تفسير سورة الرحمن

  1. سور القرآن الكريم
  2. الرحمن
55

﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن:61]


فبأيِّ نِعمَةٍ مِنْ نِعَمِ رَبِّكما تَجحَدانِ أيُّها الثَّقلان، وقدْ وفَّى بعهدِهِ معَكما، وزادَ في إحسَانهِ إليكما، فضاعفَ مِنْ أُجورِكما، وأثابَكما خَيرًا ممَّا عَمِلتُما في الدُّنيا؟

﴿وَمِن دُونِهِمَا جَنَّتَانِ﴾ [الرحمن:62]


ومِنْ دونِ الجنَّتَينِ الأُوْلَيَيْنِ في المَنزِلَةِ والفَضل: جنَّتانِ أُخرَيان. فالأُولَيانِ - كما يَبدو - مِنْ ذهَبٍ، آنيَتُهما وما فيهما، كما مرَّ في الآيَةِ (46)، وهما للسَّابقِينَ أو المقرَّبين، وهاتانِ - كما يَظهَرُ - مِنْ فِضَّة، آنيَتُهما وما فيهما، وهُما لأصحَابِ اليَمين.

﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن:63]


فبأيِّ نِعَمِ اللهِ الظَّاهِرَةِ والباطِنَةِ تَجحَدانِ أيُّها الإنسُ والجانّ، وقدْ عَلِمَ ضَعْفَ بَعضِكما وقِلَّةَ همَّتِهما، فلمْ يَحرِمْهما فَضلَهُ في الآخِرَة، ما داما كانا مُوَحِّدَينَ في الدُّنيا، فأنعمَ عَليهما بالجنَّةِ كذلك، ولكنْ دونَ درجَةِ مَنْ كانوا أعلَى همَّةً منهما في الطَّاعَةِ والإحسَان، والدَّعوَةِ والجِهاد.

﴿مُدۡهَآمَّتَانِ﴾ [الرحمن:64]


وهاتانِ الجنَّتانِ شَديدَتا الخُضرَة، حتِّى إنَّهما تَميلانِ إلى السَّوادِ مِنْ رِيِّهما وكثرَةِ ما فيهما مِنْ أعشاب، ورياحينَ ونَبات، مُنبَسِطةٍ على أرْضِها الواسِعَة.

﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن:65]


فبأيِّ نِعَمِ اللهِ تُكذِّبانِ أيُّها الثَّقلان، وقدْ هيَّأ لكما في الجنَّةِ مِنْ جنسِ ما تُحبَّانِ في الدُّنيا، مِنَ البساتينِ المليئةِ بأنوَاعِ الفاكِهة، والأنهَارِ والعُيونِ المتفَجِّرة، والرَّياحينِ والأزْهارِ الجميلَة، التي تُبهِجُ النَّفسَ وتَسُرُّ القَلب؟ فاعمَلا صالحًا لتَفوزا.

﴿فِيهِمَا عَيۡنَانِ نَضَّاخَتَانِ﴾ [الرحمن:66]


وفيهما عَينانِ مِنَ الماءِ فوَّارَتانِ لا تَنقَطِعان.

﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن:67]


فبأيِّ نِعمَةٍ مِنْ نِعَمِ اللهِ تَجحَدانِ يا مَعشَرَ الجِنِّ والإنس، وقدْ أعدَّ لكما في الآخِرَةِ -إنْ أحسَنتُما واتَّقَيتُما - خَيرَ ما تَرجُوان، وأحسنَ ما تأمُلان، في جنَّاتٍ عالية، بها عيونٌ تَزخَرُ بالماءِ الزُّلال، فتملأُ العَينَ جَمالاً، والنَّفسَ أُنسًا وبَهجة، دَوامًا.

﴿فِيهِمَا فَٰكِهَةٞ وَنَخۡلٞ وَرُمَّانٞ﴾ [الرحمن:68]


وفيهما فاكهةٌ كثيرَة، ونَخلٌ ورُمَّان، وهما أفضَلُ الفَواكه، ولهما الشرَفُ على غَيرِهما.

﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن:69]


فبأيِّ نِعَمِ اللهِ تُكذِّبانِ أيُّها الثَّقلان، وفي الجنَّةِ أشكالٌ وألوانٌ ممَّا عَرفتُماهُ مِنْ فَواكهِ الدُّنيا التي تُحِبَّانِها، وتَكدَحانِ في طَلبِها، وهي في الآخِرَةِ أفضَلُ وأكثَر، وأمتَعُ وألَذّ، وهيَ قَريبَةُ المَنال، سَهلَةُ المأخَذ، ولا تَنقَطِعُ ولا تَفنَى؟ وهيَ لمَنْ أحسنَ واتَّقَى، وأخلصَ وأطاع.

﴿فِيهِنَّ خَيۡرَٰتٌ حِسَانٞ﴾ [الرحمن:70]


فيهنَّ نِساءٌ حِسَانُ الخَلقِ والخُلُق.

﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن:71]


فبأيِّ نِعمَةٍ مِنْ نِعَمِ اللهِ تَجحَدانِ يا مَعشَرَ الإنسِ والجِنّ، وقدْ أعدَّ لمؤمنِكما أجملَ النِّساءِ وَجهًا، وأحسنَهنَّ خُلُقًا وتحَبُّبًا إلى أزواجِهنّ، وهذا مِنْ أكثَرِ ما تُحبَّانِ وتَشتَهيان؟

﴿حُورٞ مَّقۡصُورَٰتٞ فِي الۡخِيَامِ﴾ [الرحمن:72]


وهنَّ جَميلاتُ العُيونِ جِدًّا، شَديداتُ بَياضِ بياضِها، وشَديداتُ سَوادِ سَوادِها، مُلازِماتٌ لخيامِهنَّ الكبِيراتِ الجمِيلات. وفيهِ دَلالَةٌ على صيانَتِهنَّ وقَصرِ حُبِّهنَّ ونَظرِهنَّ على أزواجِهنَّ، فلا يَبغِينَ عنهمْ بَديلاً.

﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن:73]


فبأيِّ نِعَمِ اللهِ تُكذِّبانِ أيُّها الثَّقلان، وقدْ جعلَ لمَنِ استحقَّ منكما الجنَّة: النِّساءَ الجَميلات، المُتَّصِفاتِ بالأخلاقِ الطيِّبَة، والعِشرَةِ المحبَّبة، وقدْ عَلِمَ أنْ لا صَبرَ لكما بدونِهنَّ؟

﴿لَمۡ يَطۡمِثۡهُنَّ إِنسٞ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَآنّٞ﴾ [الرحمن:74]


لم يَقرُبْهنَّ إنسٌ ولا جانٌّ قَبلَ أزواجِهنَّ في الجنَّة.

﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن:75]


فبأيِّ نِعمَةٍ مِنْ نِعَمِ اللهِ تَجحَدانِ يا مَعشَرَ الإنسِ والجانّ، وقدْ جعلَ - لمنْ كانَ لهُ نَصيبٌ في الجنَّةِ منكما - ما يَودَّانَ في النِّساءِ ويَرغَبانِ فيهنّ، وأهنأَ وألَذّ؟

﴿مُتَّكِـِٔينَ عَلَىٰ رَفۡرَفٍ خُضۡرٖ وَعَبۡقَرِيٍّ حِسَانٖ﴾ [الرحمن:76]


مُضطَجِعينَ على أغطيَةٍ خُضْر، وبُسُطٍ فاخِرَةٍ عَجيبَةِ الصُّنع، رائعَةٍ في حُسنِها، تَفوقُ الوَصف.

﴿فَبِأَيِّ ءَالَآءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ﴾ [الرحمن:77]


فبأيِّ نِعمَةٍ مِنْ نِعَمِ رَبِّكما تَجحَدانِ أيُّها الثَّقلان، وقدْ زيَّنَ الجنَّةَ لمؤمِنِكما حتَّى بالفرُشِ والبُسُطِ والأسِرَّةِ والوَسائد، أحسَنِها وأفخَرِها، وأروَعِها وأجمَلِها؟

﴿تَبَٰرَكَ اسۡمُ رَبِّكَ ذِي الۡجَلَٰلِ وَالۡإِكۡرَامِ﴾ [الرحمن:78]


تَباركَ اسمُ اللهِ وتَعالَى شَأنُه، ودامَ خَيرُهُ وفَضلُه، وهوَ العَظيمُ الجَليل، مُكرِمُ الأنبِياءِ وعبادِهِ الصَّلحين.
عنْ جابرِ بنِ عبدِاللهِ رَضيَ اللهُ عَنهما قال: لمَّا قَرأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم سُورَةَ الرَّحمنِ على أصحابِهِ حتَّى فَرَغ قال: "ما لي أراكمْ سُكوتًا؟ لَلْجِنُّ كانوا أحسنَ منكمْ رَدًّا، ما قَرأتُ عَليهمْ مِنْ مرَّةٍ {فَبِأَيِّ آلَاء رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} إلاّ قالوا: ولا بشَيءٍ مِنْ نِعمَتِكَ ربَّنا نُكَذِّب، فلكَ الحَمد". رواهُ الحاكمُ وغَيرُهُ وصحَّحَه. اللهمَّ ولا بشَيءٍ مِنْ نِعمَتِكَ ربَّنا نُكَذِّب، فلكَ الحَمد.