تفسير سورة الرحمن

  1. سور القرآن الكريم
  2. الرحمن
55

﴿يُعۡرَفُ الۡمُجۡرِمُونَ بِسِيمَٰهُمۡ فَيُؤۡخَذُ بِالنَّوَٰصِي وَالۡأَقۡدَامِ﴾ [الرحمن:41]


يُعرَفُ الكافِرونَ المجرِمونَ بعَلاماتٍ تَظهَرُ عَليهم، منَ الخَوفِ والهلَع، والحُزنِ والكآبَة، فيؤخَذُ بمَقدَمِ رؤوسِهمْ وأقدامِهمْ ويُقذَفونَ في النَّار.

﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن:42]


فأيَّ نِعَمِ اللهِ تَجحَدان، يا مَعشرَ الإنسِ والجانّ، وفي هذا ما يُخوِّفُكما ويُروِّعُكما، لتَنزَجِرا عنِ اقتِرافِ الجرَائمِ والآثَام، إنْ كنتُما مِنْ أهلِ الألبَابِ والأحْلام؟

﴿هَٰذِهِۦ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الۡمُجۡرِمُونَ﴾ [الرحمن:43]


هذهِ هيَ جهنَّمُ التي تُسعَرُ فيها النِّيران، وقدْ كانَ المشرِكونَ يُكذِّبونَ بها في الدُّنيا، ويَقولونَ لا حِسابَ ولا نيرَانَ بعدَ الموت، فها هيَ ذي فذوقُوها، لتَتأكَّدوا أنَّها عَذابٌ حَقيقيٌّ وليسَ بخَيال.

﴿يَطُوفُونَ بَيۡنَهَا وَبَيۡنَ حَمِيمٍ ءَانٖ﴾ [الرحمن:44]


يَترَدَّدونَ بينَ نارِها فيُعذَّبونَ فيها، وبينَ مائها الشَّديدِ الحرارَةِ فيُسقَونَ منه.

﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن:45]


فبأيِّ نِعَمِ اللهِ وآلائهِ تُكذِّبانِ أيُّها الثَّقلان، وقدْ أبلغَ في إنذارِكما، وحذَّرَكما مِنَ العَذابِ الشَّديدِ حتَّى لا يَبقَى لكما عُذر، وصرَّفَ لكمَا الآياتِ لتَتذَكَّرا وتَعتَبِرا، وتُؤمِنا وتَتوبا؟

﴿وَلِمَنۡ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِۦ جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن:46]


ولمَنْ خافَ وقوفَهُ بينَ يَدي اللهِ يَومَ الحِسابِ وعمِلَ صالحًا، جنَّتان، يَهنأُ فيهما ويَنعَم، ويَسعَدُ ويَخلُد.

قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "جَنَّتانِ مِنْ فِضَّة: آنيَتُهما وما فيهِما، وجنَّتانِ مِنْ ذهَب: آنيَتُهما وما فيهِما". رواهُ الشَّيخان. والمقصودُ ما ذُكِرَ في هذهِ الآية، والآيةِ (62) مِنْ هذهِ السُّورة: {وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ}، فهما دونَ الجنَّتينِ الوَاردِ ذكرُهما في هذهِ الآية.

﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن:47]


فبأيِّ نِعَمِ اللهِ تَجحدان يا مَعشرَ الإنسِ والجانّ، وقدْ أمرَكما بالتَّقوَى، وحذَّرَكما منَ العِصيان، ورغَّبَكما في الجِنان؟

﴿ذَوَاتَآ أَفۡنَانٖ﴾ [الرحمن:48]


والجنَّتانِ كبيرَتانِ واسِعتان، ذَواتا أشجارٍ وأغصانٍ نَضِرَةٍ حِسَان، وثِمارٍ ناضِجَةٍ شَهيَّة.

﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن:49]


فبأيِّ نِعَمِ اللهِ وآلائهِ تُكذِّبانِ أيُّها الثَّقلان، وقدْ أعدَّ لمُحسنِكما في الآخِرَةِ ما لا يَخطرُ على البَال، مِنَ الحُسنِ والجَمال، واللَّذَّةِ والنَّعيم، والسَّعادَةِ الدَّائمة؟

﴿فِيهِمَا عَيۡنَانِ تَجۡرِيَانِ﴾ [الرحمن:50]


في كُلِّ جنَّةٍ منهما عَينٌ جاريَةٌ مِنَ الماءِ الزُّلال.

﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن:51]


فبأيِّ نِعمَةٍ مِنْ نِعَمِ اللهِ تَجحَدانِ أيُّها الإنسُ والجانّ، وقدْ أكرمَ مؤمِنَكما بما يُبهِجُ نُفوسَهما ويَزيدُ مِنْ سَعادَتِهما، مِنْ بَساتينَ وعُيونٍ مُتفَجِّرَةٍ، وحُورٍ عِين، وفواكهَ ممَّا يَشتَهون...جَزاءً لهما وثَوابًا مِنْ عندِ اللهِ على إيمانِهما وطاعَتِهما في الدُّنيا؟

﴿فِيهِمَا مِن كُلِّ فَٰكِهَةٖ زَوۡجَانِ﴾ [الرحمن:52]


وفي كُلِّ جنَّةٍ مِنَ الجنَّتَينِ صِنفانِ مِنَ الفاكِهة، مِنْ جَميعِ أنوَاعِها.

﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن:53]


فبأيِّ نِعمَةٍ مِنْ نِعَمِ ربِّكما تُكذِّبانِ أيُّها الثَّقلان، وقدْ هيَّأ لمُحسنِكما في الجنَّةِ مِنَ الفَواكهِ والطَّعام، ما لا عَينٌ رَأت، ولا أُذُنٌ سَمِعَت، ولا خطرَ على قَلبِ بشَر؟

﴿مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ فُرُشِۭ بَطَآئِنُهَا مِنۡ إِسۡتَبۡرَقٖۚ وَجَنَى الۡجَنَّتَيۡنِ دَانٖ﴾ [الرحمن:54]


مُضطَجعينَ في مَنازلِهمْ على فُرُشٍ بَطائنُها مِنْ دِيباجٍ ثَخينٍ جَميل، وظاهِرُها أحسَنُ وأجمَل، وثِمارُ الجنَّةِ قَريبَةُ التَّناولِ منهم، متَى ما شاؤوا تَناوَلوها.

﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن:55]


فبأيِّ نِعَمِ اللهِ تَجحَدانِ أيُّها الثَّقلان، وقدْ أثابَكما على أعمالِكما الحسنَةِ خَيرَ الجزَاء، وأبدلَكما بتعَبِ الدُّنيا والصَّبرِ فيها راحَةً وسعادَةً في الآخِرَة؟

﴿فِيهِنَّ قَٰصِرَٰتُ الطَّرۡفِ لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنّٞ﴾ [الرحمن:56]


وفي هذهِ الجِنانِ حُورٌ جَميلات، قدِ اقتصَرَ نظَرُهنَّ على أزوَاجِهنَّ لا يَريْنَ أحسنَ منهمْ في الجنَّة، وهُنَّ أبكار، لم يطَأْهُنَّ أحَدٌ مِنَ الإنسِ والجِنِّ قَبلَ أزوَاجِهنّ.

﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن:57]


فبأيِّ نِعَمِ اللهِ تَجحَدانِ أيُّها الإنسُ والجانّ، وقدْ أعدَّ لمؤمنِكُما في الجنَّةِ ما يُحبَّان، وما بهِ يأنَسانِ ويَتلذَّذان، بأفضلَ ممَّا هوَ في الدُّنيا، وأهنأَ وألذّ.

﴿كَأَنَّهُنَّ الۡيَاقُوتُ وَالۡمَرۡجَانُ﴾ [الرحمن:58]


كأنَّهنَّ الياقوتُ في صَفائه، والمَرجانُ في حُسنِهِ وعَجائبِ وَصفِه.

﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن:59]


فبأيِّ نِعَمِ اللهِ تُكذِّبانِ أيُّها الإنسُ والجانّ، وقدْ رغَّبَكما فيما تَشتَهيان، لتَعمَلا لِما يَبقَى، ووَعدَكما بالخُلودِ في جِنانٍ خالِدات، إذا أطَعتُما وثَبَتُّما على الإيمَان؟

﴿هَلۡ جَزَآءُ الۡإِحۡسَٰنِ إِلَّا الۡإِحۡسَٰنُ﴾ [الرحمن:60]


أليسَ جَزاءُ مَنْ أحسَنَ العمَلَ في الدُّنيا أنْ يُحسَنَ إليهِ في الآخِرَة؟