تفسير سورة الحجرات

  1. سور القرآن الكريم
  2. الحجرات
49

﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُقَدِّمُواْ بَيۡنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِۦۖ وَاتَّقُواْ اللَّهَۚ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٞ﴾ [الحجرات:1]


أيُّها المؤمِنون، لا تُقْدِموا على أمرٍ مِنَ الأمُورِ قَبلَ أنْ تَعرِفوا حُكمَ اللهِ ورَسُولِهِ فيه، وأطيعُوا اللهَ واخشَوهُ في كُلِّ ما أمرَكمْ بهِ ونَهاكمْ عنه، إنَّهُ سَميعٌ لِما تَقولون، عَليمٌ بما تُسِرُّون.

﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَرۡفَعُوٓاْ أَصۡوَٰتَكُمۡ فَوۡقَ صَوۡتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجۡهَرُواْ لَهُۥ بِالۡقَوۡلِ كَجَهۡرِ بَعۡضِكُمۡ لِبَعۡضٍ أَن تَحۡبَطَ أَعۡمَٰلُكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تَشۡعُرُونَ﴾ [الحجرات:2]


أيُّها المؤمِنون، لا تُعلُوا أصواتَكمْ في حَضرَةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، ولا تَرفَعوها فَوقَ الحَدِّ الذي يَبلُغُهُ صَوتُه، ولا يَكنْ جَهرُكمْ لهُ بالحَديثِ كجَهرِ بَعضِكمْ لبَعض، بلِ اجعَلوهُ أخفَضَ مِن صَوته، حتَّى لا تَبطُلَ أعمالُكمْ وأنتُمْ لا تَدرون.

﴿إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصۡوَٰتَهُمۡ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَـٰٓئِكَ الَّذِينَ امۡتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمۡ لِلتَّقۡوَىٰۚ لَهُم مَّغۡفِرَةٞ وَأَجۡرٌ عَظِيمٌ﴾ [الحجرات:3]


إنَّ الذينَ يَخفِضُونَ أصواتَهمْ عندَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إجلالاً له، أولئكَ الذينَ أخلصَ اللهُ قُلوبَهمْ للتَّقوَى، وجعلَها مَحلاًّ للطَّاعَةِ والخَشيَة، لهمْ في الآخِرَةِ مَغفِرَةٌ لذُنوبِهم، وثَوابٌ كبيرٌ على طاعَتِهم.

﴿إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَآءِ الۡحُجُرَٰتِ أَكۡثَرُهُمۡ لَا يَعۡقِلُونَ﴾ [الحجرات:4]


إنَّ الذينَ يُنادُونكَ مِنْ خارجِ بيوتِ نِسائكَ كما يَصنَعُ أجلافُ الأعرَاب، أكثَرُهمْ جاهِلون، غَيرُ مُراعِينَ الأدَب.

﴿وَلَوۡ أَنَّهُمۡ صَبَرُواْ حَتَّىٰ تَخۡرُجَ إِلَيۡهِمۡ لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡۚ وَاللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾ [الحجرات:5]


ولو أنَّهمُ انتظَروا وصبَروا حتَّى تَخرُجَ إليهمْ لكانَ أفضلَ لهم، ففي ذلكَ التِزامٌ بحُسنِ الأدَب، وتَوقيرٌ لرسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، واللهُ غَفورٌ لذُنوبِ مَنْ تابَ وأنَاب، رَحيمٌ بالمؤمِنينَ منهم.

﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِن جَآءَكُمۡ فَاسِقُۢ بِنَبَإٖ فَتَبَيَّنُوٓاْ أَن تُصِيبُواْ قَوۡمَۢا بِجَهَٰلَةٖ فَتُصۡبِحُواْ عَلَىٰ مَا فَعَلۡتُمۡ نَٰدِمِينَ﴾ [الحجرات:6]


أيُّها المؤمِنون، إذا جاءَكمْ فاسِقٌ - وهوَ العاصِي - بخبَرٍ، فتَبيَّنوا ممَّا يَقول، ولا تُسَلِّموا بكلامِه، حتَّى يَتبيَّنَ لكمُ الحقّ، لئلاَّ تُصيبوا قَومًا بقَتلٍ وأنتُمْ تَجهَلونَ حَقيقَةَ حالِهم، فتَصيروا نادِمينَ مُتَحَسِّرينَ على ما فعَلتُمْ بهمْ إذا ظَهرَتْ بَراءَتُهم.

﴿وَاعۡلَمُوٓاْ أَنَّ فِيكُمۡ رَسُولَ اللَّهِۚ لَوۡ يُطِيعُكُمۡ فِي كَثِيرٖ مِّنَ الۡأَمۡرِ لَعَنِتُّمۡ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيۡكُمُ الۡإِيمَٰنَ وَزَيَّنَهُۥ فِي قُلُوبِكُمۡ وَكَرَّهَ إِلَيۡكُمُ الۡكُفۡرَ وَالۡفُسُوقَ وَالۡعِصۡيَانَۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الرَّـٰشِدُونَ﴾ [الحجرات:7]


واعلَموا أنَّ بينَكمْ رَسُولَ الله، فأطيعُوه، فإنَّهُ أدرَى بمَصالحِكمْ منكم، ولو أنَّهُ أطاعَكمْ في جَميعِ ما تَقولونَهُ وتَطلُبونَه، وأخذَ برأيكمْ فيه، لوقَعتُمْ في الحرَجِ والهَلاك، ولكنَّ اللهَ حبَّبَ إلى نُفوسِكمُ الإيمَانَ وحسَّنَهُ في قُلوبِكم، فسَهُلَتْ عليكمُ الطَّاعَة، وبغَّضَ إلى نُفوسِكمُ الكُفرَ والذُّنوبَ والمَعاصي، فكرِهتُموها، وأولئكَ همُ المُهتَدون.

﴿فَضۡلٗا مِّنَ اللَّهِ وَنِعۡمَةٗۚ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ﴾ [الحجرات:8]


وهذا عَطاءٌ مِنَ اللهِ ونِعمَةٌ مِنْ لَدُنْهُ، وهوَ العَليمُ بمَنْ يَستَحِقُّ ذلكَ ممَّنْ لا يَستَحِقُّه، الحَكيمُ فيما يَفعَلُ ويَتفَضَّلُ به.

﴿وَإِن طَآئِفَتَانِ مِنَ الۡمُؤۡمِنِينَ اقۡتَتَلُواْ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَاۖ فَإِنۢ بَغَتۡ إِحۡدَىٰهُمَا عَلَى الۡأُخۡرَىٰ فَقَٰتِلُواْ الَّتِي تَبۡغِي حَتَّىٰ تَفِيٓءَ إِلَىٰٓ أَمۡرِ اللَّهِۚ فَإِن فَآءَتۡ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَهُمَا بِالۡعَدۡلِ وَأَقۡسِطُوٓاْۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الۡمُقۡسِطِينَ﴾ [الحجرات:9]


وإذا تَقاتَلتْ جَماعَتانِ مِنَ المؤمِنين، فأصلِحوا بينَهما بالنُّصحِ والدَّعوَةِ إلى حُكمِ الله، فإذا تعَدَّتْ إحداهُما على الأُخرَى بغَيرِ حقّ، ولم تَستَجِبْ لدَعوةِ الصُّلح، فقاتِلوا التي تَعتَدي وتَظلِمُ حتَّى تَرجِعَ إلى كتابِ اللهِ وحُكمِه، فإذا رَجعَتْ إلى حُكمِهِ تَعالَى، وكفَّتْ عنِ القِتال، فأصلِحوا بينَهما بالعَدلِ والإنصَاف، واحمِلوهُما على الرِّضا بحُكمِ الله، واعدِلوا في جَميعِ أُمورِكم، إنَّ اللهَ يُحِبُّ العادِلين، ويَجزيهمُ الثَّوابَ الجَزيل.

﴿إِنَّمَا الۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ فَأَصۡلِحُواْ بَيۡنَ أَخَوَيۡكُمۡۚ وَاتَّقُواْ اللَّهَ لَعَلَّكُمۡ تُرۡحَمُونَ﴾ [الحجرات:10]


إنَّما المؤمِنونَ إخوَةٌ في الدِّين، فهمْ يَنتَسِبونَ إلى أصلٍ واحِدٍ في العَقيدَة، وهيَ أهمُّ شَيءٍ في الحيَاة، فأصلِحوا بينَ أخوَيكمْ مِنَ الطَّائفَتَينِ إذا اختَلفا واقتَتلا، واخشَوا اللهَ ولا تُخالِفوا أمرَه، حتَّى تُرحَموا على طاعَتِكم.

﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا يَسۡخَرۡ قَوۡمٞ مِّن قَوۡمٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُونُواْ خَيۡرٗا مِّنۡهُمۡ وَلَا نِسَآءٞ مِّن نِّسَآءٍ عَسَىٰٓ أَن يَكُنَّ خَيۡرٗا مِّنۡهُنَّۖ وَلَا تَلۡمِزُوٓاْ أَنفُسَكُمۡ وَلَا تَنَابَزُواْ بِالۡأَلۡقَٰبِۖ بِئۡسَ الِاسۡمُ الۡفُسُوقُ بَعۡدَ الۡإِيمَٰنِۚ وَمَن لَّمۡ يَتُبۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الظَّـٰلِمُونَ﴾ [الحجرات:11]


أيُّها المؤمِنون، لا يَستَهزِئْ رِجالٌ منكمْ برِجالٍ آخَرين، ولا يَستَحقِروهمْ ولا يَستَهينوا بهم، فقدْ يَكونُ المُحتَقَرونَ أعظمَ قَدْرًا عندَ اللهِ وأحَبَّ إليهِ مِنَ السَّاخِرينَ منهمْ والمُحتَقِرينَ لهم. ولا يَستَهزِئْ نِساءٌ مُؤمِناتٌ بنِساءٍ مِثلِهنّ، فعسَى أنْ يَكنَّ خَيرًا وأفضلَ قَدْرًا عندَ اللهِ منهنّ. ولا يَعِبْ بَعضُكمْ بَعضًا ولا يَطعَنْهُ، فاللَّمزُ ذِكرُ المعايبِ في حَضرةِ الشَّخصِ أو غَيبَتِه. ولا يَدْعُ بَعضُكمْ بَعضًا بألقَابٍ وكلماتٍ يَسُوؤهُ سَماعُها، فبئسَ الذِّكرُ أنْ تَذكروا الرجلَ بالفِسقِ بعدَ إيمانِهِ وتوبتِه، وتُنادوهُ باسمٍ أو صِفَةٍ مَكروهَة، ومَنْ لم يَتُبْ عمَّا نُهيَ عنه، فأولئكَ همُ العاصُون، المُخالِفونَ لأمرِ الله.

﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ اجۡتَنِبُواْ كَثِيرٗا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعۡضَ الظَّنِّ إِثۡمٞۖ وَلَا تَجَسَّسُواْ وَلَا يَغۡتَب بَّعۡضُكُم بَعۡضًاۚ أَيُحِبُّ أَحَدُكُمۡ أَن يَأۡكُلَ لَحۡمَ أَخِيهِ مَيۡتٗا فَكَرِهۡتُمُوهُۚ وَاتَّقُواْ اللَّهَۚ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٞ رَّحِيمٞ﴾ [الحجرات:12]


أيُّها المؤمِنون، تَباعَدوا عنْ كثيرٍ مِنَ الظنّ، فإنَّ بعضَ ظَنِّ المؤمِنِ بأخيهِ ذَنبٌ يَستَحِقُّ عليهِ العُقوبَة، وهوَ أنْ يَظُنَّ بأهلِ الخَيرِ شَرًّا.

وبَيانُ الظنِّ المَنهيِّ عنه، هوَ أنْ يقعَ في النَّفسِ شَيءٌ مِنْ غَيرِ دَلالة. وفي وصيَّةٍ مِنَ السَّلف: "ضَعْ أمرَ أخيكَ على أحسَنِهِ ما لم يأتِكَ ما يَغلِبُك، ولا تَظُنَّ بكَلمَةٍ خرَجَتْ مِنْ أخيكَ المسلمِ شَرًّا وأنتَ تَجِدُ لها مِنَ الخَيرِ مَحمَلاً". ويَحرُمُ سُوءُ الظنِّ ممَّنْ شُوهِدَ منهُ السِّترُ والصَّلاح، أمَّا مَنْ جاهرَ بالفِسقِ والفُجورِ فلا يَحرُمُ سُوءُ الظنِّ به. ولعلَّ هذا تَعليلٌ لكلمَةِ "بَعض" في الآيَة. وقالَ ابنُ كثير: "لأنَّ بَعضَ ذلكَ يَكونُ إثمًا مَحضًا، فَليُجتَنَبْ كثيرٌ منهُ احتياطًا". وقالَ الشَّيخُ عبدُالحميدِ كشك في تَفسيرِه: "هذا أعلَى أُسلوبٍ وأدَقُّه، حيثُ قال: {اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ} فإنَّ مِنَ الظنِّ ما هوَ مَطلوب، كالاحتياطِ في دَفعِ الأذَى عنِ النَّفسِ والمال".

ولا يتَجسَّسْ بَعضُكمْ على بَعض، فلا يَبحَثوا عنْ عَوراتِ المسلِمينَ ومَعايبِهم، ويَستَكشِفوا عمَّا ستَروه.

ولا يَذكُرْ بَعضُكمْ بَعضًا بما يَكرَه، فهذا مِنَ الكبائر، وهوَ يؤدِّي إلى التَّباغُضِ والشِّقاقِ في المُجتمَعِ المؤمِن. أيُحِبُّ أحَدُكمْ أنْ يأكُلَ لحمَ أخيهِ وهوَ مَيِّت؟ فإنَّكمْ تَكرَهونَ ذلكَ وتَعافُونَهُ وتَبغُضونَه، فابغُضوا غِيبَتَهُ كذلك، فإنَّ ذِكْرَ المَرءِ أخاهُ الغائبَ عنهُ بسُوء، بمَنزِلَةِ أكلِ لَحمِهِ وهوَ مَيِّتٌ لا يُحِسُّ به.

واخشَوا اللهَ ولا تُخالِفوا أمرَه، وتُوبوا إليه، فإنَّهُ كثيرُ قَبولِ التَّوبَة، رَحيمٌ بالمؤمِنينَ منهم.

﴿يَـٰٓأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَٰكُم مِّن ذَكَرٖ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَٰكُمۡ شُعُوبٗا وَقَبَآئِلَ لِتَعَارَفُوٓاْۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ اللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٞ﴾ [الحجرات:13]


أيُّها النَّاس، لقدْ خَلقناكمْ مِنْ آدمَ وحوَّاء، فأنتُمْ سَواءٌ في النَّسَب، وجعَلناكمْ شُعوبًا وأُمَمًا، وقَبائلَ وبُطونًا، ليَعرِفَ بَعضُكمْ بَعضًا، فتَجتَمِعوا على الخَير، وتَصِلوا الأرحَام، وتَتعاوَنوا على البِرِّ والتَّقوَى، لا التَّفاخُرِ والعصَبيَّة، فإنَّما تَتفاضَلونَ عندَ اللهِ بالإيمانِ والطَّاعَة، لا بالأحسَاب، فالأكرَمُ عندَ اللهِ والأرفَعُ مَنزِلَةً لدَيهِ هوَ الأتقَى، وليسَ الأرفَعَ نسَبًا، فإذا تَفاخَرتُمْ فتَفاخَروا بالتَّقوَى، والنَّسَبُ ليسَ مُكتَسبًا بعمَل، فلا يَكونَ مَدارًا للثَّوابِ عندَ الله. إنَّ اللهَ عَليمٌ بأقوالِكمْ في مَجالسِكم، خَبيرٌ بنيَّاتِكمْ وأحوالِكم.

﴿۞قَالَتِ الۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّاۖ قُل لَّمۡ تُؤۡمِنُواْ وَلَٰكِن قُولُوٓاْ أَسۡلَمۡنَا وَلَمَّا يَدۡخُلِ الۡإِيمَٰنُ فِي قُلُوبِكُمۡۖ وَإِن تُطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَا يَلِتۡكُم مِّنۡ أَعۡمَٰلِكُمۡ شَيۡـًٔاۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٌ﴾ [الحجرات:14]


ادَّعَى الأعرَابُ لأنفُسِهمْ مَقامَ الإيمَانِ أوَّلَ ما دخَلوا في الإسْلام، فقالوا: آمَنَّا، ولم يَتمَكَّنِ الإيمَانُ في قُلوبِهمْ بعد. قُلْ لهمْ أيُّها الرسُول، إنِّ الإيمَانَ لم يَستَحكِمْ في قُلوبِكمْ بعد، ولكنْ قُولوا استَسلَمنا وانقَدْنا، فإنَّ الإسْلامَ انقيادٌ ودُخولٌ في السِّلم، ولم تَصِلوا إلى حَقيقَةِ الإيمَانِ بعد. وإنْ تُطيعوا اللهَ ورَسولَهُ مُخلِصين، سِرًّا وعَلانيَة، لا يَنقُصْكمْ مِنْ أُجورِ أعمالِكمْ شَيئًا، واللهُ يَغفِرُ لمَنْ تابَ مِنْ ذَنوبِه، ويَرحَمُهم، فيَعفو عنهمْ ولا يُعَذِّبُهمْ بها.

﴿إِنَّمَا الۡمُؤۡمِنُونَ الَّذِينَ ءَامَنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِۦ ثُمَّ لَمۡ يَرۡتَابُواْ وَجَٰهَدُواْ بِأَمۡوَٰلِهِمۡ وَأَنفُسِهِمۡ فِي سَبِيلِ اللَّهِۚ أُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الصَّـٰدِقُونَ﴾ [الحجرات:15]


إنَّما المؤمِنونَ حقًّا، الذينَ آمَنوا باللهِ رَبًّا، وبمحمَّدٍ رسُولاً، ولم يَشُكُّوا في ذلكَ أبدًا، وبادَروا إلى طاعَةِ الله، فجاهَدوا بأموَالِهمْ وأنفسِهمْ في سَبيلِه، فأولئكَ همُ الصَّادِقونَ في إيمانِهم.

﴿قُلۡ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمۡ وَاللَّهُ يَعۡلَمُ مَا فِي السَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي الۡأَرۡضِۚ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيۡءٍ عَلِيمٞ﴾ [الحجرات:16]


قُلْ لهؤلاءِ الذينَ ادَّعَوا الإيمَان: أتُخبِرونَ اللهَ بعَقيدَتِكمُ التي أنتُمْ عَليها، وهوَ الذي أحاطَ عِلمُهُ بكُلِّ ذَرَّةٍ في السَّماواتِ والأرْض، وهوَ عالِمٌ بكُلِّ شَيء، وبما أسرَرتُمْ وأعلَنتُم، وما ادَّعَيتُمْ مِنَ الإيمَان؟

﴿يَمُنُّونَ عَلَيۡكَ أَنۡ أَسۡلَمُواْۖ قُل لَّا تَمُنُّواْ عَلَيَّ إِسۡلَٰمَكُمۖ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيۡكُمۡ أَنۡ هَدَىٰكُمۡ لِلۡإِيمَٰنِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ﴾ [الحجرات:17]


ويَعتَبِرونَ إسْلامَهمْ مِنَّةً عَليك، قُلْ لهمْ أيُّها الرسُول: لا تَمُنُّوا عليَّ إسْلامَكمْ ومُتابَعتَكمْ لي، ولا تَتفاضَلوا عليَّ بذلك، فإنَّ مَنفعَةَ ذلكَ تَعودُ عَليكم، والفَضلُ والمنَّةُ للهِ عَليكمْ بهدايَتِكمْ لهذا الدِّين، إنْ كنتُمْ مُؤمِنين.

﴿إِنَّ اللَّهَ يَعۡلَمُ غَيۡبَ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِۚ وَاللَّهُ بَصِيرُۢ بِمَا تَعۡمَلُونَ﴾ [الحجرات:18]


واللهُ يَعلَمُ ما غابَ عنكمْ ممَّا في السَّماواتِ والأرْضِ كُلِّها، وهوَ بَصيرٌ بأعمالِكمْ وأحوالِكم، سِرِّها وعَلانيَتِها.