تفسير سورة النجم

  1. سور القرآن الكريم
  2. النجم
53

﴿أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الۡأُنثَىٰ﴾ [النجم:21]


أتُحِبُّونَ لأنفُسِكمُ الذُّكورَ مِنَ الأولاد، وتَجعَلونَ للهِ ما تَكرَهونَ مِنَ البَنات، فتَقولونَ إنَّ المَلائكةَ بَناتُ الله؟ تَعالَى اللهُ عنْ ذلك.

﴿تِلۡكَ إِذٗا قِسۡمَةٞ ضِيزَىٰٓ﴾ [النجم:22]


فهذهِ قِسمَةٌ ظالِمَةٌ باطِلَة، أنْ تَجعَلوا للربِّ ما تَكرَهون، وتَجعَلوا لأنفُسِكمْ ما تُحِبُّون!

﴿إِنۡ هِيَ إِلَّآ أَسۡمَآءٞ سَمَّيۡتُمُوهَآ أَنتُمۡ وَءَابَآؤُكُم مَّآ أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلۡطَٰنٍۚ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهۡوَى الۡأَنفُسُۖ وَلَقَدۡ جَآءَهُم مِّن رَّبِّهِمُ الۡهُدَىٰٓ﴾ [النجم:23]


ما هذهِ الأصْنامُ إلاّ أسماءٌ فارِغَةٌ ليسَ لها أصلٌ مِنْ مَعنَى الأُلوهيَّة، جعَلتُموها أنتُمْ وآباؤكمْ أسماءً دالَّةً على آلهَةٍ مِنْ تِلقاءِ أنفُسِكم، بمُقتضَى أهواءٍ زائغَة، ما أنزلَ اللهُ بها حُجَّةً ولا بُرهانًا تَتعَلَّقونَ به، وما يتَّبِعونَ في ذلكَ إلاّ توَهُّمًا باطِلاً، وهوًى في أنفُسِهم، ولقدْ جاءَهمُ الرسُولُ محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم بالقُرآن، وهوَ الحقُّ المُبِين، ومعَ ذلكَ لم يتَّبِعوه.

﴿أَمۡ لِلۡإِنسَٰنِ مَا تَمَنَّىٰ﴾ [النجم:24]


أمْ أنَّ لكلِّ إنسانٍ أنْ يتَمنَّى ما يَشتَهيهِ فيُحَصِّلَه؟ إنَّ وَهمَهُ وزَعمَهُ هذا لا يَنفَعُه، ولنْ يَنالَ الكافِرونَ شَفاعَةَ الآلهَةِ التي يَزعُمونَها في يَومِ القِيامَة، إذْ لا شَفاعةَ لها أصلاً،

﴿فَلِلَّهِ الۡأٓخِرَةُ وَالۡأُولَىٰ﴾ [النجم:25]


فالأمرُ للهِ وَحدَهُ في اليَومِ الآخِر، وفي الحياةِ الدُّنيا، فهوَ مالِكُهما والمُتصَرِّفُ فيهما، ولا مَطمعَ لأحَدٍ في ذلك.

﴿۞وَكَم مِّن مَّلَكٖ فِي السَّمَٰوَٰتِ لَا تُغۡنِي شَفَٰعَتُهُمۡ شَيۡـًٔا إِلَّا مِنۢ بَعۡدِ أَن يَأۡذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرۡضَىٰٓ﴾ [النجم:26]


وما أكثرَ الملائكةَ في السَّماوات، الذينَ لا تُفيدُ شَفاعتُهمْ أحَدًا إلاّ بعدَ إذنِ اللهِ لهمْ بذلك، ولا يَكونُ هذا إلاّ لمَنْ يُريدُ اللهُ ويَرضَى بهِ لعِبادِه، مِنْ أهلِ الإيمَانِ والتَّوحيد. وهؤلاءِ مَلائكةٌ مُكرَمونَ عندَ الله، فكيفَ يَرجو المشرِكونَ شَفاعَةَ أصنامٍ نهَى اللهُ عنْ عِبادَتِها، وهيَ لا تُساوي عندَ اللهِ شَيئًا؟

﴿إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤۡمِنُونَ بِالۡأٓخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الۡمَلَـٰٓئِكَةَ تَسۡمِيَةَ الۡأُنثَىٰ﴾ [النجم:27]


إنَّ المشرِكينَ الذينَ لا يؤمِنونَ بالمَعادِ والجَزاء، يَقولونَ إنَّ الملائكةَ إنَاث، وأنَّها بَناتُ الله، تَعالَى اللهُ عنْ ذلك.

﴿وَمَا لَهُم بِهِۦ مِنۡ عِلۡمٍۖ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّۖ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغۡنِي مِنَ الۡحَقِّ شَيۡـٔٗا﴾ [النجم:28]


وهمْ ليسوا مُستَيقِنينَ مِنْ هذا الكَلام، فهلْ شَهِدوا خَلقَهمْ حتَّى يَقولوا ذلك؟ ما يتَّبِعونَ في مَقالِهمْ هذا إلاّ ظنًّا ووَهمًا باطِلاً، ولا يَقومُ الظنُّ مَقامَ العِلم، ولا يُجدي عنِ الحقِّ شَيئًا.

﴿فَأَعۡرِضۡ عَن مَّن تَوَلَّىٰ عَن ذِكۡرِنَا وَلَمۡ يُرِدۡ إِلَّا الۡحَيَوٰةَ الدُّنۡيَا﴾ [النجم:29]


فأعرِضْ عنِ الذي تولَّى عنِ الإيمَانِ والقُرآن، واقتَصرَتْ همَّتُهُ على طلَبِ الدُّنيا وحُطامِها الزَّائل.

﴿ذَٰلِكَ مَبۡلَغُهُم مِّنَ الۡعِلۡمِۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِۦ وَهُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ اهۡتَدَىٰ﴾ [النجم:30]


فالسَّعيُ في طلَبِ الدُّنيا مُنتهَى عِلمِهم، وغايَةُ حِرصِهم، ولا يَعلَمونَ مِنَ العِلمِ المُفيدِ شَيئًا يُذكَر، واللهُ عالِمٌ بمَنِ انحرَفَ عنِ الحقِّ فضَلَّ وغوَى، وبمَنْ سلكَ نهجَ الصَّوابِ فاستَقامَ واهتدَى.

﴿وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَٰوَٰتِ وَمَا فِي الۡأَرۡضِ لِيَجۡزِيَ الَّذِينَ أَسَـٰٓـُٔواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيَجۡزِيَ الَّذِينَ أَحۡسَنُواْ بِالۡحُسۡنَى﴾ [النجم:31]


وللهِ كُلُّ ما في السَّماواتِ والأرْض، خَلقًا، ومُلكًا، وتَدبيرًا، لا يُشارِكُهُ في ذلكَ أحَد، وليَجزيَ كُلَّ فَريقٍ بما يَستَحِقّ، فمَنْ أساءَ فلهُ السُّوءُ يُجزَى به، ومَنْ أحسنَ فلهُ المَثوبَةُ الحُسنَى.

﴿الَّذِينَ يَجۡتَنِبُونَ كَبَـٰٓئِرَ الۡإِثۡمِ وَالۡفَوَٰحِشَ إِلَّا اللَّمَمَۚ إِنَّ رَبَّكَ وَٰسِعُ الۡمَغۡفِرَةِۚ هُوَ أَعۡلَمُ بِكُمۡ إِذۡ أَنشَأَكُم مِّنَ الۡأَرۡضِ وَإِذۡ أَنتُمۡ أَجِنَّةٞ فِي بُطُونِ أُمَّهَٰتِكُمۡۖ فَلَا تُزَكُّوٓاْ أَنفُسَكُمۡۖ هُوَ أَعۡلَمُ بِمَنِ اتَّقَىٰٓ﴾ [النجم:32]


ومِنْ صِفاتِ المُحسِنينَ أنَّهمْ يَبتَعِدونَ عنِ الذُّنوبِ الكبيرَةَ التي تَستَحِقُّ العِقابَ القاسي، وعمَّا تَفاحَشَ عمَلُهُ واستُنكِر، إلاّ ما صَغُرَ مِنَ الذُّنوب. واللهُ عَظيمُ المَغفِرَة، وَسِعَتْ رَحمَتُهُ كُلَّ شَيء، فيَغفِرُ لمَنْ تابَ وأنَاب، ويَغفِرُ الصَّغائرَ إذا اجتُنِبَتِ الكبائر. واللهُ بَصيرٌ بكمْ وبأحوالِكمْ إذْ أنشأَ أصلَكمْ مِنَ الأرْضِ وكنتُمْ في عِلمِ الغَيب، وأنتُمْ في بُطونِ أُمَّهاتِكمْ لم تُولَدوا بعد، فلا تُثنُوا على أنفُسِكمْ ولا تُبرِئوها مِنَ الآثام، هوَ أعلَمُ بمَنْ أطاعَ وأخلصَ لهُ العمَل، واجتنبَ ما نهَى عنه.

ولا يُستَهانُ بالصَّغائر، وهذا تَذكيرٌ بحديثِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إيَّاكمْ ومُحقَّراتِ الذُّنوب، فإنَّهنَّ يَجتَمِعْنَ على الرَّجُلِ حتَّى يُهْلِكْنَه". رواهُ أحمدُ بإسنادٍ صَحيح.

﴿أَفَرَءَيۡتَ الَّذِي تَوَلَّىٰ﴾ [النجم:33]


أفرأيتَ الذي أعرضَ عنِ اتِّباعِ الحقّ؟

﴿وَأَعۡطَىٰ قَلِيلٗا وَأَكۡدَىٰٓ﴾ [النجم:34]


وأعطَى صاحِبَهُ مالاً قَليلاً ثمَّ قطعَهُ عنهُ بُخلاً؟

﴿أَعِندَهُۥ عِلۡمُ الۡغَيۡبِ فَهُوَ يَرَىٰٓ﴾ [النجم:35]


هلْ عَلِمَ مِنَ الغَيبِ أنَّهُ سيَنتَهي ما عندَهُ مِنَ المالِ ولذلكَ أمسكَ عنِ الإنفَاق؟

﴿أَمۡ لَمۡ يُنَبَّأۡ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَىٰ﴾ [النجم:36]


أمْ أنَّهُ لم يُخبَرْ بما في أسفارِ التَّوراةِ التي أنزلَها اللهُ على موسَى؟

﴿وَإِبۡرَٰهِيمَ الَّذِي وَفَّىٰٓ﴾ [النجم:37]


وبما في صُحُفِ إبراهيمَ عليهِ السَّلام، الذي وفَّى بجَميعِ ما أمرَهُ اللهُ بهِ أتمَّ الوفاء، وبلَّغَ رسالَةَ ربِّهِ أتمَّ البَلاغ؟

﴿أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٞ وِزۡرَ أُخۡرَىٰ﴾ [النجم:38]


أنْ لا تَحمِلُ نَفسٌ إثمَ غَيرِها، ولا تَقدِرُ على أنْ تُلقيَ مِنْ آثامِها على آخَرين، ولا أنْ تُخَفِّفَ عنْ آخَرينَ بجَرِّ آثامِهمْ إليها، بلْ كُلُّ نَفسٍ مَقرونَةٌ بعمَلِها، مُحاسبَةٌ عَليه.

ومَنْ أضلَّ آخَرين، فإنَّ ما يَقومونَ بهِ مِنْ أعمالٍ ضالَّةٍ استفادُوها مِنْ تَوجيهاتِهم، تُعتبَرُ أوزارًا لهمْ أيضًا، فإنَّ "مَنْ سَنَّ في الإسلامِ سُنَّةً سَيِّئة، كانَ عَليهِ وِزْرُها ووِزْرُ مَنْ عَمِلَ بها مِنْ بَعدِه، مِنْ غَيرِ أنْ يَنقُصَ مِنْ أوزارِهمْ شَيء"، كما وردَ في الحديثِ الذي رَواهُ مُسلم. والكَسْبُ لا يَكونُ باليَدِ فقط، بلْ بالفِكرِ والتَّوجيهِ أيضًا.

﴿وَأَن لَّيۡسَ لِلۡإِنسَٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ﴾ [النجم:39]


وأنْ ليسَ للإنسَانِ مِنَ الأجرِ إلاّ ما كسبَهُ هوَ لنَفسِه.

قالَ الحُسَينُ بنُ الفَضل: ليسَ لهُ بالعَدلِ إلاّ ما سعَى، ولهُ بالفَضلِ ما شاءَ اللهُ تعالَى.

ولعلَّ هذا الجوابَ يَحُلُّ إشكالَ ما ذُكِرَ أنَّ الآيَةَ مَنسوخَةٌ بالآيَة: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} [سورة الطور: 21].

﴿وَأَنَّ سَعۡيَهُۥ سَوۡفَ يُرَىٰ﴾ [النجم:40]


وأنَّ ما عَمِلَهُ مِنْ خَيرٍ أو شَرٍّ سَوفَ يُكشَفُ لهُ ويُحاسَبُ عَليهِ يَومَ القيامَة.