وخلقَ اللهُ السَّماواتِ والأرْضَ وما فيهما بالحقِّ والعَدل، ولحِكمَةٍ وغايَة: للإيمَانِ باللهِ وقُدرَتِه، وطاعَتِه، ولِتُثابَ أو تُعاقَبَ كلُّ نَفسٍ بما عَمِلَت، وهمْ لا يُظلَمونَ والحاكِمُ الله، فلا يُنقَصُ مِنْ ثَوابِهم، ولا يُزادُ في عَذابِهم.
أفرَأيتَ مَنْ جعلَ هَواهُ ورَغبَتَهُ إلهًا له، فما حسَّنَتْهُ لهُ نَفسُهُ اتَّبعَه، وما قَبَّحَتْهُ ترَكَه، وأضَلَّهُ اللهُ بعدَ بُلوغِ العِلمِ إليه، وقيامِ الحُجَّةِ عَليه، فلا يَزدادُ إلاّ بُعدًا عنِ الدِّين، فيُفَضِّلُ هَواهُ عَليه، وطبَعَ اللهُ على سَمعِه، فلا يَسمَعُ ما يَنفَعُه، ولا يَفقَهُ ما يُقالُ فلا يَتأثَّرُ به، وجعلَ على بصَرِهِ غِطاء، فلا يرَى الدَّليلَ الذي يُهتَدَى به، فمَنْ يَهديهِ بعدَ أنْ أضَلَّهُ اللهُ وهوَ يَعلَمُ أنَّهُ يَستَحِقُّ ذلك، ألا تتَّعِظونَ وتَعتَبِرون؟
وترَى كُلَّ أمَّةٍ مِنَ الأُمَمِ المَجمُوعَة، المُتَميِّزِ بَعضُها عنِ بَعض، بارِكةً على رُكَبِها، على هَيئةِ الخائفِ الذَّليلِ الذي لا يَدري ما يُفعَلُ به، مِنْ هَولِ ذلكَ اليَومِ وشِدَّتِه، كُلُّ أُمَّةٍ فيها تُدْعَى إلى صَحيفَةِ أعمالِها التي كتبَها الحفَظَة، اليَومَ تُحاسَبونَ على أعمالِكم، وتُجزَونَ عَليها جَميعَها، إنْ خَيرًا، أو شرًّا.
وقيلَ لهم: اليَومَ نَتركُكمْ في العَذابِ تَرْكَ المَنسيِّ، كما ترَكتُمُ الإيمانَ والعمَلَ لِلقاءِ هذا اليَوم، وكذَّبتُمْ بوَعدِ الله، ولا مَكانَ لكمْ سِوى النَّار، ولا ناصِرَ لكمْ يُخَلِّصُكمْ مِنَ العَذابِ الأليم.
ذلكمُ العَذابُ الذي جُزيتُمْ به، هوَ بسبَبِ اتِّخاذِكمْ دَلائلَ اللهِ ومُعجِزاتِهِ سُخريَةً ولَعِبًا، وخدَعَتْكمُ الحيَاةُ الدُّنيا بزَخارفِها وشَهواتِها حتَّى استَسلَمتُمْ لها، وقُلتمْ لا حيَاةَ سِواها. فاليَومَ لا يَخرُجونَ مِنَ النَّار، ولا يُطلَبُ منهمْ أنْ يُزيلوا عَتبَ اللهِ عَليهم، فلا عُذرَ ولا تَوبةَ تُقبَلُ منهمْ بعدَ اليَوم، ولا يُرجَعونَ إلى الدُّنيا ليَعمَلوا صالِحاً كما يَدَّعون.