﴿مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِ اللَّهِ أَوۡلِيَآءَ كَمَثَلِ الۡعَنكَبُوتِ اتَّخَذَتۡ بَيۡتٗاۖ وَإِنَّ أَوۡهَنَ الۡبُيُوتِ لَبَيۡتُ الۡعَنكَبُوتِۚ لَوۡ كَانُواْ يَعۡلَمُونَ﴾ [العنكبوت :41]
إنَّ مثَلَ المشرِكينَ الذينَ اتَّخَذوا مِنَ الأصْنامِ أو غَيرِها آلِهَةً يَعبدُونَها ويَعتَمِدونَ عَليها مِنْ دونِ الله، ويَرجونَ نَصرَها ومَنفَعَتَها، هوَ كمَثَلِ بَيتِ العَنكبوتِ في ضَعفِهِ ووَهَنِه، الذي لا يَدفَعُ عَنها حَرًّا ولا بَردًا، ولا رِيحًا ولا مطَرًا. فما هوَ سِوَى خيوطٍ حَريريَّةٍ دَقيقَةٍ وناعِمَةٍ جِدًّا، تَفرِزُها وتُكَوِّنُ منها نَسيجًا شبَكيًّا، لا يُحِسُّ بها المَرءُ وهوَ يَقطَعُها، فهوَ أضعَفُ البُيوتِ وأوهَنُها.
وكذلكَ المشرِكون، الذينَ لا يَحصُلونَ على نَفعٍ مِنْ آلِهَتِهمُ التي يَدْعونَها، إلاّ كمَنْ يتمسَّكُ ببَيتِ العَنكبوت، الذي لا يُجدِي شَيئًا. ولو عَلِموا ذلكَ لمَا اتَّخَذوهمْ أولِياء.
﴿إِنَّ اللَّهَ يَعۡلَمُ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِۦ مِن شَيۡءٖۚ وَهُوَ الۡعَزِيزُ الۡحَكِيمُ﴾ [العنكبوت :42]
واللهُ يَعلَمُ أنَّ الذي يَعبدُونَهُ ليسَ بشَيءٍ يُعبَأُ به، ولنْ يُفيدَهمْ شَيئًا، وليُحاسِبنَّهمْ على عدَمِ استِعمالِ عُقولِهم، وعلى استِكبارِهمْ عنِ اتِّباعِ الحَقّ، واللهُ هوَ القادِرُ القاهِر، الحَكيمُ في أمرِهِ وتَدبيرِه، فكيفَ يُشرِكونَ بهِ أصْنامًا لا تَعي ولا تَتكَلَّم؟!
﴿وَتِلۡكَ الۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِۖ وَمَا يَعۡقِلُهَآ إِلَّا الۡعَٰلِمُونَ﴾ [العنكبوت :43]
وهذهِ الأشبَاهُ والأمثالُ التي في القُرآن، نُبَيِّنُها للنَّاسِ لنُقَرِّبَ بها الحقَائقَ إلى أفهامِهمْ ومدارِكِهم، ولا يتدَبَّرُها ويَستَنتِجُ منها العِبَرَ والفَوائدَ إلاّ الرَّاسِخونَ في العِلم، الذينَ يَعقِلونَ عنِ الله، فيَعمَلونَ بطاعَتِه، ويتَجنَّبونَ سَخَطَه.
﴿خَلَقَ اللَّهُ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضَ بِالۡحَقِّۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَةٗ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [العنكبوت :44]
خلقَ اللهُ هذهِ السَّماواتِ العَظيمَة، وهذهِ الأرْضَ وما فيها، بالحَقِّ والعَدل، ولحِكمَةٍ وغايَة، وليسَ عبَثًا ولَعِبًا، وفي ذلكَ دلالَةٌ عل تَوحيدِ اللهِ وإبداعِهِ وقُدرَتِهِ وحُسنِ تَدبيرِه، للمُصَدِّقينَ بذلك.
﴿اتۡلُ مَآ أُوحِيَ إِلَيۡكَ مِنَ الۡكِتَٰبِ وَأَقِمِ الصَّلَوٰةَۖ إِنَّ الصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ الۡفَحۡشَآءِ وَالۡمُنكَرِۗ وَلَذِكۡرُ اللَّهِ أَكۡبَرُۗ وَاللَّهُ يَعۡلَمُ مَا تَصۡنَعُونَ﴾ [العنكبوت :45]
داوِمْ على تِلاوَةِ كتابِ اللهِ أيُّها الرَّسولُ الكَريم، وبَلِّغْهُ النَّاس، وحافِظْ على إقامَةِ الصَّلاة، فإنَّ المُداوَمةَ عَليها تُعِينُ على تَركِ المُنكَراتِ والفَواحِش، وذِكرُ اللهِ إيَّاكمْ أكبَرُ مِنْ ذِكرِكمْ إيَّاهُ سُبحانَه، قالَ جَلَّ شَأنُه: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ} [سورة البقرة: 152]. واللهُ يَعلَمُ ما تَصنَعونَهُ مِنْ خَيرٍ وشَرّ، لا يَخفَى عَليهِ شَيءٌ مِنْ ذلكَ، ويُحاسِبُ كُلاًّ بما عَمِل، ويُجازيهِ بما يَستَحِقّ.
﴿۞وَلَا تُجَٰدِلُوٓاْ أَهۡلَ الۡكِتَٰبِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنۡهُمۡۖ وَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا بِالَّذِيٓ أُنزِلَ إِلَيۡنَا وَأُنزِلَ إِلَيۡكُمۡ وَإِلَٰهُنَا وَإِلَٰهُكُمۡ وَٰحِدٞ وَنَحۡنُ لَهُۥ مُسۡلِمُونَ﴾ [العنكبوت :46]
ولا تُجادِلوا أهلَ الكتاب، مِنَ النَّصارَى وغَيرِهم، إلاّ بالأسلوبِ الحسَن، والحوارِ الهادِئِ المشفُوعِ بالنُّصح، كمُقابَلةِ الخُشونَةِ باللِّين، والغضَبِ بالحِلمِ والأناة، إلاّ مَنِ اعتدَى منهمْ وعانَد، وكابرَ وخاصَم، ولم يَنفَعْ فيهمُ الرِّفق، ولا قَبولُ الحُجَّةِ المُقنِعَة، والدليلِ القاطِع، فيُدافَعونَ بما يَليقُ بهم، وقُولوا لهم: آمَنَّا بما أُنزِلَ إلينَا مِنَ القُرآن، وبما أُنزِلَ إليكمْ مِنَ التَّوراةِ والإنجِيل، وإلهُنا وإلهكمْ واحِدٌ لا شَريكَ له، ونحنُ مُخلِصونَ لهُ في عِبادَتِه، مُطيعونَ لأوامرِه.
﴿وَكَذَٰلِكَ أَنزَلۡنَآ إِلَيۡكَ الۡكِتَٰبَۚ فَالَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ الۡكِتَٰبَ يُؤۡمِنُونَ بِهِۦۖ وَمِنۡ هَـٰٓؤُلَآءِ مَن يُؤۡمِنُ بِهِۦۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا الۡكَٰفِرُونَ﴾ [العنكبوت :47]
وكما أنزَلنا الكتُبَ السَّابقَةَ على الأنبِياء، كذلكَ أنزَلنا عَليكَ القُرآن، فالذينَ آتَيناهمُ الكتابَ مِنَ اليَهودِ والنَّصارَى، مِنْ أحبارِهمُ المُخلِصينَ وعُلمائهمُ المؤمِنينَ الصَّادِقين، يُؤمِنونَ بالقَرآنِ الكريم، ومِنَ العرَبِ مَنْ يؤمِنُ بهِ كذلك، وما يُكَذِّبُ بمُعجِزاتِنا التي أيَّدْنا بها رسُلَنا إلاّ المُكابِرونَ المُصِرُّونَ على الكُفر.
﴿وَمَا كُنتَ تَتۡلُواْ مِن قَبۡلِهِۦ مِن كِتَٰبٖ وَلَا تَخُطُّهُۥ بِيَمِينِكَۖ إِذٗا لَّارۡتَابَ الۡمُبۡطِلُونَ﴾ [العنكبوت :48]
وقَبلَ أنْ يَنزِلَ عَليكَ القُرآنُ ما كُنتَ تَقرأ كتابًا ولا تُحسِنُ كِتابَة، وكُلُّ قَومِكَ يَعرِفونَ هذا منك، ولو كنتَ تَقرَأ أو تَكتُب لشَكَّ المشرِكونَ في أمرِك، واتَّهَموكَ بالنَّقلِ والتأليفِ والترْكيب، ولقالَ أهلُ الكتاب: إنَّ الذي نَجدُهُ عندَنا في وَصفِ النبيِّ الجَديدِ أنَّهُ أُمِّيٌّ وأنتَ لستَ كذلك.
﴿بَلۡ هُوَ ءَايَٰتُۢ بَيِّنَٰتٞ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُواْ الۡعِلۡمَۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا الظَّـٰلِمُونَ﴾ [العنكبوت :49]
فليسَ القُرآنُ ممّا يُرتابُ فيه، بلْ هوَ آياتٌ واضِحات، راسِخاتٌ في صُدورِ المؤمِنينَ الحافِظينَ له، لا يَستَطيعُ أحَدٌ أنْ يُحَرِّفَه، وما يَكفرُ بآياتِنا إلاّ المُكابِرونَ المُعتَدون، الذينَ يَعرِفونَ الحقَّ ثمَّ يُعرِضُونَ عنه.
﴿وَقَالُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ ءَايَٰتٞ مِّن رَّبِّهِۦۚ قُلۡ إِنَّمَا الۡأٓيَٰتُ عِندَ اللَّهِ وَإِنَّمَآ أَنَا۠ نَذِيرٞ مُّبِينٌ﴾ [العنكبوت :50]
وقالَ المشرِكون: هَلاّ أُنزِلَتْ على هذا النبيِّ مُعجِزاتٌ كما أُنزِلَتْ على الأنبِياءِ السَّابِقين، مثلُ عَصا موسَى وناقَةِ صالح؟ قُلْ لهمْ أيُّها الرَّسُول: إنَّ ذلكَ بيدِ الله، يأتي بها إنْ شَاء، ولو عَلِمَ هِدايتَكمْ بها لأجابَكمْ إليها، ولو أنَّها أُنزِلَتْ ولم تؤمِنوا بها لأهلكَكم، وإنَّما أنا مُنذِرٌ مَبِينٌ للعالَمينَ أجمَعين، وما عليَّ إلاّ البلاغ.
﴿أَوَلَمۡ يَكۡفِهِمۡ أَنَّآ أَنزَلۡنَا عَلَيۡكَ الۡكِتَٰبَ يُتۡلَىٰ عَلَيۡهِمۡۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَرَحۡمَةٗ وَذِكۡرَىٰ لِقَوۡمٖ يُؤۡمِنُونَ﴾ [العنكبوت :51]
أوَلمْ يَكفِهمْ مُعجِزَةً هذا القُرآنُ الذي أنزَلناهُ عَليك، وهوَ يُقرَأُ عَليهمْ ويَعرِفونَهُ جَيِّدًا، وفيهِ مِنَ الإعجازِ والتحَدِّي ما يَكفي دَليلاً أنَّهُ مِنْ عندِ الله، فلم يَستَطِعْ أحَدٌ أنْ يأتيَ بمِثْلِهِ أو بآياتٍ مِنْ مِثلِه؟ وفي بقائهِ مَحفوظًا مِنْ غَيرِ أنْ يَنالَهُ تَغييرٌ أو تَبديل، وكونِهِ مُتَحَدًّى بهِ إلى آخِرِ الدَّهر، آيَةٌ أُخرَى عَظيمَة، وهوَ نِعمَةٌ كبيرَةٌ للنَّاس، وتَذكِرَةٌ وعِظَةٌ لمَنْ آمَنَ واهتدَى به، ففيهِ بيانٌ للحقّ، ودَحضٌ للباطِل، وفيهِ أحداثٌ وعِبَر، وقَصَصٌ وتَوجيهات، وأحكامٌ ووَصايا، كُلُّها لأجلِ مَصلحَةِ الإنسانِ وسعادَتِه.
﴿قُلۡ كَفَىٰ بِاللَّهِ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡ شَهِيدٗاۖ يَعۡلَمُ مَا فِي السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِۗ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ بِالۡبَٰطِلِ وَكَفَرُواْ بِاللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الۡخَٰسِرُونَ﴾ [العنكبوت :52]
قُلْ لهمْ أيُّها النبيُّ الكريم: اللهُ سُبحانَهُ عالِمٌ بما أُرسِلتُ بهِ وبما أُبَلِّغُهُ لكم، وعالِمٌ بكمْ وبتَكذيبِكمْ رسالتَه، والأمرُ إليهِ في الحُكمِ بَيني وبينَكم، وهوَ اللَّطيفُ العالِمُ بكُلِّ ما في السَّماواتِ والأرْض، فلا يَخفَى عَليهِ شَيء. والذينَ آمَنوا بالأصْنامِ وطاوَعوا الطَّواغيت، وكفَروا باللهِ وهو خالِقُهمْ ورازِقُهمْ ومالِكُ أمرِهم، همُ الخاسِرونَ النادِمون، الذينَ يُجزَونَ شَرًّا على أعمالِهمُ السيِّئةِ يَومَ القيامَة.
﴿وَيَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِالۡعَذَابِ وَلَوۡلَآ أَجَلٞ مُّسَمّٗى لَّجَآءَهُمُ الۡعَذَابُۚ وَلَيَأۡتِيَنَّهُم بَغۡتَةٗ وَهُمۡ لَا يَشۡعُرُونَ﴾ [العنكبوت :53]
ويَستَعجِلُكَ المُشرِكونَ بالعَذاب، ولولا أنَّ اللهَ قَدَّرَ لهمُ العَذابَ في وَقتٍ مُعَيَّن، لحَلَّتْ بهمْ نِقمَتُه، وسيَأتيهمْ فَجأةً وهمْ غافِلونَ عنه.
﴿يَسۡتَعۡجِلُونَكَ بِالۡعَذَابِ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةُۢ بِالۡكَٰفِرِينَ﴾ [العنكبوت :54]
إنَّهمْ يَستَعجِلونَ العَذابَ وهوَ مُحيطٌ بهم، فهوَ واقِعٌ بهمْ لا مَحالَة، ولنْ يَبقَى كافِرٌ إلاّ ويَدخُلُ جَهنَّم.
﴿يَوۡمَ يَغۡشَىٰهُمُ الۡعَذَابُ مِن فَوۡقِهِمۡ وَمِن تَحۡتِ أَرۡجُلِهِمۡ وَيَقُولُ ذُوقُواْ مَا كُنتُمۡ تَعۡمَلُونَ﴾ [العنكبوت :55]
في ذلكَ اليَومِ المَخُوفِ المَهُول، الذي يُؤمَرُ بهمْ إلى النَّار، يَأتيهمُ العَذابُ مِنْ كُلِّ الجِهات، مِنْ فَوقِهم، ومِنْ تَحتِ أرجُلِهم، وبالغُدوِّ والآصَال، ويَقولُ اللهُ لهم: ذُوقوا جَزاءَ ما كنتُمْ تَعمَلونَهُ في الدُّنيا، وما كنتُمْ تَستَعجِلونَهُ مِنَ العَذاب، فقدْ حَلَّ أجَلُه.
﴿يَٰعِبَادِيَ الَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّ أَرۡضِي وَٰسِعَةٞ فَإِيَّـٰيَ فَاعۡبُدُونِ﴾ [العنكبوت :56]
يا عِباديَ المؤمِنين، إنَّ أرضِي واسِعَة، وفيها ما يُمكِنُ أنْ تُقيمُوا شعائرَ دينِكم، وتَعبدُوهُ كما أمرَكم، فاعبُدوني ولا تُشرِكوا بي شَيئًا، وأطيعوني ولا تُهمِلوا ما أمرتُكمْ به.
وأكثَرُ المُفَسِّرينَ على أنَّهُ أمرٌ للمُستَضعَفينَ في مكَّةَ بالهِجرَة.
﴿كُلُّ نَفۡسٖ ذَآئِقَةُ الۡمَوۡتِۖ ثُمَّ إِلَيۡنَا تُرۡجَعُونَ﴾ [العنكبوت :57]
كُلُّ نَفسٍ حَيَّةٍ سيَأتي عَليها المَوت، فلا تُقيموا في دارِ الشِّركِ خَوفًا مِنْ أنْ يُصيبَكمُ الموتُ إذا هاجَرتُم، ثمَّ إلينا مَرجِعُكمْ جَميعًا لنُحاسِبَكمْ على أعمالِكم، ونُجازيَكمْ بما تَستَحِقُّون.
﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّـٰلِحَٰتِ لَنُبَوِّئَنَّهُم مِّنَ الۡجَنَّةِ غُرَفٗا تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا الۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ نِعۡمَ أَجۡرُ الۡعَٰمِلِينَ﴾ [العنكبوت :58]
والذينَ آمَنوا وأخلَصوا في إيمانِهم، وأتْبَعوا إيمانَهمْ بالعمَلِ الصَّالِحِ المُوافِقِ لِما أمرَ اللهُ به، لنُسكِنَنَّهمْ مَنازِلَ عاليَةً في الجنَّة، تَجري الأنهارُ مِن خلالِ أشجارِها ومَساكنِها، فتَزيدُها بَهجَةً وجَمالاً، ماكثينَ فيها أبدًا، فنِعْمَ هذا الجَزاءُ على ما عَمِلَهُ المؤمِنون،
﴿الَّذِينَ صَبَرُواْ وَعَلَىٰ رَبِّهِمۡ يَتَوَكَّلُونَ﴾ [العنكبوت :59]
الذينَ صبَروا على أذَى المشرِكين، وتحَمَّلوا مَشاقَّ الدَّعوَةِ والجِهاد، فكانوا مِنَ الصَّابرينَ على طاعَةِ رَبِّهم، مُعتَمِدينَ عَليهِ في جَميعِ أحوالِهم.
﴿وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٖ لَّا تَحۡمِلُ رِزۡقَهَا اللَّهُ يَرۡزُقُهَا وَإِيَّاكُمۡۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الۡعَلِيمُ﴾ [العنكبوت :60]
وما أكثرَ الدوابَّ التي تَحتاجُ إلى غِذاءٍ ولا تَقدِرُ على حَمْلِهِ لضَعفِها، ولا تدَّخِرُ شَيئًا لغَد، ثمَّ اللهُ يَرزُقُها وإيَّاكم، فيَيَسِّرُهُ لكمْ حيثُ كنتُم، فلا تَخشَوا الفَقرَ إذا هاجَرتُمْ وترَكتُمْ أموالَكم، وهوَ السَّميعُ لأقوالِكم، العَليمُ بما تُكِنُّونَهُ في قُلوبِكم.