﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ تُلۡقُونَ إِلَيۡهِم بِالۡمَوَدَّةِ وَقَدۡ كَفَرُواْ بِمَا جَآءَكُم مِّنَ الۡحَقِّ يُخۡرِجُونَ الرَّسُولَ وَإِيَّاكُمۡ أَن تُؤۡمِنُواْ بِاللَّهِ رَبِّكُمۡ إِن كُنتُمۡ خَرَجۡتُمۡ جِهَٰدٗا فِي سَبِيلِي وَابۡتِغَآءَ مَرۡضَاتِيۚ تُسِرُّونَ إِلَيۡهِم بِالۡمَوَدَّةِ وَأَنَا۠ أَعۡلَمُ بِمَآ أَخۡفَيۡتُمۡ وَمَآ أَعۡلَنتُمۡۚ وَمَن يَفۡعَلۡهُ مِنكُمۡ فَقَدۡ ضَلَّ سَوَآءَ السَّبِيلِ﴾ [الممتحنة:1]
لمَّا عزَمَ رسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على فَتحِ مكَّة، عَمَدَ الصَّحابيُّ حاطِبُ بنُ أبي بَلتَعةَ فكتبَ كتابًا إلى بَعضِ المُشرِكينَ يُخبِرُهمْ ببَعضِ أمرِ رسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، وأرسلَهُ معَ امرأة، فأُخْبِرَ عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ بذلكَ وَحيًا، فبَعثَ عليًّا والزُّبَيرَ والمِقدادَ رَضيَ اللهُ عَنهمْ ليَأخُذوهُ منها، ثمَّ بعثَ إلى حاطِبٍ يَسألُهُ عنْ سبَبِ ما فَعلَه، فذكرَ أنَّهُ كانَ لخَوفٍ على قَراباتِهِ بمكَّة، ليتَّخِذَ عندَ المشرِكينَ يَدًا بذلك، فلا يُؤذُونَهم، وليسَ رِضًى بالكُفر. فنزَلَتِ الآيَة.
أيُّها المؤمِنون، لا تتَّخِذوا عَدوِّي وعدوَّكمْ مِنَ الكافِرينَ أصدِقاءَ تُوالُونَهم، تَمُدُّونَ إليهمْ يدَ المحبَّةِ والتَّقارُب، وقدْ كفَروا بالقُرآنِ المُوحَى بهِ مِنْ عندِ الله، يُخرِجونَ الرسُولَ وإيَّاكمْ مِنْ بينِ أظهُرِهم، لا لشَيءٍ إلاّ لإيمانِكمْ بربِّكمْ وإخلاصِكمُ العِبادَةَ لهُ وَحدَه، فلا تتَّخِذوهمْ أصدِقاءَ إنْ كنتُمْ خرَجتُمْ مُجاهِدينَ في سَبيلي تَبتَغونَ مَرضاتي، تُشعِرونَهمْ بالمَودَّةِ سِرًّا وأنا أعلَمُ بما أخفَيتُموهُ في صُدورِكمْ وما أظهَرتُموهُ بألسِنَتِكم، ومَنْ يَفعَلْ ذلكَ منكمْ فقدْ أخطأَ طَريقَ الهُدَى وانحرَفَ عنِ الصَّواب.
﴿إِن يَثۡقَفُوكُمۡ يَكُونُواْ لَكُمۡ أَعۡدَآءٗ وَيَبۡسُطُوٓاْ إِلَيۡكُمۡ أَيۡدِيَهُمۡ وَأَلۡسِنَتَهُم بِالسُّوٓءِ وَوَدُّواْ لَوۡ تَكۡفُرُونَ﴾ [الممتحنة:2]
إنَّهمْ إنْ يَظفَروا بكمْ يُبرِزوا لكمْ عَداوتَهمْ وحِقدَهم، ويَقتُلوكمْ ويأسِروكمْ ويَشتُموكم، وأحَبُّوا أنْ تَرتَدُّوا إلى الكُفرِ ولا تَنالوا خَيرًا.
﴿لَن تَنفَعَكُمۡ أَرۡحَامُكُمۡ وَلَآ أَوۡلَٰدُكُمۡۚ يَوۡمَ الۡقِيَٰمَةِ يَفۡصِلُ بَيۡنَكُمۡۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٞ﴾ [الممتحنة:3]
لنْ يَنفعَكمْ أقارِبُكمْ ولا أولادُكمُ الذينَ تُوالُونَ المشرِكينَ لأجلِهمْ إذا أرادَ اللهُ بكمْ سُوءًا يَومَ القِيامَة، ويُفَرِّقُ اللهُ يَومَئذٍ بينَكم، لِما يَكونُ مِنَ الشَّدائدِ والأهوال {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ. وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ. وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [سورة عبس: 34-36]. واللهُ عالِمٌ بأحوالِكم، بَصيرٌ بأعمالِكم، وسَوفَ تُسألونَ عَنها.
﴿قَدۡ كَانَتۡ لَكُمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ فِيٓ إِبۡرَٰهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُۥٓ إِذۡ قَالُواْ لِقَوۡمِهِمۡ إِنَّا بُرَءَـٰٓؤُاْ مِنكُمۡ وَمِمَّا تَعۡبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرۡنَا بِكُمۡ وَبَدَا بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمُ الۡعَدَٰوَةُ وَالۡبَغۡضَآءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤۡمِنُواْ بِاللَّهِ وَحۡدَهُۥٓ إِلَّا قَوۡلَ إِبۡرَٰهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسۡتَغۡفِرَنَّ لَكَ وَمَآ أَمۡلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيۡءٖۖ رَّبَّنَا عَلَيۡكَ تَوَكَّلۡنَا وَإِلَيۡكَ أَنَبۡنَا وَإِلَيۡكَ الۡمَصِيرُ﴾ [الممتحنة:4]
لقدْ كانَ لكمْ قُدوَةٌ حسنَةٌ في نَبيِّ اللهِ إبراهيمَ وأتباعِهِ المؤمِنين، إذْ قالوا لقَومِهمُ المُشرِكين: تَبرَّأنا منكمْ ومِنَ الأصْنامِ والكَواكبِ التي تَعبُدونَها مِنْ دونِ الله، كفَرنا بدينِكمْ وأنكَرنا طَريقتَكم، وقدْ وجبَتِ العَداوَةُ والبَغضاءُ بينَنا وبينَكمْ ما دُمتُمْ على كُفرِكم، حتَّى تُوَحِّدوا اللهَ وتَعبُدوهُ وَحدَهُ لا شَريكَ له، إلاَّ ما جاءَ مِنْ قَولِ إبراهيمَ لأبيهِ الكَافِر: سأستَغفِرُ لك، ولا أملِكُ سِوَى الدُّعاءِ لك، ولا أقدِرُ على رَدِّ عَذابِ اللهِ عنكَ إنْ عصَيتَهُ وأشرَكتَ به.
وقالَ هوَ والمؤمِنونَ معَهُ مُتبَرِّئينَ مِنْ قَومِهمُ الكافِرين، مُفَوِّضينَ أمرَهمْ إلى رَبِّهم: اللهمَّ إنَّنا اعتمَدنا عَليك، وإليكَ رجَعنا في أُمورِنا كُلِّها، ومَرجِعُنا إليكَ في يَومِ القِيامَة.
وقَصدُ إبراهيمَ مِنَ الاستِغفارِ لأبيهِ هوَ طلبُ الهِدايَةِ له، ويَجوزُ هذا مادامَ الأبُ على قَيدِ الحياة، ولا يَجوزُ الاستِغفارُ لهُ بعدَ مَوتِهِ إذا ماتَ على الكُفر، وقدْ تبرَّأَ إبراهيمُ مِنْ أبيهِ بعدَ مَوتِهِ كافِراً ولم يَستَغفِرْ له، قالَ اللهُ تَعالَى: {وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلاَّ عَن مَّوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأوَّاهٌ حَلِيمٌ} [سورة التوبة:114].
﴿رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةٗ لِّلَّذِينَ كَفَرُواْ وَاغۡفِرۡ لَنَا رَبَّنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ الۡعَزِيزُ الۡحَكِيمُ﴾ [الممتحنة:5]
اللهمَّ لا تُعَذِّبْنا بأيدِي الكافِرين، ولا تُسَلِّطْهمْ عَلينا فيَغلِبونا، واغفِرْ لنا ذُنوبَنا، واعْفُ عنَّا بعَفوِك، إنَّكَ أنتَ العَزيزُ الغالِب، الذي لا يَذِلُّ مَنِ التَجأَ إليه، الحَكيمُ الذي لا يَفعَلُ إلاّ ما فيهِ حِكمةٌ ومَصلحَة.
﴿لَقَدۡ كَانَ لَكُمۡ فِيهِمۡ أُسۡوَةٌ حَسَنَةٞ لِّمَن كَانَ يَرۡجُواْ اللَّهَ وَالۡيَوۡمَ الۡأٓخِرَۚ وَمَن يَتَوَلَّ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الۡغَنِيُّ الۡحَمِيدُ﴾ [الممتحنة:6]
لقدْ كانَ لكمْ في إبراهيمَ وصَحبِهِ المؤمِنينَ قُدوَةٌ حسَنة، ومِنهَجٌ نافِعٌ مُبارَك، في التبَرُّءِ مِنَ الكُفرِ وأهلِه، لمَنْ كانَ يَرجو الثَّوابَ مِنْ عندِ الله، والنَّعيمَ في الآخِرَة. ومَنْ يُعرِضْ عمَّا أمَرْنا بهِ مِنَ الإيمَان، وعدَمِ المُوالاةِ للكافِرين، فإنَّ اللهَ غَنيٌّ عنْ طاعَتِهم، وعنْ طاعَةِ الخَلقِ أجمَعين، مَحمودٌ في أقوالِهِ وأفعالِه.
﴿۞عَسَى اللَّهُ أَن يَجۡعَلَ بَيۡنَكُمۡ وَبَيۡنَ الَّذِينَ عَادَيۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّةٗۚ وَاللَّهُ قَدِيرٞۚ وَاللَّهُ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾ [الممتحنة:7]
عسَى اللهُ أنْ يَجعلَ بينَكمْ وبينَ أقاربِكمُ المشرِكينَ مَحبَّةً بعدَ العَداوَةِ والبُغض، وأُلفَةً بعدَ الفُرقَةِ والبُعد، واللهُ قادِرٌ على تَغييرِ الأحوَالِ وتَسهيلِ أسبَابِ الموَدَّة، واللهُ يَغفِرُ لمَنْ تَاب، ويَرحَمُ مَنْ آمنَ وأطَاع.
وقدْ أنجزَ اللهُ وَعدَهُ الكريم، فأسلمَتْ قُرَيشٌ بعدَ فَتحِ مكَّة.
﴿لَّا يَنۡهَىٰكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمۡ يُقَٰتِلُوكُمۡ فِي الدِّينِ وَلَمۡ يُخۡرِجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ أَن تَبَرُّوهُمۡ وَتُقۡسِطُوٓاْ إِلَيۡهِمۡۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الۡمُقۡسِطِينَ﴾ [الممتحنة:8]
إنَّ اللهَ لا يَمنَعُكمْ مِنَ البِرِّ والإحسَانِ إلى الكافِرينَ الذينَ لم يُقاتِلوكمْ في الدِّين، ولم يُجلُوكمْ مِنْ ديارِكم، فلا بأسَ أنْ تُحسِنوا إليهم، وتَعدِلوا فيهم، واللهُ يُحِبُّ الذينَ يَعدِلونَ في حُكمِهمْ وأهاليهمْ وما وَلُوا.
﴿إِنَّمَا يَنۡهَىٰكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَٰتَلُوكُمۡ فِي الدِّينِ وَأَخۡرَجُوكُم مِّن دِيَٰرِكُمۡ وَظَٰهَرُواْ عَلَىٰٓ إِخۡرَاجِكُمۡ أَن تَوَلَّوۡهُمۡۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمۡ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ الظَّـٰلِمُونَ﴾ [الممتحنة:9]
إنَّما يَنهاكمُ اللهُ عنْ مُوالاةِ أعدَائكمُ الذينَ قاتَلوكمْ لإسلامِكم، وأخرَجوكمْ مِنْ ديارِكم، وساعَدوا أعداءَكمْ على إخراجِكمْ منها، ومَنْ يُعاونْهُمْ ويتَّخِذْهُمْ أصدِقاء، فأولئكَ الذينَ تَجاوَزوا الحدّ، وعرَّضوا أنفُسَهمْ للعَذاب.
﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِذَا جَآءَكُمُ الۡمُؤۡمِنَٰتُ مُهَٰجِرَٰتٖ فَامۡتَحِنُوهُنَّۖ اللَّهُ أَعۡلَمُ بِإِيمَٰنِهِنَّۖ فَإِنۡ عَلِمۡتُمُوهُنَّ مُؤۡمِنَٰتٖ فَلَا تَرۡجِعُوهُنَّ إِلَى الۡكُفَّارِۖ لَا هُنَّ حِلّٞ لَّهُمۡ وَلَا هُمۡ يَحِلُّونَ لَهُنَّۖ وَءَاتُوهُم مَّآ أَنفَقُواْۚ وَلَا جُنَاحَ عَلَيۡكُمۡ أَن تَنكِحُوهُنَّ إِذَآ ءَاتَيۡتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۚ وَلَا تُمۡسِكُواْ بِعِصَمِ الۡكَوَافِرِ وَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقۡتُمۡ وَلۡيَسۡـَٔلُواْ مَآ أَنفَقُواْۚ ذَٰلِكُمۡ حُكۡمُ اللَّهِ يَحۡكُمُ بَيۡنَكُمۡۖ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ﴾ [الممتحنة:10]
كانَ مِنْ بُنودِ صُلحِ الحُدَيبيَة، أنَّ مَنْ أتَى رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ أهلِ مكَّة، وإنْ كانَ مُسلِمًا، ردَّهُ إليهم، فنَزلَتِ الآيةُ باستِثناءِ النِّساءِ مِنْ ذلك، إذا كانتْ هِجرَتُهنَّ عنْ إيمَانٍ حقًّا.
أيُّها المؤمِنون، إذا جاءَكمُ المؤمِناتُ - ظاهِرًا - مُهاجِراتٍ مِنْ دارِ الكُفرِ إلى دارِ الإسْلام، فاختَبِروهنّ، واسألوهُنَّ ما جاءَ بهنّ؟ فإذا كانَ خُروجُهنَّ رَغبةً في الإسْلامِ وحُبًّا للهِ ورسُولِه، وغلبَ على ظنِّكمْ صِدقُهنّ، واللهُ أعلَمُ منكمْ بإيمَانِهنَّ وصِدقِهنَّ في ذلك، فلا تُعيدوهنَّ إلى أزواجِهنَّ الكفَّار، فإنَّهُ لا يَحِلُّ لهنَّ الزَّواجُ بالمشرِكين، ولا يَحِلُّ للمشرِكينَ الزَّواجُ بهنّ. قالَ في "روحِ المَعاني": الجُملةُ الأُولَى لبيانِ الفُرقَةِ الثَّابتةِ وتَحقُّقِ زَوالِ النِّكاحِ الأوَّل، والثَّانيةُ لبيانِ امتِناعِ ما يُستأنَفُ ويُستَقبَلُ مِنَ النِّكاح. اهـ.
قالَ ابنُ كثيرٍ رَحِمَهُ الله: هذهِ الآيةُ هيَ التي حرَّمَتِ المُسلِماتِ على المشرِكين، وقدْ كانَ جائزًا في ابتِداءِ الإسلامِ أنْ يَتزَوَّجَ المُشرِكُ المؤمِنة. اهـ.
وأعطُوا أزواجَهنَّ الكفَّارَ ما دفَعوا إليهنَّ مِنَ المُهور، ولا حَرجَ عَليكمْ أنْ تَتزوَّجوا بهنَّ - في حالِ إسلامِهنَّ- إذا أعطَيتُموهنَّ مُهورَهنَّ. ولا يَحِلُّ لكمْ أنْ تَنكِحوا الكافِرات، ولا أنْ تَستَمِرُّوا في الزوَاجِ معَهنّ. واطلُبوا - مَعشرَ المؤمِنينَ - مِنَ الكفَّارِ مُهورَ زَوجاتِكمُ المشرِكاتِ اللَّاحِقاتِ بهم، وليَطلُبِ الكفَّارُ منكمْ مُهورَ زَوجاتِهمُ اللَّائي أسلَمْنَ ولَحِقْنَ بكم. وما ذُكِرَ هوَ أمرُ اللهِ وحُكمُهُ الذي قضَاهُ بينَكم، فاتَّبِعوه، واللهُ عَليمٌ بما يُصلِحُكم، حَكيمٌ فيما يَقضي ويُقَدِّر.
﴿وَإِن فَاتَكُمۡ شَيۡءٞ مِّنۡ أَزۡوَٰجِكُمۡ إِلَى الۡكُفَّارِ فَعَاقَبۡتُمۡ فَـَٔاتُواْ الَّذِينَ ذَهَبَتۡ أَزۡوَٰجُهُم مِّثۡلَ مَآ أَنفَقُواْۚ وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِيٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ﴾ [الممتحنة:11]
وإذا فرَّتْ إحدَى زَوجاتِكمْ إلى الكفَّارِ أيُّها المؤمِنون، فلَحِقْنَ بهمْ مُرتدَّات، وامتنَعوا مِنْ رَدِّ حقِّكمُ الذي عَليهنّ، ثمَّ غزَوتُم، وكانتِ العاقبةُ لكمْ فغَنِمتُم، عوَّضَكمُ الإمامُ ما فاتَكمْ مِنْ حقِّكمْ عَليهنَّ مِنَ الغَنيمَة. وأطيعوا اللهَ ولا تُخالِفوا أمرَهُ وقدْ آمَنتُمْ به، فالإيمَانُ يَقتَضي الطَّاعَةَ والامتِثال.
﴿يَـٰٓأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَآءَكَ الۡمُؤۡمِنَٰتُ يُبَايِعۡنَكَ عَلَىٰٓ أَن لَّا يُشۡرِكۡنَ بِاللَّهِ شَيۡـٔٗا وَلَا يَسۡرِقۡنَ وَلَا يَزۡنِينَ وَلَا يَقۡتُلۡنَ أَوۡلَٰدَهُنَّ وَلَا يَأۡتِينَ بِبُهۡتَٰنٖ يَفۡتَرِينَهُۥ بَيۡنَ أَيۡدِيهِنَّ وَأَرۡجُلِهِنَّ وَلَا يَعۡصِينَكَ فِي مَعۡرُوفٖ فَبَايِعۡهُنَّ وَاسۡتَغۡفِرۡ لَهُنَّ اللَّهَۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ﴾ [الممتحنة:12]
أيُّها النبيُّ الكَريم، إذا جاءَكَ المؤمِناتُ بقَصدِ المُبايعَةِ على الإسْلام، على أنْ يُوَحِّدْنَ اللهَ تَعالَى في العِبادَة، فلا يُشرِكنَ بهِ شَيئًا مِنَ الأشياء، ولا يَسرِقْنَ مِنْ أموالِ النَّاس، ولا يَرتَكِبْنَ فاحِشَةَ الزِّنا، ولا يَقتُلْنَ أولادَهنَّ، كما كانَ يُفْعَلُ في الجاهليَّةِ مِنْ وَأدِ البَنات، خَوفًا مِنَ الفَقر، أو خَوفًا مِنْ أنْ يُعيَّروا بالبَنات. قالَ ابنُ كثير: "ويَعُمُّ قَتلَهُ وهوَ جَنين، كما قدْ يَفعَلُهُ بَعضُ الجهلَةِ مِنَ النِّساء"، يَعني الإجهَاض، الذي اتَّفقَ العُلَماءُ على تَحريمِهِ دونَ عُذرٍ بعدَ الشَّهرِ الرَّابع، حيثُ يُنفَخُ فيهِ الرُّوح، وهوَ جِنايَةٌ تُوجِبُ غُرَّة، وهيَ دِيَةُ الجَنين: عَبدٌ أو أَمَة، فإنْ لم يوجَدا فعُشرُ دِيَةِ الأُمّ، ودِيَتُها خَمسونَ منَ الإِبِل.
وعلى ألاّ يُلحِقْنَ بأزواجِهمْ غَيرَ أولادِهم. وفي الحديثِ المرفوعِ الذي رَواهُ ابنُ حِبَّانَ في صَحيحِه: "أيُّما امرأةٍ أدخلَتْ على قَومٍ مَنْ ليسَ منهم، فليسَتْ مِنَ اللهِ في شَيء، ولنْ يُدخِلَها اللهُ جنَّتَه".
وألاَّ يَعصِينَكَ فيمَا تأمرُهنَّ بهِ مِنْ مَعروف، وتَنهاهُنَّ عنْ مُنكَر.
قالَ في "روحِ المعاني": والتَّقييدُ بـ "المَعروفِ" معَ أنَّ الرسُولَ صلى الله عليه وسلم لا يأمرُ إلاّ به، للتَّنبيهِ على أنَّهُ لا يَجوزُ طاعَةُ مَخلوقٍ في مَعصيَةِ الخالق، ويُرَدُّ بهِ على مَنْ زعمَ مِنَ الجهلَةِ أنَّ طاعةَ وليِّ الأمرِ لازِمَةٌ مُطلقًا! اهـ.
فإذا التزَمْنَ بتلكَ الشُّروط، فاقبَلْ مُبايَعتَهنّ، ولهنَّ الثَّوابُ على الوَفاءِ بها. واطلُبِ المَغفِرَةَ لهنّ، واللهُ كثيرُ الغُفرانِ لذُنوبِ عِبادِهِ التَّائبين، رَحيمٌ بالمؤمِنينَ منهم.
وقدْ ثبتَ في الصَّحيحِ أنَّ رسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم كانَ يُبايعُهنَّ كلامًا، "ما مَسَّتْ يَدُهُ يَدَ امرأةٍ قَطُّ في المُبايعَة". رواهُ البُخاريُّ وغَيرُه.
﴿يَـٰٓأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَوَلَّوۡاْ قَوۡمًا غَضِبَ اللَّهُ عَلَيۡهِمۡ قَدۡ يَئِسُواْ مِنَ الۡأٓخِرَةِ كَمَا يَئِسَ الۡكُفَّارُ مِنۡ أَصۡحَٰبِ الۡقُبُورِ﴾ [الممتحنة:13]
أيُّها المؤمِنون، لا تُوَالُوا الكفَّارَ عامَّة، واليَهودَ خاصَّة، الذينَ غَضِبَ اللهُ عَليهمْ ولعنَهم، وكيفَ تَتَّخِذونَهمْ أصدِقاءَ وهمْ يُخالِفونَكمْ في العَقيدَة، وقدْ يَئسُوا مِنْ خَيرِ الآخِرَةِ وثَوابِها - في حُكمِ اللهِ - لكفرِهمْ بنبوَّةِ الرسُولَ صلى الله عليه وسلم {الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ} [سورة الأعراف: 157]، كما يَئسَ الأموَاتُ الكفَّارُ مِنَ الثَّوابِ وقدْ وقَفوا على حَقيقَةِ الأمر، وعَلِموا حِرمانَهمْ مِنَ الجنَّةِ ونَعيمِها.