﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُواْ مَآ أَنزَلَ اللَّهُ قَالُواْ بَلۡ نَتَّبِعُ مَا وَجَدۡنَا عَلَيۡهِ ءَابَآءَنَآۚ أَوَلَوۡ كَانَ الشَّيۡطَٰنُ يَدۡعُوهُمۡ إِلَىٰ عَذَابِ السَّعِيرِ﴾ [لقمان :21]
وإذا قيلَ للمُشرِكينَ المُجادِلين: تعالَوا واتَّبِعوا ما أنزلَ اللهُ على رَسولِهِ مِنَ الحَقِّ والتَّوحيدِ والشَّرعِ الحَنيف، قالوا في جَهلٍ وعِناد: بلْ نتَّبِعُ الأمرَ الذي وجَدنا آباءَنا وأجدادَنا عَليه، فنَعبدُ ما كانوا يَعبدُون، ونُقَلِّدُهمْ فيما كانوا يَفعَلون! أوَلو كانَ الشَّيطانُ يَدعُوهمْ إلى الشِّركِ والضَّلالِ الذي يؤَدِّي بهمْ إلى النَّارِ المُستَعِرَة، فهلْ يَتَّبِعونَ آباءَهمْ ولو كانُوا كذلك؟
﴿۞وَمَن يُسۡلِمۡ وَجۡهَهُۥٓ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحۡسِنٞ فَقَدِ اسۡتَمۡسَكَ بِالۡعُرۡوَةِ الۡوُثۡقَىٰۗ وَإِلَى اللَّهِ عَٰقِبَةُ الۡأُمُورِ﴾ [لقمان :22]
ومَنِ انقادَ لأمرِ الله، وفوَّضَ إليهِ أمرَه، وأخلَصَ لهُ الطَّاعَة، وأحسَنَ في عمَلِه، فقدْ تعلَّقَ بأوثَقِ ما يُتعَلَّقُ بهِ مِنَ الأسبَاب، واعتصَمَ بما لا يُخافُ انقِطاعُه، وإلى اللهِ وحدَهُ تَصيرُ الأمُور، ليُجازيَ كُلاًّ بما يَستَحِقّ.
﴿وَمَن كَفَرَ فَلَا يَحۡزُنكَ كُفۡرُهُۥٓۚ إِلَيۡنَا مَرۡجِعُهُمۡ فَنُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوٓاْۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمُۢ بِذَاتِ الصُّدُورِ﴾ [لقمان :23]
ومَنْ كفرَ مِنْ هؤلاءِ بنُبوَّتِكَ فلا تَحزَنْ عَليهم، فإلَينا مَرجِعُهمْ يَومَ القِيامَة، ونَفتَحُ لهمْ صحَائفَ أعمالِهم، لِنُرِيَهمْ جَميعَ ما عَمِلوهُ مِنَ الكُفرِ والمَعاصي في الدُّنيا ونُحاسِبَهمْ عَليه، ولا يَخفَى على اللهِ شَيءٌ ممَّا أخفَوهُ في صُدورِهم، فَضلاً عمَّا أظهَروهُ في مَقالِهمْ وفَعالِهم.
﴿نُمَتِّعُهُمۡ قَلِيلٗا ثُمَّ نَضۡطَرُّهُمۡ إِلَىٰ عَذَابٍ غَلِيظٖ﴾ [لقمان :24]
نُنعِمُ عَليهمْ زَمانًا قَليلاً في الحيَاةِ الدُّنيا ونُمهِلُهم، ليَستَمتِعوا بما يَشاؤونَ إلى انقِضاءِ آجالِهم، ثمَّ نُلجِئُهمْ يَومَ القيامَةِ إلى عَذابٍ شَديدٍ شاقٍّ لا يَنفَكُّ عَنهم.
﴿وَلَئِن سَأَلۡتَهُم مَّنۡ خَلَقَ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُۚ قُلِ الۡحَمۡدُ لِلَّهِۚ بَلۡ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ﴾ [لقمان :25]
وإذا سألتَ المشرِكين: مَنِ الذي خلقَ هذهِ السَّماواتِ والأرْضَ وما فيهِما؟ فسيَعتَرِفونَ ويَقولون: إنَّهُ الله، فقُل: الحَمدُ للهِ على اعتِرافِهمْ بذلك، وإلزامِهمْ بما يُوجِبُ بُطلانَ ما هُمْ عَليهِ مِنْ باطِلٍ وشِرك، وأكثَرُهمْ لا يَعلَمونَ وُجوبَ مَعرِفَةِ العَقيدَةِ الصَّحيحَةِ عَليهم، فهمْ جاهِلونَ غَيرُ مُكتَرِثين.
﴿لِلَّهِ مَا فِي السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِۚ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الۡغَنِيُّ الۡحَمِيدُ﴾ [لقمان :26]
للهِ كُلُّ ما في السَّماواتِ والأرْض، خَلقًا، ومُلكًا، وتَدبيرًا، فالعِبادَةُ لهُ وَحدَه، لا لأحَدٍ مِنْ خَلقِه، وهوَ الغَنيُّ عنهمْ جَميعًا، المَحمودُ في الأمُورِ كُلِّها.
﴿وَلَوۡ أَنَّمَا فِي الۡأَرۡضِ مِن شَجَرَةٍ أَقۡلَٰمٞ وَالۡبَحۡرُ يَمُدُّهُۥ مِنۢ بَعۡدِهِۦ سَبۡعَةُ أَبۡحُرٖ مَّا نَفِدَتۡ كَلِمَٰتُ اللَّهِۚ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٞ﴾ [لقمان :27]
ولو أنَّ جَميعَ الأشجَارِ التي في الأرْضِ بُرِيَتْ وجُعِلَتْ أقلامًا، وجُعِلَ البَحرُ مِدادًا، يَمُدُّ هذهِ الأقلامَ بهِ كُلَّما انتهَى مِدادُها، ومُدَّ هذا البَحرُ بسَبعَةِ أبحُرٍ أُخرَى بعدَ انتِهائه، وكُتِبَ بها كَلامُ الله، لَمَا نَفِدَ كلامُهُ سُبحانَه، لعدَمِ تَناهيه، واللهُ عَزيزٌ لا يُعجِزُهُ شَيء، قدْ غلبَ كُلَّ شَيءٍ وقهَرَه، حَكيمٌ في حُكمِهِ وأمرِهِ وجَميعِ شُؤونِه.
والمُرادُ بالسَّبعَةِ الكَثرَةُ والمُبالَغَة، لا الحَصر.
﴿مَّا خَلۡقُكُمۡ وَلَا بَعۡثُكُمۡ إِلَّا كَنَفۡسٖ وَٰحِدَةٍۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعُۢ بَصِيرٌ﴾ [لقمان :28]
ما خَلقُكمْ جَميعًا أيُّها النَّاس، ولا بَعثُكمْ بعدَ المَوت، إلاّ كخَلقِ وبَعثِ نَفسٍ واحِدَة، فالكُلُّ عَلى اللهِ سَهلٌ يَسير، ولا يتعَذَّرُ عَليهِ شَيء، وأمرُهُ سُبحانَهُ لا يَحتاجُ إلى تأكيدٍ وتِكرار، إنَّما يَقولُ للشَّيء، أو الأشياء: كُنْ، فيَكون. واللهُ يَسمَعُ جَميعَ أقوالِكم، بَصيرٌ بأعمالِكمْ كُلِّها.
﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ الَّيۡلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي الَّيۡلِ وَسَخَّرَ الشَّمۡسَ وَالۡقَمَرَۖ كُلّٞ يَجۡرِيٓ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ خَبِيرٞ﴾ [لقمان :29]
ألَا تُشاهِدُ كيفَ أنَّ اللهَ بقُدرَتِهِ يُدخِلُ اللَّيلَ في النَّهارِ شَيئًا فشَيئًا، ويُدخِلُ النَّهارَ في اللَّيلِ كذلك، بميزانٍ ودِقَّةٍ مُتناهيَة، وسَخَّرَ الشَّمسَ والقمرَ فجعلَهُما مُذَلَّلَينِ طائعَينِ لِمَا يُرادُ منهما في خِدمَةِ الإنسَان، وهُما يَجرِيانِ إلى حَدٍّ مُعَيَّن، وإلى وَقتٍ مُحَدَّد، ليتكوَّنَ مِنْ حرَكاتِهما اللَّيلُ والنَّهار، والشَّهرُ والسَّنَة... إنَّهُما مِنْ صُنعِ اللهُ الخالِقِ المُدَبِّر، الذي أحاطَ عِلمُهُ بجَميعِ ما تَعمَلون، ظاهِرِهِ وخَفيِّه.
﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الۡحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدۡعُونَ مِن دُونِهِ الۡبَٰطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الۡعَلِيُّ الۡكَبِيرُ﴾ [لقمان :30]
ذكرَ اللهُ تلكَ الآياتِ وبيَّنها لكم، لتَستَدِلُّوا بها على أنَّهُ الإلهُ الحقّ، وأنَّ ما يَعبدُهُ المشرِكونَ مِنْ دُونِهِ باطِلٌ مَعدومةٌ أُلوهيَّتُه، وأنَّ اللهَ هوَ العَليُّ على الأشيَاءِ فلا أعلَى منه، الكبيرُ الذي لا أكبَرَ منه، فكُلُّ شَيءٍ حَقيرٌ بالنسبَةِ إليه، جَلَّ جلالُه، وعَظُمَتْ قُدرَتُه.
﴿أَلَمۡ تَرَ أَنَّ الۡفُلۡكَ تَجۡرِي فِي الۡبَحۡرِ بِنِعۡمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُم مِّنۡ ءَايَٰتِهِۦٓۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَأٓيَٰتٖ لِّكُلِّ صَبَّارٖ شَكُورٖ﴾ [لقمان :31]
ألمْ تَنظُرْ كيفَ تَجرِي السُّفُنُ والبَواخِرُ والأسَاطيلُ في البَحرِ بتَسخيرِ الله، فجَعلَ فيهِ مَوازينَ لتَطفوَ عليهِ بالرَّغمِ مِنْ ثِقْلِها، ليُريَكمْ دَلائلَ ألوهيَّتِهِ وقُدرَتِه؟ وفي تَسخيرِ البَحرِ لكمْ ولُطفِهِ بكمْ لتَجريَ فيهِ السُّفُنُ مُحمَّلةً بالأطعِمَةِ وعُروضِ الأموَالِ ومَوادِّ التِّجارة، آياتٌ وعِبَرٌ لمَنْ كانَ كثيرَ الصَّبرِ على الشدَّةِ والضرَّاء، كثيرَ الشُّكرِ لرَبِّهِ وهوَ في النَّعيمِ والرَّخاء.
﴿وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوۡجٞ كَالظُّلَلِ دَعَوُاْ اللَّهَ مُخۡلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّىٰهُمۡ إِلَى الۡبَرِّ فَمِنۡهُم مُّقۡتَصِدٞۚ وَمَا يَجۡحَدُ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَّا كُلُّ خَتَّارٖ كَفُورٖ﴾ [لقمان :32]
وإذا عَلاهُمْ مَوجٌ مِنْ أموَاجِ البَحرِ كالجِبالِ والسَّحابِ في عِظَمِه، خافُوا والتَجَؤوا إلى اللهِ يَدعُونَهُ بإخلاص، ولم يُشرِكوا بهِ شَيئًا مِنَ الأوثانِ وغَيرِها، فلمَّا أنقذَهُمْ مِنَ الكَربِ وخلَّصَهمْ مِنَ الغرَقِ إلى حَيثُ السَّلامَةُ والأمَان، فمنهمْ مَنْ توسَّطَ واعتدَلَ فسلَكَ الطَّريقَ المستَقيم، ومنهمْ مَنْ أشرَكَ وكفرَ بنِعمَتِنا عليه، وما يَكفرُ بآياتِنا إلاّ كُلُّ خَائنٍ غادِر، جَحودٍ للنِّعَم.
﴿يَـٰٓأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمۡ وَاخۡشَوۡاْ يَوۡمٗا لَّا يَجۡزِي وَالِدٌ عَن وَلَدِهِۦ وَلَا مَوۡلُودٌ هُوَ جَازٍ عَن وَالِدِهِۦ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ وَعۡدَ اللَّهِ حَقّٞۖ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الۡحَيَوٰةُ الدُّنۡيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُم بِاللَّهِ الۡغَرُورُ﴾ [لقمان :33]
أيُّها النَّاس، أَطيعوا ربَّكمْ ولا تُخالِفوا أمرَه، واخشَوا يَومَ القِيامَةِ فإنَّهُ يَومٌ عَظيم، والحِسابُ فيهِ شَديد، يَومَ لا يُغني والِدٌ عنْ ولَدِهِ ولا يَنفَعهُ شَيئًا، ولا يُغني ولَدٌ عنْ والدِهِ ولا يُقبَلُ أنْ يَفدِيَهُ بشَيء، إنَّ المَعادَ حَقّ، والثَّوابَ والعِقابَ على الأعمَالِ حَقّ، فلا تُلهيَنَّكمُ الدُّنيا بلذَّاتِها وشَهواتِها عنْ طاعَةِ الله، ولا يَخدَعَنَّكمُ الشَّيطانُ فيَحمِلَكمْ على العمَلِ بالمَعاصي بتَزيينِها في نفُوسِكم.
﴿إِنَّ اللَّهَ عِندَهُۥ عِلۡمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الۡغَيۡثَ وَيَعۡلَمُ مَا فِي الۡأَرۡحَامِۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسٞ مَّاذَا تَكۡسِبُ غَدٗاۖ وَمَا تَدۡرِي نَفۡسُۢ بِأَيِّ أَرۡضٖ تَمُوتُۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرُۢ﴾ [لقمان :34]
إنَّ اللهَ استأثرَ بمَعرِفَةِ وَقتِ قيامِ الساعَة، لا يَعلَمُ ذلكَ أحَدٌ غيرُه، لا نبيٌّ مُرسَلٌ ولا ملَكٌ مُقَرَّب.
وهوَ الذي يَعلَمُ زَمانَ نُزولِ المطَرِ ومَكانَهُ ومِقدارَه.
ويَعلَمُ ما في الأرحام: أذَكَرٌ هوَ أمْ أُنثَى، تامٌّ أمْ ناقِص، وعُمرَهُ ورِزقَه، وما يَكونُ شَأنُهُ منذُ كَونِهِ نُطفَة، وعِلمُهُ شامِلٌ لكُلِّ أَجِنَّةِ الكائناتِ الحيَّة، وعِلمُهُ بها قَديمٌ قَبلَ الخَلق.
ولا تَدري نَفسٌ ما الذي تَجنيهِ وتَستَفيدُهُ في المُستَقبَل، مِنْ خَيرٍ وشَرّ.
ولا تَدري نَفس، بَرَّةٌ أو فاجِرَة، في أيِّ مَكانٍ ستَموت.
إنَّ الذي يَعلَمُ ذلكَ كُلَّهُ في زَمانِهِ ومَكانِه، هوَ اللهُ وحدَه، إنَّهُ عَليمٌ بكُلِّ الأشيَاء، وخَبيرٌ بتفاصيلِها جَميعًا، ظوَاهرِها وبَواطنِها، وما يُحيطُ بها.