تفسير سورة البقرة

  1. سور القرآن الكريم
  2. البقرة
2

﴿الٓمٓ﴾ [البقرة:1]


حروفٌ مُقَطَّعَةٌ افتتحَ اللهُ تعالى بها سوراً مِنْ كتابهِ الكريم، لم يَرِدْ في شأنِها حديثٌ صحيح، ولم يتَّفقِ المفسِّرونَ على مَعناها، ولذلكَ لم أُفَسِّرْها في جَميعِ مَواضِعِها، وهيَ ممّا استأثرَ اللهُ بعلمِه.

﴿ذَٰلِكَ الۡكِتَٰبُ لَا رَيۡبَۛ فِيهِۛ هُدٗى لِّلۡمُتَّقِينَ﴾ [البقرة:2]


هذا القُرآنُ لا شكَّ أنه نَزَلَ مِنْ عِنْدِ الله، وهوَ نورٌ وتِبْيانٌ للمتَّقين، الذين يَعملونَ بطاعةِ اللهِ ويَحْذَرُونَ عُقوبتَه، ويَرْجونَ رحمتَهُ بالتصديقِ بما جاءَ فيه.

﴿الَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِالۡغَيۡبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَوٰةَ وَمِمَّا رَزَقۡنَٰهُمۡ يُنفِقُونَ﴾ [البقرة:3]


الذينَ يُؤمنونَ بالله، وملائكتِه، وكُتُبِه، ورُسُلِه، واليومِ الآخِرِ وما فيه، وما ذُكرَ في القرآن.

ويُقِيمونَ الصلواتِ المفروضةَ عليهمْ في مواقيتِها، وبأركانِها وشُروطِها.

ويُؤَدُّونَ زكاةَ أموالِهمْ للفُقَراءِ والمُحتاجينَ كما افْترَضَهُ اللهُ عليهم.

﴿وَالَّذِينَ يُؤۡمِنُونَ بِمَآ أُنزِلَ إِلَيۡكَ وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبۡلِكَ وَبِالۡأٓخِرَةِ هُمۡ يُوقِنُونَ﴾ [البقرة:4]


والذين يُصدِّقونَ بما جِئْتَ بهِ منَ عندِ اللهِ أيُّها النبيُّ، وبما جاءَ بهِ مَنْ قَبْلَكَ مِنَ المرسَلين، لا يُفَرِّقون بينَهم، ولا يَجحَدونَ بما جاؤوا بهِ منْ ربِّهم.

ويصدِّقونَ بالبعث، والحِسابِ والجَزاء، والجنَّةِ، والنَّار.

﴿أُوْلَـٰٓئِكَ عَلَىٰ هُدٗى مِّن رَّبِّهِمۡۖ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الۡمُفۡلِحُونَ﴾ [البقرة:5]


هؤلاءِ الذين آمنوا بالغيبِ، وأقامُوا الصلاةَ، وأدَّوُا الزكاةَ، وآمَنوا بما أُنْزِلَ إليكَ وما أُنزِلَ إلى مَنْ قَبلِكَ مِنَ الرُّسُل، وأَيقَنُوا بيومِ القيامة، هؤلاءِ على نورٍ وبصيرةٍ مِنَ الله، وعلى استقامةٍ وسَداد، وهمُ الفائزونَ الذينَ أدرَكوا ما طلبوهُ بإيمانِهم وعملِهم، وفازوا بالثوابِ والخلودِ في الجِنان، ونَجَوْا منَ العقابِ برحمةِ ربِّهم.

﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَآءٌ عَلَيۡهِمۡ ءَأَنذَرۡتَهُمۡ أَمۡ لَمۡ تُنذِرۡهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ﴾ [البقرة:6]


والذينَ كفَروا بما أُنزِلَ إليكَ لا يُؤمِنونَ ما دامُوا مُصرِّينَ على مَوْقِفِهم، وسواءٌ عَليهم إنذارُكَ وعدمُه، فإنهمْ لا يَسمَعونَ منكَ إنذارًا ولا تحذيرًا.

﴿خَتَمَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمۡ وَعَلَىٰ سَمۡعِهِمۡۖ وَعَلَىٰٓ أَبۡصَٰرِهِمۡ غِشَٰوَةٞۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ عَظِيمٞ﴾ [البقرة:7]


لقدْ طَبَعَ اللهُ على قلوبِهمْ وعلى سَمْعِهم، وصارَ على أبصارِهمْ غِطاءٌ؛ نتيجةَ هذا الموقفِ الخطأِ منهم، ولا مُبالاتِهمْ بالإنذار، فكثُرَتْ ذنوبُهمْ وتَتابَعَتْ حتَّى أَغلقَتْ مَنَافِذَ الفَهْمِ والتَّبَصُّرِ عندَهم، فلا مَسْلَكَ للإيمانِ إليها، ولا للكفرِ عنها مخلَصٌ، وجزاءُ الكُفْرِ العنيدِ، وعدمِ الاستجابةِ للنذيرِ، هوَ العَذابُ العظيم.

﴿وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ءَامَنَّا بِاللَّهِ وَبِالۡيَوۡمِ الۡأٓخِرِ وَمَا هُم بِمُؤۡمِنِينَ﴾ [البقرة:8]


وهناكَ مِنَ النَّاسِ منافقونَ، يُظهرونَ الإيمانَ ويُبْطِنُون الكُفْرَ، ويُبْدُونَ الخيرَ ويُسِرُّون الشرَّ، ويَقولون: إنَّهمْ يؤمنونَ باللهِ وبيومِ الجزاء، ولكنَّهم في الحقيقةِ غيرُ مؤمنين.

﴿يُخَٰدِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَمَا يَخۡدَعُونَ إِلَّآ أَنفُسَهُمۡ وَمَا يَشۡعُرُونَ﴾ [البقرة:9]


ويَعتقِدونَ - بجَهلهمْ - أنَّهمْ يَخدعونَ اللهَ بذلك، وأنَّ أُسلوبَهمْ هذا يَنْفَعُهُمْ عندَه، وأنه يَرُوجُ عليهِ كما يَرُوجُ على بعضِ المؤمنين، ولكنَّهم بِصَنِيعِهمْ هذا لا يَضُرُّون إلا أنفسَهم، ولا يسيؤونَ إلاّ إلى أنفسِهم، فيَسخَطُ عَليهمْ ربُّهمْ وهمْ غيرُ شاعرينَ بذلك، فهمْ على عمًى مِنْ أمرِهمْ مُقيمُون.

﴿فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٞ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضٗاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمُۢ بِمَا كَانُواْ يَكۡذِبُونَ﴾ [البقرة:10]


في قلوبِهمْ عِلَّةٌ جعلَتْهُمْ يَحِيدونَ عنِ الحقِّ ويُصِرُّونَ عَلى مَوقفِهم، فزادَهمُ اللهُ بذلكَ عِلَّةً؛ فإنَّ الانحرافَ يَكْبُر، والمرضَ يزدادُ معَ الإصرار، فَشَكُّوا ولم يحاولوا الإيمان، فزادَهمُ اللهُ شَكًّا، كما أنَّ الذينَ {اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى} [سورة محمد: 17]. فاستحقَّ المنافقونَ بذلكَ العِقابَ القاسِي، وذلك لكَذِبِهم، وهوَ مَوْقِفُهمُ المناقضُ للحقِّ، والكَذِبُ أَحَدُ أبوابِ النفاق، وما أَسْرَعَهُ في إفسادِ القلب!

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ لَا تُفۡسِدُواْ فِي الۡأَرۡضِ قَالُوٓاْ إِنَّمَا نَحۡنُ مُصۡلِحُونَ﴾ [البقرة:11]


وإذا طُلِبَ منهمْ عَدَمُ الكُفْرِ، وعَدَمُ العصيانِ؛ لأنَّ ذلكَ يُؤَدِّي إلى الإفسادِ في الأرضِ، والطاعةَ تُؤَدِّي إلى الإصلاحِ، قالوا في سَفَهٍ وتبجُّحٍ: إِنَّهم يُريدونَ بذلكَ الإصلاحَ! وأمثالُ هؤلاءِ كُثُر، ممنِ اختَلَّتْ موازينُ الحقِّ عندَهم؛ لاختلالِ عقيدتِهم.

﴿أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ الۡمُفۡسِدُونَ وَلَٰكِن لَّا يَشۡعُرُونَ﴾ [البقرة:12]


والحقُّ أنَّ هذا الذي يَعتمدونَهُ في منهجِهم، وَيزعُمُونَ أنَّهُ إصلاحٌ، هوَ عينُ الفسادِ، ولكنْ مِنْ جهلِهمْ لا يَشعُرونَ بكَوْنِهِ فَسَادًا.

﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمۡ ءَامِنُواْ كَمَآ ءَامَنَ النَّاسُ قَالُوٓاْ أَنُؤۡمِنُ كَمَآ ءَامَنَ السُّفَهَآءُۗ أَلَآ إِنَّهُمۡ هُمُ السُّفَهَآءُ وَلَٰكِن لَّا يَعۡلَمُونَ﴾ [البقرة:13]


وإذا قِيلَ للمنافقينَ آمِنُوا بالإسلامِ كما آمَنَ الناسُ، إيمانًا كاملاً لا شكَّ فيه، وأطيعوا اللهَ وامتَثِلوا أوامرَ رسولِهِ كما يَفعلون؛ أَنِفُوا منَ الاستسلامِ للحقِّ، وقالوا في غُرورٍ وبَلَه: أَنُؤْمِنُ كما آمَنَ هؤلاءِ السفهاءُ - يَعْنُون الصحابةَ رَضِيَ اللهُ عنهم- وَنَصِيرُ وَهُمْ بمنزلةٍ واحِدة؟!

لكنَّ الحقَّ أنَّهمْ همُ الجهلاءُ، فهمْ ضَعيفو الرأيِ وقَليلو المعرفةِ بمواضعِ المصالحِ والمضارِّ، ومِنْ تَمامِ جهلِهمْ أنَّهمْ لا يَعلمونَ بحالِهمْ في الضلالةِ والجَهل، وهذا أَرْدَى وأبلغُ في السَّفَهِ والعَمَى!

﴿وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ ءَامَنُواْ قَالُوٓاْ ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوۡاْ إِلَىٰ شَيَٰطِينِهِمۡ قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ﴾ [البقرة:14]


وإذا لَقِيَ المنافقونَ المؤمنينَ أظهروا لهمُ الإيمانَ والمُوالاة، وأَبْدَوْا لهمُ المُحاباةَ والمُصافاة، نِفاقًا ومُصانعة؛ ليتَّقوا بذلكَ أذًى يُصيبُهمْ مِنهم، وليتَّخِذوا هذهِ التَّقيَّةَ وسيلةً لكي يُؤذُوهم، وليُشارِكوهمْ فيما يُصيبونَهُ مِنْ مَغنم.

وإذا انصَرفوا إلى رؤسائهمْ وسَادتِهم، منْ أحبارِ اليهودِ ورؤوسِ المشركينَ وكُبَرَاءِ المنافقين، قالوا لهم: نحنُ مَعكم، إنَّما كنَّا نَسْخَرُ بالمؤمنين!

﴿اللَّهُ يَسۡتَهۡزِئُ بِهِمۡ وَيَمُدُّهُمۡ فِي طُغۡيَٰنِهِمۡ يَعۡمَهُونَ﴾ [البقرة:15]


وما داموا اختاروا طريقَ الخِداعِ والتآمُر، والتهكُّمِ والاستهزاء، فإنَّ اللهَ لهمْ بالمرصادِ، وسيَعلمونَ غدًا أنَّ الهُزْءَ والمَكْرَ قدْ حاقَ بهمْ {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ} [سورة النساء:42]، فسوفَ يَسخرُ اللهُ بهم بالانتقامِ منهم، ويدَعُهمْ يَخْبِطُون في طريقٍ لا يَعرِفونَ نهايتَه، ولا يجدونَ سبيلاً إلى الخروجِ منه، فقدْ طَبَعَ اللهُ على قلوبِهم، وأعمَى أبصارَهُم، نتيجةَ أعمالِهمْ ومَواقِفِهمُ السيِّئة.

والمَكْرُ والخِداعُ والسُّخريةُ على وجهِ اللَّعبِ مُنتَفٍ عنِ اللهِ عزَّ وجلَّ بالإجماع، وأمّا معَ وجهِ الانتقامِ والمقابَلَةِ بالعدلِ والمجازاةِ، فلا يمتَنعُ ذلك، كما قال ابنُ جَريرٍ الطبريُّ.

﴿أُوْلَـٰٓئِكَ الَّذِينَ اشۡتَرَوُاْ الضَّلَٰلَةَ بِالۡهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَٰرَتُهُمۡ وَمَا كَانُواْ مُهۡتَدِينَ﴾ [البقرة:16]


إنَّهمْ عَدَلُوا عنِ الهُدى إلى الضَّلال، وآثَرُوا الكُفْرَ على الإيمانِ الصَّريح، في تجارةٍ خاسرةٍ منْ جميعِ الوجوهِ، فما رَبِحَتْ صَفقتُهمْ هذه، وما كانوا راشدينَ في صنيعِهمْ هذا.

﴿مَثَلُهُمۡ كَمَثَلِ الَّذِي اسۡتَوۡقَدَ نَارٗا فَلَمَّآ أَضَآءَتۡ مَا حَوۡلَهُۥ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمۡ وَتَرَكَهُمۡ فِي ظُلُمَٰتٖ لَّا يُبۡصِرُونَ﴾ [البقرة:17]


ومَثَلُ هؤلاءِ الذينَ عَدَلوا عنِ الهُدَى إلى الضَّلال، وآثَرُوا العَمَى على التبصُّر، كمَثَلِ رجلٍ أوقَدَ نارًا في ليلٍ مُدْلَهِمٍّ، فَلَمَّا أضاءتِ النارُ ما حولَها وانتفعَ بها مُوقِدُها، وأبصرَ بها ما حولَهُ واستأنسَ بها، إذا بها طُفِئَتْ، فصارَ في ظلامِ شديدٍ، لا يُبصرُ ولا يَهتدي!.

والمنافقونَ كذلك، رَأَوْا نورَ الإسلامِ فآمَنوا، ثم انقَلبوا على وجوهِهمْ يَخْبِطُونَ حائرين، مُؤثِرينَ الضلالَ على الهُدَى بعدَما تَبيَّنوه. {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَفْقَهُونَ} [سورة المنافقون:3].

فكانَ جزاؤُهمْ أنْ أذهبَ اللهُ عنهمْ ما يَنفعُهم، وهوَ النور، وأبقَى لهمْ ما يَضرُّهم، وهوَ الإحراقُ والدُّخَان، وترَكهمْ في ظُلُماتِ الشكِّ والكُفْرِ والنِّفاق، لا يَهتدونَ إلى سَبيلِ الخير.

﴿صُمُّۢ بُكۡمٌ عُمۡيٞ فَهُمۡ لَا يَرۡجِعُونَ﴾ [البقرة:18]


لقدْ عَطَّلوا وظائفَ آذانِهمْ وألسنتِهمْ وعيونِهم؛ فلا يسمعونَ خيرًا، ولا يَتكلَّمونَ بما يَنفعُهم، ولا يَرَوْنَ الحقَّ، فكيف يَهتدون، وأنَّى يَستجيبونَ للهُدَى والنور؟

﴿أَوۡ كَصَيِّبٖ مِّنَ السَّمَآءِ فِيهِ ظُلُمَٰتٞ وَرَعۡدٞ وَبَرۡقٞ يَجۡعَلُونَ أَصَٰبِعَهُمۡ فِيٓ ءَاذَانِهِم مِّنَ الصَّوَٰعِقِ حَذَرَ الۡمَوۡتِۚ وَاللَّهُ مُحِيطُۢ بِالۡكَٰفِرِينَ﴾ [البقرة:19]


وحالُ هؤلاءِ أيضًا في شكِّهِمْ وكفرِهمْ وتَردُّدِهم، كمَثَل مَطَرٍ هَطلَ مِنَ السماءِ في ليلٍ مُظلِم، فيه رَعْدٌ قَوِيٌّ مُخِيف، وبَرْقٌ يُضِيءُ في لَمَعانٍ شديد، فصاروا يَجعلونَ أصابعَهمْ في آذانِهم حَذَرًا مِنْ أنْ يُصيبَهمْ شيءٌ منْ آثارِها فيموتوا، وهوَ لا يُجدِي عنهمْ حذَرًا، فاللهُ محيطٌ بهمْ بقُدرتِه، وهمْ تحتَ مشيئتِهِ وإرادتِه.

وتشبيهُ أوجُهِ المَثَلِ: حالُ الظُّلُماتِ هي الشكوكُ، والكفرُ، والنِّفاقُ.

والرعْدُ هو ما يُزعجُ القلوبَ منَ الخوفِ، فإنَّ شأنَ المنافقين الخوفُ الشديدُ والفزَعُ.

وَالْبَرْقُ هو ما يَلمَعُ في قُلُوبِ هَذَا القِسْمِ مِنَ المنافقينَ في بعضِ الأحيانِ مِن نُورِ الإيمان.

﴿يَكَادُ الۡبَرۡقُ يَخۡطَفُ أَبۡصَٰرَهُمۡۖ كُلَّمَآ أَضَآءَ لَهُم مَّشَوۡاْ فِيهِ وَإِذَآ أَظۡلَمَ عَلَيۡهِمۡ قَامُواْۚ وَلَوۡ شَآءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمۡعِهِمۡ وَأَبۡصَٰرِهِمۡۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ﴾ [البقرة:20]


ويكادُ هذا البَرقُ لِشِدَّتِهِ وقوَّتِهِ أنْ يَسْتَلِبَ أبصارَهم؛ فإذا أضاءَ لهم مَشَوْا فيه، وإذا أظلمَ عليهمْ وقَفوا حائرينَ لا يَدْرونَ أينَ يَذهبون.

والبَرقُ كِنايةٌ عنْ شِدَّةِ ضَوْءِ الحقِّ، وأنَّهم إذا ظَهَرَ لهمْ مِنَ الإيمانِ شيءٌ استأنَسوا بهِ واتَّبَعوه، وتارةً تَعْرِضُ لهمُ الشُّكُوكُ فتُظلِمُ قُلوبُهمْ ويَبقَوْنَ حائرين!

ولو شاءَ اللهُ لأخذَ سَمْعَ المنافقينَ وأبصارَهم، لأنَّهمْ ترَكوا الحقَّ بعدَ معرفتِه، وهو إذا أرادَ بعبادِهِ نِقْمةً كانَ قادرًا على إنفاذِها.

وهذا تحذيرٌ للمنافقينَ من بأسِ اللهِ وسَطوَتِه، وأنَّهُ بهمْ مُحيط.