تفسير سورة الحشر

  1. سور القرآن الكريم
  2. الحشر
59

﴿لَوۡ أَنزَلۡنَا هَٰذَا الۡقُرۡءَانَ عَلَىٰ جَبَلٖ لَّرَأَيۡتَهُۥ خَٰشِعٗا مُّتَصَدِّعٗا مِّنۡ خَشۡيَةِ اللَّهِۚ وَتِلۡكَ الۡأَمۡثَٰلُ نَضۡرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمۡ يَتَفَكَّرُونَ﴾ [الحشر:21]


لو أنزَلنا هذا القُرآنَ العَظيمَ الشَّأنِ على جبَل، وفهِمَهُ وتدبَّرَه، لرأيتَهُ خائفًا مُرتَعِدًا مُتَشقِّقًا عندَ سَماعِه، لِما فيهِ مِنَ التَّرغيبِ والتَّرهيب، والوَعدِ والوَعيد، على الرَّغمِ مِنْ صَلابَةِ الجبَلِ وقَساوَتِه. ونَضرِبُ هذا المثَلَ وأشباهَهُ للنَّاس، ليَتفَكَّروا ويَتدَبَّروا، ويَعتَبِروا ويؤمِنوا، ويَعمَلوا ويَخشَعوا. فكيفَ لا يَتدَبَّرُ الإنسانُ هذا القُرآنَ وهوَ كلامُ اللهِ العَليمِ الجَليل، وقدْ أكرمَهُ اللهُ بالعَقلِ ليَفهمَ ويَتدبَّر؟ وكيفَ لا يَخشَعُ لهُ وهوَ لا يأمرُهُ إلاّ بخَير، ولا يَنهاهُ إلاّ عنْ شرّ؟

﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَۖ عَٰلِمُ الۡغَيۡبِ وَالشَّهَٰدَةِۖ هُوَ الرَّحۡمَٰنُ الرَّحِيمُ﴾ [الحشر:22]


هوَ اللهُ الواحِدُ الذي لا شَريكَ له، ولا مَعبودَ بحقِّ سِواه، الذي يَعلَمُ جَميعَ المَخلوقاتِ المُشاهَداتِ لنا والغائباتِ عنَّا، فلا يَخفَى عَليهِ صَغيرٌ ولا كَبير، في الأرْضِ ولا في السَّماء، هوَ ذو رَحمَةٍ عَظيمَةٍ في الدُّنيا وفي الآخِرَة، قدْ وسِعَتْ رَحمَتُهُ كُلَّ شَيء.

﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَآ إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ الۡمَلِكُ الۡقُدُّوسُ السَّلَٰمُ الۡمُؤۡمِنُ الۡمُهَيۡمِنُ الۡعَزِيزُ الۡجَبَّارُ الۡمُتَكَبِّرُۚ سُبۡحَٰنَ اللَّهِ عَمَّا يُشۡرِكُونَ﴾ [الحشر:23]


هوَ اللهُ الواحِدُ الأحَد، فلا شَريكَ له.

مالِكُ جَميعِ الأشياءِ والمُتصَرِّفُ فيها وَحدَه.

القُدُّوسُ: الطَّاهِرُ المُنزَّهُ عمَّا لا يَليقُ به، فلهُ الأسماءُ الحُسنَى والصِّفاتُ العُلا.

السَّلامُ: الذي يُعطي السِّلمَ والأمانَ لعِبادِهِ المؤمِنينَ المتَّقينَ فلا يُعَذِّبُهم. أو السالِمُ مِنْ كُلِّ عَيبٍ وآفَة.

المؤمِنُ: الذي صدَّقَ رسُلَهُ فيما بلَّغوهُ عنه، إمَّا بالوَحي المُنزَّلِ عَليهم، أو بتَأييدِهمْ بالمُعجِزاتِ والأدلَّة.

المُهَيمِنُ: الحافِظُ لكُلِّ شَيء. أو الرَّقيبُ والشَّاهِدُ على خَلقِهِ بأعمالِهم.

العَزيزُ: الذي غلبَ كُلَّ شَيءٍ وقهَرَه. أو الذي لا مَثيلَ له.

الجبَّارُ: العَظيمُ الذي لا يُنالُ ولا يُنافَسُ في فِعلِه.

المُتكبِّرُ: الذي لا يَليقُ الكبرياءُ إلاّ بعظمَتِه، فلا يُشرِكُهُ في صِفَةِ الكبرياءِ أحَدٌ مِنْ خَلقِه، لأنَّ صِفَةَ المَخلوقِ التَّواضُعُ والتَّذَلُّل، واللهُ مُتَكبِّرٌ ومُتَعالٍ على خَلقِهِ بصِفاتِهِ العَظيمَةِ التي لا يُشارِكُهُ فيها الخَلق. وقالَ بَعضُهم: المُتكبِّرُ عمَّا لا يَليقُ به، المُنزَّهُ عنْ جَميعِ العُيوبِ والظُّلمِ والسُّوء. أو المُتَكبِّرُ على عُتاةِ خَلقِهِ إذا نازَعُوهُ العَظمَة، فيَقصِمُهم. يَقولُ الفَخرُ الرازيُّ ما مُختصَرُه: "المُتَكبِّرُ" في حقِّ الخَلقِ اسمُ ذَمّ، لأنَّ المتَكبِّرَ هوَ الذي يُظهِرُ مِنْ نَفسِهِ الكِبْر، وذلكَ نَقصٌ في حقِّ الخَلق، لأنَّهُ ليسَ لهُ كِبْرٌ ولا عُلوّ، بلْ ليسَ لهُ إلاّ الذِّلَّةُ والمَسكنَة، فإذا أظهرَ العُلوَّ كانَ كاذِبًا، فكانَ ذلكَ مَذمُومًا في حقِّه. وأمَّا الحقُّ سُبحانَه، فلهُ جَميعُ أنواعِ العُلوِّ والكبرياء، فإذا أظهرَهُ فقدْ أرشدَ العِبادَ إلى تَعريفِ جَلالِهِ وعلوِّه، فكانَ ذلكَ في غايَةِ المَدحِ في حَقِّهِ سُبحانَه. اهـ.

تَنزَّهَ اللهُ وتقدَّسَ عنْ إشراكِ المُشرِكين، وأقوالِ الكافِرين.

﴿هُوَ اللَّهُ الۡخَٰلِقُ الۡبَارِئُ الۡمُصَوِّرُۖ لَهُ الۡأَسۡمَآءُ الۡحُسۡنَىٰۚ يُسَبِّحُ لَهُۥ مَا فِي السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِۖ وَهُوَ الۡعَزِيزُ الۡحَكِيمُ﴾ [الحشر:24]


هوَ اللهُ الخالقُ: الذي أوجدَ الأشياءَ وأبدَعَها مِنْ غَيرِ احتِذاءٍ بمِثالٍ سابِق.

البارِئُ: الذي قدَّرَ الأشياءَ وأبرزَها إلى الوجودِ مِنَ العدَم.

المُصَوِّرُ: الذي أوجدَ صُورةَ المَخلوقاتِ وكيفيَّاتِها كما أرَاد، ليُميِّزَ بَعضَها عنْ بَعضٍ بسِماتٍ ومَلامِحَ مُعيَّنة.

لهُ أحسَنُ الأسماءِ وأجَلُّها، لأنَّها تُنبِئُ عنْ أحسَنِ المَعاني وأشرَفِها.

يُسَبَّحُ لهُ كلُّ مَخلوقٍ في الأرْضِ وفي السَّماء، ويُنَزِّهُهُ عنْ كُلِّ نَقصِ وعَيب، ولو لم نَفقَهْ تَسبيحَ بعضِ المَخلوقات. وهوَ الغالِبُ الذي لا يُقهَرُ في مُلكِه، الحَكيمُ فيما يَخلقُ ويُقَدِّرُ ويَشرَع.