تفسير سورة الدخان

  1. سور القرآن الكريم
  2. الدخان
44

﴿وَإِن لَّمۡ تُؤۡمِنُواْ لِي فَاعۡتَزِلُونِ﴾ [الدخان:21]


وإذا لم تؤمِنوا بما أدعُوكمْ إليه، فتنَحَّوا عنِّي، وكفُّوا عنِّي لسانَكم.

﴿فَدَعَا رَبَّهُۥٓ أَنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ قَوۡمٞ مُّجۡرِمُونَ﴾ [الدخان:22]


فلمَّا جاءَهمْ بمُعجِزاتٍ مِنْ رَبِّه، ازدَادوا كُفرًا وعِنادًا، فدَعا رَبَّهُ قائلاً: إنَّ هؤلاءِ قَومٌ أُغرِقوا في الكُفر، وتَشرَّبَتْ نُفوسُهمْ بالمَعصيَة، فافعَلْ بهمْ ما يَستَحِقُّونَه.

﴿فَأَسۡرِ بِعِبَادِي لَيۡلًا إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ﴾ [الدخان:23]


فأوحَى اللهُ إلى موسَى: أنْ اخرُجْ ببَني إسرائيلَ ومَنْ آمنَ مِنْ قَومِ فِرعَونَ ليلاً، فإنَّ فِرعَونَ وجُنودَهُ سيتَّبِعونَكم.

﴿وَاتۡرُكِ الۡبَحۡرَ رَهۡوًاۖ إِنَّهُمۡ جُندٞ مُّغۡرَقُونَ﴾ [الدخان:24]


واترُكِ البَحرَ ساكِنًا على هَيئَتِهِ بعدَ عُبورِه، ولا تَضرِبْهُ بعَصاكَ مرَّةً أُخرَى ليَعودَ كما كان، فإنَّ فِرعَونَ وجُنودَهُ داخِلونَ فيه، غارِقُون.

﴿كَمۡ تَرَكُواْ مِن جَنَّـٰتٖ وَعُيُونٖ﴾ [الدخان:25]


فأُغرِقوا فيها جَميعًا. كمْ خلَّفوا مِنْ بَساتينَ خَضراء، وأنهارٍ وعُيونٍ مُتفَجِّرَة،

﴿وَزُرُوعٖ وَمَقَامٖ كَرِيمٖ﴾ [الدخان:26]


وزُروعٍ، وقُصورٍ عاليَة، ومَساكِنَ أنيقَة،

﴿وَنَعۡمَةٖ كَانُواْ فِيهَا فَٰكِهِينَ﴾ [الدخان:27]


وترَفٍ ومُتعَةٍ كانوا غارِقينَ فيها، وتلَذُّذٍ وتنَعُّم.

﴿كَذَٰلِكَۖ وَأَوۡرَثۡنَٰهَا قَوۡمًا ءَاخَرِينَ﴾ [الدخان:28]


وكذلكَ نَنتَقِمُ ممَّنْ كذَّبَ وكفَر، وأورَثْنا أموالَهمْ وقُصورهمْ ومَزارِعَهمْ بَني إسْرائيل، بعدَما رجَعوا إلى مِصر.

﴿فَمَا بَكَتۡ عَلَيۡهِمُ السَّمَآءُ وَالۡأَرۡضُ وَمَا كَانُواْ مُنظَرِينَ﴾ [الدخان:29]


فلمْ يُكتَرَثْ بهَلاكِ فِرعَونَ وجُندِه، فما عَمِلوا صالِحًا لتَبكيَ عَليهمُ السَّماء، وما ترَكوا أثرًا حسنًا لتَحزَنَ عَليهمُ الأرضُ وتُخَلِّدَ ذِكرَهم(137)، ولم يُمهَلوا إلى وَقتٍ آخرَ ليَتوبُوا وقدْ جاءَ وَقتُ هَلاكِهم.

(137) كانتِ العربُ تقولُ عند موتِ السيِّدِ منهم: بكتْ له السماءُ والأرض، أي: عمَّتْ مصيبته. وقالَ الحسن: في الكلامِ مضافٌ محذوف، أي: ما بكى عليهم أهلُ السماءِ والأرضِ من الملائكةِ والناس. (فتح القدير، باختصار). كان من كلامِ العربِ إذا هلكَ عظيمٌ أن يهوِّلوا أمرَ موته، بنحو: بَكتْ عليه السماء، وبكتهُ الريح، وتزلزلتْ الجبال... والكلامُ مسوقٌ مساقَ التحقيرِ لهم. (التحرير والتنوير، باختصار). مجازٌ مرسلٌ عن عدمِ الاكتراثِ بهلاكهم والاعتدادِ بوجودهم؛ لأن سببَ البكاءِ على شيءٍ هو المبالاةُ بوجوده، يعني أنه استعارةٌ تمثيليةٌ بعد الاستعارةِ المكنيةِ في السماءِ والأرض، بأن شبِّهتا بمن يصحُّ منه الاكتراث، على سبيلِ الكناية، وأُسنِدَ البكاءُ إليهما على سبيلِ التخييل. كانت العربُ إذا ماتَ فيهم من له خطرٌ وقدرٌ عظيمٌ يقولون: بكتْ عليه السماءُ والأرض، يعني أن المصيبةَ بموتهِ عمَّتِ الخلقَ فبكى له الكلّ، حتى الأرضُ والسماء. فإذا قالوا: ما بكتْ عليه السماءُ والأرض، يعنون به: ما ظهرَ بعدَهُ ما يَظهرُ بعد موتِ ذوي الأقدارِ والشرف، ففيه تهكمٌ بالكفار، وبحالهم المنافيةِ لحالِ من يَعظمُ فقدهُ فيُقالُ له بكتْ عليه السماءُ والأرض. (روح البيان، وحاشية شيخ زاده على تفسير البيضاوي).

﴿وَلَقَدۡ نَجَّيۡنَا بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ مِنَ الۡعَذَابِ الۡمُهِينِ﴾ [الدخان:30]


ولقدْ أنقَذْنا بَني إسرائيلَ مَنَ الظُّلمِ والاستِعبادِ والامتِهان،

﴿مِن فِرۡعَوۡنَۚ إِنَّهُۥ كَانَ عَالِيٗا مِّنَ الۡمُسۡرِفِينَ﴾ [الدخان:31]


الذي أصابَهمْ على يَدِ فِرعَونَ، فقدْ كانَ طاغيَةً جبَّارًا، مِنْ أهلِ الشرِّ والفَساد.

﴿وَلَقَدِ اخۡتَرۡنَٰهُمۡ عَلَىٰ عِلۡمٍ عَلَى الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الدخان:32]


ولقدْ أكرَمْنا مُؤمِني بَني إسْرائيلَ واصطفَيناهمْ في ذلكَ الوَقتِ على العالَمين، عِلمًا منَّا باستِحقاقِهمْ ذلك.

﴿وَءَاتَيۡنَٰهُم مِّنَ الۡأٓيَٰتِ مَا فِيهِ بَلَـٰٓؤٞاْ مُّبِينٌ﴾ [الدخان:33]


وآتَيناهمْ مِنَ البَراهِينِ والمعجِزاتِ ما فيهِ اختِبارٌ ظاهِرٌ لهم، وفَضلٌ لمَنِ اهتدَى بها.

﴿إِنَّ هَـٰٓؤُلَآءِ لَيَقُولُونَ﴾ [الدخان:34]


إنَّ هؤلاءِ المشرِكينَ الضالِّينَ مِنْ قَومِكَ يَقولون:

﴿إِنۡ هِيَ إِلَّا مَوۡتَتُنَا الۡأُولَىٰ وَمَا نَحۡنُ بِمُنشَرِينَ﴾ [الدخان:35]


ما نِهايَةُ أمرِنا سِوَى المَوتَةِ الأُولَى التي نَموتُها، ولنْ نُبعثَ بَعدَها، ولا حِسابَ ولا جَزاء،

﴿فَأۡتُواْ بِـَٔابَآئِنَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ﴾ [الدخان:36]


فَأْتُوا لنا بمَنْ ماتَ مِنْ آبائنا، إنْ كنتُمْ صادِقينَ بأنَّنا نُبعَثُ أحياءً بعدَ الموت!

﴿أَهُمۡ خَيۡرٌ أَمۡ قَوۡمُ تُبَّعٖ وَالَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ أَهۡلَكۡنَٰهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ مُجۡرِمِينَ﴾ [الدخان:37]


أهُمْ أكثَرُ قوَّةً ومنَعَةً أمْ قَومُ المَلِكِ تُبَّعٍ الحِمْيَري، والذينَ مِنْ قِبلِهمْ مِنَ الأُمَمِ الكافِرَة، كعَادٍ وثَمود، انتقَمْنا منهمْ وأهلَكناهم، إنَّهمْ كانوا مُكذِّبينَ لرسُلِنا، مُصرِّينَ على الكُفر.

أمَّا تُبَّعٌ نَفسُهُ فقدْ وردَ في الحَديثِ الصَّحيحِ قَولُهُ صلى الله عليه وسلم: "لا تَسبُّوا تُبَّعًا، فإنَّهُ كانَ قدْ أسلَم".

﴿وَمَا خَلَقۡنَا السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا لَٰعِبِينَ﴾ [الدخان:38]


وما خلَقْنا السَّماءَ ومَنْ فيها والأرْضَ ومَنْ عَليها لَهوًا وعبَثًا بدونِ حِكمَةٍ وفائدَة.

﴿مَا خَلَقۡنَٰهُمَآ إِلَّا بِالۡحَقِّ وَلَٰكِنَّ أَكۡثَرَهُمۡ لَا يَعۡلَمُونَ﴾ [الدخان:39]


ما خَلقناهُما وما بينَهما إلاّ بالحقّ، للإيمانِ باللهِ وقُدرَتِهِ وعظمَتِه، والطَّاعَةِ لهُ بما أمرَ ونهَى، ثمَّ تَكونُ المُحاسَبةُ والجَزاءُ للمُحسنِ والمُسيء، كُلٌّ بما يَستَحِقّ، ولكنَّ أكثرَ النَّاسِ لا يَعلَمونَ ذلك، ولذلكَ فهمْ لا يَتفكَّرونَ في البَعثِ بعدَ المَوت.

﴿إِنَّ يَوۡمَ الۡفَصۡلِ مِيقَٰتُهُمۡ أَجۡمَعِينَ﴾ [الدخان:40]


إنَّ يَومَ القِيامَةِ هوَ يَومُ الفَصلِ بينَ الحقِّ والباطِل، وهوَ مَوعِدُ الخَلائقِ أجمَعين، ليُحاسَبوا ويُجازَوا على أعمالِهم.