تفسير سورة الزمر

  1. سور القرآن الكريم
  2. الزمر
39

﴿وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوۡاْ بِمَفَازَتِهِمۡ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوٓءُ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾ [الزمر:61]


أمَّا المؤمِنونَ الذينَ أخلَصوا الطَّاعَةِ لرَبِّهم، وتَجنَّبوا مُخالفَةَ أمرِه، فإنَّ اللهَ يُنَجِّيهمْ مِنَ النَّار، لكونِهمْ مِنَ الفائزينَ الغانِمين، لا يُصيبُهمْ مَكروه، ولا يَكونونَ في هَمٍّ وغَمّ، بلْ همْ آمِنونَ سالِمون.

﴿اللَّهُ خَٰلِقُ كُلِّ شَيۡءٖۖ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ وَكِيلٞ﴾ [الزمر:62]


واللهُ خالِقُ كُلِّ شَيءٍ في هذا الكَون، وهوَ مالِكُهُ والمُتصَرِّفُ فيه، وهوَ القائمُ بحِفظِه، وكُلُّ شَيءٍ فيهِ مَوكولٌ إليه.

﴿لَّهُۥ مَقَالِيدُ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِۗ وَالَّذِينَ كَفَرُواْ بِـَٔايَٰتِ اللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الۡخَٰسِرُونَ﴾ [الزمر:63]


لهُ مَفاتِحُ خَزائنِ السَّماواتِ والأرْض، لا تأثيرَ لأحَدٍ غَيرِهِ في قِيادِها وتَحرُّكِها ونَواميسِها وما يَجري فيها، والذينَ جَحدوا بآياتِ اللهِ والأدلَّةِ التي تؤدِّي إلى مَعرِفَةِ الحقِّ مِنْ دِينِه، همُ الخاسِرونَ حقًّا.

﴿قُلۡ أَفَغَيۡرَ اللَّهِ تَأۡمُرُوٓنِّيٓ أَعۡبُدُ أَيُّهَا الۡجَٰهِلُونَ﴾ [الزمر:64]


قُلْ للمشرِكينَ أيُّها الرسُول: أتَطلُبونَ منِّي أنْ أعبُدَ غَيرَ اللهِ أيُّها الجاهِلون؟

﴿وَلَقَدۡ أُوحِيَ إِلَيۡكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبۡلِكَ لَئِنۡ أَشۡرَكۡتَ لَيَحۡبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الۡخَٰسِرِينَ﴾ [الزمر:65]


ولقدْ أوحَينا إليكَ وإلى النبيِّينَ مِنْ قَبلِكَ: لئنْ أشرَكتَ معَ اللهِ في عِبادَتِك، لَيُبطِلَنَّ ثَوابَ عَمَلِكَ الصَّالِحِ الذي عَمِلتَه، ولتَكونَنَّ مِنَ الهالكينَ يَومَ القِيامَةِ إنْ أشرَكتَ باللهِ شيئًا.

﴿بَلِ اللَّهَ فَاعۡبُدۡ وَكُن مِّنَ الشَّـٰكِرِينَ﴾ [الزمر:66]


بلِ اعبُدِ اللهَ وَحدَهُ ولا تُشرِكْ بهِ شَيئًا، أنتَ ومَنِ اتَّبَعك، وكُنْ مِنَ الشَّاكرِينَ لنِعَمِه.

﴿وَمَا قَدَرُواْ اللَّهَ حَقَّ قَدۡرِهِۦ وَالۡأَرۡضُ جَمِيعٗا قَبۡضَتُهُۥ يَوۡمَ الۡقِيَٰمَةِ وَالسَّمَٰوَٰتُ مَطۡوِيَّـٰتُۢ بِيَمِينِهِۦۚ سُبۡحَٰنَهُۥ وَتَعَٰلَىٰ عَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾ [الزمر:67]


إنَّ المشرِكينَ ما عَظَّموا اللهَ تَعالَى حقَّ عَظمَتِهِ حينَ عَبدُوا معَهُ غَيرَه، وطلَبوا مِنْ رَسُولِهِ أنْ يَعبُدَ غَيرَه، وهوَ القادِرُ العَظيم، الذي بيدِهِ كُلُّ شَيء، والأرْضُ وما فيها قَبضَتُهُ يَومَ القيامَة، والسَّماواتُ جَميعُها مَطويَّاتٌ بيَمينِه، فتَعالَى وتَقدَّسَ عمَّا يَقولُهُ المشرِكون.

وفي صَحيحِ البُخاريِّ قَولُهُ صلى الله عليه وسلم: "يَقبِضُ اللهُ الأرْض، ويَطوي السَّماءَ بيَمينِه، ثمَّ يَقول: أنا المَلِك، أينَ مُلوكُ الأرض؟".

﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَٰوَٰتِ وَمَن فِي الۡأَرۡضِ إِلَّا مَن شَآءَ اللَّهُۖ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخۡرَىٰ فَإِذَا هُمۡ قِيَامٞ يَنظُرُونَ﴾ [الزمر:68]


ويأمرُ اللهُ إسرَافيلَ فيَنفُخُ في الصُّوْرِ النَّفخَةَ الأُولَى، وهيَ نَفخَةُ الصَّعْق، فيَموتُ كُلُّ مَنْ في السَّماواتِ ومَنْ في الأرض، إلاّ مَنْ شَاءَ اللهُ ألاّ يَموتَ بتلكَ النَّفخَة، فيَقبِضُ أرواحَهمْ في وَقتٍ آخَر، ولا يَبقَى إلاّ هوَ سُبحانَهُ وتَعالَى. ثمُّ نُفِخَ في الصُّوْرِ نَفخَةٌ أُخرَى، فإذا همْ أحياءٌ قائمونَ جَميعًا، يَنتَظِرونَ ما يُفعَلُ بهم.

﴿وَأَشۡرَقَتِ الۡأَرۡضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الۡكِتَٰبُ وَجِاْيٓءَ بِالنَّبِيِّـۧنَ وَالشُّهَدَآءِ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِالۡحَقِّ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ﴾ [الزمر:69]


وأضاءَتْ أرْضُ المَحشَرِ يَومَ القِيامَةِ بنُورِ خالقِها، ووُضِعَتْ صَحائفُ الأعمَالِ للحِساب، وجِيءَ بالنَّبيِّينَ ليَشهَدوا أنَّهمْ بلَّغوا أُمَمَهمْ رِسالاتِ رَبِّهم، وجِيءَ بالشُّهَداءِ مِنَ المَلائكةِ الحفَظَةِ على أعمَالِ العِباد، وهمْ لا يُظلَمونَ شَيئًا مِنْ ثَوابِ أعمالِهم، فلا يُنقَصُ مِنْ أَجر، ولا يُزادُ في عِقاب.

﴿وَوُفِّيَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا عَمِلَتۡ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِمَا يَفۡعَلُونَ﴾ [الزمر:70]


وأُعطِيَتْ كلُّ نَفسٍ جَزاءَ ما عَمِلَتْهُ مِنْ خَيرٍ أو شَرّ، وهوَ أعلَمُ بالذي كانوا يَعمَلونَهُ في الدُّنيا، دونَ حاجَةٍ إلى كاتِبٍ أو شاهِد.

﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِلَىٰ جَهَنَّمَ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا فُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَآ أَلَمۡ يَأۡتِكُمۡ رُسُلٞ مِّنكُمۡ يَتۡلُونَ عَلَيۡكُمۡ ءَايَٰتِ رَبِّكُمۡ وَيُنذِرُونَكُمۡ لِقَآءَ يَوۡمِكُمۡ هَٰذَاۚ قَالُواْ بَلَىٰ وَلَٰكِنۡ حَقَّتۡ كَلِمَةُ الۡعَذَابِ عَلَى الۡكَٰفِرِينَ﴾ [الزمر:71]


وسِيقَ الكافِرونَ المجرِمونَ إلى جهنَّمَ أفوَاجًا، بزَجرٍ وعُنفٍ وإهانَة، حتَّى إذا وصَلوا إليها فُتِحَتْ أبوابُها سَريعًا ليَدخُلوها، وقالَ لهمْ خزَنَتُها مِنَ المَلائكةِ الزَّبانيَةِ تَوبيخًا وتَقريعًا لهم: ألمْ يَأتِكُمْ رسُلٌ مِنْ جِنسِكمْ تَفهَمونَ منهمْ ما يَقولون، وهمْ يَقرَؤونَ عليكمْ آياتِ اللهِ المُنزَلَة، لِما فيهِ خَيرُكمْ وصَلاحُكم، ويُحَذِّرونَكمْ مِنَ الحِسابِ والجَزاء، ويُخَوِّفونَكمْ مِنَ النَّارِ المُعَدَّةِ للكافِرين؟

قالَ الكافِرون: بلَى قدْ جاءَتْنا رسُلُنا، ولكنَّنا كذَّبْنا وخالَفنا، وآثَرْنا الهوَى والضَّلال، ووَجبَ عَلينا حُكمُ اللهِ بالعَذابِ الذي نَستَحِقُّه.

﴿قِيلَ ادۡخُلُوٓاْ أَبۡوَٰبَ جَهَنَّمَ خَٰلِدِينَ فِيهَاۖ فَبِئۡسَ مَثۡوَى الۡمُتَكَبِّرِينَ﴾ [الزمر:72]


فقِيلَ لهم: ادخُلوا جهنَّمَ مِنْ أبوابِها المَقسُومَةِ لكم، لتَمكثُوا فيها أبَدًا، فبئسَ مَأوَى المُتَكبِّرين، الذينَ دُعُوا إلى الحقِّ في الدُّنيا فاستَكبَروا عنْ قَبولِه، وعنِ اتِّباعِ رسُلِ رَبِّهم، وأصَرُّوا على ذلكَ حتَّى ماتُوا عَليه.

﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوۡاْ رَبَّهُمۡ إِلَى الۡجَنَّةِ زُمَرًاۖ حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءُوهَا وَفُتِحَتۡ أَبۡوَٰبُهَا وَقَالَ لَهُمۡ خَزَنَتُهَا سَلَٰمٌ عَلَيۡكُمۡ طِبۡتُمۡ فَادۡخُلُوهَا خَٰلِدِينَ﴾ [الزمر:73]


وسِيقَ المؤمِنونَ المتَّقونَ إلى الجنَّةِ جَماعَةً بعدَ جَماعَة، بحسَبِ طَبقاتِهمْ في الفَضل، حتَّى إذا وصَلوا إليها وفُتِحَتْ أبوابُها، حيَّاهُمْ خَزنَتُها قائلين: سَلامٌ عَليكم: أنتُمْ في أمَانٍ مِنْ كُلِّ مَكروه، طابَتْ أعمالُكم، فطِبتُمْ نَفسًا، وطابَ لكمُ المُقام، فادخُلوا الجنَّةَ ماكثينَ فيها أبَدًا، لا مَوتَ فيها، ولا تَحوُّلَ عَنها.

﴿وَقَالُواْ الۡحَمۡدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعۡدَهُۥ وَأَوۡرَثَنَا الۡأَرۡضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الۡجَنَّةِ حَيۡثُ نَشَآءُۖ فَنِعۡمَ أَجۡرُ الۡعَٰمِلِينَ﴾ [الزمر:74]


وقالَ أهلُ الجنَّةِ حامِدينَ شَاكِرين: الحَمدُ للهِ والثَّناءُ عَليهِ بما هوَ أهلُه، الذي صدَقَ فيما وعدَنا بهِ مِنَ الثَّوابِ على ألسِنَةِ رسُلِه، وأعطانا أرْضَ الجنَّة، نَنزِلُ فيما أعطانا رَبُّنا مِنَ الجنَّةِ الواسِعَةِ حيثُ نَشاء، فأنعِمْ بهذا الأجرِ الجَزيل لأهلِها.

﴿وَتَرَى الۡمَلَـٰٓئِكَةَ حَآفِّينَ مِنۡ حَوۡلِ الۡعَرۡشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمۡدِ رَبِّهِمۡۚ وَقُضِيَ بَيۡنَهُم بِالۡحَقِّۚ وَقِيلَ الۡحَمۡدُ لِلَّهِ رَبِّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الزمر:75]


وترَى المَلائكةَ مُحْدِقِينَ مِنْ حَولِ عَرشِ اللهِ العَظيم، وهمْ يُقَدِّسُونَ رَبَّهمْ ويُمَجِّدونَهُ ويَحمَدونَه، وقُضِيَ بينَ الخَلائقِ بالقِسطِ والعَدل، والحَمدُ للهِ والشُّكرُ لهُ على حُكمِهِ وعَدلِه.
في حَديثٍ صَحيحٍ رَواهُ الترمِذيُّ وغَيرُه، عنْ عائشةَ رَضيَ اللهُ عنها قالت: "كانَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يَنامُ حتَّى يَقرأَ الزُّمَر، وبَني إسرائيل"، وهيَ سُورةُ الإسراء.