﴿وَالَّذِينَ ءَامَنُواْ وَاتَّبَعَتۡهُمۡ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَٰنٍ أَلۡحَقۡنَا بِهِمۡ ذُرِّيَّتَهُمۡ وَمَآ أَلَتۡنَٰهُم مِّنۡ عَمَلِهِم مِّن شَيۡءٖۚ كُلُّ امۡرِيِٕۭ بِمَا كَسَبَ رَهِينٞ﴾ [الطور :21]
والمؤمِنونَ الذينَ اتَّبعَتْهُمْ ذُرِّياتُهمْ في الإيمَان، ألحَقناهُمْ بآبائهمْ فكانوا معَهمْ في الجنَّة، وإنْ كانوا دونَهمْ في العمَل، إكرامًا لهم، ولتقَرَّ أعينُهمْ بهم، وما نقَصنا مِنْ عمَلِ الآباءِ شَيئًا بهذا الإكرَام، كُلُّ إنسَانٍ رَهْنٌ بكَسبِهِ عندَ الله، غَيرُ مَفكوكٍ عنه، ولا يُؤاخَذُ أحَدٌ بذَنبِ أحَد، سَواءٌ كانَ أبًا أمِ ابنًا.
﴿وَأَمۡدَدۡنَٰهُم بِفَٰكِهَةٖ وَلَحۡمٖ مِّمَّا يَشۡتَهُونَ﴾ [الطور :22]
وزَوَّدناهُمْ بأنوَاعِ الفَواكهِ اللَّذيذَة، واللَّحمِ الشهيِّ الذي تَرغَبُ فيهِ النَّفس.
﴿يَتَنَٰزَعُونَ فِيهَا كَأۡسٗا لَّا لَغۡوٞ فِيهَا وَلَا تَأۡثِيمٞ﴾ [الطور :23]
يَتعاطَونَ في الجنَّةِ كؤوسَ الخَمرِ ويتَجاذَبونَها، لا تُسكِرُ ولا تُؤذي، ولا يَتكلَّمُ أصحابُها بهذَيان، ولا كلامٍ فاحِشٍ يأثَمونَ بهِ كما في الدُّنيا، بلْ يَفعَلونَ ما يَفعَلُهُ الكِرام.
﴿۞وَيَطُوفُ عَلَيۡهِمۡ غِلۡمَانٞ لَّهُمۡ كَأَنَّهُمۡ لُؤۡلُؤٞ مَّكۡنُونٞ﴾ [الطور :24]
ويَطوفُ عَليهمْ ويَخدِمُهمْ غِلمانٌ مُختَصُّونَ بهم، كأنَّهمْ لؤلؤٌ مَصُونٌ في الصَّدَف، في بَهائهمْ ونَظافَتِهمْ وحُسنِ مَلابسِهم.
﴿وَأَقۡبَلَ بَعۡضُهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ يَتَسَآءَلُونَ﴾ [الطور :25]
وأقبَلَ أهلُ الجنَّةِ يتَحادَثون، ويَسألُ بَعضُهمْ بَعضًا عنْ أحوالِهمْ في الدُّنيا.
﴿قَالُوٓاْ إِنَّا كُنَّا قَبۡلُ فِيٓ أَهۡلِنَا مُشۡفِقِينَ﴾ [الطور :26]
قالوا: لقدْ كنَّا خائفينَ وَجِلينَ بينَ أهلِينا، نَخشَى عَذابَ اللهِ ونُشفِقُ على أنفُسِنا مِنْ عِقابِه.
﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيۡنَا وَوَقَىٰنَا عَذَابَ السَّمُومِ﴾ [الطور :27]
فمَنَّ اللهُ عَلينا برَحمَتِه، وأكرمَنا بنِعمَتِه، فأدخلَنا جنَّتَه، وجنَّبَنا نارَ جهنَّمَ الشَّديدَةَ النَّافِذَة، التي تَدخلُ في الجسمِ وتُحرِقُهُ مباشرَة.
﴿إِنَّا كُنَّا مِن قَبۡلُ نَدۡعُوهُۖ إِنَّهُۥ هُوَ الۡبَرُّ الرَّحِيمُ﴾ [الطور :28]
لقدْ كنَّا نَعبُدُ اللهَ في الدُّنيا مُخلِصين، ونَرجُوهُ أنْ يَقيَنا العَذاب، إنَّهُ هوَ المُحسِنُ الكَريم، ذو الرَّحمَةِ العَظيمَة.
﴿فَذَكِّرۡ فَمَآ أَنتَ بِنِعۡمَتِ رَبِّكَ بِكَاهِنٖ وَلَا مَجۡنُونٍ﴾ [الطور :29]
فعِظْهُمْ بالقُرآنِ أيُّها الرسُول، وبَلِّغْهمْ رسالَةَ ربِّك، فلستَ بحَمدِ اللهِ كاهِنًا تَكذِبُ عَليهمْ في نَقلِ الأخبَارِ بالظُّنونِ والأباطِيل، ولا مَجنونًا تَقولُ كلامًا فاسِدًا غَيرَ مَعقولٍ مِنْ مَسِّ الجِنّ.
﴿أَمۡ يَقُولُونَ شَاعِرٞ نَّتَرَبَّصُ بِهِۦ رَيۡبَ الۡمَنُونِ﴾ [الطور :30]
بلْ يَقولونَ هوَ شاعِرٌ نَنتَظِرُ أنْ يأتيَ عليهِ المَوت، فيَموتُ كما ماتَ مَنْ قَبلَهُ مِنَ الشُّعَراء، ويتَفرَّقُ أصحابُهُ عنه، فنَستَريحُ منهُ ومنهم.
﴿قُلۡ تَرَبَّصُواْ فَإِنِّي مَعَكُم مِّنَ الۡمُتَرَبِّصِينَ﴾ [الطور :31]
قُلْ لهمْ أيُّها الرسُول: انتَظِروا، فإنَّني أنتَظِرُ هَلاكَكمْ كما تَنتَظِرونَ هَلاكي، وستَعلَمونَ لمَنْ تَكونُ العاقِبَة.
﴿أَمۡ تَأۡمُرُهُمۡ أَحۡلَٰمُهُم بِهَٰذَآۚ أَمۡ هُمۡ قَوۡمٞ طَاغُونَ﴾ [الطور :32]
أمْ أنَّ عُقولَهمْ تأمرُهمْ أنْ يَقولوا فيكَ هذهِ الأقوالَ الباطِلة؟ - وكانَ زُعماءُ قُرَيشٍ يُوصَفونَ بالأحْلامِ والعُقولِ -، بلْ همْ ضالُّونَ مُعانِدون، مُستَكبِرونَ عنِ اتِّباعِ الهُدَى وقَولِ الحقّ.
﴿أَمۡ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُۥۚ بَل لَّا يُؤۡمِنُونَ﴾ [الطور :33]
أمْ أنَّهمْ يَقولونَ إنَّهُ اختلَقَ القُرآنَ مِنْ عندِهِ ونسَبَهُ إلى الله؟ بلْ همْ كافِرونَ مُعانِدون، لا يُؤمِنونَ بالقُرآنِ استِكبارًا وعِنادًا، ولذلكَ يَقولونَ ما يَقولون، ويَرمُونَكَ بهذهِ الأباطِيل.
﴿فَلۡيَأۡتُواْ بِحَدِيثٖ مِّثۡلِهِۦٓ إِن كَانُواْ صَٰدِقِينَ﴾ [الطور :34]
فليَأتوا بمثلِ ما جاءَ بهِ الرسُولُ مِنْ هذا القُرآن، نَظمًا ومَعنًى، إنْ كانوا صادِقينَ مِنْ أنَّهُ كلامُ البشَر. إنَّهمْ لا يَستَطيعونَ ذلك، ولو اجتمَعَ لهمُ النَّاسُ جَميعًا، أوَّلُهمْ وآخِرُهم.
﴿أَمۡ خُلِقُواْ مِنۡ غَيۡرِ شَيۡءٍ أَمۡ هُمُ الۡخَٰلِقُونَ﴾ [الطور :35]
أمْ أنَّهمْ وُجِدوا مِنْ غَيرِ خالِق، أمْ أنَّهمْ همُ الذينَ أوجَدوا أنفُسَهم؟!
﴿أَمۡ خَلَقُواْ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضَۚ بَل لَّا يُوقِنُونَ﴾ [الطور :36]
أمْ أنَّهمْ همُ الذينَ خلَقوا السَّماواتِ العَظيمَةَ والأرْضَ ومَنْ فيها، ولذلكَ فهمْ يَتكبَّرونَ ولا يُؤمِنون؟ بلْ همْ غَيرُ مؤمِنينَ باللهِ الخالِق، فإنَّ الإيمَانَ بهِ حَقًّا يؤدِّي إلى امتِثالِ أمرِه.
﴿أَمۡ عِندَهُمۡ خَزَآئِنُ رَبِّكَ أَمۡ هُمُ الۡمُصَۜيۡطِرُونَ﴾ [الطور :37]
أمْ أنَّ عندَهمْ مَفاتِحَ خَزائنِ الكَونِ فهمْ مُسَلَّطونَ عليه، وأربابٌ قاهِرونَ لهُ يتَصرَّفونَ فيهِ كما يَشاؤون؟
﴿أَمۡ لَهُمۡ سُلَّمٞ يَسۡتَمِعُونَ فِيهِۖ فَلۡيَأۡتِ مُسۡتَمِعُهُم بِسُلۡطَٰنٖ مُّبِينٍ﴾ [الطور :38]
أمْ أنَّ لهمْ سُلَّمًا يَصعَدونَ بهِ إلى السَّماءِ ويَستَمِعونَ إلى المَلائكة، فيَعرِفونَ ما يأمرُهمْ بهِ رَبُّهمْ مِنْ أمرِ العِباد، وعَلِموا بذلكَ أنَّهمْ على حقّ؟ فَليَأتِ مَنْ سَمِعَ ذلكَ منهمْ بحُجَّةٍ بيِّنةٍ تدُلُّ على صِدقِ سَماعِه.
﴿أَمۡ لَهُ الۡبَنَٰتُ وَلَكُمُ الۡبَنُونَ﴾ [الطور :39]
أمْ أنَّ للهِ البَناتِ ولكمْ أنتُمُ البَنون، فتَفتَخِرونَ بذلكَ على ربِّكم؟! وكانوا يَقولونَ - منْ جَهلِهمْ وضَلالِهمْ - إنَّ الملائكةَ بَناتُ الله، ويُحِبُّونَ أنْ يَكونَ لهمُ الذُّكور، ويَتشاءَمونَ مِنَ الإناث!
﴿أَمۡ تَسۡـَٔلُهُمۡ أَجۡرٗا فَهُم مِّن مَّغۡرَمٖ مُّثۡقَلُونَ﴾ [الطور :40]
أمْ أنَّكَ تَسألُهمْ أُجرَةً على تَبليغِ رسَالَةِ الله، ولذلكَ فهمْ يُعرِضونَ عنك، ويتَبرَّمونَ ويَتثاقَلونَ ممَّا تَطلبُهُ منهم، وكأنَّ عَليهمْ غَرامةً ماليَّةً مِنْ ذلك؟