تفسير سورة الشعراء

  1. سور القرآن الكريم
  2. الشعراء
26

﴿فَلَمَّا تَرَـٰٓءَا الۡجَمۡعَانِ قَالَ أَصۡحَٰبُ مُوسَىٰٓ إِنَّا لَمُدۡرَكُونَ﴾ [الشعراء:61]


فلمّا تقارَبَ الجَيشان، بحَيثُ رأى كُلُّ واحِدٍ منهما الآخَر، قالَ أصحابُ موسَى: سيَلحَقُ بنا فِرعَونُ وجَيشُهُ ولا طاقَةَ لنا بهم.

﴿قَالَ كَلَّآۖ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهۡدِينِ﴾ [الشعراء:62]


قالَ لهمْ موسى، مُذَكِّرًا إيّاهمْ بوَعدِ اللهِ له: كلاّ، لنْ يَصِلَ إليكمْ فِرعَون، وإنَّ ربِّي أمرَني أنْ أسلُكَ هذا المسلَك، وهوَ الذي يَدُلُّني على طَريقِ النَّجاة.

﴿فَأَوۡحَيۡنَآ إِلَىٰ مُوسَىٰٓ أَنِ اضۡرِب بِّعَصَاكَ الۡبَحۡرَۖ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرۡقٖ كَالطَّوۡدِ الۡعَظِيمِ﴾ [الشعراء:63]


فأمَرنا موسَى بوَحي مِنْ عندِنا، أنِ اضرِبِ البَحرَ بعَصاك. فضرَبهُ بها، فانشَقَّ البَحر، فكانَ كُلُّ جانبٍ منهُ كالجبَلِ الكَبير.

﴿وَأَزۡلَفۡنَا ثَمَّ الۡأٓخَرِينَ﴾ [الشعراء:64]


وقرَّبْنا هُنالِكَ فِرعَونَ وجنودَه، حتَّى دخَلوا فيما انفَلقَ مِنَ البَحر، في أثرِ موسى وصَحبه.

﴿وَأَنجَيۡنَا مُوسَىٰ وَمَن مَّعَهُۥٓ أَجۡمَعِينَ﴾ [الشعراء:65]


وأنجَينا موسَى ومَنْ معَهُ مِنْ بَني إسرائيلَ مِنَ الهَلاكِ على أيدي أعدائهم، ومِنَ الغرَقِ في البَحر.

﴿ثُمَّ أَغۡرَقۡنَا الۡأٓخَرِينَ﴾ [الشعراء:66]


ثمَّ أغرَقنا فِرعَونَ ومَن معَه، بأنْ أطبَقْنا عليهمْ ما انفَلقَ مِنَ البَحر، ولم يَنجُ منهمْ أحَد.

﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗۖ وَمَا كَانَ أَكۡثَرُهُم مُّؤۡمِنِينَ﴾ [الشعراء:67]


وفي هذهِ القِصَّةِ آياتٌ وعِبَر، مِنْ بَيانِ صِدْقِ ما جاءَ بهِ نبيُّ اللهِ موسَى، ومِنْ تأييدِ عِبادِ اللهِ المؤمِنين، والنَّكالِ بأعدَائهمُ المُستَكبِرين، وما كانَ أكثَرُ قَومِ فِرعَونَ مؤمِنين.

﴿وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الۡعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾ [الشعراء:68]


وإنَّ اللهَ قَويٌّ عَزيز، يَنتَقِمُ مِنْ أعدَائهِ وأعدَاءِ أوليَائه، رَحيمٌ بعبادِهِ المؤمِنينَ حينَ أنجاهُمْ مِنْ ظُلمِ فِرعَونَ وكَيدِه.

﴿وَاتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ إِبۡرَٰهِيمَ﴾ [الشعراء:69]


واذكُرْ لأمَّتِكَ أيُّها الرَّسولُ خبَرَ نبيِّ اللهِ إبراهيمَ الخَليل.

﴿إِذۡ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوۡمِهِۦ مَا تَعۡبُدُونَ﴾ [الشعراء:70]


عندَما قالَ لأبيهِ وقَومِهِ المشرِكين: أيَّ شَيءٍ تَعبُدون؟

﴿قَالُواْ نَعۡبُدُ أَصۡنَامٗا فَنَظَلُّ لَهَا عَٰكِفِينَ﴾ [الشعراء:71]


قالوا: نَعبُدُ أصنَامًا، ولا نَزالُ نُقيمُ على عِبادَتِها ولا نَتركُها.

﴿قَالَ هَلۡ يَسۡمَعُونَكُمۡ إِذۡ تَدۡعُونَ﴾ [الشعراء:72]


فقالَ لهمْ إبراهيمُ عليهِ السَّلام: هلْ تَسمَعُ هذهِ الأصنَامُ دُعاءَكمْ عندَما تَدعونَها؟

﴿أَوۡ يَنفَعُونَكُمۡ أَوۡ يَضُرُّونَ﴾ [الشعراء:73]


أو أنَّها تَنفَعُكمْ بشَيءٍ بسبَبِ عِبادَتِكمْ لها، كجَلبِ رِزق، وطولِ عمُر، ونَصرٍ على الأعداء؟ وهلْ تَدفَعُ عنكمْ ضُرًّا إذا تركتُمْ عِبادَتَها، فحبَسَتْ رِزقًا لكم، أو دخَلَتْ بيوتَكمْ وأخَذَتْ أولادَكمْ وأموالَكم؟

﴿قَالُواْ بَلۡ وَجَدۡنَآ ءَابَآءَنَا كَذَٰلِكَ يَفۡعَلُونَ﴾ [الشعراء:74]


قالوا في جَهلٍ وغَباء: إنَّها لا تَفعَلُ شَيئًا مِنْ هذا أو ذاك، ولكنَّنا وجَدنا آباءَنا وأجدادَنا يَعبدُونَها، ونحنُ نُقَلِّدُهمْ في ذلك، فنَفعَلُ كما كانوا يَفعَلون.

﴿قَالَ أَفَرَءَيۡتُم مَّا كُنتُمۡ تَعۡبُدُونَ﴾ [الشعراء:75]


قالَ لهمْ إبراهيمُ عَليهِ السَّلام: أفَرأيتُمْ هذهِ الأصَنامَ التي تَعكُفونَ على عِبادَتِها،

﴿أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُمُ الۡأَقۡدَمُونَ﴾ [الشعراء:76]


أنتُمْ وآباؤكمْ وأجدادُكمُ الأوَّلون،

﴿فَإِنَّهُمۡ عَدُوّٞ لِّيٓ إِلَّا رَبَّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الشعراء:77]


فإنَّها عَدوٌّ لي، لا أعبُدُها ولا أُبالي بها، ولا أنتَظِرُ منها نَفْعًا، ولا أتوَقَّعُ منها ضُرًّا، فإذا كانتْ آلِهَةً حقًّا فَلْتَمَسَّني بسُوء. لكنَّ ربَّ العالَمينَ ليسَ كذلك، فهوَ وليِّي في الدُّنيا والآخِرَة، وهوَ الذي بيدِهِ الأمرُ كُلُّه، وأنا أعبدُهُ لأنَّهُ الإلهُ الحَقّ.

﴿الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهۡدِينِ﴾ [الشعراء:78]


الإلهُ الذي خلَقَني، فهوَ يُرشِدُني إلى ما يُصلِحُني، ويَدُلُّني على طريقِ النَّجاة.

﴿وَالَّذِي هُوَ يُطۡعِمُنِي وَيَسۡقِينِ﴾ [الشعراء:79]


وهوَ الذي يَرزُقُني أنواعَ الطَّعامِ والشَّراب، وقدْ هَيَّأ ليَ الاستِفادَةَ منها بما يُناسِبُ طَبيعَتي وجِسمي.

﴿وَإِذَا مَرِضۡتُ فَهُوَ يَشۡفِينِ﴾ [الشعراء:80]


وإذا قدَّرَ اللهُ أنْ مَرِضتُ، فهوَ الذي يُبرِئُني مِنَ المرَض، لا أحَدَ غَيرُه، وما الأدويَةُ والعِلاجاتُ سِوَى أسبَاب، إنْ شاءَ جعلَ فيها الشِّفاء، وإنْ لم يَشَأ لا يَكونُ شِفاء.