُوَ الَّذِيٓ أَرۡسَلَ الرِّيَٰحَ بُشۡرَۢا بَيۡنَ يَدَيۡ رَحۡمَتِهِۦۚ وَأَنزَلۡنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءٗ طَهُورٗا﴾ [الفرقان :48]
وهوَ الذي بعثَ الرِّياحَ لتُبَشِّرَ بنُزولِ المطَر، بعدَ تشَكُّلِ السَّحاب، وأنزَلنا منهُ ماءً يُتَطَهَّرُ به.
﴿لِّنُحۡـِۧيَ بِهِۦ بَلۡدَةٗ مَّيۡتٗا وَنُسۡقِيَهُۥ مِمَّا خَلَقۡنَآ أَنۡعَٰمٗا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرٗا﴾ [الفرقان :49]
لنُحييَ بالمطَرِ أرضًا جَدْبَةً لا نَماءَ فيها، ونُسقيَ منهُ حيَواناتٍ وبشَرًا كثيرًا مُحتاجينَ إليه.
﴿وَلَقَدۡ صَرَّفۡنَٰهُ بَيۡنَهُمۡ لِيَذَّكَّرُواْ فَأَبَىٰٓ أَكۡثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورٗا﴾ [الفرقان :50]
وقدْ أنزَلنا المطرَ في أرضٍ دونَ غَيرِها، وفي بَلدَةٍ دونَ بُلدانٍ أخرَى، ليَتفَكَّروا في قُدرَةِ الله، ويُعتَبِروا ويَلتَجِؤوا إليه، ولكنَّ أكثرَ النَّاسِ جحَدوا وكفَروا، وأسنَدوا مَجيءَ المطَرِ ومَنْعَهُ إلى أمورٍ طَبيعيَّة، وهوَ بأمرِ اللهِ قبلَ كلِّ شَيء، إنْ شاءَ أعطَى، وإنْ شاءَ منَع.
وفي حَديثٍ قُدسيٍّ رواهُ الشَّيخانِ في صَحيحَيهِما: "أصبَحَ مِنْ عِبادي مُؤمِنٌ بي وكافِر، فأمَّا مَنْ قالَ مُطِرْنا بفَضلِ اللهِ ورَحمَتِه، فذلكَ مُؤمِنٌ بي كافِرٌ بالكَوكَب، وأمَّا مَنْ قالَ مُطِرْنا بِنَوْءِ كذا وكذا، فذلِكَ كافِرٌ بي مُؤمِنٌ بالكَوكَب".
﴿وَلَوۡ شِئۡنَا لَبَعَثۡنَا فِي كُلِّ قَرۡيَةٖ نَّذِيرٗا﴾ [الفرقان :51]
ولو أرَدنا لبَعَثنا رَسولاً لأهلِ كُلِّ قَريَة، يَدعوهمْ إلى الله، ولكنْ قَصَّرْنا الأمرَ عَليك، فبعَثناكَ للقُرَى كُلِّها، وجعَلناكَ رَسولاً للعالَمين؛ تَعظيمًا لشأنِك، فقابِلْ هذا الإجلالَ بالاجتَهادِ في الدَّعوَةِ إلى دينِ الله، وتَبليغِ كتابِهِ للنَّاس.
﴿فَلَا تُطِعِ الۡكَٰفِرِينَ وَجَٰهِدۡهُم بِهِۦ جِهَادٗا كَبِيرٗا﴾ [الفرقان :52]
فلا تُطِعِ الكافِرينَ فيما يُريدونَكَ عَليه، ولا تَلِنْ لهم، وادعُهُمْ بهذا القُرآن، بتِلاوَةِ ما فيهِ مِنَ الآيات، وتَذكيرِهمْ بمواعظِه، وبمصيرِ الأُمَمِ المُكَذِّبَةِ فيه، فإنَّ في ذلكَ جِهادًا كبيرًا.
﴿۞وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الۡبَحۡرَيۡنِ هَٰذَا عَذۡبٞ فُرَاتٞ وَهَٰذَا مِلۡحٌ أُجَاجٞ وَجَعَلَ بَيۡنَهُمَا بَرۡزَخٗا وَحِجۡرٗا مَّحۡجُورٗا﴾ [الفرقان :53]
وهوَ الذي أجرَى كِلا نَوعَي البَحرَينِ في مَجرَيَيْهِما، فهذا نَهرٌ جارٍ طَعمُهُ عَذبٌ لَذيذ، وهذا بَحرٌ ماؤهُ مالِحٌ مُرٌّ لا يُطاقُ شُرْبُه، وقدْ جعلَ اللهُ بينَهما حاجِزًا، وسِترًا مَمنوعًا، فإذا دخلَ ماءُ أحَدِهما على الآخَرِ لم يَختَلِطا.
ويَحدُثُ هذا عندَ مَصَابِّ الأنهارِ في البِحار، وبَعضُ هذهِ الأنهارِ يَمتَدُّ مَسيرُها ثمانينَ كيلومِترًا ولا يَتمازَجُ ماؤهُ معَ ماءِ البَحر! ومُعظَمُ أسماكِ المياهِ العَذبَةِ الدَّاخِلَةِ في البَحرِ لا تَدخُلُ مياهَ البَحرِ المالِحَة، وأسماكُ المالِحَةِ لا تَدخُلُ العَذبَة! وقدِ اكتُشِفَ هذا حَديثًا، وصُوِّرَ الحاجِزُ بالسُّفُنِ الفَضائيَّة، وهذا الحاجِزُ يَكونُ في حالَةِ مُروجٍ وذَهابٍ وإيَاب...
﴿وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الۡمَآءِ بَشَرٗا فَجَعَلَهُۥ نَسَبٗا وَصِهۡرٗاۗ وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرٗا﴾ [الفرقان :54]
وهوَ الذي خلَقَ الإنسَانَ مِنْ مَاءٍ مَهين، وهوَ المَنيّ، أو خلَقَ آدمَ مِنَ الماءِ المَخلوطِ بالطِّين، ثمَّ جعلَ منهُ الذَّكرَ والأُنثَى، والذَّكَرُ يُنْسَبُ إليه (النسَب)، والأُنثَى يُصْهَرُ بها (المُصاهرَة)، ويَنشأُ منهما التعارفُ والتواصل. واللهُ قادِرٌ على كُلِّ شَيء، ومِنْ ذلكَ خَلْقُ البَشَرِ مِنْ مادَّةٍ واحِدَة.
﴿وَيَعۡبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنفَعُهُمۡ وَلَا يَضُرُّهُمۡۗ وَكَانَ الۡكَافِرُ عَلَىٰ رَبِّهِۦ ظَهِيرٗا﴾ [الفرقان :55]
وهؤلاءِ المُشرِكونَ يَعبدُونَ أصْنامًا لا تُجلُبُ لهمْ نَفْعًا إذا عبَدوها، ولا تَمنَعُ عنهمْ ضُرًّا إذا لم يَعبُدوها، فهمْ أهلُ هوًى وجَهل، لا عَقلٍ وتَدَبُّر. وكانَ الكافِرُ مُواليًا للشَّيطانِ ومُعاوِنًا لهُ في عَداوَةِ رَبِّهِ والإشرَاكِ به.
﴿وَمَآ أَرۡسَلۡنَٰكَ إِلَّا مُبَشِّرٗا وَنَذِيرٗا﴾ [الفرقان :56]
وما أرسَلناكَ إلاّ مُبَشِّرًا للمُؤمِنينَ المُطيعينَ بالثَّوابِ الحسَن، ومُنذِرًا للكافِرينَ العاصِينَ المُكّذِّبينَ بالعَذابِ والنَّكال.
﴿قُلۡ مَآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ مِنۡ أَجۡرٍ إِلَّا مَن شَآءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِۦ سَبِيلٗا﴾ [الفرقان :57]
قُلْ أيُّها النبيُّ الكريم: لا أطلُبُ منكمْ على تَبليغِ الدِّينِ والإنذَارِ بالقُرآنِ أجرًا تُعطوني، إلاّ ما أنفَقتُمْ مِنْ أمولِكمْ في سَبيلِ اللهِ وطلَبِ مَرضاتِه.
﴿وَتَوَكَّلۡ عَلَى الۡحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِهِۦۚ وَكَفَىٰ بِهِۦ بِذُنُوبِ عِبَادِهِۦ خَبِيرًا﴾ [الفرقان :58]
والجَأْ إلى اللهِ واعتَمِدْ عَليه، وفَوِّضْ أمرَكَ إليه، فهوَ الحَيُّ الباقي الذي لا يَموت، يَنصُرُكَ ويُؤيِّدُكَ بقُوَّتِهِ وتأييدِه، ونَزِّهْهُ عنْ كُلِّ نَقصٍ وعَيب، واثْنِ عَليهِ بصِفاتِ الكمالِ والجَلال، واللهُ مُطَّلِعٌ على أحوالِ عِبادِهِ وأفعالِهمْ وما يَقتَرِفونَ مِنْ ذُنوب، ومنهمُ المُشرِكونَ الذينَ لا يَزالونَ يؤذونَك، وسَوفَ يُحاسِبُ كُلاًّ على ما عَمِل.
﴿الَّذِي خَلَقَ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ ثُمَّ اسۡتَوَىٰ عَلَى الۡعَرۡشِۖ الرَّحۡمَٰنُ فَسۡـَٔلۡ بِهِۦ خَبِيرٗا﴾ [الفرقان :59]
اللهُ الذي خلقَ السَّماواتِ العَظيمَةَ وما فيها مِنْ شُموسٍ وكواكِبَ ومَخلوقاتٍ لم نَرَها، والأرضَ وما فيها مِنْ حيَوانٍ ونَباتٍ وجَماد، في سِتَّةِ أيَّام، ثمَّ استَوَى على العَرش، يُدَبِّرُ الأمرَ ويَقضي بينَ الخَلق، هوَ اللهُ المُتَّصِفُ بالرَّحمَةِ العَظيمَة، والجُودِ والإحسَان، فاسألْ خَبيرًا بهِ إنْ شِئتَ تَحقيقَ ما ذُكِر. ورَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أعلَمُ النَّاسِ برَبِّه. أو أنَّ الضَّميرَ يَعودُ إلى اللهِ سُبحانَه، أي: فاسألِ اللهَ الخبيرَ بحقائقِ الأمور، يُفِدْكَ به.
﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسۡجُدُواْۤ لِلرَّحۡمَٰنِ قَالُواْ وَمَا الرَّحۡمَٰنُ أَنَسۡجُدُ لِمَا تَأۡمُرُنَا وَزَادَهُمۡ نُفُورٗا۩﴾ [الفرقان :60]
وإذا قيلَ للمُشرِكينَ اسجُدُوا للرحمن، قالوا في جَهلٍ وعِناد: وما هوَ الرحمن؟ لا نَعرِفُهُ ولا نُقِرُّ به! أنَسجدُ لمُجرَّدِ قَولِكَ اسجُدوا له؟ وزادَهمْ ذلكَ بُعدًا عنِ الدِّينِ والإيمان.