تفسير سورة الواقعة

  1. سور القرآن الكريم
  2. الواقعة
56

﴿عَلَىٰٓ أَن نُّبَدِّلَ أَمۡثَٰلَكُمۡ وَنُنشِئَكُمۡ فِي مَا لَا تَعۡلَمُونَ﴾ [الواقعة:61]


على أنْ نُذهِبَكم، ونأتيَ بخَلقٍ مثلِكم، ونَخلُقَكمْ فيما لا تَعلَمونَ مِنَ الخَلقِ والأطوَارِ والصُّور، والصِّفاتِ والأحوَال، التي لم تَعهَدوها؟

واللهُ يُميتُ جيلاً، ويُبَدِّلُهمْ بجِيلٍ آخَر، وهكذا قَرنًا بعدَ قَرن، وهوَ القادِرُ على أنْ يَخلُقَهمْ بصِفاتٍ وأشكالٍ أُخرَى، وأنْ يَبعثَهمْ مِنْ جَديدٍ بعدَ المَوت.

﴿وَلَقَدۡ عَلِمۡتُمُ النَّشۡأَةَ الۡأُولَىٰ فَلَوۡلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [الواقعة:62]


ولقدْ عَلِمتُمْ كيفَ نَشأتُمْ ولم تَكونُوا شَيئًا، فهلاَّ تَذكَّرتُمْ أنَّ الذي أنشَأكمْ أوَّلَ مرَّةٍ قادِرٌ على إنشائكمْ مرَّةً أخرَى بعدَ مَوتِكم؟

﴿أَفَرَءَيۡتُم مَّا تَحۡرُثُونَ﴾ [الواقعة:63]


أفرأيتُمُ الذي تَحرُثونَ مِنَ الأرْضِ وتَبذُرونَ فيهِ الحَبّ؟

﴿ءَأَنتُمۡ تَزۡرَعُونَهُۥٓ أَمۡ نَحۡنُ الزَّـٰرِعُونَ﴾ [الواقعة:64]


أأنتُمْ تُنبِتونَهُ فيها، أمْ نحنُ نُنبِتُهُ ونُنْمِيهِ حتَّى يَكتَمِلَ زَرعُه؟ بلْ نحنُ أنبَتناهُ وأبقَيناهُ رَحمَةً بكم.

﴿لَوۡ نَشَآءُ لَجَعَلۡنَٰهُ حُطَٰمٗا فَظَلۡتُمۡ تَفَكَّهُونَ﴾ [الواقعة:65]


لو نَشاءُ لأيبَسناهُ وفتَّتناهُ قَبلَ استِوائه، فلا يُنتفَعُ بهِ في مَطعَمٍ وغِذاء، ولظلَلتُمْ تتَعجَّبونَ ممَّا أصابَ زَرعَكم، وتُنوِّعونَ الكلامَ في ذلك.

﴿إِنَّا لَمُغۡرَمُونَ﴾ [الواقعة:66]


فتَقولونَ تارَة: إنَّا لمُلقَونَ شرًّا، أو مُهلَكون.

﴿بَلۡ نَحۡنُ مَحۡرُومُونَ﴾ [الواقعة:67]


وتَقولونَ أُخرَى: بلْ لا حظَّ لنا في هذا الرِّزق، فنحنُ مَحرومُونَ منه.

﴿أَفَرَءَيۡتُمُ الۡمَآءَ الَّذِي تَشۡرَبُونَ﴾ [الواقعة:68]


أفرَأيتُمْ هذا الماءَ العَذبَ الذي تَشرَبونَه؟

﴿ءَأَنتُمۡ أَنزَلۡتُمُوهُ مِنَ الۡمُزۡنِ أَمۡ نَحۡنُ الۡمُنزِلُونَ﴾ [الواقعة:69]


أأنتُمْ أنزَلتُموهُ مِنَ السَّحاب؟ بلْ نحنُ المُنزِلونَ بقُدرَتِنا رَحمَةً بكم.

﴿لَوۡ نَشَآءُ جَعَلۡنَٰهُ أُجَاجٗا فَلَوۡلَا تَشۡكُرُونَ﴾ [الواقعة:70]


لو أرَدنا لجعَلناهُ مِلْحًا زُعاقًا لا يُطاقُ شُربُه، ولا يَصلحُ لطَعامٍ ولا زَرع، فهلاَّ شَكرتُمُ للهِ فَضلَهُ على هذا المَاءِ العَذبِ الزُّلال؟

﴿أَفَرَءَيۡتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ﴾ [الواقعة:71]


أفرَأيتُمُ النَّارَ التي تَقدَحونَها وتَستَخرِجونَها مِنَ الزِّناد؟

﴿ءَأَنتُمۡ أَنشَأۡتُمۡ شَجَرَتَهَآ أَمۡ نَحۡنُ الۡمُنشِـُٔونَ﴾ [الواقعة:72]


أأنتُمْ أنبَتُّمْ شَجرَتَها وأودَعتُمُ النَّارَ فيها، أمْ نحنُ أنشَأناها بقُدرَتِنا؟

وهوَ شجَرُ المَرْخِ والعَفَار، فيُقدَحُ أحَدُهما بالآخَر، فتَتولَّدُ منهما النَّار، وهُما رَطبانِ يَقطُرُ منهما المَاء! ولهُ وَجهٌ في التَفسيرِ العِلميّ، ذُكِرَ في الآيَةِ (80) مِنْ سُورَةِ يس.

﴿نَحۡنُ جَعَلۡنَٰهَا تَذۡكِرَةٗ وَمَتَٰعٗا لِّلۡمُقۡوِينَ﴾ [الواقعة:73]


نحنُ خلَقناها، وجعَلناها مَوعِظَةً وتَذكيرًا بنارِ جهنَّم، وبُلْغةً ومَنفعَةً للمسافِرين، الذينَ يَنزِلونَ القِفارَ البَعيدَةَ عنِ العِمران، ويَضطَرُّونَ إلى إشعالِها، ليَهتَديَ بها الضُّلَّال، وتَهرُبَ منهمُ السِّباع، ولغَيرِ ذلك.

أو أنَّ المقصود: للمُحتاجينَ إليها، مِنَ المُقيمينَ والمُسافِرين، فالكُلُّ يَستَخدِمُها.

ثمَّ يسَّرَ اللهُ الحصولَ عَليها بطرُقٍ وأسالِيبَ أيسَر، والكُلُّ مِنْ نِعمَتِهِ وتَيسيرِه، فلهُ الحَمدُ ولهُ الشُّكر.

﴿فَسَبِّحۡ بِاسۡمِ رَبِّكَ الۡعَظِيمِ﴾ [الواقعة:74]


فنَزِّهِ اللهَ مِنْ كُلِّ نَقصٍ وعَجز، ووَحِّدْه، فهوَ الخالقُ العَظيم، الذي خلقَ هذهِ الأشياءَ وسخَّرَها لمَنفَعتِكم.

﴿۞فَلَآ أُقۡسِمُ بِمَوَٰقِعِ النُّجُومِ﴾ [الواقعة:75]


فأُقسِمُ بأماكنِ النجُوم، أو مسَاقطِها ومَغاربِها.

﴿وَإِنَّهُۥ لَقَسَمٞ لَّوۡ تَعۡلَمُونَ عَظِيمٌ﴾ [الواقعة:76]


وإنَّهُ قسَمٌ لهُ مَدلولٌ عَظيم.

فلو كانتْ هذهِ الكوَاكبُ والنُّجومُ في غَيرِ أماكنِها لاختلطَ النظامُ الكوني، ولو كانتِ الشَّمسُ أبعدَ أو أقربَ ممّا هيَ عليهِ الآن، لاستَحالَتِ الحياةُ على كَوكبِ الأرْض.

ولمواقعِ النُّجومِ أسرارٌ أُخرَى عَظيمَة، فلا يُدرِكُها الإنسَان، ولا يُمكنُ لهُ أنْ يَراها. فالنُّجومُ التي تَتراءَى للإنسانِ في اللَّيلِ هيَ انبِثاقُ ضَوءٍ مرَّ بهِ النَّجمُ وغادرَه، وتركَ ضَوءَهُ يَتحرَّكُ إلينا مِنْ ذلكَ الموقِع. فضَوءُ الشَّمسِ يَصِلُ إلينا بعدَ ثَماني دَقائقَ وثُلُثِ الدَّقيقَة، وهيَ تَجري بسرعة 19.4 كم في الثَّانية. وأقرَبُ نَجمٍ إلينا بعدَ الشَّمسِ يَبعدُ عنَّا 4.3 سنة ضَوئيَّة (والسنَةُ الضَّوئيَّةُ تُقدَّرُ بنَحوِ 9.5 تريليون كم)، وإذا انبثقَ منهُ الضَّوءُ فإنَّهُ يَصِلُ إلينا بعدَ أكثرَ مِنْ خَمسينَ شَهرًا، ويَكونُ النَّجمُ خِلالَها قدْ تحرَّكَ مِنْ مَكانِهِ مَسافاتٍ شاسِعَة.

﴿إِنَّهُۥ لَقُرۡءَانٞ كَرِيمٞ﴾ [الواقعة:77]


إنَّهُ لقُرآنٌ عَزيزٌ مُكرَّم، لأنَّهُ كلامُ الله.

﴿فِي كِتَٰبٖ مَّكۡنُونٖ﴾ [الواقعة:78]


في كتابٍ مَصُونٍ مُعظَّمٍ عندَ الله، مَحفوظٍ مِنَ الشَّياطينِ ومِنَ التَّبديلِ والتَّغيير، وهوَ اللَّوحُ المَحفوظ.

﴿لَّا يَمَسُّهُۥٓ إِلَّا الۡمُطَهَّرُونَ﴾ [الواقعة:79]


لا يَمَسُّ الكتابَ الذي في السَّماءِ إلاّ مَلائكةُ اللهِ المطهَّرون. ولا يَمَسُّ المُصحفَ الذي بينَ أيدي النَّاسَ إلاَّ مَنْ كانَ على طَهارَةٍ مِنَ الجَنابَة، وأكثَرُ الفَقهاءِ على مَنعِ مَسِّهِ لغَيرِ المتَوضِّئ.

﴿تَنزِيلٞ مِّن رَّبِّ الۡعَٰلَمِينَ﴾ [الواقعة:80]


مُنزَّلٌ مِنَ اللهِ رَبِّ العالَمين، على نَبيِّهِ محمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وليسَ سِحرًا، ولا كَهانَة، ولا ديوانَ شِعر، كما يَقولُ المشرِكون.