فلمْ يُكتَرَثْ بهَلاكِ فِرعَونَ وجُندِه، فما عَمِلوا صالِحًا لتَبكيَ عَليهمُ السَّماء، وما ترَكوا أثرًا حسنًا لتَحزَنَ عَليهمُ الأرضُ وتُخَلِّدَ ذِكرَهم(137)، ولم يُمهَلوا إلى وَقتٍ آخرَ ليَتوبُوا وقدْ جاءَ وَقتُ هَلاكِهم.
(137) كانتِ العربُ تقولُ عند موتِ السيِّدِ منهم: بكتْ له السماءُ والأرض، أي: عمَّتْ مصيبته. وقالَ الحسن: في الكلامِ مضافٌ محذوف، أي: ما بكى عليهم أهلُ السماءِ والأرضِ من الملائكةِ والناس. (فتح القدير، باختصار).
كان من كلامِ العربِ إذا هلكَ عظيمٌ أن يهوِّلوا أمرَ موته، بنحو: بَكتْ عليه السماء، وبكتهُ الريح، وتزلزلتْ الجبال... والكلامُ مسوقٌ مساقَ التحقيرِ لهم. (التحرير والتنوير، باختصار).
مجازٌ مرسلٌ عن عدمِ الاكتراثِ بهلاكهم والاعتدادِ بوجودهم؛ لأن سببَ البكاءِ على شيءٍ هو المبالاةُ بوجوده، يعني أنه استعارةٌ تمثيليةٌ بعد الاستعارةِ المكنيةِ في السماءِ والأرض، بأن شبِّهتا بمن يصحُّ منه الاكتراث، على سبيلِ الكناية، وأُسنِدَ البكاءُ إليهما على سبيلِ التخييل. كانت العربُ إذا ماتَ فيهم من له خطرٌ وقدرٌ عظيمٌ يقولون: بكتْ عليه السماءُ والأرض، يعني أن المصيبةَ بموتهِ عمَّتِ الخلقَ فبكى له الكلّ، حتى الأرضُ والسماء. فإذا قالوا: ما بكتْ عليه السماءُ والأرض، يعنون به: ما ظهرَ بعدَهُ ما يَظهرُ بعد موتِ ذوي الأقدارِ والشرف، ففيه تهكمٌ بالكفار، وبحالهم المنافيةِ لحالِ من يَعظمُ فقدهُ فيُقالُ له بكتْ عليه السماءُ والأرض. (روح البيان، وحاشية شيخ زاده على تفسير البيضاوي).
ما خَلقناهُما وما بينَهما إلاّ بالحقّ، للإيمانِ باللهِ وقُدرَتِهِ وعظمَتِه، والطَّاعَةِ لهُ بما أمرَ ونهَى، ثمَّ تَكونُ المُحاسَبةُ والجَزاءُ للمُحسنِ والمُسيء، كُلٌّ بما يَستَحِقّ، ولكنَّ أكثرَ النَّاسِ لا يَعلَمونَ ذلك، ولذلكَ فهمْ لا يَتفكَّرونَ في البَعثِ بعدَ المَوت.