تفسير سورة الذاريات

  1. سور القرآن الكريم
  2. الذاريات
51

﴿وَفِيٓ أَنفُسِكُمۡۚ أَفَلَا تُبۡصِرُونَ﴾ [الذاريات:21]


وفي ذَواتِكمْ ما يُدْهِشُ ويَبعَثُ على التَّفكيرِ والاعتِبار، مِنْ حُسنِ التَّركيبِ والتَّوظيفِ والأدَاء... والرُّوحِ التي أودَعَها اللهُ فيكم، وأسرارِها، وطاقاتِها، وإدراكِها، وتَكوينِكمُ النَّفسيّ، وتَفكيرِكم، وتَذكُّرِكم... أفلا تنَظرونَ فتَتفَكَّرون، وتَعتَبِرونَ فتُؤمِنون؟

﴿وَفِي السَّمَآءِ رِزۡقُكُمۡ وَمَا تُوعَدُونَ﴾ [الذاريات:22]


وفي السَّماءِ تَقديرُ رِزقِكم(142)، وما تُوعَدونَ مِنْ خَيرٍ وشَرّ.

(142) {وَفِى ٱلسَّمَاء رِزْقُكُمْ} أي: سببُ رزقِكم، وهو المطر، فإنه سببُ الأرزاق. قالَ سعيد بن جبير، والضحاك: الرزقُ هنا: ما يَنزلُ من السماء، من مطرٍ وثلج. وقيل: المرادُ بالسماءِ السحاب، أي: وفي السحابِ رزقُكم. وقيل: المرادُ بالسماء: المطر، وسمَّاهُ سماءً لأنه يَنزلُ من جهتِها... وقالَ سفيانُ الثوري: أي: عندَ الله في السماءِ رزقُكم. وقيل: المعنى: وفي السماءِ تقديرُ رزقِكم. (فتح القدير).

﴿فَوَرَبِّ السَّمَآءِ وَالۡأَرۡضِ إِنَّهُۥ لَحَقّٞ مِّثۡلَ مَآ أَنَّكُمۡ تَنطِقُونَ﴾ [الذاريات:23]


فوَرَبِّ السَّماءِ وما فيها، والأرْضِ وما عَليها، إنَّ ما ذُكِرَ مِنْ أمرِ القُرآن، والنبيِّ، والقيامَة، والرِّزق، حقٌ وصِدق، فلا تَشُكُّوا في ذلك، كما لا تَشُكُّونَ في نُطقِكمْ حينَ تَنطِقون.

﴿هَلۡ أَتَىٰكَ حَدِيثُ ضَيۡفِ إِبۡرَٰهِيمَ الۡمُكۡرَمِينَ﴾ [الذاريات:24]


هلْ عَلِمتَ خبرَ ضُيوفِ نَبيِّ اللهِ إبراهيمَ المُكرَمينَ عندَ الله؟

﴿إِذۡ دَخَلُواْ عَلَيۡهِ فَقَالُواْ سَلَٰمٗاۖ قَالَ سَلَٰمٞ قَوۡمٞ مُّنكَرُونَ﴾ [الذاريات:25]


إذْ دخَلوا عليهِ فقالوا: سَلامًا، فقالَ لهم: عَليكمْ سَلامٌ، أنتُمْ غَيرُ مَعروفين. وكانوا مَلائكة.

﴿فَرَاغَ إِلَىٰٓ أَهۡلِهِۦ فَجَآءَ بِعِجۡلٖ سَمِينٖ﴾ [الذاريات:26]


فذَهبَ إلى أهلِهِ على خُفيَة، وجاءَهمْ بعِجلٍ مَشويّ، مُمتَلِئٍ باللَّحمِ والشَّحم.

﴿فَقَرَّبَهُۥٓ إِلَيۡهِمۡ قَالَ أَلَا تَأۡكُلُونَ﴾ [الذاريات:27]


فأدناهُ منهم، وقالَ لهمْ في تلَطُّف: ألَا تَبدَؤونَ فتأكُلون؟

﴿فَأَوۡجَسَ مِنۡهُمۡ خِيفَةٗۖ قَالُواْ لَا تَخَفۡۖ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَٰمٍ عَلِيمٖ﴾ [الذاريات:28]


فلمَّا رأى أنَّهمْ لا يأكُلون، وهوَ صَعبٌ على مُضيفٍ كَريم، أضمرَ منهمْ خَوفًا، وظنَّ أنَّهمْ يُريدونَ بهِ شَرًّا، فقالوا له: لا تخَف، نحنُ رسُلُ الله. وبشَّروهُ بغُلامٍ على كِبَرِه، يَكونُ عالِمًا عندَ بُلوغِهِ واستِوائه، وهوَ إسحاقُ عَليهِ السَّلام.

﴿فَأَقۡبَلَتِ امۡرَأَتُهُۥ فِي صَرَّةٖ فَصَكَّتۡ وَجۡهَهَا وَقَالَتۡ عَجُوزٌ عَقِيمٞ﴾ [الذاريات:29]


فأقبلَتِ امرأتُهُ سارَةُ لمَّا سَمِعَتْ بِشارتَهم، في صَيحَةٍ، وضرَبَتْ بيدِها على وَجهِها تعَجُّبًا كعادَةِ النِّساء، وقالت: أنا عَجوزٌ عاقِرٌ فكيفَ أَلِد؟!

﴿قَالُواْ كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِۖ إِنَّهُۥ هُوَ الۡحَكِيمُ الۡعَلِيمُ﴾ [الذاريات:30]


قالوا: مثلَما قُلنا لكِ هوَ ما قالَ رَبُّكِ، ونحنُ مُبَلِّغونَ عنهُ سُبحانَه، وهوَ الحَكيمُ فيما يَقولُ ويُقَدِّر، العَليمُ بمَنْ يَستَحِقُّ البِشارَةَ والكرامَة.

﴿۞قَالَ فَمَا خَطۡبُكُمۡ أَيُّهَا الۡمُرۡسَلُونَ﴾ [الذاريات:31]


﴿قَالُوٓاْ إِنَّآ أُرۡسِلۡنَآ إِلَىٰ قَوۡمٖ مُّجۡرِمِينَ﴾ [الذاريات:32]


قالوا: لقدْ أُرسِلنا بالعَذابِ إلى قَومِ لُوطٍ الكافِرين،

﴿لِنُرۡسِلَ عَلَيۡهِمۡ حِجَارَةٗ مِّن طِينٖ﴾ [الذاريات:33]


لنُرسِلَ عَليهمْ حِجارَةً مِنْ طينٍ مُتحجِّر،

﴿مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ لِلۡمُسۡرِفِينَ﴾ [الذاريات:34]


مُعْلَمَةً، مَكتوبًا على كُلٍّ منها أسماؤهمْ مِنْ عندِ رَبِّك، لتُصيبَ هؤلاءِ المشرِكينَ الذينَ تَجاوَزوا الحدَّ في الفُجور، وأصَرُّوا على إتيانِ الرِّجالِ دونَ النِّساء، ولم يَنتَهوا.

﴿فَأَخۡرَجۡنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [الذاريات:35]


فأخرَجنا مِنْ قُرَى قَومِ لُوطٍ مَنْ آمَن.

﴿فَمَا وَجَدۡنَا فِيهَا غَيۡرَ بَيۡتٖ مِّنَ الۡمُسۡلِمِينَ﴾ [الذاريات:36]


فما وجَدنا بينَها غَيرَ بَيتٍ للمُسلِمين، وهوَ بَيتُ لُوطٍ عليهِ السَّلام.

﴿وَتَرَكۡنَا فِيهَآ ءَايَةٗ لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الۡعَذَابَ الۡأَلِيمَ﴾ [الذاريات:37]


وأَبقَينا في تلكَ القُرَى عِبرَةً وعَلامةً دالَّةً على ما أصابَهمْ مِنَ العَذابِ والنَّكالِ. وهيَ في مِنطقَةِ البَحرِ الميِّت، وآثارُهمْ مازالتْ مَوجودَةً حتَّى الآن. وفي ذلكَ عِبرَةٌ لمَنْ يَخافُونَ العُقوبَةَ والعَذاب، فيَبتَعِدونَ عمَّا كانَ عليهِ أولئكَ القَومُ مِنَ الفاحِشَةِ والرَّذيلَة.

﴿وَفِي مُوسَىٰٓ إِذۡ أَرۡسَلۡنَٰهُ إِلَىٰ فِرۡعَوۡنَ بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٖ﴾ [الذاريات:38]


وفي حَديثِ موسَى آيَةٌ وعِبرَة، إذْ أرسَلناهُ إلى فِرعَونَ وقَومِهِ بحُجَّةٍ ظاهِرَة، ومُعجِزَةٍ باهِرَة.

﴿فَتَوَلَّىٰ بِرُكۡنِهِۦ وَقَالَ سَٰحِرٌ أَوۡ مَجۡنُونٞ﴾ [الذاريات:39]


فأعرضَ عنِ الإيمَانِ بما جاءَ بهِ موسَى، وركنَ إلى قوَّتِهِ وسُلطانِه، وقال فيه: هوَ ساحِرٌ يَخدَعُ النَّاس، أو مَجنونٌ يُعَلِّمُهُ الجِنّ.

﴿فَأَخَذۡنَٰهُ وَجُنُودَهُۥ فَنَبَذۡنَٰهُمۡ فِي الۡيَمِّ وَهُوَ مُلِيمٞ﴾ [الذاريات:40]


وأصَرَّ على تَكذيبِ موسَى، ولم تَنفَعْ معَهُ نَصيحَةٌ أو مُعجِزَة، فانتقَمنا منه، وطرَحناهُ معَ جنودِهِ في البَحر، وهوَ مَلومٌ كافِرٌ طاغٍ.