تفسير سورة الزخرف

  1. سور القرآن الكريم
  2. الزخرف
43

﴿فَإِمَّا نَذۡهَبَنَّ بِكَ فَإِنَّا مِنۡهُم مُّنتَقِمُونَ﴾ [الزخرف:41]


فإذا قبَضناكَ إلينَا قَبلَ أنْ يَحِلَّ بهمْ عَذابُ رَبِّك، فسنَنتَقِمُ منهمْ في الحيَاةِ الدُّنيا وفي الآخِرَة،

﴿أَوۡ نُرِيَنَّكَ الَّذِي وَعَدۡنَٰهُمۡ فَإِنَّا عَلَيۡهِم مُّقۡتَدِرُونَ﴾ [الزخرف:42]


أو أنْ نُرِيَكَ العَذابَ الذي وعَدناهمْ في أثناءِ حياتِك، ونحنُ قادِرونَ على هذا وذَاك.

﴿فَاسۡتَمۡسِكۡ بِالَّذِيٓ أُوحِيَ إِلَيۡكَۖ إِنَّكَ عَلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ﴾ [الزخرف:43]


فتمَسَّكْ بالقُرآنِ الذي أنزلَهُ اللهُ عَليك، وداوِمْ على العمَلِ به، فإنَّكَ بذلكَ على الحقِّ والصَّواب، الذي يُريدُهُ اللهُ لعِبادِه.

﴿وَإِنَّهُۥ لَذِكۡرٞ لَّكَ وَلِقَوۡمِكَۖ وَسَوۡفَ تُسۡـَٔلُونَ﴾ [الزخرف:44]


وإنَّ القُرآنَ لشرَفٌ عَظيمٌ لكَ ولقَومِك. فقدْ نزَلَ بلُغَتِهم، وكانوا أوَّلَ حمَلَتِه. وسَوفَ تُسألونَ وتُحاسَبونَ يَومَ القيامَةِ عنْ حُقوقِهِ عَليكم، وعنْ شُكرِ هذهِ النِّعمَة.

﴿وَسۡـَٔلۡ مَنۡ أَرۡسَلۡنَا مِن قَبۡلِكَ مِن رُّسُلِنَآ أَجَعَلۡنَا مِن دُونِ الرَّحۡمَٰنِ ءَالِهَةٗ يُعۡبَدُونَ﴾ [الزخرف:45]


واسألِ الأُممَ الذينَ أرسَلنا إليهمْ رسُلاً مِنْ قَبلِك، أطلَبنا منهمْ أنْ يَعبُدوا آلهَةً دونَ الله؟ بلْ دِينُ الرسُلِ كُلِّهمْ واحِدٌ في الدَّعوَةِ إلى التَّوحيد، وأنتَ واحِدٌ منهم، ودَعوَتُكَ مثلُ دَعوَتِهم.

﴿وَلَقَدۡ أَرۡسَلۡنَا مُوسَىٰ بِـَٔايَٰتِنَآ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ وَمَلَإِيْهِۦ فَقَالَ إِنِّي رَسُولُ رَبِّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الزخرف:46]


ولقدْ أرسَلنا موسَى بنَ عِمرانَ بمُعجِزاتِنا التي أيَّدْناهُ بها إلى فِرعَونَ وأشرافِ قَومِهِ وأتبَاعِه، فقالَ لهم: إنِّي رَسُولٌ إليكمْ مِنْ عندِ اللهِ رَبِّ العالَمين.

﴿فَلَمَّا جَآءَهُم بِـَٔايَٰتِنَآ إِذَا هُم مِّنۡهَا يَضۡحَكُونَ﴾ [الزخرف:47]


فلمَّا جاءَهمْ موسَى بمُعجِزاتِنا الواضِحَة، إذا همْ يَسخَرونَ منها ويَستَهزِؤونَ بها!

﴿وَمَا نُرِيهِم مِّنۡ ءَايَةٍ إِلَّا هِيَ أَكۡبَرُ مِنۡ أُخۡتِهَاۖ وَأَخَذۡنَٰهُم بِالۡعَذَابِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ﴾ [الزخرف:48]


وما كنَّا نُريهمْ مُعجِزةً مِنْ تلكَ المعجِزاتِ إلاّ وهيَ أعظَمُ مِنْ سابقَتِها، أو أنَّ كُلَّهنَّ مُعجِزاتٌ كَبيرات، يُنظَرُ إلى كلِّ واحِدَةٍ وكأنَّها أعظَمُ مِنَ الأخرَى، ومعَ ذلكَ فقدِ أعرَضوا وكفَروا بالدِّين، فكانَ جزاءَهمْ أنِ ابتَلَيناهمْ بالعَذاب، كالطُّوفان، والجَراد، والقُمَّل، والدَّم، لكي يَعتَبِروا ويَرجِعوا عمَّا همْ عليهِ مِنَ الضَّلال.

﴿وَقَالُواْ يَـٰٓأَيُّهَ السَّاحِرُ ادۡعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهۡتَدُونَ﴾ [الزخرف:49]


وقالوا لموسَى وقدْ جَهِدوا ممَّا أصابَهم: أيُّها العالِم، ادْعُ لنا ربَّكَ يَكشِفْ عنَّا ما نحنُ فيهِ مِنْ بَلاء، بما عَهِدَهُ عندَكَ مِنْ كشفِ العَذابِ عنَّا إنْ آمَنَّا، وسنؤمِنُ بكَ بعدَ ذلك.

﴿فَلَمَّا كَشَفۡنَا عَنۡهُمُ الۡعَذَابَ إِذَا هُمۡ يَنكُثُونَ﴾ [الزخرف:50]


فلمَّا فرَّجْنا عَنهم، وكشَفنا عنهمُ الذي أصابَهمْ بدَعوَةِ نَبيِّهم، إذا همْ يَنقُضونَ عَهدَهم، ويُخالِفونَ وَعدَهم، ويُصِرُّونَ على كُفرِهم.

﴿وَنَادَىٰ فِرۡعَوۡنُ فِي قَوۡمِهِۦ قَالَ يَٰقَوۡمِ أَلَيۡسَ لِي مُلۡكُ مِصۡرَ وَهَٰذِهِ الۡأَنۡهَٰرُ تَجۡرِي مِن تَحۡتِيٓۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ﴾ [الزخرف:51]


وجَمعَ فِرعَونُ المُتكبِّرُ عُظماءَ قَومِه، أو طائفَةً كبيرَةً منهم، ونادَى فيهمْ قائلاً: يا قَوم، أليسَ لي مُلكُ مِصرَ كُلِّها، وهذهِ الأنهارُ المُتفَرِّعَةُ مِنَ النيلِ تَجري مِنْ بينِ يديَّ وهيَ تحتَ تصَرُّفي، أفلا ترَونَ ما أنا فيهِ مِنَ العَظمَةِ وقُوَّةِ المُلك؟

﴿أَمۡ أَنَا۠ خَيۡرٞ مِّنۡ هَٰذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٞ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ﴾ [الزخرف:52]


قالَ لعنَهُ الله: بلْ أنا أفضَلُ بهذا المُلكِ والسُّلطانِ مِنْ موسَى، الضَّعيفِ المُهان، الذي لا يَكادُ يُفصِحُ بكَلامِه.

﴿فَلَوۡلَآ أُلۡقِيَ عَلَيۡهِ أَسۡوِرَةٞ مِّن ذَهَبٍ أَوۡ جَآءَ مَعَهُ الۡمَلَـٰٓئِكَةُ مُقۡتَرِنِينَ﴾ [الزخرف:53]


قال: فلو كانَ نبيًّا حقًّا، هلاّ ألقَى رَبُّهُ عَليهِ أساوِرَ مِنْ ذَهَب، كالسَّادَةِ والزُّعَماءِ الذينَ تَجِبُ طاعَتُهم، أو جاءَ معَهُ المَلائكةُ يُعِينُونَهُ ويَشهَدونَ بصِدقِه؟

﴿فَاسۡتَخَفَّ قَوۡمَهُۥ فَأَطَاعُوهُۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَوۡمٗا فَٰسِقِينَ﴾ [الزخرف:54]


فاستخَفَّ بعُقولِ قَومِه، فأطاعُوهُ فيما أمرَهمْ به، وفي تَكذيبِ ما جاءَ بهِ موسَى، إنَّهمْ كانوا قَومًا خارِجينَ عنْ طاعَةِ الله.

﴿فَلَمَّآ ءَاسَفُونَا انتَقَمۡنَا مِنۡهُمۡ فَأَغۡرَقۡنَٰهُمۡ أَجۡمَعِينَ﴾ [الزخرف:55]


فلمَّا أسخَطونا بأعمَالِهمُ السيِّئة، عاقَبناهم، فأغرَقناهمْ جَميعًا في البَحر.

﴿فَجَعَلۡنَٰهُمۡ سَلَفٗا وَمَثَلٗا لِّلۡأٓخِرِينَ﴾ [الزخرف:56]


فجعَلناهمْ مِنَ السَّلَفِ المُعاقَبين، ليَتَّعِظَ بهمْ مَنْ بَعدَهم.

﴿۞وَلَمَّا ضُرِبَ ابۡنُ مَرۡيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوۡمُكَ مِنۡهُ يَصِدُّونَ﴾ [الزخرف:57]


ولمَّا ذَكرَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم للمشرِكينَ أنَّهمْ وما يَعبُدونَ حَصَبُ جهنَّم، جادلَهُ أحَدُهمْ وقال: إنَّ النَّصارَى كذلكَ تَعبدُ عيسَى، فهمْ وعيسَى في جهنَّم. فضَجَّ المشرِكونَ وظَنُّوا أنَّهُ حاجَّ الرسُولَ صلى الله عليه وسلم!

﴿وَقَالُوٓاْ ءَأَٰلِهَتُنَا خَيۡرٌ أَمۡ هُوَۚ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلَۢاۚ بَلۡ هُمۡ قَوۡمٌ خَصِمُونَ﴾ [الزخرف:58]


وقالوا له: أآلهتُنا أفضَلُ أمْ عيسَى؟! إنَّنا نَرضَى أنْ نَكونَ وآلهتَنا معَ عيسَى في جهنَّم، مادامَ هوَ أيضًا سيَكونُ فيها! وما ضرَبَ المشرِكونَ لكَ هذا المثلَ إلاّ خُصومَةً وجدَلاً عَقيمًا، بلْ همْ قَومٌ مُجادِلونَ بالباطِل.

والمُرادُ بقَولِهِ تَعالَى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [سورة الأنبياء: 98]: همْ وأصنامُهم.

﴿إِنۡ هُوَ إِلَّا عَبۡدٌ أَنۡعَمۡنَا عَلَيۡهِ وَجَعَلۡنَٰهُ مَثَلٗا لِّبَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ﴾ [الزخرف:59]


وما عيسَى بنُ مَريمَ إلاّ عَبدٌ مَخلوق، أنعَمنا عليهِ بالنبوَّة، وجعَلناهُ مُعجِزَةً وعِبرَةً لبَني إسْرائيل، فقدْ خلَقناهُ مِنْ غَيرِ أب، وأيَّدناهُ بمُعجِزاتٍ كبيرَة.

﴿وَلَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَا مِنكُم مَّلَـٰٓئِكَةٗ فِي الۡأَرۡضِ يَخۡلُفُونَ﴾ [الزخرف:60]


ولو أرَدنا لأهلَكناكمْ وجعَلنا بدَلاً منكمْ مَلائكةً يَخلُفونَكمْ ويُعَمِّرونَ الأرْض، ويَعبُدونَني ولا يُشرِكونَ بي شَيئًا.