تفسير سورة البقرة

  1. سور القرآن الكريم
  2. البقرة
2

﴿وَاتَّقُواْ يَوۡمٗا تُرۡجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِۖ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ﴾ [البقرة:281]


واخشَوا اللهَ حقَّ الخَشية، وانتَظِروا ذلكَ اليومَ الذي تُرجَعونَ فيهِ إليهِ وقدْ تركتمُ الدُّنيا وما فيها مِنْ أموال، وسوفَ يُحاسِبُكمْ على ما كسبتُمْ منْ طرقٍ حَلالٍ أو حَرام، ويُحَذِّرُكمْ منْ عُقوبتِه، كما يُرَغِّبُكمْ في مَثوبتِه، ولنْ يُظْلَمَ أحدٌ في ذلكَ اليومِ والمحاسِبُ هوَ الله.

ويومَئذٍ يَندَمُ المُرابي أيَّما نَدم، وكلٌّ يَرجو لو كانَ تَنازل، وأنفَق، وأحسَن... وهاهمُ الأحياءُ يَقرؤونَ ويَسمَعون، إنْ كانتْ لهمْ عُيونٌ يُبصِرونَ بها، وآذانٌ يَسمعونَ بها.

﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا تَدَايَنتُم بِدَيۡنٍ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى فَاكۡتُبُوهُۚ وَلۡيَكۡتُب بَّيۡنَكُمۡ كَاتِبُۢ بِالۡعَدۡلِۚ وَلَا يَأۡبَ كَاتِبٌ أَن يَكۡتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُۚ فَلۡيَكۡتُبۡ وَلۡيُمۡلِلِ الَّذِي عَلَيۡهِ الۡحَقُّ وَلۡيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُۥ وَلَا يَبۡخَسۡ مِنۡهُ شَيۡـٔٗاۚ فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيۡهِ الۡحَقُّ سَفِيهًا أَوۡ ضَعِيفًا أَوۡ لَا يَسۡتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلۡيُمۡلِلۡ وَلِيُّهُۥ بِالۡعَدۡلِۚ وَاسۡتَشۡهِدُواْ شَهِيدَيۡنِ مِن رِّجَالِكُمۡۖ فَإِن لَّمۡ يَكُونَا رَجُلَيۡنِ فَرَجُلٞ وَامۡرَأَتَانِ مِمَّن تَرۡضَوۡنَ مِنَ الشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحۡدَىٰهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحۡدَىٰهُمَا الۡأُخۡرَىٰۚ وَلَا يَأۡبَ الشُّهَدَآءُ إِذَا مَا دُعُواْۚ وَلَا تَسۡـَٔمُوٓاْ أَن تَكۡتُبُوهُ صَغِيرًا أَوۡ كَبِيرًا إِلَىٰٓ أَجَلِهِۦۚ ذَٰلِكُمۡ أَقۡسَطُ عِندَ اللَّهِ وَأَقۡوَمُ لِلشَّهَٰدَةِ وَأَدۡنَىٰٓ أَلَّا تَرۡتَابُوٓاْ إِلَّآ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً حَاضِرَةٗ تُدِيرُونَهَا بَيۡنَكُمۡ فَلَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَلَّا تَكۡتُبُوهَاۗ وَأَشۡهِدُوٓاْ إِذَا تَبَايَعۡتُمۡۚ وَلَا يُضَآرَّ كَاتِبٞ وَلَا شَهِيدٞۚ وَإِن تَفۡعَلُواْ فَإِنَّهُۥ فُسُوقُۢ بِكُمۡۗ وَاتَّقُواْ اللَّهَۖ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ﴾ [البقرة:282]


أيُّها المؤمنون، إذا تَعاملتُمْ فيما بَينكمْ بمعاملاتٍ مؤجَّلةٍ فاكتُبوها، فإنَّهُ أثبتُ وأحفَظ، كما يأتي.

وليَكنِ الكاتبُ بَينكمْ شَخصاً يَكتبُ بالقِسطِ والحقِّ على ما اتَّفقتُمْ عليه، مِنْ غَيرِ زيادةٍ ولا نُقصان.

ولا يَرفُضِ العارفُ بالكتابةِ أنْ يَكتبَ لهمْ إذا طُلبَ منهُ ذلك، فإنَّ عليهِ أنْ يَكتبَ وفاءً للعلمِ الذي علَّمَهُ الله.

وليَقُلِ المـَدينُ ما عليهِ منَ الدَّيْن ليُكْتَب، ولْيَخْشَ اللهَ في قوله، وليَصْدُقْ ما في ذمَّتهِ ولا يَنقُصْ منهُ شيئاً، وليَذكرْ شرطَهُ وأَجَلَه.

فإنْ كانَ المـَدينُ سَفيهاً لا يُحسِنُ تَدبيرَ أمورِه، أو ضَعيفاً: صَغيراً، أو مَجنوناً، أو لا يَستطيعُ أنْ يُمليَ هوَ ويُبيِّنَ مقدارَ ما عليهِ ومُلابساتِه، لِعَيبٍ خَلْقيٍّ أو جَهلٍ أو أيِّ سببٍ آخَر، فليَتحدَّثْ عنهُ وليُّ أمرهِ أو القيِّمُ عليه، بالحقِّ والعَدل.

وأشهِدوا على عَقدِكمْ هذا اثنينِ منَ الشهداءِ عَدْلَينِ يَحُوزانِ على رِضاكِما. فإذا لم يَكونا رَجُلينِ فليَكنْ رَجلاً وامرَأتين، حتَّى إذا نَسِيتْ إحداهُما ذكَّرتْها الأخرى، فإنَّ واجبَها الأُسريَّ واهتمامَها وانشغالَها بأعمالِها الخاصَّة، وبُعدَها عنْ أمورِ البيعِ والعقودِ يُنسِيها ذلك، فتُذَكِّرُها الأخرَى بملابساتِ الموضوعِ فتَذْكُر.

وإذا دُعيَ الأشهادُ إلى الشهادةِ فليَستَجيبوا.

ولا تَمَلُّوا منْ أنْ تَكتبوا مُعامَلاتِ الديونِ ومدَّةَ إيفائها، سواءٌ كانتْ قليلةً أمْ كثيرة، فالكتابةُ أعدَل، وأثبَتُ للشاهدِ إذا رَأى خطَّهُ أو توقيعَه، فإنَّهُ منَ المحتملِ أنَّهُ لو لم يَكتبْهُ لم يَذكره. وهوَ أبعدُ منْ شُبهةِ الكذبِ والادِّعاء، الذي يُفضِي إلى التنازعِ بينَ المتعاقِدَين.

وإذا كانَ البيعُ حاضراً في مجلسٍ واحد، فلا بأسَ منْ عدمِ الكتابة، لتيسيرِ العمليّاتِ التجاريَّةِ وعدمِ تَعقيدِها، معَ الإشهادِ على ذلك.

والأمرُ هنا للإرشادِ والنَّدْبِ لا الوجوب، عندَ جمهورِ العلماء.

وكذا الأمرُ بكتابةِ الدَّيْنِ -كما جاءَ في أوَّلِ الآية- أمرُ نَدْبٍ واستحبابٍ وليسَ بفَرض، عندَ أكثرِ الفقهاء، لأمورٍ وأدلَّةٍ أخرَى في الموضوع. لكنَّ الكتابةَ أفضلُ وأحسنُ وأوثق، كما مرَّ في الآيةِ الكريمة. وصاحبُ الدَّيْنِ يَحتاطُ لذلك، فإذا لم يَكتبْهُ وحَدَثَ ما لا يُحمَدُ فلا يَلومنَّ إلا نفسَه.

ولا يَضُرَّ الكاتبُ فيَكتبَ عقدَ الدَّينِ بخلافِ ما يُملَى عليه.

ولا يَضُرَّ الشاهدُ فيُدليَ في شهادتهِ بخلافِ ما رَأى أو سَمع، أو يَكتُمَها.

كما أنَّ الكاتبَ والشاهدَ لا يُجبَرانِ على الكتابةِ والشهادةِ إذا اعتَذرا، وإذا فَعلا فلا يَتعرَّضانِ للضَّررِ منْ قِبَلِ العاقدَينِ لأيِّ سببٍ منَ الأسبابِ الخلافيَّةِ بينَهما.

واخشَوا اللهَ في معاملاتِكم، واتَّبعوا أمرَهُ واستَقيموا عليه، فإنَّ اللهَ يعلِّمُكمْ أحكامَهُ المتضمِّنةَ مصالحَكم، واللهُ عالِمٌ بحقائقِ الأشياءِ ومصالِحها وعواقِبها، ولا يَخفَى عليهِ حالُكم.

﴿۞وَإِن كُنتُمۡ عَلَىٰ سَفَرٖ وَلَمۡ تَجِدُواْ كَاتِبٗا فَرِهَٰنٞ مَّقۡبُوضَةٞۖ فَإِنۡ أَمِنَ بَعۡضُكُم بَعۡضٗا فَلۡيُؤَدِّ الَّذِي اؤۡتُمِنَ أَمَٰنَتَهُۥ وَلۡيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُۥۗ وَلَا تَكۡتُمُواْ الشَّهَٰدَةَۚ وَمَن يَكۡتُمۡهَا فَإِنَّهُۥٓ ءَاثِمٞ قَلۡبُهُۥۗ وَاللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ عَلِيمٞ﴾ [البقرة:283]


وإذا كنتُمْ مسافِرينَ ولم يِكنْ هناكَ كاتبٌ يَكتبُ لكمْ عَقْدَ دَيْنِكمْ وبَيعِكم، فليَكنْ بدلَهُ رهنٌ يَقْبِضُهُ المرتِهن، وهوَ صاحِبُ الحقّ.

فإذا أَمِنَ بعضُكمْ بَعضاً ووثَقَ به ولم يَرتَهنِ الدائنُ، فليؤدِّ المَدينُ دَيْنَهُ الذي أؤتُمِنَ عليه، وليَخْشَ اللهَ في ذلكَ فلا يَنْقُصْ ولا يَزِدْ.

ولا تَكتُموا الشَّهادةَ عندَ التقاضِي، فإنَّها أمانة، ومَنْ كتَمَها فقدَ فَجَرَ وباءَ بالإثم، وكِتمانُها كتَزويرِها، فلا فرقَ بين إخفائها أو قولِها على غيرِ حَقيقَتِها.

واللهُ عليمٌ بما تُكِنُّهُ القلوب، خبيرٌ بما تُخفيه، ويَجزِي كلاًّ بما يَستَحقّ، إنْ خَيراً، أو شَرًّا.

﴿لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي الۡأَرۡضِۗ وَإِن تُبۡدُواْ مَا فِيٓ أَنفُسِكُمۡ أَوۡ تُخۡفُوهُ يُحَاسِبۡكُم بِهِ اللَّهُۖ فَيَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۗ وَاللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٌ﴾ [البقرة:284]


كلُّ ما في السَّماواتِ والأرضِ مُلكٌ لله، وهوَ سُبحانَهُ مطَّلعٌ على جميعِ ما فيها، خبيرٌ بحركاتِها وسَكناتِها، مهما خَفِيتْ وصَغُرت، عليمٌ بما في نُفوسِكمْ أيُّها البشَر، إنْ أظَهرتُموهُ أو كتَمتُموه، ويُحاسبُكمْ على كلِّ ذلك، ثمَّ يَغفرُ لمنْ شاءَ منكم، ويُعَذِّبُ مَنْ شاء، واللهُ لا يُعْجِزهُ شَيء، وهوَ قادرٌ على ما يَشاء.

وفي هذا تَخويفٌ شديد، وتَرهيبٌ مُخيف، فإنَّ المحاسبةَ على السيِّءِ منَ الأعمالِ القلبيَّةِ ليسَ في صالحِ النفسِ البشريَّةِ مهما كانتْ مُؤمِنةً صالحة، فلا يُمكِنُ الاحترازُ عنْ كثيرٍ منْ هذهِ الأعمال. وهذا الذي دفعَ الصحابةَ رضيَ اللهُ عنهمْ إلى أنْ يُراجِعوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في ذلك؛ لتَقْواهم وشِدَّةِ إيمانِهم، وقالوا له: "كُلِّفنا منَ الأعمالِ ما نُطيق، الصلاة، والصيام، والجهاد، والصدقة، وقدْ أُنْزِلتْ عليكَ هذهِ الآيةُ، ولا نُطيقُها".

فنهاهُمْ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنْ يكونوا مثلَ أهلِ الكتابِ وقولِهمْ: {سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا}، وأمرَهُمْ أنْ يَقولوا: {سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ}.

فقالوا ذلك، فنـزَلتِ الآيةُ التاليةُ ناسخةً لها، وفيها قولهُ تعالى: {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ}. فاستجابَ لهمْ ربُّهم، وقال: "قدْ فَعَلْتُ"، كما في صَحيحِ مُسلمٍ وغيرِه.

وفي الحديثِ الذي رواهُ البخاريُّ وغيرُه: "إنَّ اللهَ تجاوزَ عنْ أمَّتي ما حدَّثتْ بهِ أنفُسَها ما لم تَعملْ أو تَتكلَّم".

وفي الآيةِ تَذكيرٌ للمؤمنينَ بما يُمكنُ أنْ يُحاسَبوا عليهِ حتَّى يَزيدوا منْ معالجةِ تربيةِ أنفسِهمْ ويحافِظوا على تَزكيتِها باستِمرار، ويَطلبوا منَ اللهِ العفوَ والمغفرةَ دائماً. وفي التاليةِ بيانٌ لفضلِ اللهِ عليهمْ وتَجاوزهِ عنْ ذلك.

﴿ءَامَنَ الرَّسُولُ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مِن رَّبِّهِۦ وَالۡمُؤۡمِنُونَۚ كُلٌّ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَمَلَـٰٓئِكَتِهِۦ وَكُتُبِهِۦ وَرُسُلِهِۦ لَا نُفَرِّقُ بَيۡنَ أَحَدٖ مِّن رُّسُلِهِۦۚ وَقَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَاۖ غُفۡرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيۡكَ الۡمَصِيرُ﴾ [البقرة:285]


إنَّ الرسولَ محمّداً صلى الله عليه وسلم والمؤمِنونَ كلَّهمْ آمنوا إيماناً شَاملاً كاملاً، فآمَنوا باللهِ الواحدِ الأحَد، وآمَنوا بملائكتهِ الذينَ ذَكرَهمُ اللهُ ورسولُه، وآمَنوا بما أُنْزِلَ مِنْ كُتب، وآمَنوا بالرسُلِ جميعاً، وليسَ ببعضِهمْ كما فعلَ اليهودُ وغيرُهم، وهمْ جميعاً عبيدُ اللهِ، صادقونَ، مُوحًى إليهم.

وقالوا جَميعاً مؤمنينَ مُستَسلِمين: سَمِعنا قولَكَ يا ربَّنا وعَقَلناه، وأطَعنا ما فيهِ وامتَثلناه، فاغفرْ لنا يا ربَّنا ذنوبَنا وتَقصيرَنا، فإنَّ إليكَ مآبَنا ومرجِعَنا يومَ الحِساب، فلا مَلجأ منكَ إلاّ إليك، ولا نَجاةَ مِنْ عقابِكَ إلاّ بغُفرانِك.

﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفۡسًا إِلَّا وُسۡعَهَاۚ لَهَا مَا كَسَبَتۡ وَعَلَيۡهَا مَا اكۡتَسَبَتۡۗ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذۡنَآ إِن نَّسِينَآ أَوۡ أَخۡطَأۡنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تَحۡمِلۡ عَلَيۡنَآ إِصۡرٗا كَمَا حَمَلۡتَهُۥ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبۡلِنَاۚ رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلۡنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِۦۖ وَاعۡفُ عَنَّا وَاغۡفِرۡ لَنَا وَارۡحَمۡنَآۚ أَنتَ مَوۡلَىٰنَا فَانصُرۡنَا عَلَى الۡقَوۡمِ الۡكَٰفِرِينَ﴾ [البقرة:286]


لا يُكلِّفُ اللهُ نفساً فوقَ طاقتِها، فلا يُؤمَرُ أحدٌ بأمرٍ لا يَقدِرُ عليه، فلها ثَوابُ ما عَمِلتْ منْ خَير، وعليها عقوبةُ ما اكتسَبتْ مِنْ شَرّ.

وقالوا: ربَّنا سامِحنا واعفُ عنّا إذا ترَكنا أمراً أو ارتَكبنا مَحظوراً نِسياناً لا عنْ قَصد، أو سهَونا عنِ الصَّوابَ في العَملِ وجَهِلناه.

وفي الحديثِ الصحيحِ الذي مرَّ أنَّ اللهَ استجابَ دعاءَ عبادهِ المؤمنينَ في ذلكَ وقال: "نعم".

وقالوا: ربَّنا ولا تُكَلِّفنا أعمالًا شاقَّةً كما كلَّفْتَ بهِ أمماً ماضِية، مثلَ بني إسْرائيل، الذين كانوا يَعْصُونَ المرَّةَ تِلْوَ الأخرَى، فيُعاقبُهمُ اللهُ بمزيدٍ منَ التكاليف.

ودَعَوا فقالوا: واعفُ عنّا يا ربَّنا تَقصيرَنا وزَلَلنا، واغفرْ لنا ما اقترَفنا منْ ذنوبٍ وسيِّئات، فإنَّهُ لا يَغفِرُها إلا أنت، وارحَمنا برحمتِكَ الواسعة، وتوَلَّنا بحفظِكَ ورِعايتِك، فأنتَ وليُّنا وناصِرُنا، نَستَعينُ بكَ ولا نتوكَّلُ إلاّ عليك، واكتبْ لنا التأييدَ والنصرَ على هؤلاءِ الكافِرينَ الذينَ جَحدوا دينَك، وأنكرُوا وحدانيَّتَك، وكفَروا برسالةِ نبيِّك، وأشرَكوا في عبادتِك، فانصُرنا وأنتَ خَيرُ الناصِرين.

فاستجابَ اللهُ لهم.

والآيتانِ الأخيرتانِ منْ هذه السورةِ العظيمةِ فيهما خيرٌ كثيرٌ لمنْ قرأهما، وفي فضلِهما أحاديث، منها قولهُ صلى الله عليهِ وسلم: "مَنْ قرأ بالآيتَيْنِ مِنْ آخرِ سورةِ البقرةِ في ليلةٍ كَفَتاه". رواهُ الشيخانِ وغيرُهما.

يَعني كَفَتاهُ عنْ قيامِ تلكَ الليلة، أو كَفَتاهُ المكرُوه... وذلكَ لِما فيهما منِ اعتقادٍ شامِل، ومنْ الثَّناءِ على الصَّحابةِ بجميلِ انقيادِهم إلى الله، وابتهالِهم، ورجوعِهم إليه، وما حصلَ لهمْ من الإجابةِ إلى مطلوبِه...

مِنْ فضائلِ هذه السُّورَةِ العَظيمَة، قَولُهُ صلى الله عليه وسلم: "إنَّ الشَّيطانَ يَنْفِرُ مِنَ البَيتِ الذي تُقرَأُ فيهِ سُورَةُ البقَرَة". رواهُ مسلمٌ وغَيرُه.