﴿الۡحَمۡدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَٰتِ وَالنُّورَۖ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِمۡ يَعۡدِلُونَ﴾ [الأنعام :1]
الشكرُ للهِ والثناءُ الطيِّبُ على رَبِّنا، الذي خلقَ السَّماواتِ والأرض، الدالَّةَ على كمالِ قدرتهِ وسَعةِ علمهِ وعَظمَتِهِ في خَلْقِهِ وتَدبيرِه، الذي جعلَ الظُّلماتِ والنُّورَ مَنفَعةً لعبادهِ في ليلِهمْ ونهارِهم. ومعَ الأدلَّةِ الواضِحَة، والمخلوقاتِ العَظيمةِ المَبثوثَةِ في الكَون، التي تدلُّ على وجودِ اللهِ ووحدانيَّتِه، فإنَّ الكافِرينَ يَميلونَ عنِ الحقّ، ويُشرِكونَ في العبادةِ معَهُ أجساماً وأرواحاً هيَ مِنْ مَخلوقاتِه.
﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن طِينٖ ثُمَّ قَضَىٰٓ أَجَلٗاۖ وَأَجَلٞ مُّسَمًّى عِندَهُۥۖ ثُمَّ أَنتُمۡ تَمۡتَرُونَ﴾ [الأنعام :2]
هوَ اللهُ الذي ابتدأ خَلْقَكمْ مِنْ طِين، ثمَّ قدَّرَ عليكمْ أجلَ الموت، وأجلٌ آخَرُ يَنتظِرُكمْ هوَ يومُ القيامَة، استقلَّ اللهُ بعلمهِ ووقتِ حُلولِه، فلا يَعلمُهُ إلاّ هو، وبعدَ كلِّ هذا تَشُكُّونَ في البَعثِ وتَجحَدونَه، غيرَ متدبِّرينَ قدرةَ الخالقِ وما خَلق؟
﴿وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَٰوَٰتِ وَفِي الۡأَرۡضِ يَعۡلَمُ سِرَّكُمۡ وَجَهۡرَكُمۡ وَيَعۡلَمُ مَا تَكۡسِبُونَ﴾ [الأنعام :3]
هوَ اللهُ المعبودُ في السَّماواتِ وفي الأرض، وهوَ المالِكُ المتَصرِّفُ فيهما، الكلُّ خاضِعٌ لعظمَتِه، مُستكينٌ لعزَّتهِ وجَلالِه، يعلمُ ما تُخفُونَ وما تُظهِرونَ منْ أقوالٍ وأفعال، وما تَعملونَ مِنْ خَيرٍ وشَرّ.
﴿وَمَا تَأۡتِيهِم مِّنۡ ءَايَةٖ مِّنۡ ءَايَٰتِ رَبِّهِمۡ إِلَّا كَانُواْ عَنۡهَا مُعۡرِضِينَ﴾ [الأنعام :4]
وما نُنَـزِّلُ آيةً على المشرِكينَ المعانِدينَ، أو نُريهمْ مُعجِزةً تدلُّ على وحدانيَّةِ اللهِ وصِدقِ رسولِه، إلاّ صدُّوا عنها وولَّوا مُدبِرين.
﴿فَقَدۡ كَذَّبُواْ بِالۡحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمۡ فَسَوۡفَ يَأۡتِيهِمۡ أَنۢبَـٰٓؤُاْ مَا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ﴾ [الأنعام :5]
فقدْ كذَّبوا بالقُرآنِ وأعرَضوا عنهُ لمّا جاءَهمْ آيةً آية، وسَوفَ يَرونَ عَواقِبَ ما كذَّبوا بهِ ووَبالَ استِهزائهمْ ولا مُبالاتِهم، وسيَعلمونَ مِنْ بعدُ أنَّهُ الحقُّ مِنْ ربِّهم.
﴿أَلَمۡ يَرَوۡاْ كَمۡ أَهۡلَكۡنَا مِن قَبۡلِهِم مِّن قَرۡنٖ مَّكَّنَّـٰهُمۡ فِي الۡأَرۡضِ مَا لَمۡ نُمَكِّن لَّكُمۡ وَأَرۡسَلۡنَا السَّمَآءَ عَلَيۡهِم مِّدۡرَارٗا وَجَعَلۡنَا الۡأَنۡهَٰرَ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهِمۡ فَأَهۡلَكۡنَٰهُم بِذُنُوبِهِمۡ وَأَنشَأۡنَا مِنۢ بَعۡدِهِمۡ قَرۡنًا ءَاخَرِينَ﴾ [الأنعام :6]
ألا يَعتَبِرُ الكافِرونَ مِنْ تاريخِ مَنْ سبَقَهم، فيَنظروا كمْ أهلكنا مِنْ أمَّةٍ قبلَهم، وقدْ أعطَيناهمْ مِنَ القوَّةِ والمالِ والأولادِ وطُولِ العَمرِ والتمْكينِ منَ العَيشِ وسُبلِ الحضارةِ ما لم نُمَكِّنْ لكمْ ذلك، وأغدَقنا عليهمُ الأمطار، وفجَّرنا لهمُ العُيونَ والأنهارَ تَجري في خِلالِ مساكنِهم، فكانوا في خِصْبٍ ورَفاهية، ولكنَّهمْ كفَروا ولم يَشكروا النِّعمة، وردُّوا الرسُلَ وسَخِروا مِنْ مَعجِزاتِهم، وبَطِروا واغترُّوا، وظنُّوا أنَّ مُلْكَهمْ لا يَبلَى، وأنَّهمُ الأقوَى، فأهلكناهمْ بذنوبِهمُ التي اقترَفوها، ولم نُبْقِ منهمْ أحداً، وأوجَدنا بعدَ إهلاكِهم جيلاً آخَرَ بدلاً منهم، فاحذَروا أنْ يُصيبَكمْ ما أصابَهم، وما أنتمْ بأعزَّ على اللهِ منهم.
﴿وَلَوۡ نَزَّلۡنَا عَلَيۡكَ كِتَٰبٗا فِي قِرۡطَاسٖ فَلَمَسُوهُ بِأَيۡدِيهِمۡ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوٓاْ إِنۡ هَٰذَآ إِلَّا سِحۡرٞ مُّبِينٞ﴾ [الأنعام :7]
إنَّهمْ كفّارٌ مُكابِرونَ معانِدون، ولو أنَّنا نزَّلنا عليكَ منَ السَّماءِ كتابةً في ورقٍ ونَظروا إليها بأعينِهم، ولمَسوها بأيديهم، ورأوها تَنْـزِلُ عِياناً، لأنكَروا كلَّ هذهِ الدلائلَ المادِّيةَ المحسوسةَ التي تُسَلِّمُ بنـُزولِ هذا الكتاب، وقالوا: لا شكَّ أنَّ هذا سِحْرٌ واضحٌ بيِّن، وليسَ هوَ بكتابٍ حَقيقيّ!
﴿وَقَالُواْ لَوۡلَآ أُنزِلَ عَلَيۡهِ مَلَكٞۖ وَلَوۡ أَنزَلۡنَا مَلَكٗا لَّقُضِيَ الۡأَمۡرُ ثُمَّ لَا يُنظَرُونَ﴾ [الأنعام :8]
وقالَ الكافِرونَ أيضاً في عِنادٍ واستِكبار، لا بقَصْدِ الإيمان: هلاّ أُنزِلَ على هذا الرسُولِ مَلَكٌ مِنَ الملائكةِ يُخبِرُهمْ أنَّهُ رسولٌ مِنْ ربِّه؟ وهمْ يَقصِدونَ المَلَكَ بصورتهِ الحقيقيَّة، وهذا ما لا يُمكن. ولو أنزلنا مَلَكاً كما هو، لتَمَّ أمرُ إهلاكِهم، بسبَبِ هولِ مَنظرِه، معَ ضَعْفِ ما همْ فيهِ منَ القوَّة. ثمَّ لا يُمْهَلونَ بعدَ إنزالهِ ومشاهدتهِ لِيُسَلِّموا بالأمرِ أو يَتوبوا، لأنَّ الموتَ يكونُ قدْ سبقَهم.
ومنْ وجهٍ آخر: إذا أنزلَ اللهُ المَلَكَ ولم يُؤمنوا أهلَكهم، ولم يُنْـزِلْهُ تعالَى لئلاّ يَستَحِقُّوا هذا العَذاب.
﴿وَلَوۡ جَعَلۡنَٰهُ مَلَكٗا لَّجَعَلۡنَٰهُ رَجُلٗا وَلَلَبَسۡنَا عَلَيۡهِم مَّا يَلۡبِسُونَ﴾ [الأنعام :9]
ولو بَعثنا إليهمْ أحدَ الملائكة، ليكونَ نبيّاً مُرسَلاً إليهم، أو مُصَدِّقاً للنبيِّ المُرسَلِ إليهم، لجعَلناهُ في صُورةِ رَجُلٍ آدَميٍّ على شَاكلَتِهم؛ ليُنتَفعَ بهِ بما يُناسبُهم، ولو كانَ في صُورتهِ الأصليَّةِ لَما كانَ بالإمكانِ النظرُ إليهِ أصلاً، ولو جُعِلَ في صورةِ رَجُلٍ لالتَبَسَ عليهمُ الأمرُ وقالوا: ما هذا إلاّ بَشَر، وليس مَلَكاً، ثمَّ يَقولونَ في الرسالةِ ما يَقولونَ في رسالةِ الرسُولِ البَشَريّ.
﴿وَلَقَدِ اسۡتُهۡزِئَ بِرُسُلٖ مِّن قَبۡلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنۡهُم مَّا كَانُواْ بِهِۦ يَسۡتَهۡزِءُونَ﴾ [الأنعام :10]
لقدْ سبقَ لأمثالِ هؤلاءِ الكفّار أنِ استهزَؤوا وتَهكَّموا برسُلٍ مِنْ قبلِكَ كما اسُتهزِئَ بكَ أيُّها النبيّ، فأحاطَ بالمستَهزئينَ منهمْ عقوبةُ استِهزائهمْ بأنبيائهم، التي كانوا يَسخَرونَ منها ولا يُصَدِّقونَها.
﴿قُلۡ سِيرُواْ فِي الۡأَرۡضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيۡفَ كَانَ عَٰقِبَةُ الۡمُكَذِّبِينَ﴾ [الأنعام :11]
قلْ أيُّها النبيُّ لهؤلاءِ المكذِّبينَ المستَهزئين: امشُوا في الأرضِ مُفَكِّرينَ مُعتَبِرينَ مِنْ آثارِ السَّابقينَ وحوادثِهمْ وقَصَصِهم، وما حلَّ بالمكذِّبينَ منهمْ مِنْ عُقوبةٍ جزاءَ كُفرِهمْ وسُخرِيَتِهمْ مِنْ أنبيائهم، معَ ما يَنتَظرُهمْ في الآخِرَةِ مِنْ عَذاب.
﴿قُل لِّمَن مَّا فِي السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِۖ قُل لِّلَّهِۚ كَتَبَ عَلَىٰ نَفۡسِهِ الرَّحۡمَةَۚ لَيَجۡمَعَنَّكُمۡ إِلَىٰ يَوۡمِ الۡقِيَٰمَةِ لَا رَيۡبَ فِيهِۚ الَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ﴾ [الأنعام :12]
قلْ لهمْ أيضاً تَذكيراً وتأنيباً: لمنِ الأرضُ وما فيها مِنْ كائنات: خَلْقاً ومُلْكاً وتَصرُّفاً؟ قلْ لهم: إنَّكمْ إذا فكَّرتُمْ وتَدبَّرتمْ لنَطَقَتْ فِطرَتُكمْ وأدَّى بكمْ عقلُكمْ إلى الاعترافِ بالحقِّ وعدمِ إنكارِه، وأنَّ كلَّ هذا الكونَ للهِ وحدَه.
وقدْ قضَى اللهُ سبحانَهُ على نفسهِ المقدَّسةِ بأنْ يَرحمَ العِباد، ولا يُعَجِّلَ عُقوبتَهم، وأنْ يَقبلَ توبتَهم، إحسَاناً وتفضُّلاً منه، وسَوفَ يَجمعُكمْ جميعاً ليَومٍ لا شكَّ فيه، هوَ يومُ الحِساب، ويومُ الثَّوابِ والعِقاب، والخائبونَ الذينَ خَسِروا أنفسَهمْ في ذلكَ اليومِ همُ الجاحِدونَ المستَهزِؤونَ برسَالاتِ ربِّهمْ في الحياةِ الدُّنيا، المصِرُّونَ على الكفر، المستَكبِرونَ عنْ قَبولِ الحق، الذينَ لا يُصَدِّقونَ بالمَعاد، ولا يَخافونَ سُوءَ ذلكَ اليَومِ وهَوْلَه.
﴿۞وَلَهُۥ مَا سَكَنَ فِي الَّيۡلِ وَالنَّهَارِۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الۡعَلِيمُ﴾ [الأنعام :13]
ولهُ سُبحانَهُ كلُّ ما استقرَّ مِنْ كائن، في السَّماواتِ والأرض، باللَّيلِ والنَّهار، فالجميعُ عبادُه، تحتَ تَدبيرهِ وسُلطانِه، وهوَ السَّميعُ لأقوالِهمْ وأصواتِهم، العليمُ بحركاتِهمْ وأسرارِهم.
﴿قُلۡ أَغَيۡرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيّٗا فَاطِرِ السَّمَٰوَٰتِ وَالۡأَرۡضِ وَهُوَ يُطۡعِمُ وَلَا يُطۡعَمُۗ قُلۡ إِنِّيٓ أُمِرۡتُ أَنۡ أَكُونَ أَوَّلَ مَنۡ أَسۡلَمَۖ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الۡمُشۡرِكِينَ﴾ [الأنعام :14]
قلْ لهمْ أيُّها الرسُولُ الكريم: لا أتَّخذُ غيرَ اللهِ مَعبوداً وناصِراً ومُعيناً، سُبحانَهُ لا شريكَ له، خالقِ السَّماواتِ والأرضِ ومُبدِعِهما، وهوَ يَرزُق ولا يُرْزَق، يَرزُقُ الكائناتِ كلَّها، وهوَ غيرُ محتاجٍ إليها.
قلْ لهمْ كذلك: لقدْ أُمِرْتُ مِنْ قِبَلِ ربِّي عزَّ وجلَّ أنْ أكونَ أوَّلَ مَنْ أسلمَ مِنْ هذهِ الأمَّة، مُتوَجِّهاً إليهِ سُبحانَه، مُخلصاً لهُ دِيني.
وقيلَ لي: ولا تَكوننَّ منَ المشرِكينَ في أمرٍ مِنْ أمورِ الدِّين.
﴿قُلۡ إِنِّيٓ أَخَافُ إِنۡ عَصَيۡتُ رَبِّي عَذَابَ يَوۡمٍ عَظِيمٖ﴾ [الأنعام :15]
قُلْ لهمْ في خَوفٍ وتَضُرُّعٍ إلى ربِّكَ: إنَّني أخافُ ربِّي وأخشَاهُ إذا عَبدتُ غيرَه، وخالَفتُ أمرَهُ ونَهيَه، أنْ أُعَذَّبَ عَذاباً عَظيماً في يومٍ عَظيم، هوَ يومُ القيامَة.
وهوَ صلى اللهُ عليه وسلَّمَ مَعصومٌ منْ هذا، لكنَّهُ تَذكيرٌ ووَعيدٌ للناسِ بغَضَبِ اللهِ وعِقابهِ لمنْ كفرَ وعصَى.
﴿مَّن يُصۡرَفۡ عَنۡهُ يَوۡمَئِذٖ فَقَدۡ رَحِمَهُۥۚ وَذَٰلِكَ الۡفَوۡزُ الۡمُبِينُ﴾ [الأنعام :16]
ومَنْ صَرَفَ اللهُ عنهُ العَذابَ في ذلكَ اليومِ العَصيب، فقدْ رَحِمَهُ رَحمَةً كبيرَة، وذلكَ هوَ النَّجاةُ والفَلاح، والفَوزُ بالسَّعادةِ الدائمَة، في جنَّةِ اللهِ الخالِدَة.
﴿وَإِن يَمۡسَسۡكَ اللَّهُ بِضُرّٖ فَلَا كَاشِفَ لَهُۥٓ إِلَّا هُوَۖ وَإِن يَمۡسَسۡكَ بِخَيۡرٖ فَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ﴾ [الأنعام :17]
وإذا أصابَكَ اللهُ ببَليَّة، كمَرَضٍ وغَرَق، فلا يُفرِّجُها عَنكَ غَيرُه، وإذا أصابَكَ بعافيةٍ ونِعمَة، كصِحَّةٍ وغِنًى، فلا رادَّ لفَضلِه، ولا يَقدِرُ أحدٌ على أنْ يُمسِكَ خيرَهُ عنك، فهوَ القادرُ على كلِّ شَيء، منَ الخيرِ والشرّ، والضرِّ والنَّفع.
﴿وَهُوَ الۡقَاهِرُ فَوۡقَ عِبَادِهِۦۚ وَهُوَ الۡحَكِيمُ الۡخَبِيرُ﴾ [الأنعام :18]
وهوَ القاهِرُ الذي خَضَعتْ لهُ الرِّقاب، الغالِبُ الذي ذَلَّتْ لهُ الجبابِرة، القادِرُ الذي عَنَتْ لهُ الوجوه. وهوَ الحكيمُ في تَدبيرِ الأشياء، المُحسِنُ في تَقديرِها، والعالِمُ بأسرارِ عبادِه، الخبيرُ بما دقَّ مِنْ أحوالِهم.
﴿قُلۡ أَيُّ شَيۡءٍ أَكۡبَرُ شَهَٰدَةٗۖ قُلِ اللَّهُۖ شَهِيدُۢ بَيۡنِي وَبَيۡنَكُمۡۚ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَٰذَا الۡقُرۡءَانُ لِأُنذِرَكُم بِهِۦ وَمَنۢ بَلَغَۚ أَئِنَّكُمۡ لَتَشۡهَدُونَ أَنَّ مَعَ اللَّهِ ءَالِهَةً أُخۡرَىٰۚ قُل لَّآ أَشۡهَدُۚ قُلۡ إِنَّمَا هُوَ إِلَٰهٞ وَٰحِدٞ وَإِنَّنِي بَرِيٓءٞ مِّمَّا تُشۡرِكُونَ﴾ [الأنعام :19]
وإذا عانَدكَ المشرِكونَ وازدادوا استِكباراً وإنكاراً لرسالتِك، فقُلْ لهمْ يا نبيَّ الله: ما هوَ أعظمُ الأشياءِ شهادةً وأصدقُها؟ فقلْ لهمْ أنت: إنَّ أعظمَها وأجلَّها وأصدقَها هوَ شهادةُ الله، فهوَ العالِمُ بما جئتُكمْ به، وهوَ الذي يَشهدُ لي بالحقّ، ولكمْ بالباطِل، وقد أُوحيَ إليَّ هذا القُرآنُ المُعجِزُ منْ قِبَلهِ تعالَى، الذي يَشهدُ بصحَّةِ رِسالتي إليكم، لأُنذِرَكمْ بما فيهِ منَ الوعيد، أنتُمْ ومَنْ بَلَغَهُ القُرآنُ مِنَ الثَّقلينِ حتَّى يومِ القيامَة.
أتَشهَدونَ أيُّها المشرِكونَ أنَّ هناكَ معَ اللهِ آلهةً أخرَى؟ قلْ لهمْ: لا أشهَدُ بهذا ولو شَهِدتُمْ به، فإنَّهُ باطِلٌ لا حقَّ فيه ولا دَليلَ عليه.
وقلْ لهمْ مُقِرّاً بالتوحيدِ والأُلوهيَّةِ لله، مُعَلِّماً إيّاهمْ ذلك: إنَّما اللهُ إلهٌ واحِد، لا شَريكَ لهُ ولا نِدّ، ولا أهلَ لهُ ولا كُفء، ولا مَعبودَ بحقٍّ سِواه، وبذلكَ أشهَد، وأنا بريءٌ مِنْ إشراكِكمْ وما تَعبدُون.
﴿الَّذِينَ ءَاتَيۡنَٰهُمُ الۡكِتَٰبَ يَعۡرِفُونَهُۥ كَمَا يَعۡرِفُونَ أَبۡنَآءَهُمُۘ الَّذِينَ خَسِرُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ فَهُمۡ لَا يُؤۡمِنُونَ﴾ [الأنعام :20]
إنَّ الذينَ آتَيناهمُ الكتابَ منَ اليهودِ والنَّصارَى، يَعرِفونَ النبيَّ محمَّداً صلى الله عليه وسلَّم كما يَعرِفونَ أبناءَهم. ومعرفةُ الابنِ مَثَلٌ يُضْرَبُ بهِ لليَقين، فلا يُشَكُّ في ذلكَ ألبتَّـة. وذلكَ أنَّ الرسُلَ كلَّهمْ بشَّروا بهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ وببِعثَتِه، وبأحوالهِ وأمَّتِه، والذينَ خَابوا وخَسِروا أنفسَهمْ كلَّ الخسارة، همُ المشرِكونَ وأهلُ الكتاب، الذينَ لم يؤمِنوا بما يَجِبُ الإيمانُ به، وهوَ ظاهِرٌ مَعروف، بشَّرَ بهِ الأنبياء، وعَرَفتْهُ الأممُ منذُ القِدَم.