﴿وَجَآءَتۡ كُلُّ نَفۡسٖ مَّعَهَا سَآئِقٞ وَشَهِيدٞ﴾ [ق :21]
وجاءَتْ كُلُّ نَفسٍ في ذلكَ اليَوم، بَرَّةً كانتْ أو فاجِرَة، معَها مَلَكان، أحَدُهما يَسوقُها إلى المَحشَر، والآخَرُ يَشهَدُ عَليها بما عَمِلَت.
﴿لَّقَدۡ كُنتَ فِي غَفۡلَةٖ مِّنۡ هَٰذَا فَكَشَفۡنَا عَنكَ غِطَآءَكَ فَبَصَرُكَ الۡيَوۡمَ حَدِيدٞ﴾ [ق :22]
لقدْ كنتَ في غَفلَةٍ مِنْ هذا اليَومِ المَهول، فكشَفنا عنكَ حِجابَ الغَفلَةِ الذي كانَ على قَلبِكَ وسَمعِكَ وبصَرِكَ في الدُّنيا، فبصَرُكَ اليَومَ نافِذٌ قَويّ.
﴿وَقَالَ قَرِينُهُۥ هَٰذَا مَا لَدَيَّ عَتِيدٌ﴾ [ق :23]
وقالَ المَلَكُ الموَكَّلُ بإحضارِه: هذا هوَ العَبدُ الذي وكَّلتَني بإحضارِهِ يا رَبّ، وهوَ حاضِرٌ بينَ يَدَيك، مُهيَّأٌ لِما تَفعَلُ به.
﴿أَلۡقِيَا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفَّارٍ عَنِيدٖ﴾ [ق :24]
يَقولُ اللهُ تَعالَى للملَكَينِ السَّائقِ والشَّهيد: ارمِيا في جهَنَّمَ كُلَّ كافِرٍ عَنيد، مُصِرٍّ على الكُفرِ والتَّكذيب،
﴿مَّنَّاعٖ لِّلۡخَيۡرِ مُعۡتَدٖ مُّرِيبٍ﴾ [ق :25]
كانَ يَمنَعُ الحقوقَ الماليَّةَ المَفروضَةَ عليهِ للفُقَراءِ والمُحتاجين، ويَظلِمُ ويُفسِد، ويَشُكُّ في الدِّين،
﴿الَّذِي جَعَلَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَ فَأَلۡقِيَاهُ فِي الۡعَذَابِ الشَّدِيدِ﴾ [ق :26]
الذي أشرَكَ باللهِ وعبدَ معَهُ غَيرَه، فاطرَحاهُ في العَذابِ الأليمِ ليُعَذَّبَ فيه.
﴿۞قَالَ قَرِينُهُۥ رَبَّنَا مَآ أَطۡغَيۡتُهُۥ وَلَٰكِن كَانَ فِي ضَلَٰلِۭ بَعِيدٖ﴾ [ق :27]
قالَ الشَّيطانُ المُوَكَّلُ بهِ في الدُّنيا وهوَ يَتبَرَّأُ منه: ربَّنا ما أضلَلتُه، ولكنْ كانَ هوَ بَعيدًا عنِ الحقّ، مُعانِدًا له، قابِلاً للباطِل، فأَعَنتُهُ على ضَلالِه، ودَعَوتُهُ إليهِ مِنْ غَيرِ إكرَاه.
﴿قَالَ لَا تَخۡتَصِمُواْ لَدَيَّ وَقَدۡ قَدَّمۡتُ إِلَيۡكُم بِالۡوَعِيدِ﴾ [ق :28]
قالَ اللهُ تَعالَى ما مَعناه: لا تَتخاصَموا عندي في مَوقفِ الحِسابِ والجَزاء، فلا فائدَةَ منه، وقدْ أنذَرتُكمْ وحذَّرتُكمْ على ألسِنَةِ رسُلي مِنَ الكفرِ والعِصيان، ومِنْ عُقوبَةِ اليَومِ الآخِر.
﴿مَا يُبَدَّلُ الۡقَوۡلُ لَدَيَّ وَمَآ أَنَا۠ بِظَلَّـٰمٖ لِّلۡعَبِيدِ﴾ [ق :29]
لا يَتغَيَّرُ قَولي فيما قضَيتُهُ عَليكم، ولستُ ظالِمًا عَبدًا مِنْ عِبادي، فلا أَزيدُ في عُقوبَتِهمْ زيادَةً على ما يَستَحِقُّونَه.
﴿يَوۡمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امۡتَلَأۡتِ وَتَقُولُ هَلۡ مِن مَّزِيدٖ﴾ [ق :30]
واذكرْ عندَما نَقولُ لجهنَّمَ يَومَ القِيامَة: هلِ امتلأتِ مِنَ الجِنِّ والإنس؟ وقدْ وعدَ اللهُ أنْ يَملأها منهما في قَولِه: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لأَمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} [سورة هود: 119]. فتَقولُ جهنَّم: هلْ هُناكَ مَزيدٌ مِنَ الكافِرينَ المُجرِمينَ ليَنالوا عُقوبَتَهم؟ تَقولُ ذلكَ غضبًا لرَبِّها وغَيظًا على الكافِرين.
﴿وَأُزۡلِفَتِ الۡجَنَّةُ لِلۡمُتَّقِينَ غَيۡرَ بَعِيدٍ﴾ [ق :31]
وأُدنيَتِ الجَنَّةُ مِنَ المؤمِنينَ المُتَّقين(140) ، في مَكانٍ غَيرِ بَعيدٍ، بمَرأىً منهم.
(140) {لِلْمُتَّقِينَ}: للذينَ اتَّقَوا ربَّهم فخافوا عقوبتَهُ بأداءِ فرائضهِ واجتنابِ معاصيه. (الطبري).
﴿هَٰذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٖ﴾ [ق :32]
هذا النَّعيمُ المُقيمُ هوَ ما وعدَ اللهُ بهِ كُلَّ مؤمِنٍ مُطيع، تائبٍ إلى الله، مُحافِظٍ على أمرِه، أمينٍ على عَهدِه.
﴿مَّنۡ خَشِيَ الرَّحۡمَٰنَ بِالۡغَيۡبِ وَجَآءَ بِقَلۡبٖ مُّنِيبٍ﴾ [ق :33]
مَنْ خافَ اللهَ في سِرِّهِ وأطاعَهُ بالغَيبِ حيثُ لا يَراهُ أحَدٌ إلاّ هو، ولَقيَ اللهَ بقَلبٍ تائبٍ مُقبِلٍ على طاعَتِه.
﴿ادۡخُلُوهَا بِسَلَٰمٖۖ ذَٰلِكَ يَوۡمُ الۡخُلُودِ﴾ [ق :34]
ادخُلوا الجنَّةَ بسَلامَةٍ مِنَ العَذاب، وتَسليمٍ مِنَ اللهِ تَعالَى ومَلائكتِه، ذلكَ هوَ يَومُ البَقاءِ الذي لا مَوتَ بَعدَه، ولا تَحوُّلَ فيهِ عنِ الجنَّةِ إلى غَيرِها.
﴿لَهُم مَّا يَشَآءُونَ فِيهَا وَلَدَيۡنَا مَزِيدٞ﴾ [ق :35]
لهمْ فيها ما يَسألونَ ويَختارونَ مِنْ أصنَافِ الأطعِمَةِ وأنواعِ الأشرِبَة، وعندَنا مَزيدٌ لأهلِ الجنَّة، وهوَ أنْ يَتجَلَّى لهمُ الربُّ عزَّ وجَلَّ، ويَنظُروا إلى وَجهِهِ الكريم، وهوَ أجَلُّ وأفضَلُ ما يُؤتَونَهُ فيها.
﴿وَكَمۡ أَهۡلَكۡنَا قَبۡلَهُم مِّن قَرۡنٍ هُمۡ أَشَدُّ مِنۡهُم بَطۡشٗا فَنَقَّبُواْ فِي الۡبِلَٰدِ هَلۡ مِن مَّحِيصٍ﴾ [ق :36]
وقدْ أهلَكنا كثيرًا مِنَ الأقوَامِ الذينَ سبَقوا قَومَك، وكانوا أكثرَ منهمْ قوَّةً ومَنَعَة، وأشَدَّ بأسًا وفَتكًا، فسَاروا في الأرْضِ وطافُوا بها، لابتِغاءِ الرِّزقِ وغَيرِه، ولم يَجِدوا مفرًّا مِنَ المَوتِ الذي كانَ لهمْ بالمِرصَاد، أينَما كانوا.
﴿إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَذِكۡرَىٰ لِمَن كَانَ لَهُۥ قَلۡبٌ أَوۡ أَلۡقَى السَّمۡعَ وَهُوَ شَهِيدٞ﴾ [ق :37]
وفي ذلكَ عِظَةٌ وتَذكِرَة، لمَنْ كانَ لهُ قَلبٌ يَفقَهُ به، أو أصغَى إلى ما يُتلَى عَليهِ مِنَ القُرآنِ وهوَ لا يَرَى أولَى منه، وهوَ حاضِرُ القَلب، ليسَ بغافِل.
﴿وَلَقَدۡ خَلَقۡنَا السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضَ وَمَا بَيۡنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٖ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٖ﴾ [ق :38]
ولقدْ خلَقنا السَّماواتِ السَّبعَ العَظيمَة، والأرْضَ الواسِعَة، وما بينَهما مِنَ المَخلوقات، في ستَّةِ أيَّام، وما أصابَنا مِنْ تعَبٍ وإعياء.
﴿فَاصۡبِرۡ عَلَىٰ مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحۡ بِحَمۡدِ رَبِّكَ قَبۡلَ طُلُوعِ الشَّمۡسِ وَقَبۡلَ الۡغُرُوبِ﴾ [ق :39]
فاصبِرْ على ما يؤذيكَ بهِ المشرِكونَ مِنَ التَّكذيبِ والإعراض - وكانَ هذا بمكَّة - وصَلِّ حَمدًا لله، صَلاةَ الصُّبح، وصَلاةَ العَصر. وخُصَّا بالذِّكرِ لزيادَةِ فَضلِهما.
روَى جَريرُ بنُ عبدِاللهِ قال: كُنَّا جُلوسًا ليلةً معَ النبيِّ صلى الله عليهِ وسلم، فنظرَ إلى القمَرِ ليلةَ أربعَ عَشْرَة، فقال: "إنَّكمْ سترَونَ ربَّكمْ كما ترَونَ هذا، لا تُضامُونَ في رُؤيَتِه، فإنِ استَطَعتُمْ أنْ لا تُغلَبوا عنْ صلاةٍ قَبلَ طُلوعِ الشَّمسِ وقَبلَ غُروبِها فافعَلوا". ثمَّ قَرأ: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ}. رواهُ الشَّيخانُ وغَيرُهما.
قالَ الخَطَّابيُّ: هذا يَدلُّ على أنَّ الرؤيَةَ قدْ يُرجَى نَيلُها بالمُحافظَةِ على هاتَينِ الصَّلاتَين. يَعني الفَجرَ والعَصر.
﴿وَمِنَ الَّيۡلِ فَسَبِّحۡهُ وَأَدۡبَٰرَ السُّجُودِ﴾ [ق :40]
وصَلِّ لهُ بَعضَ اللَّيل، وسَبِّحْهُ في أدبارِ الصَّلوات.