تفسير سورة الذاريات

  1. سور القرآن الكريم
  2. الذاريات
51

﴿وَالذَّـٰرِيَٰتِ ذَرۡوٗا﴾ [الذاريات:1]


أقسِمُ بالرِّياحِ التي تَذرو التُّراب، وتَحمِلُ السُّحُب، وحُبوبَ اللِّقاح، وغَيرَها، فتُفَرِّقُها بأمرِ اللهِ وعِلمِه(141).

وللهِ أنْ يُقسِمَ بما شَاءَ مِنْ مَخلوقاتِه، لتَوجيهِ النَّظَرِ إليها، وتدَبُّرِ ما فيها مِنْ حِكمَةٍ وإبداع.


(141) يقال: ذرتِ الريحُ الشيءَ ذَروًا وأذرته: أطارتهُ وأذهبته... والمراد: الرياحُ التي تذرو الترابَ وغيره. (روح البيان).

﴿فَالۡحَٰمِلَٰتِ وِقۡرٗا﴾ [الذاريات:2]


فالسُّحُبِ التي تَحمِلُ المطَر، ويَسوقُها اللهُ إلى حَيثُ يَشاء.

﴿فَالۡجَٰرِيَٰتِ يُسۡرٗا﴾ [الذاريات:3]


فالسُّفُنِ التي تَجري على الماءِ مَيَسَّرَةً بقُدرَتِه.

﴿فَالۡمُقَسِّمَٰتِ أَمۡرًا﴾ [الذاريات:4]


فالمَلائكةِ الذينَ يَنزِلونَ بأوَامرِ اللهِ ويُوَزِّعونَها بينَ الخَلقِ كما أُمِروا به.

﴿إِنَّمَا تُوعَدُونَ لَصَادِقٞ﴾ [الذاريات:5]


إنَّ الذي تُوعَدونَ بهِ مِنَ البَعثِ والثَّوابِ والعِقابِ هوَ خبَرُ صِدق.

﴿وَإِنَّ الدِّينَ لَوَٰقِعٞ﴾ [الذاريات:6]


وإنَّ الحِسابَ والجَزاءَ لكائنٌ لا مَحالَة، فتُجازَونَ بالإحسَانِ إحسَانًا، وبالسُّوءِ عُقوبَةً وخُسرانًا.

﴿وَالسَّمَآءِ ذَاتِ الۡحُبُكِ﴾ [الذاريات:7]


أقسِمُ بالسَّماءِ المُحكمَةِ البُنيان، ذاتِ الجَمالِ والبَهاء، والحُسنِ والاستِواء.

﴿إِنَّكُمۡ لَفِي قَوۡلٖ مُّخۡتَلِفٖ﴾ [الذاريات:8]


إنَّكمْ لَفي قَولٍ مُضطَرِبٍ في أمرِ القُرآنِ والنبوَّة، فتَقولونَ في القُرآنِ سِحر، وأساطيرُ الأوَّلين، وفي الرَّسُولِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم: ساحِر، وشاعِر، ومَجنون...

﴿يُؤۡفَكُ عَنۡهُ مَنۡ أُفِكَ﴾ [الذاريات:9]


إنَّما يُصرَفُ عنِ الإيمانِ والقُرآنِ كُلُّ ضالٍّ مُكذِّبٍ به.

﴿قُتِلَ الۡخَرَّـٰصُونَ﴾ [الذاريات:10]


لُعِنَ الكذَّابونَ مِنْ هؤلاءِ الضَّالِّينَ المُختَلِفين،

﴿الَّذِينَ هُمۡ فِي غَمۡرَةٖ سَاهُونَ﴾ [الذاريات:11]


الذينَ همْ في جَهلٍ وغَفلَةٍ عَظيمَة، لاهونَ، غَيرُ مُكتَرثينَ بأمرِ الآخِرَة.

﴿يَسۡـَٔلُونَ أَيَّانَ يَوۡمُ الدِّينِ﴾ [الذاريات:12]


يَقولونَ تَكذيبًا واستِهزاءً واستِعجالاً له: متَى يَكونُ يَومُ الجَزاء؟

﴿يَوۡمَ هُمۡ عَلَى النَّارِ يُفۡتَنُونَ﴾ [الذاريات:13]


إنَّ هذا الجَزاءَ يَكونُ يَومَ يُعذَّبونَ ويُحرَقونَ في النَّار.

﴿ذُوقُواْ فِتۡنَتَكُمۡ هَٰذَا الَّذِي كُنتُم بِهِۦ تَسۡتَعۡجِلُونَ﴾ [الذاريات:14]


ذوقُوا عَذابَكمُ المُهيَّأَ لكم، الذي كنتُمْ تُكذِّبونَ بهِ في الدُّنيا، وتَستَعجِلونَهُ هُزءًا وسُخريَة.

﴿إِنَّ الۡمُتَّقِينَ فِي جَنَّـٰتٖ وَعُيُونٍ﴾ [الذاريات:15]


إنَّ عِبادَ اللهِ المؤمِنينَ، الذينَ يَتجنَّبونَ مُخالفةَ أمرِ الله، في جَنَّاتٍ عاليات، وأنهارٍ جاريَات.

﴿ءَاخِذِينَ مَآ ءَاتَىٰهُمۡ رَبُّهُمۡۚ إِنَّهُمۡ كَانُواْ قَبۡلَ ذَٰلِكَ مُحۡسِنِينَ﴾ [الذاريات:16]


قابِلينَ ما أعطاهمْ رَبُّهمْ مِنَ الخَيرِ والنَّعيمِ وراضِينَ به، إنَّهمْ كانوا في الدُّنيا مُحسِنينَ في سُلوكِهم، صالِحينَ في أعمالِهم.

﴿كَانُواْ قَلِيلٗا مِّنَ الَّيۡلِ مَا يَهۡجَعُونَ﴾ [الذاريات:17]


كانوا يَنامُونَ قَليلاً مِنَ اللَّيل، فيُصَلُّونَ للهِ ويَذكرونَهُ ويَدْعُونَهُ أكثرَ اللَّيل.

﴿وَبِالۡأَسۡحَارِ هُمۡ يَسۡتَغۡفِرُونَ﴾ [الذاريات:18]


وفي وَقتِ السَّحَرِ حيثُ يُستَجابُ الدُّعاء، يَستَغفِرونَ اللهَ ويَتوبونَ إليهِ مِنْ ذُنوبِهم، ليَغفِرَ لهم، ويَرضَى عَنهم.

قالَ صاحِبُ الظِّلالِ رَحِمَهُ الله: فهمُ الأيقاظُ في جُنْحِ اللَّيلِ والنَّاسُ نيَام، المُتوَجِّهونَ إلى رَبِّهمْ بالاستِغفارِ والاستِرحام، لا يَطعَمونَ الكرَى إلاّ قَليلاً، ولا يَهجَعونَ في لَيلِهمْ إلاّ يَسيرًا، يأنَسونَ برَبِّهمْ في جَوفِ اللَّيل، فتَتجافَى جُنوبُهمْ عنِ المَضاجِع...

﴿وَفِيٓ أَمۡوَٰلِهِمۡ حَقّٞ لِّلسَّآئِلِ وَالۡمَحۡرُومِ﴾ [الذاريات:19]


وفي أموالِهمْ نَصيبٌ يَخصُّونَهُ للسَّائلِ المُحتاج، والمَحرومِ الذي ذهَبَ مالُهُ ولا يَقدِرُ على العمَل، أو هوَ يَعِفُّ فلا يَسأل، وهوَ لا يَملِكُ شَيئًا.

﴿وَفِي الۡأَرۡضِ ءَايَٰتٞ لِّلۡمُوقِنِينَ﴾ [الذاريات:20]


وفي الأرْضِ أدِلَّةٌ وبَراهينُ تَدُلُّ على عَظمَةِ اللهِ وقُدرَتِه، لمَنْ كانَ قَلبُهُ عامِرًا بالإيمَانِ واليَقين، ممَّا فيها مِنْ أصنافِ الحيَوانِ المَبثوثِ في البَرِّ والبَحر، ومِنَ الثَّمَرِ والزَّهَر، والمَعدِنِ والصَّخْر، والماءِ والتُّراب، واختِلافِ الألسِنَةِ والألوَان...