﴿أَفَبِهَٰذَا الۡحَدِيثِ أَنتُم مُّدۡهِنُونَ﴾ [الواقعة :81]
أفبهذا القُرآنِ العَظيمِ أنتُمْ مُتهاوِنونَ ومُكذِّبون؟
﴿وَتَجۡعَلُونَ رِزۡقَكُمۡ أَنَّكُمۡ تُكَذِّبُونَ﴾ [الواقعة :82]
وتَجعَلونَ بدلَ الشُّكرِ - على ما رَزَقكمُ اللهُ - كُفرًا، وتَكذِبونَ فتَنسِبونَهُ إلى غَيرِه؟
قالَ ابنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عَنهما: ما مُطِرَ قَومٌ قَطُّ إلاّ أصبحَ بَعضُهمْ كافِرًا، يَقولون: مُطِرْنا بنَوءِ كذا وكذا. [والنَّوء: النَّجم. وهوَ لا يُؤثِّرُ بنَفسِه]. وقرَأَ هذهِ الآيَة. ذكرَ ابنُ كثيرٍ أنَّ إسنادَهُ صَحيحٌ إليه.
وهوَ مأخوذٌ مِنَ الحديثِ القُدسيِّ الصَّحيح: "أصبَحَ مِنْ عِبادي مُؤمِنُ بي وكافِر، فأمَّا مَنْ قال: مُطِرْنا بفَضلِ اللهِ ورَحمَتِه، فذلكَ مُؤمِنٌ بي كافِرٌ بالكَوكَب، وأمَّا مَنْ قال: مُطِرْنا بنَوءِ كذَا وكذَا، فذلكَ كافِرٌ بي مُؤمِنٌ بالكوكب". واللَّفظُ لمسلم.
﴿فَلَوۡلَآ إِذَا بَلَغَتِ الۡحُلۡقُومَ﴾ [الواقعة :83]
فهلاَّ إذا وصَلَتِ الرُّوحُ إلى الحُلقُوم، عندَ الاحتِضارِ ومُعالجَةِ سَكراتِ الموت،
﴿وَأَنتُمۡ حِينَئِذٖ تَنظُرُونَ﴾ [الواقعة :84]
وأنتُمْ حينَئذٍ تَنظُرونَ إلى المُحتَضَر، وهوَ يُقاسي شِدَّةً وكَربًا حتَّى تَخرُجَ روحُه،
﴿وَنَحۡنُ أَقۡرَبُ إِلَيۡهِ مِنكُمۡ وَلَٰكِن لَّا تُبۡصِرُونَ﴾ [الواقعة :85]
ونحنُ أقرَبُ إلى المحتَضَرِ منكمْ بعِلمِنا وحُضورِ مَلائكتِنا، ولكنْ لا تُدرِكونَ ذلك،
﴿فَلَوۡلَآ إِن كُنتُمۡ غَيۡرَ مَدِينِينَ﴾ [الواقعة :86]
فهلاَّ إنْ كنتُمْ غَيرَ مؤمِنين،
﴿تَرۡجِعُونَهَآ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ﴾ [الواقعة :87]
أنْ تَرُدُّوا الرُّوحَ التي بلغَتِ الحُلقُومَ إلى مَكانِها الأوَّل، إنْ كنتُمْ صادِقينَ في عدَمِ اعتِقادِكمْ بأمرِ اللهِ وقُدرَتِه؟ فإذا لم تَقدِروا على ذلك، فاعلَموا أنَّ الأمرَ بيدِ الله، فاعتَبِروا، وآمِنوا.
﴿فَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الۡمُقَرَّبِينَ﴾ [الواقعة :88]
فأمَّا إنْ كانَ المُتوَفَّى مِنَ المؤمِنينَ السَّابقينَ إلى عمَلِ الخَيراتِ والطَّاعات،
﴿فَرَوۡحٞ وَرَيۡحَانٞ وَجَنَّتُ نَعِيمٖ﴾ [الواقعة :89]
فلهُ راحَة، ورِزق، وجنَّةٌ عاليةٌ يَنعَمُ فيها ويَخلُد.
﴿وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ الۡيَمِينِ﴾ [الواقعة :90]
وأمَّا إنْ كانَ مِنْ أصحابِ اليَمين، الذينَ عرَفوا طَريقَهمْ إلى الجنَّة،
﴿فَسَلَٰمٞ لَّكَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ الۡيَمِينِ﴾ [الواقعة :91]
فتُبَشِّرُهمُ المَلائكةُ وتَقولُ لأحدِهم: سَلامٌ لكَ يا صاحِبَ اليَمين، أنتَ في أمَان، ونِعمَةٍ وإكرَام.
﴿وَأَمَّآ إِن كَانَ مِنَ الۡمُكَذِّبِينَ الضَّآلِّينَ﴾ [الواقعة :92]
وأمَّا إنْ كانَ المُتوَفَّى مِنَ المُكذِّبينَ بالبَعثِ والجَزاء، الزَّائغينَ عنِ الحقِّ والهُدَى، وهمْ أصحابُ الشِّمال،
﴿فَنُزُلٞ مِّنۡ حَمِيمٖ﴾ [الواقعة :93]
فضِيافَتُهُ أنْ يُقدَّمُ إليهِ ماءٌ مَغليٌّ شَديدُ الحرارَة، يَشرَبُهُ بعدَ أكلِ الزَّقُّوم!
﴿وَتَصۡلِيَةُ جَحِيمٍ﴾ [الواقعة :94]
وأنْ يُدخَلَ في النَّار، معَ إقامَةٍ دائمةٍ فيها، ومُقاساةِ ألوانِ العَذابِ بها.
﴿إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ حَقُّ الۡيَقِينِ﴾ [الواقعة :95]
إنَّ هذا الذي ذُكِرَ في هذهِ السُّورَة، مِنْ صِفَةِ أهلِ النَّارِ وصِفَةِ أهلِ الجنَّةِ خاصَّة، هوَ الخبَرُ الحقُّ اليَقين، الذي لا شَكَّ فيه، ولا بُدَّ منه.
﴿فَسَبِّحۡ بِاسۡمِ رَبِّكَ الۡعَظِيمِ﴾ [الواقعة :96]
فاذكرِ اللهَ ونَزِّهْهُ مِنْ كُلِّ نَقصٍ وعَيب، ومِنَ الشَّريكِ والمَثيل، وقُل: سُبحانَ ربِّيَ العَظيم.
قالَ عُقبَةُ بنُ عامرٍ رَضيَ اللهُ عنه: لمّا نَزلَتْ {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} قالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "اجعَلوها في رُكوعِكم". رواهُ ابنُ حِبَّانَ في صَحيحِهِ وغَيرُه.
وصحَّ في الحديثِ قولهُ صلى اللهُ عليهِ وسلم: "شَيَّبَتْني هُود، والواقِعة، والمُرسَلات، وعَمَّ يَتساءَلون، وإذا الشَّمسُ كُوِّرَت". رواه الترمذيُّ والحاكمُ وصحَّحه.